Wednesday, October 31, 2012

الذهنية الصهيونية ذات الفلسفة اليهودية التلمودية – سلام الحركة
الذهنية الصهيونية ذات الفلسفة اليهودية التلمودية – سلام الحركة

إن عمليات الإرهاب و القتل الجماعي و الاغتيالات والتصفيات التي يمارسها الصهاينة نابعة من الفكر والعقيدة اليهودية المستمدة من خرافات وأساطير التلمود والتي أكدتها الصهيونية قولاً وعملاً، وكانت التربية اليهودية بخلفيتها الدينية والتوراتية التلمودية العنصرية، وبفلسفتها المستمدة من تعاليم الصهيونية العدوانية، هي الوسيلة الأولى والأهم التي استخدمت لتحقيق أهداف الصهاينة في إنشاء الكيان الصهيوني وبقائه.
يشكّل التراث الديني اليهودي المنبع الرئيس لمكوّنات الوجدان الصهيوني المعاصر، الذي تأثر به تأثراً عميقاً، ووظّفه مفكّرو الصهيونية وروّادها وقادتها ليصبّ في أهدافهم العنصرية الكبرى. حيث حوَّلت الصهيونية العهد القديم إلى فلكلور للشعب اليهودي، وهو كتاب تفيض صفحاته بوصف حروب كثيرة خاضتها (جماعة يسرائيل أو العبرانيون) مع الكنعانيين وغيرهم من الشعوب، فقاموا بطرد بعضهم وإبادة البعض الآخر. و(جماعة يسرائيل) يحل فيها الإله الذي يوحي لها بما تريد أن تفعل، ويبارك يدها التي تقوم بالقتل والنهب، فكل أفعال الشعب مباركة مقدَّسة لأن الإله يحل فيه.
أولا يعني الاهتمام الصهيوني- باليهودية أنّ البحث الحقيقي عن مُثل أو قيم روحية- أخلاقية قد توجد في هذا التراث، وإنما يعني الاهتمام بمدى تعبير اليهودية عن (الذات القومية)، التي يريدون لها (الانبعاث) في (أرض الميعاد).
ويدرك الدارس لتاريخ الجماعات اليهودية والحركة الصهيونية، أنّ هناك ترابطاً عضوياً لا تنفصم عراه بين كلّ من اليهود والصهيونيّة. فاليهود يعدّون أنّ كلّ يهودي في العالم هو جزء منهم، وأن لا فرق من الناحية القومية، بين اليهود الذين يعيشون في الكيان الصهيوني، وبين اليهود في أمريكا أو روسيا مثلاً، فالدين اليهودي بالنسبة إليهم يُعَدُّ عنصراً أساسياً في القومية، خلافاً لكلّ النظريات والدراسات والأبحاث، التي أجمع عليها العالم كلّه في هذا السياق.
وقد تم بلورة مفهوم الصهيونية وملامح المشروع الصهيوني بشكل كامل، في الفترة بين منتصف القرن التاسع عشر وعام 1880 على يد المفكـرين الصهاينة غــير اليهـود أمثال لورد شافتـسبري ولورانـس أوليفانت. وقد لخص شافتسبري التعريف الغربي لمفهوم الصهيونية في عبارة أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض (في كلمات تقترب كثيراً من الشعار الصهيوني). وقد حاول أوليفانت أن يضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ. وبعد المؤتمر الصهيوني الأول 1897 في بازل، تحدَّد المصطلح وأصبح يشير إلى الدعوة التي تبشر بها المنظمة الصهيونية وإلى الجهود التي تبذلها، وأصبح الصهيوني هو من يؤمن ببرنامج بازل (في مقابل المرحلة السابقة على ذلك، أي مرحلة أحباء صهيون بجهودها التسللية المتفرقة.)
ولعل من أبرز أهداف الصهيونية، تطبيق التعاليم اليهودية والالتزام بالطابع الديني للدولة اليهودية، وتؤمن الصهيونية عموماً بأنّ الدين هو الدافع الأول لخلق الدولة اليهودية. وأنّ العلاقة بين اليهودية والصهيونية علاقة عضوية.
فالدين في نظر المفكرين اليهود والصهاينة، هو (الأساس الذي تقوم عليه الأيديولوجية أو القومية اليهودية)، كما يقول البروفسور اليهودي يسرائيل شاحاك، وهو القاسم المشترك بين اليهود، الذين يضمن (نقاءهم العنصري وولاءهم القومي)، الأمر الذي عبّر عنه البروفسور يعقوب تالمون، أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية، بقوله: (إنّ الكنيس اليهودي هو وحده محور الهويّة الذاتية في دول الغرب).
وتنطوي المعتقدات اليهودية على انغلاق شوفيني وتعصّب عرقي وعنصرية حاقدة وأهداف سياسية خطيرة. حيث أنّ الفلسفة العنصرية تشكّل معيناً ينهل منها الصهاينة جميعاً، أفراداً وأحزاباً وتيّارات ومؤسّسات، فكراً وممارسة.
وهذه العنصرية هي التي تقبع خلف المواقف والاتجاهات والأحزاب والسياسات المختلفة. وما الأفراد الصهاينة والجماعات الصهيونية غير تجليّات متنوعة لجوهر واحد، هو العنصرية.
والواقع أنّ الولاء ( للدين والطقوس والشريعة) هي العناصر التي تجمع بين اليهود، في الظاهر على الأقل، وحجّة الآخذين بهذا الرأي تقوم على ثلاثة عناصر هي:
1-
إنّ البقاء اليهودي عبر العصور هو أشبه بالمعجزة، التي لا يمكن تفسيرها إلا على أساس الدين، الذي يُنظر إليه وكأنه قادر على التعويض عن غياب جميع العوامل الأخرى لحفظ التلاحم (القومي اليهودي). وفي هذا السياق يقول النظر الصهيوني آحاد هاعام: (لقد كنّا يهوداً لمدة ثلاثة آلاف سنة لأنه لم يكن بوسعنا أن نكون شيئاً آخر، ولأنّ قوة جبارة تربطنا بالديانة اليهودية وتفرض نفسها على قلوبنا، ولأنّ الديانة اليهودية تعيش فينا جنباً إلى جنب مع جميع الغرائز الطبيعية التي تنمو في الإنسان منذ ساعة ولادته).
2-
إنّ الحقّ التاريخي الذي يخوّل اليهود الاستيلاء على أرض فلسطين، يستمدّ مقوماته الجوهرية من الديانة اليهودية.
3-
إنّ مبرّر وجود (إسرائيل)، لا بل (حقها في الوجود)، يزعمون أنه مُستَمدٌّ من الدين اليهودي.
إن القومية الصهيونية لا تنفصل بتاتاً عن العقيدة اليهودية ومفرداتها ومفاهيمها وتعاليمها، ومقولاتها، التي تنص صراحة على أنّ (اليهود يشكلون عنصراً مميزاً على سائر العناصر البشرية، وشعباً متميزاً على الشعوب كافة، بخصائصه وفرادته، واختياره من قبل الربّ ذاته). وهي بذلك تجعل من نظرّية الجنس، أو العرق، أساساً جوهرياً لها. وعلى هذا الأساس تقوم النظرية العنصرية اليهودية - الصهيونية.
انطلاقا مما تقدم فإنّ دراسة الصهيونية ومرتكزاتها العنصرية، تقتضي دراسة مقولات ومفاهيم العقيدة اليهودية، لأنها المنبع الرئيسي الذي تستمدّ الصهيونية منها توجهاتها وقيمها وديماغوجيتها العنصرية، الشوفينية، ومنه استقت الحركات والجماعات الصهيونية الإرهابية، المتطرفة، بُغضها الشديد للعرب وحقدها على الفلسطينيين وعلى الشعوب والأمم الأخرى.
من هنا لا تُفرّق أغلبية اليهود بين دينها وقوميتها، إنهما وجهان لأيديولوجية شاملة. فكلمة (يهودي) تشير إلى دين. وكلمة (صهيوني) تشير إلى أرض، وعليه فهناك وضع تلاحمي - تكاملي بين النواحي الدينية والقومية والأيديولوجية في فكر الصهاينة وممارساتهم العدوانية- الإرهابية. وهذا الحاخام الأكبر لتل أبيب، شلومو غوريون، يعلن أنه (لا يمكن الفصل بين أرض [إسرائيل] وبين تعاليم اليهودية، وإنّ فصل قيم التوراة عن وصايا استيطان البلد هو بمثابة فصل الروح عن الجسد).
وقد استمدت الصهيونية في جوهرها عقيدة متطرفة، أصولها من مفاهيم الديانة اليهودية وأساطير تعود إلى ثلاثة آلاف سنة، والتي تنصّ على أنّ إله اليهود (يهوه) قد وعد شعبه الخاص (بني إسرائيل)، بأرض فلسطين، ملكاً أبدياً.. وخصّهم بها ميراثاً أزلياً. وجاءت الحركة الصهيونية فوظّفت تلك القصص والحكايات والأساطير، وتبنّت - وفق خطة إستراتيجية متغيرة، متجدّدة - تحقق تلك التنبؤات والأحلام، القائمة في جذور الديانة اليهودية، وفي أعماق العقل (الجمعي اليهودي). وبذلك أصبحت الحركة الصهيونية، التجسيد العملي والواقعي للرؤى اليهودية. وهذا ما عبّر عنه بن غوريون بقوله: (إنّ الصهيونية تستمدّ وجودها وحيويتها وقوتها من مصدر عميق، عاطفي، دائم، مستقل عن الزمان والمكان، وقديم قدم الشعب اليهودي، هذا المصدر هو الوعد الإلهي، والأمل بالعودة).
ويُفهم من كلام معظم قادة الصهيونية أنّ هذه الحركة أقامت، بالتعاون الوثيق مع الدول الغربية الكبرى، (دولة إسرائيل) في أرض فلسطين، استناداً إلى أساطير وتنبؤات (العهد القديم). ويُفهم أيضاً أن الصهيونية حركة قومية، عنصرية، إرهابية، لها جذورها العميقة في الديانة اليهودية. فلا صهيونية من دون يهودية، لأن الصهيونية ما فتئت تعمل، بجهود هائلة وأساليب شديدة التنويع والمكر، على تحويل التنبؤات والرؤى والأساطير والوعود إلى حقائق واقعية. وقد اتخذ قادة الصهيونية ومفكّروها من عقيدة (العودة) إلى (أرض الميعاد) وسيلة لإثارة حماس اليهود الديني والعاطفي، وتحشيدهم، ومن ثم استغلال ذلك كلّه لاقتلاع اليهود من مواطنهم الأصليّة، وشحنهم إلى فلسطين.
ولهذا لا يمكن فهم أبعاد العنصرية الصهيونية، والتطرّف والإرهاب الصهيوني، ما لم تتم العودة إلى المنابع والمصادر والمرتكزات التي تقوم عليها وبها العنصرية الصهيونية، تلك القائمة على الروح العنصرية والتمايز العنصري والعقلية الاستعلائية الحاقدة. إذ أن العقلية اليهودية الصهيونية الحاضرة، تضرب عميقاً في التراث الديني واليهودي وتاريخ الجماعات اليهودية، وتتغذى من نزعة التفوق والشعور بالتميّز عن الآخرين، والتفرّد والاختيار.
والتوراة هي الكتاب (المقدّس) الأول لدى اليهود، وهي المرآة التي أسقط عليها اليهود أخلاقهم ورؤيتهم وتطلعاتهم. وقد وضع عددٌ من الكتّاب مؤلفات وبحوث ودراسات، تحلّل الصلة الروحية والنفسيّة والذهنية بين نصوص التوراة التي وقع تحريفها وتصرفات اليهود الحاليين، والإرهاب الذي تمارسه الصهيونية، سواء في فلسطين والأراضي العربية المحتلة، أو في أنحاء العالم الأخرى.
فمن يستطيع محو الاعتقاد اليهودي بأنّ الإله (يهوه) هو الذي حذّرهم من مخالطة الشعوب، أو قطع العهود معهم. ومن بإمكانه إلغاء الإيمان اليهودي المتوارث منذ آلاف السنين، بأنّ الربّ هو من فرض عليهم إبادة الشعوب المجاورة أو طردها. كقوله ـ أو قول قادتهم على لسان الربّ ـ: (متى أتى بك الربّ إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها، وطرد شعوباً كثيرة من أمامك الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحوريين واليبوسيين. سبع شعوب أكثر وأعظم منك ودفعهم الربّ إلهك أمامك وضربتهم فإنك تحرّمهم. لا تقطع لهم عهداً ولا تشفق عليهم)، [تثنية، الاصحاح السابع:1-2].
والقول أيضاً:(وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الربّ إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما، بل تحرّمها تحريماً)، [تثنية، الاصحاح العشرون: 16]، ومئات غيرها من (الوصايا والتعاليم)، التي تنفجر حقداً وعنصرية ورُعْباً.
ومن يقدر على إقناع اليهودي العاديّ أنّ الإله (يهوه) لن ينصرهم على (الأعداء)، ويمكّن (شعبه الخاص) من الاستيلاء على أراضي الشعوب ومدنها ومزارعها ومياهها. أليسوا مؤمنين بأنّ (يهوه) مقاتل باطش، مرعب، حقود، منتقم، يسير أمام المحاربين (اليهود) لأنه ربّ الجنود وهو الذي (أمرهم) بتدمير المدن وتقتيل البشر في هجمات وحشية صاعقة، كاسحة.
ومنذ اتخذ بنو إسرائيل (يهوه) إلهاً لهم، جعلوه إلهاً غاضباً، ظالماً، قاسياً، متعطشاً لدماء الضحايا، حقوداً. فهو يأمر (شعبه المختار) بإبادة (كلّ ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحدّ السيف)، [ يشوع: الاصحاح السادس: 21].
فهل يمكن للإله الرحيم أن يقول: (واقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً)، [سفر صموئيل الأول، الاصحاح الخامس عشر: 3]؟! وهل غير (ربّ اليهود يهوه) يمكن أن يأمر بقتل الأطفال والرضّع والحيوانات ؟!
فلسفة الاضطهاد وإحياء التراث اليهودي يستند الصهاينة فيما يقومون به من أعمال إرهابية ضد الغرباء (الغوييم)، أي غير اليهود إلى الأساطير التلمودية، حيث جاء في كتاب (التلمود) العديد من المواقف التي تبرر لهم ذلك وأهمها، كما وردت فيه:
كتب على شعوب الأرض أن لحومكم من لحوم الحمير وزرعكم من زرع الحيوانات ولهذا السبب فالمباركون أولاد الحق هم اليهود، وأرومتهم التي تضمخت على جبل سيناء تبعد عنهم كل قذارة. إذا وقع وثني في حفرة فاسددها عليه بحجر كبير، وقال النسر بن ميمون: محرم عليك أن تأخذك الشفقة على وثني، بل عندما تراه قد تدهور في نهر أو زلت قدمه فكاد أن يموت، أجهز عليه ولا تخلصه.
أقتل الجاحد بيدك إذا استطعت، ومن سفك دم الكفار بيده يقدم قرباناً مرضياً لله، قال الراب عازار: هذا يعني يسوع وأتباعه، ويقول الراب يوشافاط: هذا يعني كل الأجناس أيضاً بغير استثناء وإن الوصية القائلة (لا تقتل) معناها: (لا يجوز أن تقتل إسرائيلياً)، وقال بن ميمون: إن من ينكر التعليم اليهودي وخصوصاً النصارى تتحتم إبادتهم عن بكرة أبيهم وإهراق دمهم يكون دائماً من الأعمال المحمودة، وإذا كان التنكيل بهم غير مستطاع، فالوشاية بهم واجبة.
كما أن ربة البيت تعيش من خيرات زوجها، هكذا (أبناء إسرائيل) يجب أن يعيشوا من خيرات أمم الأرض دون أن يحتملوا عناء العمل. قال العالم بفافركن: (إن ممتلكات النصراني بالنظر إلى اليهودي هي ممتلكات لا مالك لها مثل رمال البحار، وأول يهودي يستولي عليها عنوة يكون مالكها الأصلي.)
وقد امتد الإرهاب الصهيوني المستند على الفهم الانتقائي والسياسي لتعاليم التلمود والمصاغة سياسياً بمبادئ (الدولة العبرية) وخاصة مبدأ التجمع والاقتحام حتى بعد قيام الكيان الصهيوني، ولكن تحت الغطاء الرسمي (للدولة العبرية) عبر مصادرة الأراضي وهدم القرى واقتلاع الأشجار، وسن القوانين العنصرية وعمليات الاغتيالات والتصفيات الممارسة تجاه الآخرين، فإرهاب الدولة الصهيونية له مرجعية فكرية تلمودية وصهيونية عنصرية متأصلة ومتوارثة من جيل لجيل، وبالطبع هناك العديد من العوامل والأسباب التضليلية المزيفة التي أرتكزوا عليها في أعمالهم الإرهابية اليومية المتجددة.
وقد آمن قادة الكيان الصهيوني من متدينيين وسياسيين باعتماد سياسات إرهابية دائماً ومارسوها عملياً، ولم ولن يتوقفوا عنها مستقبلاً.
وخير دليل على ذلك قول هرتزل: (إني أعتبر أن الاضطهاد ضرورة من ضرورات الصهيونية، فاللاسامية فيها بعض عناصر التلهي القاسي والمنافسة التجارية والتعصب الموروث واللاتسامح الديني، ولكنني أجد فيها أيضاً الحاجة الملحة للدفاع عن النفس.)
ويرى قادة الحركة الصهيونية أن (الاضطهاد، أثر في تحطيم شعور الاستقلال القومي عند اليهود، وأفقدهم كل مقومات الأمة من لغة وعادات وأرض مشتركة)، ويتفقون على أن المسألة اليهودية هي مسألة قومية وليست اجتماعية أو دينية، ولذلك يجب أن يصبحوا أمة.. (فنحن شعب واحد) كما يقول هرتزل.
وبهذا انطلق تفكير آخر ورأي آخر، غير فلسفة الاضطهاد تنادي بإنشاء دولة يهودية تقوم على إحياء التراث اليهودي والروح اليهودية وكان على رأس هؤلاء الفلاسفة والمفكرين آحاد هاعام حيث يقول: (إن مشاعر الناس القومية تهدف وتأمل في الوصول إلى حل مشاكلهم الروحية أيضاً بالإضافة إلى المتاعب المادية، وظل اليهود على خلاف مع سائر الأمم القديمة)، ويعتقد هاعام بقوله: (إن قادة إسرائيل إذا لم يكونوا مثقفين بالثقافة اليهودية، فإنه مهما بلغ إخلاصهم لدولتهم ومصالحها، فان مقياس هذه المصالح سيكون وفقاً للحضارات الأجنبية، لأنهم هم أنفسهم اقتبسوها وسوف يحاولون بالإقناع أو بالقوة أن يثبتوا أن تلك
المقدسة في العصور الوسطى وفي خلال القرن 19حين ظهرت حركة (أحباء صهيون) وهي المجموعات الصهيونية التي هاجرت من أوروبا الشرقية وخاصة روسيا وبولونيا ورومانيا، في سنوات (1881 – 1904) وأقامت فيها المستوطنات الأولى وكان هدفها على حد قول الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي: (هو خلق مركز روحي على أرض فلسطين [صهيون] تتألف منه العقيدة والثقافة اليهوديتان).
أما الصهيونية السياسية فهي مذهب سياسي يدعو إلى تجميع اليهود في أرض فلسطين على أساس قومي عنصري، وهي الحركة التي تدعو إلى التطبيق العملي لمنهاج مؤسسها ثيودور هرتزل والمتمثلة في النقاط التالية:
تبنى فكرة استعمار يهودي منظم بمقياس واسع لفلسطين. الحصول على حق قانوني معترف به دولياً بشرعية استعمار اليهود لفلسطين. تشكيل منظمة دائمة تعمل لتوحيد جميع اليهود للعمل في سبيل الصهيونية. وكان هناك نوعان من المؤيدين في صفوف الحركة الصهيونية، يطلب الأول، تحقيق النواحي الثقافية، بينما يطلب الآخر الأغراض السياسية، حيث تمثل مطلبهم في (تأسيس دولة قومية يهودية في فلسطين). أما الصهيونيون الثقافيون فكانوا يهتمون أولاً وقبل كل شيء بإعادة تربية الإنسان اليهودي، وتشكيله ذهنياً، ببعث الثقافة العبرية من النواحي اللغوية والدينية والعنصرية كمقومات تشكل بنية الفكر الصهيوني، والأيديولوجية الصهيونية بشكل عام. ولقد شكلت الحركة الصهيونية لجاناً ومنظمات وهيئات هدفها، بث الدعوة الصهيونية بين اليهود في أوروبا، وكانت تأخذ شكل دورس في العبرية وفي التلمود وفي الفكر السياسي الصهيوني. وكانت بوتقة التعليم بالنسبة لدعوتهم العمود الفقري لنجاحهم في استقطاب الآلاف من اليهود الذين كانوا يعيشون في( الجيتو) روحاً وجسداً.
من خلال كل ما سبق، نلاحظ كيف كانت الحركة الصهيونية أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود نظراً لما قدمته من أفكار ونظريات وخدمات تعليمية من أجل وضع أسس تربوية خاصة تستطيع من خلالها تطبيق أهدافها الأيديولوجية والتربوية بين صفوف اليهود في كل مكان.
ويعتقد اليهود أن أرض فلسطين - بل الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات - وعد إلهي لهم على مدار الزمان منذ إبراهيم واسحق ويعقوب خالصة لهم من دون الناس.
وكان الانغلاق العنصري الصهيوني ضروري لعودة كل يهودي من الشتات إلى (أرض الميعاد) وترحيل غير اليهودي عنها. ويعتقد اليهود لا أحد غيرهم سيدخل الجنة، وأما سواهم فمأواهم الجحيم.
ويعتقدون أن (خيرات الأرض لهم وكل ما في أيدي الناس ملكهم، ولو لم يخلق الله اليهود لانعدمت البركة من الأرض ولما أمكن باقي المخلوقات أن تعيش)، وأن الله (سلطهم على أموال الأمم الأخرى ودمائهم، وأن لليهودي حق سرقة الأجنبي وغشه واخذ ماله بالربا الفاحش.)
وأن (قتل اليهودي للأمي لا يعد جريمة في نظرهم بل فعل يرضي الله، وجرائمهم مع الناس قربان يثيبهم الله عليها.)
وقد اعتمد اليهود منذ وطئت أقدامهم ثرى فلسطين، منهج القتل وسفك الدماء وارتكاب المجازر البشعة، والقصد من ذلك تفريغ الأرض من أصحابها الشرعيين والاستيلاء عليها. وظلت هذه السياسة متبعة من المنظمات الإرهابية اليهودية حتى العام 1948م. ثم تشاركت معها فيه دولة الظلم والعدوان بمختلف أجهزتها منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، ولم يوقف توقيع الاتفاقيات بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية، على شدة بأسها وإهدارها للحقوق الفلسطينية التاريخية ورفضنا المطلق لها، هذا النهج العدواني الدموي الإرهابي بل استحكم هذا المنهج، واستعمل الصهاينة كل أنواع الأسلحة، حتى المحرمة منها، ضد المدنيين العزل، وصوبوا أسلحتهم نحو الجزء العلوي من الجسم بقصد القتل، ولم يتورعوا عن استهداف الأطفال والنساء والشيوخ، ولا فرق عندهم بين المقاوم الذي يدافع عن حقه وبين المدنيين العزل والأطفال والنساء.
بيد أن الحركة الصهيونية لم تفلح في تهجير كل السكان الأصليين الفلسطينيين، والذين نفضل شيوع استخدام مصطلح (فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 48 ) خلافا للتسمية الرسمية الصهيونية: (عرب إسرائيل ) أو (الأقلية العربية)، أو غيرها من التسميات العربية ومنها (فلسطينيو الخط الأخضر )، فهؤلاء هم تلك الشريحة الهامة من الشعب الفلسطيني الذين تشبثوا بأرضهم ولم يغادروا ديارهم على أرض فلسطين عقب نكبة عام 1948، وكان تعدادهم، وقتئذ، قرابة 170 ألف نسمة، بعد أن تمكن الصهاينة باعتمادهم أبشع آليات ووسائل الإرهاب، من تهجير أكثر من 850 ألف فلسطيني من وطنهم، وشكلوا.آنذاك، نحو 20 % من تعداد سكان الأراضي المغتصبة، في حوزتهم 21% من الأرض، وبعد أكثر من 60 عاماً من الاحتلال، تقلص ما بيدهم إلى 4% من جملة مساحة الوطن المحتل بفعل مصادرة الأراضي وهدم القرى. وكان معظم هؤلاء من الفلاحين، وقد تكاثروا خمس مرات تقريبا خلال العقود الستة الماضية، نتيجة أن معدل زيادتهم السكانية كانت هي الأعلى في العالم، وحسب الإحصاءات الصهيونية الرسمية لعام 1998، وصل عددهم إلى مليون و 254 ألف نسمة، بنسبة 20.8% مقابل 4 ملايين و783 ألف يهودي، يتمركزون في الجليل( شمالا) وعاصمته الناصرة العاصمة الاقتصادية والسياسية والثقافية، وفي المثلث العربي ( في الوسط ) ورأسه في أم الفحم وقاعدته في كفر قاسم والطيرة والطيبة، وفي النقب ( جنوبا ) إضافة إلي وجود مختلط في مدن يافا وعكا واللد والرملة وحيفا.
وقد فرضت سلطات الاحتلال عليهم منذ 1948 وحتى 1966 الحكم العسكري بموجب ما يسمى بقانون الدفاع ( قانون الطوارئ عام 1954 ) ونتيجة لصمودهم وتمسكهم بوطنهم وأرضهم، ولأن الاحتلال كان يسعى لتسويق نفسه دولياً، خاصة في الغرب" كواحة للديمقراطية" واحترام حقوق الإنسان، اضطر أن يعرض عليهم حمل (جنسية المحتل) أو مغادرة البلاد بعد مهلة محددة، فقبلوا أن يكونوا (مواطنين) في دولة الاحتلال، انطلاقاً من قناعتهم أنه لا يجب ترك أرضهم للغرباء. أي أنه في الوقت الذي يعتبر فيه هؤلاء من الناحية القانونية الدولية مواطنين ويتحتم على سلطات الاحتلال أن تعاملهم على أساس أنهم سكان أصليون ولهم جميع الحقوق والحريات، طبقا للقواعد القانونية الدولية بهذا الخصوص، فإن شيئا من هذا لم يحدث ولن يحدث، فالنظام العنصري الصهيوني، وأية عنصرية أخرى ترفض بطبيعتها المساواة، بل يعتبر إجهازاً على المفهوم العنصري ذاته، فالاستعلاء الصهيوني المستمد من منطلق (الشعب المختار)، ومن مبدأ استعلاء الأرض المستمد من منطلق (الإيمان بأرض الميعاد)، وهذا بالإضافة إلى ربط هذين المفهومين بالإله القوي (الله القوي) واختصاص اليهودية به واختصاصه باليهود، وصب ذلك في قالب سياسي ذي نزعة استعمارية شرسة، استيطانية اقتلاعية وإحلالية، وهي العنصرية الصهيونية، القائمة بالأساس على نفي الآخر وتهجيره، ومن ثم تصبح ألوان التمييز مسألة طبيعية وظاهرة يومية إزاء كل من يفرض تواجده بين أولئك العنصريين، بمعنى أخر تصطبغ الحياة بكافة مناحيها السياسية والقانونية والاقتصادية... الخ بالصبغة العنصرية التمييزية، وهي سياسات تمييز مؤسساتي، وبصورة منهجية ومبرمجة، في ضوء أزمة المساواتية المعلنة والتمييز الضمني وتلك خاصية ملازمة للمشروع الصهيوني منذ تأسيسه.
2012-10-31 16:18:41
1 0 1
تعليق جديد

No comments:

Post a Comment