Wednesday, October 24, 2012




«إن مصلحة لبنان العليا لا يمكن أن تستقيم
إذا بقي بيننا من يراهن على تطورات يمكن أن تتيح له
الالتفاف على سوريا واتخاذ لبنان متكأً لإضعافها».
رفيق الحريري
(
من خطاب الجامعة الأميركية في 13/7/92)

لم يكد يمضي أسبوع على تحذير الأخضر الإبراهيمي، الموفد العربي والدولي إلى سوريا، من أن الأزمة «لا يمكن ان تبقى داخل الحدود السورية إلى الأبد. فإما أن تُعالج، أو ان تتوسّع وتأكل الأخضر واليابس».
أجل، لم يكد يمضي أسبوع على قول الأخضر هذا الكلام الواقعي من بيروت، حتى انفجرت هذه بعبوة قاتلة داخل سيارة بعد ظهر الجمعة الماضي في أحد الأحياء الداخلية في الأشرفية أودت بحياة رجل أمن كبير هو اللواء وسام الحسن، ومرافقه المؤهل أحمد صهيوني، إضافة إلى ضحية مدنية وعشرات الجرحى، فضلاً عن تضرر عدد من المباني واحتراق وتدمير عدد من السيارات.
أصيبت البلاد، جرّاء ذلك، بصدمة موجعة جعلت كثيراً من السياسيين يفقدون صوابهم ويوزعون الاتهامات يميناً ويساراً، ومعظمها كان موجهاً إلى سوريا. ولم تشذ بعبدا عن هذا الاستعجال في الاستنتاج، مستبقة التحقيق واستنتاجات القضاء.
وحين انطلقت الدعوات إلى التعقل والتروي وعدم التسرع في الاستنتاج، خصوصاً بعدما انتشرت الفوضى في شوارع بيروت وطرابلس وسواهما، ونزل مسلحون إليها وراحوا يطلقون الرصاص ويقطعون الطرق بالإطارات المشتعلة، عضّ المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، على جرحه، وكتم وجعه، وهو الأقرب إلى الشهيد الحسن، وبدا كأنه ينصح الرئيس سليمان بعدم الاستعجال من أجل المحافظة على حرمة الشهادة، وإعطاء الرجل حقه كـ«صانع للأمن» في لبنان، وقد طرح مروحة من الفرضيات الأمنية والسياسية لاستهداف الحسن، أبرزها أربع هي:
ـ أن يكون الاغتيال رداً على توقيف النائب والوزير السابق ميشال سماحة.
ـ أن يكون هناك «طابور خامس» يهدف إلى إحداث فتنة وكشف البلد أمنياً.
ـ ان يكون الاغتيال رداً على كشف الحسن أكثر من 36 شبكة تجسس إسرائيلية في لبنان، إضافة إلى إبلاغ سوريا عن وجود 17 عميلاً لإسرائيل بين عسكرّييها.
ـ ان يكون رداً على كشف عدد كبير من الشبكات الإرهابية أبرزها «القاعدة» و«فتح الإسلام».
ولأن لبنان لا يخلو من العقلاء، خصوصاً في أوقات الشدة، انطلق صوت النائب وليد جنبلاط بالدعوة إلى «حكومة شراكة وطنية لإنقاذ البلاد من الوضع الراهن شرط حصول توافق جماعي محلي وإقليمي على ذلك»، يُضاف إليه دعم دولي ظهر أخيراً من خلال مواقف الاتحاد الأوروبي والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
وجاء هذا الموقف الدولي الداعم للبنان في مواجهة أسلوب 14 آذار في التعامل مع الحكومة في ضوء تداعيات التفجير الذي أودى باللواء وسام الحسن، والمطالبة باستقالتها، وفي حال رفض الرئيس نجيب ميقاتي الاستقالة، العمل لإسقاطه مع حكومته بإثارة الفوضى والعصيان في الشارع، أو من خلال الهجوم الفاشل على السرايا.
أضيف إلى ذلك موقف يائس اتخذته كتلة نواب 14 آذار ويقضي بمقاطعة أي اجتماعات في مجلس النواب، سواء حضرتها الحكومة أو لم تحضرها، إلى حين استقالة الرئيس ميقاتي وحكومته المتهمة من 14 آذار بـ«تغطية القتلة والمجرمين».
ولأن جنبلاط هو «ابن التاريخ»، فإن مطالبته بـ«حكومة شراكة وطنية» تحظى بتوافق داخلي وإقليمي ودولي، ترجمته الاندفاعة الأوروبية والدولية في اتجاه لبنان.
ولم ينس جنبلاط أن لبنان موضوع تحت الوصاية الدولية منذ أحداث العام 1860 في الجبل، إثر المذابح والاقتتال بين الموارنة والدروز. وقد تدخّل قناصل الدول الكبرى آنذاك: النمسا (كبكر)، وفرنسا (بكلار)، وانكلترا (دوفرين)، وروسيا (نوفيكوف)، وبروسيا (روهفوس)، واجتمعوا إلى ممثل الباب العالي فؤاد باشا، وصاغوا معاً ما عُرف بـ«النظام الأساسي» لما عُرف بحكم المتصرفية التي وليّ عليها حاكم مسيحي، أجنبي الهوية، دُعي متصرّفاً يعاونه مجلس إدارة من 12 عضواً موزعين بالتساوي على الطوائف الست المعترف بها آنذاك وهي: الموارنة، الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، السنة، الشيعة والدروز.
واستمر هذا النظام قائماً حتى انهيار الحكم العثماني، فإعلان دولة لبنان الكبير العام 1920. ومن أهم انجازات هذا النظام انه أوقف القتل والذبح على الهوية في الجبل!
واليوم عندما يأتي سفراء الدول الكبرى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى بعبدا التي كانت سابقاً مقراً لمجلس الإدارة، معربين عن «تضامنهم مع لبنان خلال هذه الفترة الصعبة، داعين جميع الأطراف في لبنان إلى المحافظة على الوحدة الوطنية».
وكان السفراء واضحين في موقفهم الذي أوحى إلى اللبنانيين كأن حكم بلدهم انتقل إلى نوع من «الإدارة الدولية»، وأن عليهم ان يطمئنوا إلى مستقبله.
قال السفراء في بيانهم: «إن ما يهمنا هو الاستقرار وديمومة عمل المؤسسات الرسمية». فهل يدرك الرئيس سليمان ثقل المسؤولية التي ألقاها المجتمع الدولي على عاتقه، فيسعى إلى ترميم علاقته المأزومة، بتكتم، مع فريق الأكثرية غير الوسطي، منذ خطاب عيد الجيش حتى غمزه القناة السورية في اغتيال اللواء وسام الحسن مستبقاً التحقيق ومتدخلاً في شؤون القضاء. وكان خالفهما سابقاً باستقباله الحسن بعد توقيف ميشال سماحة؟
وهل لاحظ كيف أن «الضحية» التي قدّمها مجاناً إلى فريق 14 آذار، خلال تشييع الحسن، لم تلق تجاوباً منه بدليل إصرار هذا الفريق على مقاطعة الحوار الذي يحاول سليمان تقريب موعده، وتعطيل الدولة بالامتناع عن حضور اجتماعات اللجان في مجلس النواب.
إنها لفرصة تاريخية أمام سليمان لـ«تحرير» لبنان ووضعه على طريق الاستقلال.
edmond@edmondsaab.com

No comments:

Post a Comment