Monday, October 29, 2012


  1. تعاطوا مع جريمة الاشرفية انسانياً لا انتخابياً...
  2. دافيد عيسى
  3. الاثنين 29 تشرين الأول 2012
  4. قدر الاشرفية ان تكون دائماً في الصفوف الأمامية وفي مواجهة التحديات ، وأن تكون على موعد متكرر مع الشر والإرهاب المتسلل مثل السارق الجبان إلى احيائها الوادعة الشامخة . قدرها ان تمر عبرها وعلى أرضها كرة النار الملتهبة والمحشوة إجراماً وحقداً أسود . هذا ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم نهار الجمعة 19/10/2012 عندما انفجرت سيارة الموت في حي سكني ممزقة هدوءه وبيوته ومحولة الاجساد اشلاء والمنازل ركاماً والسيارات حطاماً..
  5. حدثت هذه الجريمة الإرهابية في وضح النهار وخلّفت وراءها ضحايا ابرياء ونالت من اللواء وسام الحسن ومرافقه المؤهل احمد صهيوني والسيدة جانيت سركيسيان مقتلاً ، وجرحت 120 شخصاً آمناً كاد الموت ان يطالهم داخل بيوتهم ومحالهم لولا العناية الالهية ، واعادت إلى الأذهان مشاهد أيام الحرب وحقبة ظن أبناء الاشرفية أنها اصبحت من الماضي وطويت إلى غير رجعة، والجدير ذكره انه ومنذ ثلاثين عاماً تقريباً حصل وفي المنطقة نفسها انفجاراً كان الأكثر قساوةً وأيلاماً واجراماً وأودى بحياة الرئيس الشهيد بشير الجميل و 26 من رفاقه .
  6. وكما عوّدتنا الاشرفية دائماً، فإنها تبقى أقوى من الجرائم الإرهابية والتجارب المرة والمحن والصعاب . تصبر على المصيبة ، تتحمل المعاناة ، تعض على الجرح ولكنها لا تضعف ولا تيأس . وأبناء الاشرفية الابطال والشرفاء هم سر صمودها وشموخها وقدرتها على التكيّف والتعاطي مع الازمات ، بما لديهم من إيمان راسخ وإرادة صلبة ، إرادة الصمود والبقاء رغم كل شيء .
  7. واجه أبناء الاشرفية الاهوال وأقسى التجارب ولم يسمع لهم يوماً أنين وإحباط ، لكنهم اليوم يشكون ويتذمرون ، هم بالتأكيد لم يتغيّروا ولكن واقعهم وكل ما يحيط بهم قد تغيّر ولم يعد يشبههم. بدءاً من بعض السياسيين الذين يصنفون أنفسهم مسؤولين ومراجع ومسؤولين عن الناس ، فيما هم وفي الحقيقة لا يشعرون مع الناس ويتعاطون معهم انتخابياً ومصلحياً خصوصاً في الاوقات والاختبارات الصعبة . فالذي جرى ويجري منذ حصول الانفجار المجرم من تسابق واستغلال وتوظيف اعلامي وسياسي وانتخابي ومن مزايدات رخيصة ومكشوفة ومن "متاجرة" بآلام الناس وعذاباتهم هو معيب... والذي يحصل على وسائل الاعلام هنا وهناك مخجل ومؤسف ، نسمع كلاماً كثيراً ولا نرى افعالاً ، ويتبين بعد مرور وقت ان كلامهم اكثر من افعالهم بكثير وهذا ما أثبتته التجارب والاحداث والايام، مما يذكرنا بالمثل القائل : اسمع تفرح ... جرب تحزن .
  8. سمعنا في الايام الاخيرة الكثير من الكلام السياسي المنمق والفارغ ، ولكننا لم نرَ إلا القليل من المبادرات الإنسانية المجردة. لهؤلاء نقول كفى مزايدات انتخابية واستهتاراً بقضايا الناس واستخفافاً بعقولهم... أبعدوا السياسة عن مآسي الناس ، وليكن التعاطي إنسانياً بحتاً وبعيداً عن الاعلام وذلك من خلال مخاطبة الانسان وحفظ كرامته وتأمين حاجاته . فلا يجوز ان يشعر المصاب جسدياً أو في املاكه وارزاقه بمنّة ، وإنما يجب ان يحصل على حقوقه وحاجاته بكرامة موفورة ورأس مرفوع .
  9. مشكلة أبناء الاشرفية والرميل والصيفي مع بعض السياسيين انهم لم يعودوا يثقون بهم وباتوا يشعرون ان هناك هوّة واسعة تفصلهم عنهم ، وان الناس اصبحوا في خلفية تفكيرهم يعرفون جيداً بأنهم ما عادوا يمثلون للسياسيين إلا ارقاماً وأصواتاً ، لذلك نرى الناس لم يعودوا مهتمين بالسياسة وأهلها وما عادت تحركهم قضية ودعوات للاعتصام والتظاهر وما المشهد الاخير في ساحة الشهداء إلا خير دليل على ذلك وهذا ما يستدعي إعادة تقييم للمرحلة السابقة ومعرفة مكامن الخلل في الاداء المتبع .
  10. ومن المؤسف ايضاً ان نشاهد خلال الانفجار الذي طال الاشرفية وزرع فيها الموت والرعب والدمار بعض الحلقات التلفزيونية التي تحولت بفعل وجود "مبخرين وزجالين" إلى حلقات من اجل تبخير ومدح هذا أو ذاك السياسي على لسان منافقين ومستفيدين وأزلام و " قبيضة " حتى لا نقول كلام أكبر أحضرهم بعض هؤلاء السياسيين إلى الحلقات التلفزيونية خصيصاً لإداء هذا الدور، متناسين الآم الناس واوجاعهم مروجين "لمآثر وتقديمات وانسانية" هذا السياسي او النائب او الوزير على حساب ارواح ودماء وممتلكات الناس، وليسمحوا لي هؤلاء جميعاً بأن اقول لهم وبكل محبة ولي من بينهم اصدقاء كثر بأن ما حدث خلال بعض هذه الحلقات ليس لمصلحتهم السياسية ولا الانتخابية بل ان ذلك سيرتد عليهم غضباً وقرفاً واستهزاءً من الاغلبية الصامتة من ابناء المنطقة التي كانت تشاهد من منازلها هذه المهازل عبر الشاشة والتلفزيون.
  11. ان مشكلة أهل الاشرفية ليست مع بعض السياسيين فقط ، وإنما ايضاً مع الجهات الرسمية خصوصاً عندما يشعرون ويشاهدون بالأدلة الحسية ان هناك صيفاً وشتاءً على سطح واحد وليس هناك مساواة في المعاملة والحقوق . فها هي الهيئة العليا للإغاثة تمعن في تعميق شعور الغبن والإجحاف عند ابناء الاشرفية في وقت تفيض خيراتها وأموالها على مناطق وجهات أخرى . وللتذكير فقط فإن الهيئة العليا للإغاثة لم تعطِ شيئاً حتى اليوم لسكان مبنى فسوح الذي انهار قبل سنة على رؤؤس ساكنيه ، ولولا الجهد الخاص والمتواضع الذي قامت به مؤسسة بشير الجميل عبر النائب نديم الجميل وشقيقته يمنى مشكورين وبمشاركة فعالة من محطة MTV وإدارتها لكان سكان المبنى المنهار متروكين لمصيرهم وعليهم ان يتدبروا أمورهم ويحصّلوا حقوقهم بأيديهم. ونخشى هنا ان تتكرر التجربة مجدداً مع سكان الحي المنكوب في الاشرفية ، خصوصاً وان التعاطي مع الهيئة العليا للإغاثة لم يكن مشجعاً في المرة السابقة . فمن جهة تمارس سياسة التقنين الشديد ومن جهة أخرى تُغدق الوعود الكلامية من دون أي التزامات فعلية . فهل يُعقل ان يُعطى صاحب المنزل المتضرر ألف دولار فقط " بدل إيواء " ، وهل من الجائز ان لا تُعطى للذين خسروا منازلهم وجنى عمرهم تعويضات كافية لشراء منزل جديد خصوصاً عندما يكون هذا المنزل ملكاً لهم وهو من جنى عمرهم وحياتهم ، أو لا يصار إلى ترميم منزل متصدع مستأجر لا يملك ساكنه القدرة على شراء منزل أو استئجار منزل آخر؟
  12. وليست الهيئة العليا للإغاثة لوحدها الجهة الرسمية التي تمارس التمييز والاجحاف ويشكو منها الناس ، فكذلك هي الحال ايضاً مع بلدية بيروت الغائبة عن الاشرفية ، والتي كانت وعبر رئيسها وعدت النائب ميشال فرعون باعطاء عشرة ملايين ليرة لبنانية لكل عائلة متضررة من جراء الانفجار واذا بها وخلال جلسة المجلس البلدي تقلص المبلغ إلى خمسة ملايين ليرة لبنانية منكسةً بوعدها ، هذا هي الحال مع الأسف مع بلدية بيروت فهي غائبة على صعيد الانماء وعلى صعيد الخدمات في مناطق معينة من بيروت على رغم بعض الجهود والخدمات التي يقوم بها بعض أعضاء المجلس البلدي على المستوى الشخصي والفردي . وهي لا تعرف إلا تحصيل الضرائب والرسوم البلدية من أهل الاشرفية وابنائها الذين لم يتلكؤوا يوماً أو يقصروا في واجباتهم تجاه البلدية ، ولكن حصل دائماً ان كانت البلدية مقصرة ومهملة معهم ، وبدلاً من أن تركز على ما ينقصهم من خدمات وبنى تحتية وغيره ، نراها منصرفة إلى خوض معارك وهمية على الصلاحيات والسلطة مع محافظ بيروت بالوكالة ناصيف قالوش (الكاثوليكي) الذي عرف كيف يحافظ بثبات وعناد على دور وحق هذا الموقع المسيحي (الارثوذكسي) ، وهنا وإذا كان الشيء بالشيء يذكر لا بد من التذكير بأنه لا مناصفة في معظم الوظائف الادارية في بلدية بيروت وهي لا تعرف من المناصفة إلا المناصفة العددية في مجلسها البلدي ، بينما في ممارستها ايضاً فهي بعيدة كل البعد عن هذا المبدأ وعن روحية العدالة والمساواة ولولا المحافظ بالوكالة ناصيف قالوش وجهوده لحصل الأمر نفسه من عدم توازن في تعيينات الشرطة البلدية الاخيرة ، ولأن الظرف لا يسمح اليوم بالتحدث مطولاً عن بلدية بيروت لكنه فسيكون لنا عود على ذلك في القريب لنضع النقاط على حروف حقيقة انجازات هذه البلدية.
  13. ما يطلبه أهل الاشرفية ان يساعدهم سياسيوهم ونوابهم ووزرائهم وفاعلياتهم على نيل حقوقهم كاملة من الدولة من دون مِنّة ومن دون إبطاء. وما يريدونه منهم أكثر ان يتعاطوا مع الامور والاحداث الاليمة باحترام وكرامة وانسانية بعيداً عن الاعلام والتصاريح والمنافسة الانتخابية وان يتواضعوا ويتعظوا من التجارب الماضية التي علمتنا ان المحبة والتضامن وقيم الحرية والعدالة والانسان هي التي تسود وتنتصر في النهاية .
  14. هذه هي لحظة التضامن مع الاشرفية . التضامن فعلاً لا قولاً ، بعيداً عن الفلكلور والضوضاء لا جهاراً عبر الشاشات ووسائل الاعلام ، التضامن من منطلقات إنسانية وليس لغايات سياسية أو انتخابية . التضامن الذي تستحقه الاشرفية ويكون في مستوى كرامتها وكرامة ابنائها وتاريخها وإرثها النضالي .

No comments:

Post a Comment