Sunday, October 28, 2012







أبعد من الاغتيال



جورج عبيد

الدم الذي أريق على ارض الأشرفيّة، من دم اللواء وسام الحسن إلى دماء الأبرياء، يستدعي أن نقف بمهابة أمام الموت العبثيّ.
ما من شكّ، أنّ من تفاعل مع الحدث برومانسية كئيبة، وانفعالية جامحة، وصراخ عاصف، وارتجاج بنيويّ واضح، خرج من سياق القراءة الموضوعيّة والمجرّدة، إلى المزيد من القراءة الشديدة الالتباس، لارتباط اغتيال وسام الحسن بالمشهد اللبنانيّ المتراكم، والمتأثّر حتمًا بالحدث السوريّ، ناهيك بالتفاعل الدوليّ مع هذا الحدث، ذلك أن ثمّة أحادية توضحت معالمها في احتكار للشهادة قلّ نظيره، واستهلاك الدم المراق لتحويله نارًا حارقة، ليس بوجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أو الحكومة برمتها فحسب، بل بوجه لبنان ككل، من شماله إلى جنوبه مرورًا ببقاعه وجبله، وأسره بل زجّه في أتّون احتراب مذهبيّ متوقّد ومتأجّج، يأباه أيّ عاقل، كما يلفظه الحكماء المستوون على أرائك الحكمة والمعرفة من أدبيّاتهم.
تدافع الشباب بهذا الحجم إلى السرايا، في نهاية مأتم اللواء الشهيد، وما كان بعد قد دفن، قلّل كثيرًا من قيمة الشهادة وخدش مفهومها وجرح عمقها. فجاءت العشوائيّة تبيانًا لخطاب سياسيّ أجوف، وتحريض مذهبيّ فارغ، خرج من المسجد، وانفجر على الأرض حممًا بركانيّة، وهو، تاليًا، انكشاف لإفلاس سياسيّ لا قاع ولا قرار له، عند الذين عصفوا بكلماتهم، من دون إدراك واحتساب معنى سقوط الحكومة، وسقوط لبنان معها في الفراغ وتداعياته.
وممّا لا شكّ فيه، أن حدث الاغتيال، وبهذا الحجم بالذات، إعلان واضح لانكشاف لبنان أمنيًّا على المستوى العالميّ، إذ بات لبنان، ومنذ سنوات أرضًا خصبة لصراع استخباريّ متراكم. لكن ثمّة أسئلة نازفة لا بدّ وأن تصبّ حول القصد من الجريمة. فما هو القصد من اغتيال اللواء وسام الحسن؟ ذلك أن القصد يكشف هويّة القاتل. وهل القصد من تلك العمليّة إعادة لبنان إلى المربّع الذي كان عليه في سنة 2005 بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأخذ البلد إلى السياق الفتنويّ-المذهبيّ، المتجلبب بجلباب السورنة حاليًّا كما كان متجلببًا بجلباب العرقنة في ذلك الحين؟ هل جاءت عمليّة الاغتيال تمزيقًا لاتفاق الدوحة بشقّيه السياسيّ والأمنيّ؟ أم هو إفصاح جديد، بأنّ لبنان وسوريّا والمنطقة بأسرها سائرون إلى مدى تسوويّ واضح مترافق مع مهمّة الأخضر الإبراهيميّ.
أنّ قراءة الدبلوماسيّ الجزائري المحنّك، وإن ظهرت كثيرة التشاؤم بتحذيره، إنّ الأزمة في سوريّا «ستأكل الأخضر واليابس في الدول المجاورة»، غير أنها تبقى أعمق من التحذير، بل هي تبشّر بأنّ هدف المهمّة، ينبع من إرادة دولية واضحة وساعية، إلى الصعود من جوف الصراع نحو إنتاج تسوية جديدة.
وإذا شاء بعضهم الإيغال أكثر في التوصيف، فإنّ سقوط النظام في سوريّا وبلا بدائل ديمقرطيّة وليبراليّة، هو سقوط وجوديّ للكيان السوريّ برمته ككيان وطنيّ جامع، وسقوط للترابط الميثاقي بين المكونات الوجوديّة لسوريا والمكونات الوجوديّة للمشرق العربيّ. كما انّ سقوط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بتزاوجه مع هذا الانكشاف الأمني في لبنان وبلا بدائل واضحة، هو سقوط للجمهوريّة والدولة والكيان اللبنانيّ الجامع. إذ إنّ الفتنة المذهبيّة الهابّة من العواصف الوجوديّة السوريّة الهوجاء وتداعياتها، ستأخذ لبنان وسوريا والمشرق العربيّ، إلى جيوبوليتيك متمذهب، وخادم لديمومة إسرائيل وأمنها، وهو لا شكّ مؤسّس على التراكم الكميّ العنيف الذي يبيح الانفجار، وليس على التلاحم النوعيّ الذي يؤول إلى وفاق.
تبقى الحاجة ماسّة إلى وقاية لبنان بأمن متماسك ومترابط، وبترقّب حكيم، من كلّ أولي الأمر، ونزع فتيل الأزمة بالحكمة. ولا شكّ أنّ دور الجيش اللبنانيّ، بالتآزر مع كلّ القوى الأمنيّة سيكون حاسمًا ودقيقًا. كما أنّ الوقاية ترتكز على حلّ الأزمات الاجتماعيّة واستكمال النقاش بقانون انتخاب يؤمّن المناصفة والتوازن، ولعلّ مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» الانتخابيّ هو الأقرب إلى ذلك. فالمناصفة والتوازن هما الركيزتان الجوهريتان لترسيخ دعائم ميثاقنا الوطنيّ وشراكتنا الفاعلة، والتي بها نحمي لبنان الوطن والكيان، فيبزغ من مفرداتها فجر المواطنة، وهو المبتغى ليكون قلب هذا الوطن الجريح وهيكله الحيّ.

([)
كاتب وناشط في «اللقاء الأرثوذكسي»

                                                                                            

No comments:

Post a Comment