Wednesday, October 10, 2012


دعوا روح تويني ترقــد بســلام

سئل جعفر بن محمد عن السافِل، فقال:
«
إنه من لا يُبالي بما قال، ولا بما قيل فيه».

ثمة رجال تحضنهم أقدارهم، فتقربهم من الأولياء، وحتى القديسين، فيتحولون إيقونات تعلّق على الصدور، وتعشقها القلوب. ومن هؤلاء الشهيد جبران تويني الذي تبع قدره إلى رحاب الوحدة فأقسم بأن يقف حياته من أجلها، رافعاً الصوت عالياً في 14 آذار 2005، بـ«ساحة الحرية»، داعياً الجمهور المطالب بالحرية والسيادة والاستقلال، إلى ان يردد وراءه القسم الآتي:
«
نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحدين إلى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم».
وقد شكل هذا القسم الذي حمله جبران معه إلى مثواه الأخير شهيداً في 12 كانون الأول 2005، تحدياً لـ«رفاق الجهاد». بأن يفوا جبران تويني حقه، بتحقيق حلمه بالوحدة، وكشف قتلته ومرافقيه اندره مراد ونقولا فلوطي.
وها هي سبع سنوات تمر على استشهاد جبران تويني، من دون ان يتحقق مطلبه في الوحدة، لا بل زاد التباعد والفرقة بين «مسيحيي جبران» وفريق كبير من المسلمين الذين بارك جبران نضالهم في الجنوب، يوم زاره بعد الانسحاب الإسرائيلي منه في أيار 2000، وتمنى لو تتاح له فرصة تكريم شهدائهم، خلال تفقده سجن الخيام، ومواقع المقاومين، والدشم التي كان الإسرائيليون يمترسون وراءها قبل انسحابهم تحت ضربات المقاومة.
كذلك مر مثل هذا الوقت على مطلب والد الشهيد الصحافي الكبير غسان تويني، بأن على السلطات الأمنية والقضائية المختصة «القاء الضوء على ظروف اغتيال ابني جبران» وهو قال ذلك في جنازة جبران في كاتدرائية القديس جاورجيوس بعد أربعة أيام على استشهاده، وقدم فيها أمثولة في النبل، والإيمان بالله والترفع عن الأخذ بالثأر، بقوله امام النعش الذي حضن بقايا جسد ابنه الحبيب:
«
أنا لا أدعو إلى الانتقام. إلى انتقام لا أملك وسائل تحقيقه، كما أنني لا أؤمن به. بل كل ما اطلبه هو العدالة، واطلب تالياً الغفران: ولندفن الحقد والضغينة».
وبدل أن يسعى الفريق الذي واكب نضال جبران تويني واستودعه قسمه الذي عمّده بالدم، إلى تحقيق أمنية تويني الأب بتحقيق العدالة وكشف قتلة الصحافي الشاب والجهة التي تقف وراءها، ترك ملف جبران، على ما أفاد وكيله النائب بطرس حرب أول من أمس، فارغاً، وأضاف: «ان التحقيق في ملف جبران تويني لا محتوى فيه. وآسف أن أقول انه بعد 7 سنوات لم يمثل احد امام القضاء اللبناني، ولم يتمكن القضاء اللبناني والقضاء الدولي من العثور على أي دليل أو بيّنة حول هذا الأمر».
وقد جاء كلام حرب بمثابة إدانة للفريق السياسي الذي يدين بوجوده إلى جبران تويني ورفاقه، وهم الذين أوصلوه إلى السلطة، حتى إذا دانت له نسي الصحافي المظلوم وسائر «شهداء ثورة الأرز»، منشغلاً بفبركة شهادات زور في قضية اغتيال رفيق الحريري بغية النيل من سوريا ثم من «حزب الله»، ثم أخيراً في قضية جبران تويني من خلال تبني ما بثته أخيراً قناة «العربية» التلفزيونية السعودية من وثيقة مزعومة موجهة من ضابطين في المخابرات السورية إلى اللواء آصف شوكت الذي قتل في انفجار خلية القيادة أخيراً ووزير الدفاع، وفيها:
«
نحيطكم علماً بمساعدة عناصر من مخابرات حزب الله، بخصوص المهمة 213 الموكلة إلينا بتاريخ 10/12/2005. تم تنفيذ المهمة بنتائج ممتازة».
وقد أدرجت هذه الوثيقة، المزعومة التي وجهت إلى رجل أصبح في ذمة الله، في إطار الحرب الأميركية ـ الإسرائيلية المفتوحة على «حزب الله»، سواء في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو في ما يجري في سوريا واتهام عناصر من الحزب بالمشاركة في القتال ضد قوى المعارضة المسلحة.
إلا ان الذي ضغط الزر لنشر الوثيقة في هذه الظروف الدقيقة والتي تنذر بإشعال نار فتنة طائفية ومذهبية، قد غاب عن باله انه يقدم إلى المقاومة والجمهور المخاصم لفريق 14 آذار، مضبطة إدانة لفريق الحريري الذي حكم لبنان بين استشهاد جبران تويني في 12/12/2005 و19/1/2011 تاريخ اخراج الرئيس سعد الحريري من السرايا وقد أكد ذلك النائب حرب، بصفته وكيل ورثة جبران تويني، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في مبنى «النهار» أول من أمس، حين قال: «ان التحقيقات في الجريمة اصطدمت بحواجز أمنية وسياسية حالت دون التمكن من كشف الجريمة، ومنفذيها، والآمرين بها، هذا بالرغم من الشبهات الجدية التي كانت تحوم حول دور المخابرات السورية في جريمة الاغتيال».
وقد كرر حرب أكثر من مرة اتهامه «حزب الله» بأنه «عطل سير العدالة» في قضية محاولة اغتياله كما في محاولة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وحبذا لو أفصح المحامي حرب عن طبيعة «الحواجز الأمنية والسياسية» التي حالت دون كشف جريمة الاغتيال وإبقاء ملف تويني فارغاً.
إذ لو هو فعل لاكتشف ان الأطراف الأمنيين والسياسيين التابعين لقوى 14 آذار في السلطة اللبنانية هم الذين وضعوا حواجز في وجه التحقيق الذي كان موجهاً صوب سوريا، الأمر الذي أبقى الملف فارغاً إلى الآن.
ذلك انه بعد قرابة 4 أيام على عملية الاغتيال نشر في الصحف ان السيارة الجانية هي «رينو رابيد». وقد استرعى ذلك الأمر انتباه صاحب احد الحوانيت بين مستديرة الحايك، ومستديرة المكلس، فتذكر ان السيارة توقفت أمام محله، وترجل منها شاب ملتح، دخل الحانوت وراح يتجول بين أقسامه، ثم اختار علبة «سكوتش» لاصقة، فدفع ثمنها وانصرف. وكانت ساورت الشكوك صاحب المحل، إذ هي المرة الأولى يدخله شخص غريب من خارج الحي، بدا له انه سلفي شمالي، من خلال لهجته. وقد طبع صورته في ذهنه بكل تفاصيلها، بما فيها طوله.
وللفور أجرى الاتصالات اللازمة، فحضر رجال أمن واستمعوا إليه، كما دوّنوا تفاصيل عن وجه الشخص بغية إعداد رسم تشبيهي له.
ومرت بضعة أيام من دون ان يظهر أي شيء في الاعلام عن هذا «الاكتشاف». كما لم يُنشر الرسم التشبيهي، في حال تنفيذه.
ولدى مراجعة المحرر في «النهار» المكلف متابعة هذا الملف عن أسباب عدم نشر الرسم التشبيهي، وأي تفاصيل اخرى حول السيارة وهوية ركابها، كان الجواب ان احد المسؤولين الأمنيين الكبار طلب عدم نشر أي شيء عن إفادة صاحب الحانوت، لأنه (المسؤول الأمني) مشتبه بشخص في طرابلس تنطبق عليه الأوصاف التي أعطاها صاحب المتجر، وانه يخشى ان يهرب المشتبه به في حال نشر الرسم التشبيهي.
...
وتمر أشهر. فلا ينشر شيء، كما لا يقال لصاحب المتجر، ان ما أدلى به هو مجرد تخيّلات. إلى ان جاء يوم دعي فيه صاحب المتجر إلى احد المراكز الأمنية لضبط إفادته، وربما إقفال الملف لأنه لم يؤد إلى الهدف المنشود. فلبى الدعوة.
وخلال انتظاره حتى استدعائه، جاءه أكثر من رجل أمن وأسرّ في أذنيه أسئلة من مثل «شو وقعك هالوقعة؟». «أنت مجوّز؟». «ما في عندك أولاد؟»، «ما بتخاف عاحالك؟». وتمنى بعدما سمع هذا الكلام المحبط والمخيف لو يعفى من الادلاء بإفادته التي دفعته إليها محبته لجبران تويني، وإيمانه بالقضية التي استشهد من أجلها.
وماذا بعد؟ سارع صاحب المتجر إلى تغيير اسمه أولاً. ثم صفّاه وباعه وغادر المحلة نهائياً.
...
وبعد، يقول المحامي بطرس حرب أن ملف تويني فارغ! انه فارغ حقاً لأن حكم 14 آذار، مفبرك شهود الزور، أراده كذلك.
فاتقوا الله أيها الأشرار الظالمون، ودعوا روح جبران تويني ترقد بسلام.
edmond@edmondsaab.com

No comments:

Post a Comment