Tuesday, October 16, 2012






إيلي الفرزلي: المسيحيّون تحوّلوا الى «تفليسة» توزّع ذممها النيابية على الكيانات المذهبية


«
المشاهد السياسي» ـ بيروت

> قبل أي سؤال يعرض الفرزلي لواقع لبنان السياسي، والأسباب الموجبة التي حدت باللقاء الأرثوذوكسي، الذي يشكّل هو أبرز أركانه، طرح مشروع لقانون الانتخاب، فيقول: لم تستشرِ الطائفية والمذهبية في لبنان وتتعمّق كما هي اليوم، كيانات مذهبية بامتياز، ولكل كيان حدوده وأعلامه وإعلامه ومؤسّساته وطقوسه، وله ماليّته وعلاقاته بالخارج وعلاقة الخارج به؛ هذه الكيانات، وبسبب الأوضاع في المنطقة والتدخّلات الخارجية، وكنت أول من حذّر من الفتنة السنّيّة ـ الشيعية بعد يومين من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هذا الصراع في لبنان يدور حصراً على الساحة المسيحية، وهنا أذكّر بالاتّفاق الذي حصل قبل انتخابات 2009 وبعد أحداث السابع من أيار (مايو) 2008، بين الأفرقاء السياسيين «المسلمين»، والقاضي بإعطاء نائب سنّي وآخر مسيحي لهذا الفريق، ونائب شيعي ومعه مسيحي لذاك الفريق، وفي الوقت عينه، يقف النائب وليد جنبلاط عند مدخل القصر الجمهوري ويقول أنا لديّ خصوصيّتي وأرجو احترامها، ولا أريد أن أذوب في المساحات الكبرى، وهذا حقّه.
في المقابل، للمسيحيين حق أيضاً، وهم الذين يراد تذويبهم في المساحات الأخرى، وهم المستهدفون على مستوى المنطقة برمّتها، وهم في حالة الضمور العددي الهائل، يقولون هناك اتّفاق مع الشريك المسلم في الوطن بأن السلطة مناصفة مهما كان عدد كل من الفريقين، مقابل التنازل عن صلاحيّات رئاسة الجمهورية، أما اليوم، فمن أصل 64 نائباً مسيحياً ينتخب حوالى 30 نائباً بأصوات المسيحيين، والباقون يأتون بإرادة الآخرين، مستولدين بإرادة الكيانات المذهبية الأخرى من سنّيّة وشيعيّة ودرزيّة، وبالتالي لم يعد هناك دور للمسيحيين في النظام السياسي إلا الدور الاعلامي عبر الشاشات التلفزيونية، ولم يعودوا شركاء حقيقيين في عمق القرار إلا بمقدار ما يريد حليف هذا الطرف أو ذاك أن يعطيهم إياه، وإذا اتّفق الأطراف الآخرون يلغى دور المسيحيين كلّيّاً.
الآن، هم يطالبون بقانون انتخاب يمكّنهم من إنتاج نوّابهم، كي يعيشوا تحت سقف الدستور أسوة بباقي مكوّنات البلد، ووفاق هذا الطرح، تنتخب كل طائفة نوابها بنسبة مئة في المئة، فقد كانت الطوائف المسلمة الثلاث تمدّ يدها على الطائفة المسيحية لتأخذ حاجتها من النواب حتى تحوّل المسيحيون الى «تفليسة» توزّع ذممها النيابية على مختلف الكيانات المذهبية؛ ولأن هذا الواقع يلغي الدور المسيحي ويهدّد وجود المسيحيين، وبالرغم من تقلّب المراحل منذ قانون «العام ستين» الذي انتهت مبرّراته، وجاء الطائف ولم يتمّ وضع قانون حديث للانتخابات، وحتى بعد ذهاب الوصاية السورية، بقي الوضع على ما هو عليه، فالسيد حسن نصر الله يقول إن لبنان بلد تعدّدية طوائفية، وسماحة مفتي الجمهورية يقول بالفم الملآن إن للطائفة السنّيّة خصوصيّة بعد تكليف الرئيس ميقاتي رئاسة الحكومة، والرئيس برّي يأتي الى رئاسة المجلس النيابي بقرار الطائفة الشيعية، ولا يمكن لأحد الخروج على هذه الارادة. في ظلّ كل هذا الواقع، رأينا أنه لا بد من قانون انتخابي جديد.
> ولكن يا «دولة الرئيس» كل الذين طرحوا خصوصيّة طوائفهم لم يصلوا الى حد الاقتراح بأن تنتخب كل طائفة نوابها كما فعلتم، زد على ذلك أن المادة 27 من الدستور تقول «إن النائب يمثّل الأمّة جمعاء»، فكيف يستوي طرحكم مع كل ذلك؟
< أولاً، الذين طالبوا بالخصوصية لطوائفهم يأتون بنوابهم وبنوّاب الطوائف الأخرى.
> ولكن هذا هو الواقع الديمغرافي للبلد، والطائف قال «مناصفة بغضّ النظر عن العدد»؟!
< غير صحيح، بل هذا انقلاب على الطائف وهو كلام خطر، فالمادة 24 من الدستور تتحدّث عن مناصفة الى أن يوضع قانون خارج القيد الطائفي تقسّم «السلطة» بين المسلمين والمسيحيين مناصفة وهذه لا تكون شكليّة! ثم أريد أن أسأل، في ظلّ كل القوانين الماضية: هل كانت الأمّة هي التي تنتخب نوابها؟ فمثلاً النبطية «الشيعية» انتخبت نوابها الشيعة وهم يمثّلون الأمّة جمعاء، وكذلك كسروان «المسيحية» والضنّيّة «السنّيّة» وغيرها الكثير.
إن سمة تمثيل الأمّة جمعاء تنشأ عندما ينتخب النائب، بصرف النظر عن قانون الانتخاب، وإلا فماذا عن الدوائر الفردية في العالم حيث يمثّل النائب الأمّة جمعاء، لذلك هذا كلام مردود، علماً بأن المشروع الأرثوذوكسي طالب أن يكون الانتخاب على مستوى لبنان ككلّ، لتأكيد وحدة الأرض، وإخراج البلد من نظام العلاقات الزبائنيّة، وأخذ النائب الى الطرح الوطني الكبير، وهو طالب بتطبيق النسبية داخل كل طائفة، كي يتمّ تفكيك الطوائف من الداخل وتفجيرها، لماذا، لأن بنتيجة ذلك تتمثّل كلّ أقلّيّة داخل كل طائفة، ويخرج عن الطوائف تيارات عدّة، ويصبح لزاماً على هذه التيارات أن تلتقي مع تيارات أخرى في بقيّة الطوائف، وبالتالي ينشأ على المستوى الوطني كتل نيابية كبيرة تضمّ مختلف الطوائف.
> ألا تخشون من أن ينشأ عن ذلك انقسامات وصراعات إضافية، ولبنان أصلاً لا ينقصه انقسامات؟
< مستحيل أن يحدث ذلك، وحتى لو حصل ذلك، ما المشكلة؟ فهناك الآن صراع بين «الجعجعيّة والعونية»، لماذا يجب أن تبقى مرجعية واحدة للسنّة والشيعة والدروز؟ فيما المسيحيون يتقاتلون فيما بينهم، وهناك من يغذّي هذا الخلاف في الاعلام وبالمال وبالتحريض.
> إذاً المطلوب تفريخ زعامات، ولكن سابقاً كان للمسيحيين ثلاثة زعماء كبار استطاعوا أن يحافظوا على الدور المسيحي؟
< الأشخاص لا ينتجون زعامات ولا طوائف، بل القوانين هي التي تنتج الوضع الجديد. أنا أستأصل الصراع من بين الطوائف وأدسّه داخل الطوائف، كي أعيد إنتاج الحالة الوطنية، لأن السائد اليوم هو حالة التفكّك الوطني، وبهذا القانون نحن نفكّك الحالة الطائفية والمذهبية.
وهنا أقول إنني لا أقبل بالتنازل عن نائب مسيحي واحد لا تكون إرادته إرادة مسيحية. لماذا باقي الطوائف تريد نوابها بنسبة مئة في المئة؟ لأن المسيحيين منتشرون على امتداد مساحة لبنان بينما باقي الطوائف ليست كذلك، فهل هذا ثمن الانتشار؟! المسيحيون هم من صنعوا التعايش بهذا الانتشار، ولكنه في الوقت عينه جعلهم أقلّيّات في مناطقهم، فيأتي من يدفّعهم ثمن دورهم الرسالي باستلحاقهم بباقي الطوائف؟!
ألم نخرج نحن للتظاهر ضد المارونية السياسية التي كانت تستولد في كنفها نواباً مسلمين مع جوزيف سكاف وكميل شمعون وريمون إدّة وتقوم بالدور نفسـه!؟
> إذاً الزمن دولاب، اليوم انقلبت الأدوار وبات المسلمون أكثر عدداً ويقومون بما قام به المسيحيون الموارنة سابقاً؟
< أبداً غير صحيح نحن نطالب بحقوقنا ولا نستعيد التجربة السابقة.
> وهل المسيحي يأخذ حقوقه بانتخابه نوابه، أو باعتراف المسلم به وعيشه الوطني الى جانبه والعكس صحيح؟
< وما هو الاعتراف..؟ الاعتراف يكون على قاعدة المساواة وعدم الاستتباع والتهميش والقهر، ألم تقم ثورة طويلة عريضة في لبنان بسبب الغبن والقهر والحرمان؟! لماذا يمارس بعضهم الخطأ نفسه اليوم.
> رسالتكم اليوم لمن توجّهونها ولأي فريق لبناني؟
< لكل الطوائف. وأنا أتحدّث خارج هذا الاصطفاف بين 8 و14 آذار.
> طيّب، لماذا هذه الثورة اليوم، علماً بأنكم شخصياً كنتم نائباً لرئيس المجلس لثلاث دورات وشاركتم في الحكومة، وكل ذلك في ظلّ القوانين التي تعتبرونها اليوم ظالمة بحق المسيحيين! لماذا قبلتم بها آنذاك وترفضونها اليوم؟
< لأنه في العام 92 كان لا يزال الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، والرئيس برّي «لابط بالأرض» يريد الجنوب دائرة انتخابية واحدة، وأقيمت تسوية آنذاك. وكذلك في العام 96.. وحتى العام 2000 وقد خرج الإسرائيلي، لتأتي بعده انتخابات في العام 2005 فأقاموا بعد خروج الوصاية السورية تحالفاً رباعياً، (حزب الله ـ أمل ـ الاشتراكي ـ المستقبل) على حساب المسيحيين، أما في انتخابات 2009 فأبرموا تسوية الدوحة التي أعادوا من خلالها «قانون الستين»، في ظل كل ذلك هناك وضع أمني من جهة وعدم استقرار وصراع سنّي ـ شيعي من جهة ثانية، فكيف لك أن تغيّر الوضع آنذاك؟!
> ولكن الوضع نفسه اليوم إن لم يكن أصعب..؟
< لا أبداً.. لم يعد هناك أي مبرّر لاستمرار هذا الموضوع كما كان، وقد تبنّى مجلس المطارنة في بكركي وجهة نظرنا هذه والأسباب الموجبة لبيان بكركي هي نفسها التي أعلناها نحن.
> ولكن يبدو أنهم بدأوا يتراجعون، فقد سمعنا مؤخّراً ممثّل التيار الوطني الحرّ النائب آلان عون، وبعد تبنّي التيار لمشروعكم عاد وقال طرحناه كوجهة نظر فقط؟
< طبعاً نحن لا نفرض رأينا على الآخر، ومن يرفض.. عليه تقديم البديل؛ ثم إن الزعماء الموارنة سيكونون مسؤولين عن كل نائب مسيحي يتخلّون عنه، والزعيم السياسي الذي سيقدم على هذا العمل سيُرجم.
> ومن سيحاسب الزعماء يا دولة الرئيس؟
< الرأي العام والتاريخ والوجدان والضمير.
> يعني العملية طويلة؟!
< لا نقبل بنهار إضافي، الحساب الآن، لأن قانون الانتخاب هو سرّ الدور المسيحي والوجود المسيحي.
> بهذا الوقت المتبقّي، كيف يمكن الحصول على توافق الأطراف السياسية حول مشروع حسّاس من هذا النوع؟
< أي زعيم ماروني يتخلّف عن المطالبة بحقوق المسيحيين، أو التفريط بهذا الحق، سيُحاسَب.. فليكن ذلك معلوماً.
> هل تريدون من طرحكم هذا استعادة صلاحيّات رئاسة الجمهورية؟
< أبداً، ليس هذا الهدف، بل إنه حقّنا ونريده، كيف يمكن لطائفة كالطائفة الدرزيّة توازي الطائفة الكاثوليكية عدداً، وتحوز على ثمانية نواب دروز ومعهم ثمانية نواب مسيحيين، هل في هذا عدل؟!
> كما أنتم تطالبون اليوم بضمانات، كذلك سنرى غداً أقلّيّات أخرى كالدروز والعلويين والشركس ربما، تطالب بضمانات، ونصبح أمام قانون لكل طائفة وهلمّ جرّا.. أين هو قانون الوطن؟
< هذا حقّهم، أوروبا لم تحلّ مشاكلها إلا مع حلّ مشلكة الأقلّيّات داخلها.
> ولكن في أوروبا لم يكن الحلّ بالفرز الذي تطرحونه اليوم؟
< أين هو الفرز.. أنت تولد في الطائفة وتعيش بالطائفة وتتزوّج بالطائفة وتموت بالطائفة وتورث فيها أيضاً.
> طيّب لم يبقَ سوى الانتخاب مشتركاً.. فلماذا تريدون إلغاءه؟
< أبداً.. غير صحيح.. أنت تذهب الى صندوق الاقتراع على أساس الطائفة وتترشّح على أساس الطائفة، فلماذا يكون الفرز حين أطالب بحقوقي ولا يكون حين يتمّ السطو على حقوقنا؟ وعلى كل حال، إذا لم يتوافقوا على هذا الطرح فليوجدوا لنا قانوناً يؤمّن لنا 64 نائباً، «وإن شاء الله يكون يا جمل يا بوبعة».
> عملياً اليوم المصالح السياسية لدى الأحزاب المسيحية أقوى من مصلحة الطائفة، وهذا مؤدّاه التخلّي عن مشروعكم الذي أبدوا حماسة نظرية حياله. أنت ضمناً مقتنع بأن طرحكم سيمرّ؟ فكلّ المؤشّرات تقول باعتماد «قانون الستين»؟
< أنا أجزم بأن «قانون الستين» سيطير، وما تراه على الأرض يتغيّر في خلال 24 ساعة.
> الى أي مدى لها سورية حصّة بقانون الانتخاب المقبل؟
< أي سورية.. ليس من المفروض أن يكون لها أي حصّة، والأمر يجب أن ينطبق على إيران والسعودية! أنت تتحدّث عن بلد مباح مستباح ومن لا يدخلها يشعر بالخسارة!. ودعني أقل لك شيئاً مهمّاً: إن هذا الحلّ الذي نطرحه إنما نطرحه للمنطقة كلّها وليس للبنان فقط، فكيف ستحلّ مشكلة الأقباط في مصر، ومسيحيي العراق وسورية والأقلّيّات في العالم العربي، وحتى الأقلّيّات المسلمة، ولكن تحت سقف الوحدة. ونحن طرحنا لبنان دائرة واحدة ليكون الحلّ ضمن وحدة البلد.
> في موضوع آخر، كيف تفسّر مشاركة «حزب الله» في القتال في سورية، وقد جرى هذا الحديث في الآونة الأخيرة، مع أن لبنان الرسمي ينأى بنفسه عن تلك الأحداث؟
< أي نأي بالنفس وأين هو.. هذا اختراع نظري للدولة حين أرسل (الرئيس نجيب) ميقاتي لتأليف حكومة بإيعاز غربي وقد أرسله الغرب الى «حزب الله» لفصل الساحة اللبنانية عن الساحة السورية >

No comments:

Post a Comment