Wednesday, October 31, 2012

إعصار 14 آذار» .. وهمي

«ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر،
ولكنه الذي يعرف خير الشرّين».
عمرو بن العاص

منذ اغتيال اللواء وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، قبل أسبوعين في الأشرفية، والمعارضة تحاول خلق أجواء تنذر بجريمة سياسية تتعدى الاستهداف الشخصي لمسؤول أمني كبير، إلى إشعال فتنة مذهبية قد لا تقتصر على مواجهة سنية ـ شيعية، بل تتعداها إلى إشراك مسيحيي 14 آذار في الصراع الذي ترفضه الكنيسة بشدة، وهي التي تحاول منذ انتخابات البطريرك مار بشارة بطرس الراعي رأساً لها رأب الصدع مع المكونات الأخرى، بفعل السياسات الخاطئة التي اتخذت في العقود الأربعة الماضية ووضعت فريقاً من المسيحيين في مواجهة المكوّن السني الذي يسعى اليوم إلى جعلهم الآن رأس حربة في «التصدي» للمكون الشيعي ومعه المقاومة وفريق مسيحي حليف مشارك في الحكم، وله وزنه في القرار السياسي.
وكان واضحاً هذا الواقع من خلال الصورة التي ظهر بها الرئيس فؤاد السنيورة في «بيت الوسط» الثلثاء الماضي خلال إعلانه الوثيقة السياسية لقوى 14 آذار، وإلى يمينه الرئيس أمين الجميل الذي كان «شارداً» طوال الوقت. وربما ذهب بعيداً في شريط ذكريات امتد من خمسينيات القرن الماضي إلى اليوم. وإلى يساره الدكتور سمير جعجع الذي كان غارقاً في تأمل عميق أين منه عمق ظلمة الزنزانة التي احتُجز فيها 11 عاماً، وظللتها ذكريات المواجهات مع السوري والفلسطيني وحليفهما المكوّن الذي كان السنيورة ينطق باسمه.
ورغم التوصيفات الكثيرة التي أُعطيت للوثيقة التي تلاها السنيورة وأعلن فيها إعصاراً على الحكومة والمقاومة والشراكة والحوار، قاطعاً الجسور مع الفريق الآخر، وغير موفّر رئيس الجمهورية من خلال رفض 14 آذار لأي حوار وطني قبل استقالة الحكومة، فإن سؤالاً كبيراً طرح نفسه أول من أمس، اثر فراغ السنيورة من تلاوة الوثيقة هو: من المستفيد من هذا الإعصار الوهمي الذي أطلقه السنيورة مهدداً باجتياح الحكم، وتعطيل الحياة السياسية، وعرقلة النشاط الدستوري، والتحريض على المقاومة في تنفيذ متأخر للقرار الدولي 1559 الذي وصفه النائب وليد جنبلاط بأنه كارثة الكوارث؟
ربما كان أبسط جواب يُعطى عن هذا السؤال، تماماً كما في الأجوبة حول من المستفيد من الجرائم عموماً، هو أن المستفيد الأول هو العامل منذ سنوات على خط الفتنة المذهبية التي عطّلها الفريق المقاوم المُستهدَف، واستطراداً العدو الذي لا يريد للعيش المشترك ان يكون رسالة إلى العالم بأن المسيحية والإسلام يمكن ان يتعايشا، وان لا مكان للدولة ذات الهوية الدينية سواء أكانت مسيحية أم إسلامية أم يهودية.
وبدا مسيحيو 14 آذار وكأنهم شهود زور حول الطاولة التي تصدرها السنيورة في بيت الوسط، زعيماً بالوكالة. وكانوا مثل صحون «مازة» حول الطاولة التي كانت أطباقها الرئيسية «زرقاء»، تحوطها أطباق الفستق... الشهية، المشهد الذي لا يروق كثيراً للبطريرك الماروني الذي جعل شعار حبريته «الشراكة والمحبة».
لقد أظهر هذا الفريق حقده على المقاومة التي عمل «التيار الأزرق» طوال ثلاث سنوات على محاولة تفكيك الحلف المقدس بين الشعب والجيش والمقاومة الذي سبق لحكومة السنيورة ان كانت أول من تبنّاه، بدعوته إلى «إنهاء كل مفاعيل التلطي وراء كلمة المقاومة»، بداعي ان «حزب الله» «يتهرب من دفع الرسوم الجمركية والضرائب (...) ويقفز فوق القوانين في كل المجالات».
وبدا هذا الفريق كأنه ممتعض من عدم إقدام إسرائيل على «مهاجمة لبنان رداً على طائرة أيوب» التي أرسلها «حزب الله» لتحلّق فوق مفاعل «ديمونا» النووي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، متهماً الحكومة بأنها حالت دون ذلك بـ«سكوتها وتغطيتها إرسال «حزب الله» طائرة إيرانية من دون طيار (إلى أين؟) خارج إرادة اللبنانيين، وهي تغطي استئثار الحزب بقرار الحرب والسلم».
وربما أراد فريق 14 آذار الإيحاء بأن «الشراكة الوطنية» لا تزال قائمة، لكنها في خطر ان ينسفها «حزب الله»، متجاهلاً دعوات البطريرك الماروني إلى إقامة عقد اجتماعي جديد من أجل ترميم الشراكة الوطنية التي تأذت وأفقدت اللبنانيين ثقتهم ببعضهم البعض.
وربما كان أبلغ رد على طروحات السنيورة وآذارييه الذين رفضوا المشاركة في الحوار قبل استقالة الحكومة ما قاله الرئيس ميشال سليمان قبل مدة: «ان الشراكة الوطنية وميثاق العيش المشترك ليسا فقط حضور المسلم والمسيحي في الدولة سياسياً وإدارياً، إنما يفرضان أيضاً اعتماد الخطاب الوطني المسؤول».
أما الراعي صاحب الدعوات المتكررة إلى الشراكة والمحبة والحوار فقد فتح حواراً مع «حزب الله» في إطار من «الحقيقة والموضوعية» حول ثلاث نقاط هي:
ـ كيان لبنان كدولة، الميثاق الوطني وحياد لبنان.
وقال: «لا يجوز ان تتحول الاتهامات بين 8 و14 آذار إلى عداء بين الطرفين، ومن دون الحوار يصبح هناك عداء بين اللبنانيين، وهذا ما لا نريده (...) والمقاومة في لبنان عمرها 36 سنة وليست ابنة البارحة، علماً ان المسيحي حاول ان يعيش وحده وكذلك المسلم، ولكن هذه المعادلة لم تنجح لتحل مكان العيش المشترك».
وناشد في المطار في يوم إعلان الوثيقة، فريق 14 آذار «التحلي بالهدوء وتلبية دعوة رئيس الجمهورية إلى الحوار»، رافضاً مقاطعة الحكومة أو إسقاطها في الشارع لأن «البلد رايح إلى الخراب اقتصادياً».
اننا أمام طائرة بدون طيار تائهة في الفضاء، وقد رفض كثيرون الصعود عليها.
edmond@edmondsaab.com

No comments:

Post a Comment