Wednesday, October 31, 2012

إعصار 14 آذار» .. وهمي

«ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر،
ولكنه الذي يعرف خير الشرّين».
عمرو بن العاص

منذ اغتيال اللواء وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، قبل أسبوعين في الأشرفية، والمعارضة تحاول خلق أجواء تنذر بجريمة سياسية تتعدى الاستهداف الشخصي لمسؤول أمني كبير، إلى إشعال فتنة مذهبية قد لا تقتصر على مواجهة سنية ـ شيعية، بل تتعداها إلى إشراك مسيحيي 14 آذار في الصراع الذي ترفضه الكنيسة بشدة، وهي التي تحاول منذ انتخابات البطريرك مار بشارة بطرس الراعي رأساً لها رأب الصدع مع المكونات الأخرى، بفعل السياسات الخاطئة التي اتخذت في العقود الأربعة الماضية ووضعت فريقاً من المسيحيين في مواجهة المكوّن السني الذي يسعى اليوم إلى جعلهم الآن رأس حربة في «التصدي» للمكون الشيعي ومعه المقاومة وفريق مسيحي حليف مشارك في الحكم، وله وزنه في القرار السياسي.
وكان واضحاً هذا الواقع من خلال الصورة التي ظهر بها الرئيس فؤاد السنيورة في «بيت الوسط» الثلثاء الماضي خلال إعلانه الوثيقة السياسية لقوى 14 آذار، وإلى يمينه الرئيس أمين الجميل الذي كان «شارداً» طوال الوقت. وربما ذهب بعيداً في شريط ذكريات امتد من خمسينيات القرن الماضي إلى اليوم. وإلى يساره الدكتور سمير جعجع الذي كان غارقاً في تأمل عميق أين منه عمق ظلمة الزنزانة التي احتُجز فيها 11 عاماً، وظللتها ذكريات المواجهات مع السوري والفلسطيني وحليفهما المكوّن الذي كان السنيورة ينطق باسمه.
ورغم التوصيفات الكثيرة التي أُعطيت للوثيقة التي تلاها السنيورة وأعلن فيها إعصاراً على الحكومة والمقاومة والشراكة والحوار، قاطعاً الجسور مع الفريق الآخر، وغير موفّر رئيس الجمهورية من خلال رفض 14 آذار لأي حوار وطني قبل استقالة الحكومة، فإن سؤالاً كبيراً طرح نفسه أول من أمس، اثر فراغ السنيورة من تلاوة الوثيقة هو: من المستفيد من هذا الإعصار الوهمي الذي أطلقه السنيورة مهدداً باجتياح الحكم، وتعطيل الحياة السياسية، وعرقلة النشاط الدستوري، والتحريض على المقاومة في تنفيذ متأخر للقرار الدولي 1559 الذي وصفه النائب وليد جنبلاط بأنه كارثة الكوارث؟
ربما كان أبسط جواب يُعطى عن هذا السؤال، تماماً كما في الأجوبة حول من المستفيد من الجرائم عموماً، هو أن المستفيد الأول هو العامل منذ سنوات على خط الفتنة المذهبية التي عطّلها الفريق المقاوم المُستهدَف، واستطراداً العدو الذي لا يريد للعيش المشترك ان يكون رسالة إلى العالم بأن المسيحية والإسلام يمكن ان يتعايشا، وان لا مكان للدولة ذات الهوية الدينية سواء أكانت مسيحية أم إسلامية أم يهودية.
وبدا مسيحيو 14 آذار وكأنهم شهود زور حول الطاولة التي تصدرها السنيورة في بيت الوسط، زعيماً بالوكالة. وكانوا مثل صحون «مازة» حول الطاولة التي كانت أطباقها الرئيسية «زرقاء»، تحوطها أطباق الفستق... الشهية، المشهد الذي لا يروق كثيراً للبطريرك الماروني الذي جعل شعار حبريته «الشراكة والمحبة».
لقد أظهر هذا الفريق حقده على المقاومة التي عمل «التيار الأزرق» طوال ثلاث سنوات على محاولة تفكيك الحلف المقدس بين الشعب والجيش والمقاومة الذي سبق لحكومة السنيورة ان كانت أول من تبنّاه، بدعوته إلى «إنهاء كل مفاعيل التلطي وراء كلمة المقاومة»، بداعي ان «حزب الله» «يتهرب من دفع الرسوم الجمركية والضرائب (...) ويقفز فوق القوانين في كل المجالات».
وبدا هذا الفريق كأنه ممتعض من عدم إقدام إسرائيل على «مهاجمة لبنان رداً على طائرة أيوب» التي أرسلها «حزب الله» لتحلّق فوق مفاعل «ديمونا» النووي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، متهماً الحكومة بأنها حالت دون ذلك بـ«سكوتها وتغطيتها إرسال «حزب الله» طائرة إيرانية من دون طيار (إلى أين؟) خارج إرادة اللبنانيين، وهي تغطي استئثار الحزب بقرار الحرب والسلم».
وربما أراد فريق 14 آذار الإيحاء بأن «الشراكة الوطنية» لا تزال قائمة، لكنها في خطر ان ينسفها «حزب الله»، متجاهلاً دعوات البطريرك الماروني إلى إقامة عقد اجتماعي جديد من أجل ترميم الشراكة الوطنية التي تأذت وأفقدت اللبنانيين ثقتهم ببعضهم البعض.
وربما كان أبلغ رد على طروحات السنيورة وآذارييه الذين رفضوا المشاركة في الحوار قبل استقالة الحكومة ما قاله الرئيس ميشال سليمان قبل مدة: «ان الشراكة الوطنية وميثاق العيش المشترك ليسا فقط حضور المسلم والمسيحي في الدولة سياسياً وإدارياً، إنما يفرضان أيضاً اعتماد الخطاب الوطني المسؤول».
أما الراعي صاحب الدعوات المتكررة إلى الشراكة والمحبة والحوار فقد فتح حواراً مع «حزب الله» في إطار من «الحقيقة والموضوعية» حول ثلاث نقاط هي:
ـ كيان لبنان كدولة، الميثاق الوطني وحياد لبنان.
وقال: «لا يجوز ان تتحول الاتهامات بين 8 و14 آذار إلى عداء بين الطرفين، ومن دون الحوار يصبح هناك عداء بين اللبنانيين، وهذا ما لا نريده (...) والمقاومة في لبنان عمرها 36 سنة وليست ابنة البارحة، علماً ان المسيحي حاول ان يعيش وحده وكذلك المسلم، ولكن هذه المعادلة لم تنجح لتحل مكان العيش المشترك».
وناشد في المطار في يوم إعلان الوثيقة، فريق 14 آذار «التحلي بالهدوء وتلبية دعوة رئيس الجمهورية إلى الحوار»، رافضاً مقاطعة الحكومة أو إسقاطها في الشارع لأن «البلد رايح إلى الخراب اقتصادياً».
اننا أمام طائرة بدون طيار تائهة في الفضاء، وقد رفض كثيرون الصعود عليها.
edmond@edmondsaab.com


ما لم يُحكَ عن سرّ الانفجار الحريري ـ الجنبلاطي
ما من كلام همس أو سرب حتى اللحظة، يبدو كافياً لتفسير هذا المنسوب من الحدة والتوتر وحتى العدائية، في لغة التخاطب الحريري _ الجنبلاطي، ولا خصوصاً لشرح اندلاعه المباغت وحتى الفوري، بعد أشهر من «اللفي» السري، وأسابيع من الغزل العلني بعد لقاء باريس.

أحد العاملين كشافاً ومدققاً على نقاط العبور بين بيت الوسط والمختارة، يحاول كشف السر واللغز. يوافق أولاً على أنه لا الموقف من حكومة نجيب ميقاتي أو مصيرها، ولا الابتزاز بشأن زيارة جنبلاط للسعودية، ولا قانون الانتخابات وحساباته الشوفية، ولا أي مسألة أخرى من تلك التي تم الردح على مقامها خلال عشرة أيام، هي السبب الحقيقي أو كل السبب.

في الأساس يكشف «الكشاف» أنه لحظة اغتيال وسام الحسن، استعاد بيت الحريري وبيت جنبلاط مأساة 14 شباط 2005، بكل تفاصيلها والحيثيات. يومها وقف الرجلان ومعهما قسم لا بأس به من المسيحيين، لطرح سؤال مصيري: من نحدد الخصم والهدف الآن؟ وبسرعة فائقة تم الاتفاق: الهدف بشار الأسد. نحيِّد حزب الله، ونصوّب كل دم رفيق الحريري على سيد دمشق. وهكذا كان، وهكذا أثمر التطابق في وجهات النظر انتصاراً على سوريا في لبنان، وانسحاباً كاملاً لجيشها، في ظل اتفاق هدنة مع الضاحية الجنوبية، اسمه التحالف الرباعي.

لحظة سقوط وسام الحسن في الأشرفية، أدرك سعد الدين الحريري ووليد جنبلاط فوراً أنهما أمام استحقاق مماثل، وأمام سياق مطابق، لا بل ربما أمام فرصة ثانية. ابن بيت الوسط حسم خياره الجمعة مساءً، ليلة الاغتيال في 19 الجاري: الهدف هو حزب الله. البيان الصادر من منزله أطلق اللازمة، تحت طائلة نسف «الشراكة الوطنية». بعدها راحت مكونات فريقه تعزف التقاسيم تفريداً، كل بحسب نفَسه وسعة صدره. أمين الجميّل على المقام العريض. سمير جعجع أكثر «تينوراً». لكن الرسالة أبلغت إلى المختارة فوراً تلك الليلة: فلنكرر إنجاز الـ2005. يومها قتلوا رفيق الحريري فطردنا بشار الأسد من لبنان. سنة 2012 قتلوا وسام الحسن فلننته من سلاح حزب الله، أو حتى من حزب الله.

يضيف المدقق نفسه على خط «الوسط _ الوسطي» أن الرسالة الحريرية المذكورة ذهبت إلى وليد مفصلة مبوبة ومرفقة بالأسباب الموجبة كاملة. قيل له: سنة 2005 كان ثمة توافق سعودي _ إيراني، في زمن طهران محمد خاتمي. وهذا ما مهّد لخيارنا يومها بتحييد ضاحية بيروت واستهداف من يعتبر كل لبنان ضاحيته. الوضع اليوم مختلف، فالمعركة السعودية الإيرانية فرصة لنا لنضرب في الضاحية. ثم سنة 2005 جاء أردوغان وشيراك وبوش وباركوا. والأهم أن الأمر الواقع في لبنان يومها كان فارضاً سلم أولويات واضحاً، مفاده أن الهدف يجب أن يكون سوريا. فهي الوصية وهي المهيمنة وهي الضاغطة وهي القابضة وهي القاتلة... كل ذلك تغيّر سنة 2012، إيران تحت الحصار، سوريا متداعية، العقبة الفعلية ضدنا باتت في حارة حريك... كأن الحريري الابن قال لابن كمال جنبلاط: كل المعايير السابقة تفرض وضعنا اليوم أولوية مطلقة جديدة عنوانها حزب الله. فلنبادر، ولنسارع، ولا نُضع اللحظة ولا حتى لحظة.

فجأة وفوراً جاء الرد الجنبلاطي: فكرت في الموضوع، أنا باق على جوابنا المشترك قبل سبعة أعوام: الخصم والهدف هما سوريا، مع التمديد والاستمرار في تحييد حزب الله. لم يفكر الحريري في الأسباب التي دفعت سيد المختارة إلى البقاء على موقفه. لكن تفكيره ذهب إلى نتائج الموقف الجنبلاطي. رأى الحريري أن جنبلاط قصد من تموضعه هذا، وبشكل مدروس ومقصود، ربط الوضع اللبناني بالوضع السوري كلياً. لا بل أكثر من ذلك، ربط مصير المعارضة اللبنانية بمصير المعارضة السورية. أحسّ الحريري في قرارة ما له من قرار، أن جنبلاط قصد أن يوجه إليه ضربة كبرى. أراد أن يوحي لمواقع القرار في الخارج أن هناك نظامين متجاورين، ومعارضتين متلازمتين لهذين النظامين. فإذا قرر الغرب إنجاح غليون أو سيدا أو من سيخلفهما أو سيحترق بعدهما في دمشق، لا مانع عنده ساعتئذ من إنجاح ابن الحريري في بيروت. أما إذا كان الغرب يخطط لتسوية سورية ما، بين الأسد وبين معارضاته، فليكن مصير الحريري مطابقاً لتلك التسوية.

هكذا لم يعش الحريري أسى أن جنبلاط خذله وحسب، بل عاش رعب أن جنبلاط يتآمر عليه وعلى حياته السياسية ومستقبله ودوره كشخص وكبيت. فانفجر الكلام، وخرجت كل المرارة. أحسّ الحريري أن جنبلاط الذي قال مرة إن جماعته أصبحت مثل «الهنود الحمر» في لبنان، والذي قال مرة أخرى إنه يقف على ضفة النهر منتظراً عبور جثة عدوّه، لا يكتفي فعلياً بذلك، بل يريد أن يجعل من الآخرين كافة هنوداً حمراً مثله، ولا مانع لديه من العبور على جثث حلفائه المرمية في النهر، ليلقي نظرة الوداع على جثة عدوّه حين تمر، هذا إذا مرّت...
الكاتب:جان عزيز| المصدر:الأخبار| التاريخ:11/1/2012

الذهنية الصهيونية ذات الفلسفة اليهودية التلمودية – سلام الحركة
الذهنية الصهيونية ذات الفلسفة اليهودية التلمودية – سلام الحركة

إن عمليات الإرهاب و القتل الجماعي و الاغتيالات والتصفيات التي يمارسها الصهاينة نابعة من الفكر والعقيدة اليهودية المستمدة من خرافات وأساطير التلمود والتي أكدتها الصهيونية قولاً وعملاً، وكانت التربية اليهودية بخلفيتها الدينية والتوراتية التلمودية العنصرية، وبفلسفتها المستمدة من تعاليم الصهيونية العدوانية، هي الوسيلة الأولى والأهم التي استخدمت لتحقيق أهداف الصهاينة في إنشاء الكيان الصهيوني وبقائه.
يشكّل التراث الديني اليهودي المنبع الرئيس لمكوّنات الوجدان الصهيوني المعاصر، الذي تأثر به تأثراً عميقاً، ووظّفه مفكّرو الصهيونية وروّادها وقادتها ليصبّ في أهدافهم العنصرية الكبرى. حيث حوَّلت الصهيونية العهد القديم إلى فلكلور للشعب اليهودي، وهو كتاب تفيض صفحاته بوصف حروب كثيرة خاضتها (جماعة يسرائيل أو العبرانيون) مع الكنعانيين وغيرهم من الشعوب، فقاموا بطرد بعضهم وإبادة البعض الآخر. و(جماعة يسرائيل) يحل فيها الإله الذي يوحي لها بما تريد أن تفعل، ويبارك يدها التي تقوم بالقتل والنهب، فكل أفعال الشعب مباركة مقدَّسة لأن الإله يحل فيه.
أولا يعني الاهتمام الصهيوني- باليهودية أنّ البحث الحقيقي عن مُثل أو قيم روحية- أخلاقية قد توجد في هذا التراث، وإنما يعني الاهتمام بمدى تعبير اليهودية عن (الذات القومية)، التي يريدون لها (الانبعاث) في (أرض الميعاد).
ويدرك الدارس لتاريخ الجماعات اليهودية والحركة الصهيونية، أنّ هناك ترابطاً عضوياً لا تنفصم عراه بين كلّ من اليهود والصهيونيّة. فاليهود يعدّون أنّ كلّ يهودي في العالم هو جزء منهم، وأن لا فرق من الناحية القومية، بين اليهود الذين يعيشون في الكيان الصهيوني، وبين اليهود في أمريكا أو روسيا مثلاً، فالدين اليهودي بالنسبة إليهم يُعَدُّ عنصراً أساسياً في القومية، خلافاً لكلّ النظريات والدراسات والأبحاث، التي أجمع عليها العالم كلّه في هذا السياق.
وقد تم بلورة مفهوم الصهيونية وملامح المشروع الصهيوني بشكل كامل، في الفترة بين منتصف القرن التاسع عشر وعام 1880 على يد المفكـرين الصهاينة غــير اليهـود أمثال لورد شافتـسبري ولورانـس أوليفانت. وقد لخص شافتسبري التعريف الغربي لمفهوم الصهيونية في عبارة أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض (في كلمات تقترب كثيراً من الشعار الصهيوني). وقد حاول أوليفانت أن يضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ. وبعد المؤتمر الصهيوني الأول 1897 في بازل، تحدَّد المصطلح وأصبح يشير إلى الدعوة التي تبشر بها المنظمة الصهيونية وإلى الجهود التي تبذلها، وأصبح الصهيوني هو من يؤمن ببرنامج بازل (في مقابل المرحلة السابقة على ذلك، أي مرحلة أحباء صهيون بجهودها التسللية المتفرقة.)
ولعل من أبرز أهداف الصهيونية، تطبيق التعاليم اليهودية والالتزام بالطابع الديني للدولة اليهودية، وتؤمن الصهيونية عموماً بأنّ الدين هو الدافع الأول لخلق الدولة اليهودية. وأنّ العلاقة بين اليهودية والصهيونية علاقة عضوية.
فالدين في نظر المفكرين اليهود والصهاينة، هو (الأساس الذي تقوم عليه الأيديولوجية أو القومية اليهودية)، كما يقول البروفسور اليهودي يسرائيل شاحاك، وهو القاسم المشترك بين اليهود، الذين يضمن (نقاءهم العنصري وولاءهم القومي)، الأمر الذي عبّر عنه البروفسور يعقوب تالمون، أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية، بقوله: (إنّ الكنيس اليهودي هو وحده محور الهويّة الذاتية في دول الغرب).
وتنطوي المعتقدات اليهودية على انغلاق شوفيني وتعصّب عرقي وعنصرية حاقدة وأهداف سياسية خطيرة. حيث أنّ الفلسفة العنصرية تشكّل معيناً ينهل منها الصهاينة جميعاً، أفراداً وأحزاباً وتيّارات ومؤسّسات، فكراً وممارسة.
وهذه العنصرية هي التي تقبع خلف المواقف والاتجاهات والأحزاب والسياسات المختلفة. وما الأفراد الصهاينة والجماعات الصهيونية غير تجليّات متنوعة لجوهر واحد، هو العنصرية.
والواقع أنّ الولاء ( للدين والطقوس والشريعة) هي العناصر التي تجمع بين اليهود، في الظاهر على الأقل، وحجّة الآخذين بهذا الرأي تقوم على ثلاثة عناصر هي:
1-
إنّ البقاء اليهودي عبر العصور هو أشبه بالمعجزة، التي لا يمكن تفسيرها إلا على أساس الدين، الذي يُنظر إليه وكأنه قادر على التعويض عن غياب جميع العوامل الأخرى لحفظ التلاحم (القومي اليهودي). وفي هذا السياق يقول النظر الصهيوني آحاد هاعام: (لقد كنّا يهوداً لمدة ثلاثة آلاف سنة لأنه لم يكن بوسعنا أن نكون شيئاً آخر، ولأنّ قوة جبارة تربطنا بالديانة اليهودية وتفرض نفسها على قلوبنا، ولأنّ الديانة اليهودية تعيش فينا جنباً إلى جنب مع جميع الغرائز الطبيعية التي تنمو في الإنسان منذ ساعة ولادته).
2-
إنّ الحقّ التاريخي الذي يخوّل اليهود الاستيلاء على أرض فلسطين، يستمدّ مقوماته الجوهرية من الديانة اليهودية.
3-
إنّ مبرّر وجود (إسرائيل)، لا بل (حقها في الوجود)، يزعمون أنه مُستَمدٌّ من الدين اليهودي.
إن القومية الصهيونية لا تنفصل بتاتاً عن العقيدة اليهودية ومفرداتها ومفاهيمها وتعاليمها، ومقولاتها، التي تنص صراحة على أنّ (اليهود يشكلون عنصراً مميزاً على سائر العناصر البشرية، وشعباً متميزاً على الشعوب كافة، بخصائصه وفرادته، واختياره من قبل الربّ ذاته). وهي بذلك تجعل من نظرّية الجنس، أو العرق، أساساً جوهرياً لها. وعلى هذا الأساس تقوم النظرية العنصرية اليهودية - الصهيونية.
انطلاقا مما تقدم فإنّ دراسة الصهيونية ومرتكزاتها العنصرية، تقتضي دراسة مقولات ومفاهيم العقيدة اليهودية، لأنها المنبع الرئيسي الذي تستمدّ الصهيونية منها توجهاتها وقيمها وديماغوجيتها العنصرية، الشوفينية، ومنه استقت الحركات والجماعات الصهيونية الإرهابية، المتطرفة، بُغضها الشديد للعرب وحقدها على الفلسطينيين وعلى الشعوب والأمم الأخرى.
من هنا لا تُفرّق أغلبية اليهود بين دينها وقوميتها، إنهما وجهان لأيديولوجية شاملة. فكلمة (يهودي) تشير إلى دين. وكلمة (صهيوني) تشير إلى أرض، وعليه فهناك وضع تلاحمي - تكاملي بين النواحي الدينية والقومية والأيديولوجية في فكر الصهاينة وممارساتهم العدوانية- الإرهابية. وهذا الحاخام الأكبر لتل أبيب، شلومو غوريون، يعلن أنه (لا يمكن الفصل بين أرض [إسرائيل] وبين تعاليم اليهودية، وإنّ فصل قيم التوراة عن وصايا استيطان البلد هو بمثابة فصل الروح عن الجسد).
وقد استمدت الصهيونية في جوهرها عقيدة متطرفة، أصولها من مفاهيم الديانة اليهودية وأساطير تعود إلى ثلاثة آلاف سنة، والتي تنصّ على أنّ إله اليهود (يهوه) قد وعد شعبه الخاص (بني إسرائيل)، بأرض فلسطين، ملكاً أبدياً.. وخصّهم بها ميراثاً أزلياً. وجاءت الحركة الصهيونية فوظّفت تلك القصص والحكايات والأساطير، وتبنّت - وفق خطة إستراتيجية متغيرة، متجدّدة - تحقق تلك التنبؤات والأحلام، القائمة في جذور الديانة اليهودية، وفي أعماق العقل (الجمعي اليهودي). وبذلك أصبحت الحركة الصهيونية، التجسيد العملي والواقعي للرؤى اليهودية. وهذا ما عبّر عنه بن غوريون بقوله: (إنّ الصهيونية تستمدّ وجودها وحيويتها وقوتها من مصدر عميق، عاطفي، دائم، مستقل عن الزمان والمكان، وقديم قدم الشعب اليهودي، هذا المصدر هو الوعد الإلهي، والأمل بالعودة).
ويُفهم من كلام معظم قادة الصهيونية أنّ هذه الحركة أقامت، بالتعاون الوثيق مع الدول الغربية الكبرى، (دولة إسرائيل) في أرض فلسطين، استناداً إلى أساطير وتنبؤات (العهد القديم). ويُفهم أيضاً أن الصهيونية حركة قومية، عنصرية، إرهابية، لها جذورها العميقة في الديانة اليهودية. فلا صهيونية من دون يهودية، لأن الصهيونية ما فتئت تعمل، بجهود هائلة وأساليب شديدة التنويع والمكر، على تحويل التنبؤات والرؤى والأساطير والوعود إلى حقائق واقعية. وقد اتخذ قادة الصهيونية ومفكّروها من عقيدة (العودة) إلى (أرض الميعاد) وسيلة لإثارة حماس اليهود الديني والعاطفي، وتحشيدهم، ومن ثم استغلال ذلك كلّه لاقتلاع اليهود من مواطنهم الأصليّة، وشحنهم إلى فلسطين.
ولهذا لا يمكن فهم أبعاد العنصرية الصهيونية، والتطرّف والإرهاب الصهيوني، ما لم تتم العودة إلى المنابع والمصادر والمرتكزات التي تقوم عليها وبها العنصرية الصهيونية، تلك القائمة على الروح العنصرية والتمايز العنصري والعقلية الاستعلائية الحاقدة. إذ أن العقلية اليهودية الصهيونية الحاضرة، تضرب عميقاً في التراث الديني واليهودي وتاريخ الجماعات اليهودية، وتتغذى من نزعة التفوق والشعور بالتميّز عن الآخرين، والتفرّد والاختيار.
والتوراة هي الكتاب (المقدّس) الأول لدى اليهود، وهي المرآة التي أسقط عليها اليهود أخلاقهم ورؤيتهم وتطلعاتهم. وقد وضع عددٌ من الكتّاب مؤلفات وبحوث ودراسات، تحلّل الصلة الروحية والنفسيّة والذهنية بين نصوص التوراة التي وقع تحريفها وتصرفات اليهود الحاليين، والإرهاب الذي تمارسه الصهيونية، سواء في فلسطين والأراضي العربية المحتلة، أو في أنحاء العالم الأخرى.
فمن يستطيع محو الاعتقاد اليهودي بأنّ الإله (يهوه) هو الذي حذّرهم من مخالطة الشعوب، أو قطع العهود معهم. ومن بإمكانه إلغاء الإيمان اليهودي المتوارث منذ آلاف السنين، بأنّ الربّ هو من فرض عليهم إبادة الشعوب المجاورة أو طردها. كقوله ـ أو قول قادتهم على لسان الربّ ـ: (متى أتى بك الربّ إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها، وطرد شعوباً كثيرة من أمامك الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحوريين واليبوسيين. سبع شعوب أكثر وأعظم منك ودفعهم الربّ إلهك أمامك وضربتهم فإنك تحرّمهم. لا تقطع لهم عهداً ولا تشفق عليهم)، [تثنية، الاصحاح السابع:1-2].
والقول أيضاً:(وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الربّ إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما، بل تحرّمها تحريماً)، [تثنية، الاصحاح العشرون: 16]، ومئات غيرها من (الوصايا والتعاليم)، التي تنفجر حقداً وعنصرية ورُعْباً.
ومن يقدر على إقناع اليهودي العاديّ أنّ الإله (يهوه) لن ينصرهم على (الأعداء)، ويمكّن (شعبه الخاص) من الاستيلاء على أراضي الشعوب ومدنها ومزارعها ومياهها. أليسوا مؤمنين بأنّ (يهوه) مقاتل باطش، مرعب، حقود، منتقم، يسير أمام المحاربين (اليهود) لأنه ربّ الجنود وهو الذي (أمرهم) بتدمير المدن وتقتيل البشر في هجمات وحشية صاعقة، كاسحة.
ومنذ اتخذ بنو إسرائيل (يهوه) إلهاً لهم، جعلوه إلهاً غاضباً، ظالماً، قاسياً، متعطشاً لدماء الضحايا، حقوداً. فهو يأمر (شعبه المختار) بإبادة (كلّ ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحدّ السيف)، [ يشوع: الاصحاح السادس: 21].
فهل يمكن للإله الرحيم أن يقول: (واقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً)، [سفر صموئيل الأول، الاصحاح الخامس عشر: 3]؟! وهل غير (ربّ اليهود يهوه) يمكن أن يأمر بقتل الأطفال والرضّع والحيوانات ؟!
فلسفة الاضطهاد وإحياء التراث اليهودي يستند الصهاينة فيما يقومون به من أعمال إرهابية ضد الغرباء (الغوييم)، أي غير اليهود إلى الأساطير التلمودية، حيث جاء في كتاب (التلمود) العديد من المواقف التي تبرر لهم ذلك وأهمها، كما وردت فيه:
كتب على شعوب الأرض أن لحومكم من لحوم الحمير وزرعكم من زرع الحيوانات ولهذا السبب فالمباركون أولاد الحق هم اليهود، وأرومتهم التي تضمخت على جبل سيناء تبعد عنهم كل قذارة. إذا وقع وثني في حفرة فاسددها عليه بحجر كبير، وقال النسر بن ميمون: محرم عليك أن تأخذك الشفقة على وثني، بل عندما تراه قد تدهور في نهر أو زلت قدمه فكاد أن يموت، أجهز عليه ولا تخلصه.
أقتل الجاحد بيدك إذا استطعت، ومن سفك دم الكفار بيده يقدم قرباناً مرضياً لله، قال الراب عازار: هذا يعني يسوع وأتباعه، ويقول الراب يوشافاط: هذا يعني كل الأجناس أيضاً بغير استثناء وإن الوصية القائلة (لا تقتل) معناها: (لا يجوز أن تقتل إسرائيلياً)، وقال بن ميمون: إن من ينكر التعليم اليهودي وخصوصاً النصارى تتحتم إبادتهم عن بكرة أبيهم وإهراق دمهم يكون دائماً من الأعمال المحمودة، وإذا كان التنكيل بهم غير مستطاع، فالوشاية بهم واجبة.
كما أن ربة البيت تعيش من خيرات زوجها، هكذا (أبناء إسرائيل) يجب أن يعيشوا من خيرات أمم الأرض دون أن يحتملوا عناء العمل. قال العالم بفافركن: (إن ممتلكات النصراني بالنظر إلى اليهودي هي ممتلكات لا مالك لها مثل رمال البحار، وأول يهودي يستولي عليها عنوة يكون مالكها الأصلي.)
وقد امتد الإرهاب الصهيوني المستند على الفهم الانتقائي والسياسي لتعاليم التلمود والمصاغة سياسياً بمبادئ (الدولة العبرية) وخاصة مبدأ التجمع والاقتحام حتى بعد قيام الكيان الصهيوني، ولكن تحت الغطاء الرسمي (للدولة العبرية) عبر مصادرة الأراضي وهدم القرى واقتلاع الأشجار، وسن القوانين العنصرية وعمليات الاغتيالات والتصفيات الممارسة تجاه الآخرين، فإرهاب الدولة الصهيونية له مرجعية فكرية تلمودية وصهيونية عنصرية متأصلة ومتوارثة من جيل لجيل، وبالطبع هناك العديد من العوامل والأسباب التضليلية المزيفة التي أرتكزوا عليها في أعمالهم الإرهابية اليومية المتجددة.
وقد آمن قادة الكيان الصهيوني من متدينيين وسياسيين باعتماد سياسات إرهابية دائماً ومارسوها عملياً، ولم ولن يتوقفوا عنها مستقبلاً.
وخير دليل على ذلك قول هرتزل: (إني أعتبر أن الاضطهاد ضرورة من ضرورات الصهيونية، فاللاسامية فيها بعض عناصر التلهي القاسي والمنافسة التجارية والتعصب الموروث واللاتسامح الديني، ولكنني أجد فيها أيضاً الحاجة الملحة للدفاع عن النفس.)
ويرى قادة الحركة الصهيونية أن (الاضطهاد، أثر في تحطيم شعور الاستقلال القومي عند اليهود، وأفقدهم كل مقومات الأمة من لغة وعادات وأرض مشتركة)، ويتفقون على أن المسألة اليهودية هي مسألة قومية وليست اجتماعية أو دينية، ولذلك يجب أن يصبحوا أمة.. (فنحن شعب واحد) كما يقول هرتزل.
وبهذا انطلق تفكير آخر ورأي آخر، غير فلسفة الاضطهاد تنادي بإنشاء دولة يهودية تقوم على إحياء التراث اليهودي والروح اليهودية وكان على رأس هؤلاء الفلاسفة والمفكرين آحاد هاعام حيث يقول: (إن مشاعر الناس القومية تهدف وتأمل في الوصول إلى حل مشاكلهم الروحية أيضاً بالإضافة إلى المتاعب المادية، وظل اليهود على خلاف مع سائر الأمم القديمة)، ويعتقد هاعام بقوله: (إن قادة إسرائيل إذا لم يكونوا مثقفين بالثقافة اليهودية، فإنه مهما بلغ إخلاصهم لدولتهم ومصالحها، فان مقياس هذه المصالح سيكون وفقاً للحضارات الأجنبية، لأنهم هم أنفسهم اقتبسوها وسوف يحاولون بالإقناع أو بالقوة أن يثبتوا أن تلك
المقدسة في العصور الوسطى وفي خلال القرن 19حين ظهرت حركة (أحباء صهيون) وهي المجموعات الصهيونية التي هاجرت من أوروبا الشرقية وخاصة روسيا وبولونيا ورومانيا، في سنوات (1881 – 1904) وأقامت فيها المستوطنات الأولى وكان هدفها على حد قول الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي: (هو خلق مركز روحي على أرض فلسطين [صهيون] تتألف منه العقيدة والثقافة اليهوديتان).
أما الصهيونية السياسية فهي مذهب سياسي يدعو إلى تجميع اليهود في أرض فلسطين على أساس قومي عنصري، وهي الحركة التي تدعو إلى التطبيق العملي لمنهاج مؤسسها ثيودور هرتزل والمتمثلة في النقاط التالية:
تبنى فكرة استعمار يهودي منظم بمقياس واسع لفلسطين. الحصول على حق قانوني معترف به دولياً بشرعية استعمار اليهود لفلسطين. تشكيل منظمة دائمة تعمل لتوحيد جميع اليهود للعمل في سبيل الصهيونية. وكان هناك نوعان من المؤيدين في صفوف الحركة الصهيونية، يطلب الأول، تحقيق النواحي الثقافية، بينما يطلب الآخر الأغراض السياسية، حيث تمثل مطلبهم في (تأسيس دولة قومية يهودية في فلسطين). أما الصهيونيون الثقافيون فكانوا يهتمون أولاً وقبل كل شيء بإعادة تربية الإنسان اليهودي، وتشكيله ذهنياً، ببعث الثقافة العبرية من النواحي اللغوية والدينية والعنصرية كمقومات تشكل بنية الفكر الصهيوني، والأيديولوجية الصهيونية بشكل عام. ولقد شكلت الحركة الصهيونية لجاناً ومنظمات وهيئات هدفها، بث الدعوة الصهيونية بين اليهود في أوروبا، وكانت تأخذ شكل دورس في العبرية وفي التلمود وفي الفكر السياسي الصهيوني. وكانت بوتقة التعليم بالنسبة لدعوتهم العمود الفقري لنجاحهم في استقطاب الآلاف من اليهود الذين كانوا يعيشون في( الجيتو) روحاً وجسداً.
من خلال كل ما سبق، نلاحظ كيف كانت الحركة الصهيونية أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود نظراً لما قدمته من أفكار ونظريات وخدمات تعليمية من أجل وضع أسس تربوية خاصة تستطيع من خلالها تطبيق أهدافها الأيديولوجية والتربوية بين صفوف اليهود في كل مكان.
ويعتقد اليهود أن أرض فلسطين - بل الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات - وعد إلهي لهم على مدار الزمان منذ إبراهيم واسحق ويعقوب خالصة لهم من دون الناس.
وكان الانغلاق العنصري الصهيوني ضروري لعودة كل يهودي من الشتات إلى (أرض الميعاد) وترحيل غير اليهودي عنها. ويعتقد اليهود لا أحد غيرهم سيدخل الجنة، وأما سواهم فمأواهم الجحيم.
ويعتقدون أن (خيرات الأرض لهم وكل ما في أيدي الناس ملكهم، ولو لم يخلق الله اليهود لانعدمت البركة من الأرض ولما أمكن باقي المخلوقات أن تعيش)، وأن الله (سلطهم على أموال الأمم الأخرى ودمائهم، وأن لليهودي حق سرقة الأجنبي وغشه واخذ ماله بالربا الفاحش.)
وأن (قتل اليهودي للأمي لا يعد جريمة في نظرهم بل فعل يرضي الله، وجرائمهم مع الناس قربان يثيبهم الله عليها.)
وقد اعتمد اليهود منذ وطئت أقدامهم ثرى فلسطين، منهج القتل وسفك الدماء وارتكاب المجازر البشعة، والقصد من ذلك تفريغ الأرض من أصحابها الشرعيين والاستيلاء عليها. وظلت هذه السياسة متبعة من المنظمات الإرهابية اليهودية حتى العام 1948م. ثم تشاركت معها فيه دولة الظلم والعدوان بمختلف أجهزتها منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، ولم يوقف توقيع الاتفاقيات بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية، على شدة بأسها وإهدارها للحقوق الفلسطينية التاريخية ورفضنا المطلق لها، هذا النهج العدواني الدموي الإرهابي بل استحكم هذا المنهج، واستعمل الصهاينة كل أنواع الأسلحة، حتى المحرمة منها، ضد المدنيين العزل، وصوبوا أسلحتهم نحو الجزء العلوي من الجسم بقصد القتل، ولم يتورعوا عن استهداف الأطفال والنساء والشيوخ، ولا فرق عندهم بين المقاوم الذي يدافع عن حقه وبين المدنيين العزل والأطفال والنساء.
بيد أن الحركة الصهيونية لم تفلح في تهجير كل السكان الأصليين الفلسطينيين، والذين نفضل شيوع استخدام مصطلح (فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 48 ) خلافا للتسمية الرسمية الصهيونية: (عرب إسرائيل ) أو (الأقلية العربية)، أو غيرها من التسميات العربية ومنها (فلسطينيو الخط الأخضر )، فهؤلاء هم تلك الشريحة الهامة من الشعب الفلسطيني الذين تشبثوا بأرضهم ولم يغادروا ديارهم على أرض فلسطين عقب نكبة عام 1948، وكان تعدادهم، وقتئذ، قرابة 170 ألف نسمة، بعد أن تمكن الصهاينة باعتمادهم أبشع آليات ووسائل الإرهاب، من تهجير أكثر من 850 ألف فلسطيني من وطنهم، وشكلوا.آنذاك، نحو 20 % من تعداد سكان الأراضي المغتصبة، في حوزتهم 21% من الأرض، وبعد أكثر من 60 عاماً من الاحتلال، تقلص ما بيدهم إلى 4% من جملة مساحة الوطن المحتل بفعل مصادرة الأراضي وهدم القرى. وكان معظم هؤلاء من الفلاحين، وقد تكاثروا خمس مرات تقريبا خلال العقود الستة الماضية، نتيجة أن معدل زيادتهم السكانية كانت هي الأعلى في العالم، وحسب الإحصاءات الصهيونية الرسمية لعام 1998، وصل عددهم إلى مليون و 254 ألف نسمة، بنسبة 20.8% مقابل 4 ملايين و783 ألف يهودي، يتمركزون في الجليل( شمالا) وعاصمته الناصرة العاصمة الاقتصادية والسياسية والثقافية، وفي المثلث العربي ( في الوسط ) ورأسه في أم الفحم وقاعدته في كفر قاسم والطيرة والطيبة، وفي النقب ( جنوبا ) إضافة إلي وجود مختلط في مدن يافا وعكا واللد والرملة وحيفا.
وقد فرضت سلطات الاحتلال عليهم منذ 1948 وحتى 1966 الحكم العسكري بموجب ما يسمى بقانون الدفاع ( قانون الطوارئ عام 1954 ) ونتيجة لصمودهم وتمسكهم بوطنهم وأرضهم، ولأن الاحتلال كان يسعى لتسويق نفسه دولياً، خاصة في الغرب" كواحة للديمقراطية" واحترام حقوق الإنسان، اضطر أن يعرض عليهم حمل (جنسية المحتل) أو مغادرة البلاد بعد مهلة محددة، فقبلوا أن يكونوا (مواطنين) في دولة الاحتلال، انطلاقاً من قناعتهم أنه لا يجب ترك أرضهم للغرباء. أي أنه في الوقت الذي يعتبر فيه هؤلاء من الناحية القانونية الدولية مواطنين ويتحتم على سلطات الاحتلال أن تعاملهم على أساس أنهم سكان أصليون ولهم جميع الحقوق والحريات، طبقا للقواعد القانونية الدولية بهذا الخصوص، فإن شيئا من هذا لم يحدث ولن يحدث، فالنظام العنصري الصهيوني، وأية عنصرية أخرى ترفض بطبيعتها المساواة، بل يعتبر إجهازاً على المفهوم العنصري ذاته، فالاستعلاء الصهيوني المستمد من منطلق (الشعب المختار)، ومن مبدأ استعلاء الأرض المستمد من منطلق (الإيمان بأرض الميعاد)، وهذا بالإضافة إلى ربط هذين المفهومين بالإله القوي (الله القوي) واختصاص اليهودية به واختصاصه باليهود، وصب ذلك في قالب سياسي ذي نزعة استعمارية شرسة، استيطانية اقتلاعية وإحلالية، وهي العنصرية الصهيونية، القائمة بالأساس على نفي الآخر وتهجيره، ومن ثم تصبح ألوان التمييز مسألة طبيعية وظاهرة يومية إزاء كل من يفرض تواجده بين أولئك العنصريين، بمعنى أخر تصطبغ الحياة بكافة مناحيها السياسية والقانونية والاقتصادية... الخ بالصبغة العنصرية التمييزية، وهي سياسات تمييز مؤسساتي، وبصورة منهجية ومبرمجة، في ضوء أزمة المساواتية المعلنة والتمييز الضمني وتلك خاصية ملازمة للمشروع الصهيوني منذ تأسيسه.
2012-10-31 16:18:41
1 0 1
تعليق جديد

Monday, October 29, 2012


  1. تعاطوا مع جريمة الاشرفية انسانياً لا انتخابياً...
  2. دافيد عيسى
  3. الاثنين 29 تشرين الأول 2012
  4. قدر الاشرفية ان تكون دائماً في الصفوف الأمامية وفي مواجهة التحديات ، وأن تكون على موعد متكرر مع الشر والإرهاب المتسلل مثل السارق الجبان إلى احيائها الوادعة الشامخة . قدرها ان تمر عبرها وعلى أرضها كرة النار الملتهبة والمحشوة إجراماً وحقداً أسود . هذا ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم نهار الجمعة 19/10/2012 عندما انفجرت سيارة الموت في حي سكني ممزقة هدوءه وبيوته ومحولة الاجساد اشلاء والمنازل ركاماً والسيارات حطاماً..
  5. حدثت هذه الجريمة الإرهابية في وضح النهار وخلّفت وراءها ضحايا ابرياء ونالت من اللواء وسام الحسن ومرافقه المؤهل احمد صهيوني والسيدة جانيت سركيسيان مقتلاً ، وجرحت 120 شخصاً آمناً كاد الموت ان يطالهم داخل بيوتهم ومحالهم لولا العناية الالهية ، واعادت إلى الأذهان مشاهد أيام الحرب وحقبة ظن أبناء الاشرفية أنها اصبحت من الماضي وطويت إلى غير رجعة، والجدير ذكره انه ومنذ ثلاثين عاماً تقريباً حصل وفي المنطقة نفسها انفجاراً كان الأكثر قساوةً وأيلاماً واجراماً وأودى بحياة الرئيس الشهيد بشير الجميل و 26 من رفاقه .
  6. وكما عوّدتنا الاشرفية دائماً، فإنها تبقى أقوى من الجرائم الإرهابية والتجارب المرة والمحن والصعاب . تصبر على المصيبة ، تتحمل المعاناة ، تعض على الجرح ولكنها لا تضعف ولا تيأس . وأبناء الاشرفية الابطال والشرفاء هم سر صمودها وشموخها وقدرتها على التكيّف والتعاطي مع الازمات ، بما لديهم من إيمان راسخ وإرادة صلبة ، إرادة الصمود والبقاء رغم كل شيء .
  7. واجه أبناء الاشرفية الاهوال وأقسى التجارب ولم يسمع لهم يوماً أنين وإحباط ، لكنهم اليوم يشكون ويتذمرون ، هم بالتأكيد لم يتغيّروا ولكن واقعهم وكل ما يحيط بهم قد تغيّر ولم يعد يشبههم. بدءاً من بعض السياسيين الذين يصنفون أنفسهم مسؤولين ومراجع ومسؤولين عن الناس ، فيما هم وفي الحقيقة لا يشعرون مع الناس ويتعاطون معهم انتخابياً ومصلحياً خصوصاً في الاوقات والاختبارات الصعبة . فالذي جرى ويجري منذ حصول الانفجار المجرم من تسابق واستغلال وتوظيف اعلامي وسياسي وانتخابي ومن مزايدات رخيصة ومكشوفة ومن "متاجرة" بآلام الناس وعذاباتهم هو معيب... والذي يحصل على وسائل الاعلام هنا وهناك مخجل ومؤسف ، نسمع كلاماً كثيراً ولا نرى افعالاً ، ويتبين بعد مرور وقت ان كلامهم اكثر من افعالهم بكثير وهذا ما أثبتته التجارب والاحداث والايام، مما يذكرنا بالمثل القائل : اسمع تفرح ... جرب تحزن .
  8. سمعنا في الايام الاخيرة الكثير من الكلام السياسي المنمق والفارغ ، ولكننا لم نرَ إلا القليل من المبادرات الإنسانية المجردة. لهؤلاء نقول كفى مزايدات انتخابية واستهتاراً بقضايا الناس واستخفافاً بعقولهم... أبعدوا السياسة عن مآسي الناس ، وليكن التعاطي إنسانياً بحتاً وبعيداً عن الاعلام وذلك من خلال مخاطبة الانسان وحفظ كرامته وتأمين حاجاته . فلا يجوز ان يشعر المصاب جسدياً أو في املاكه وارزاقه بمنّة ، وإنما يجب ان يحصل على حقوقه وحاجاته بكرامة موفورة ورأس مرفوع .
  9. مشكلة أبناء الاشرفية والرميل والصيفي مع بعض السياسيين انهم لم يعودوا يثقون بهم وباتوا يشعرون ان هناك هوّة واسعة تفصلهم عنهم ، وان الناس اصبحوا في خلفية تفكيرهم يعرفون جيداً بأنهم ما عادوا يمثلون للسياسيين إلا ارقاماً وأصواتاً ، لذلك نرى الناس لم يعودوا مهتمين بالسياسة وأهلها وما عادت تحركهم قضية ودعوات للاعتصام والتظاهر وما المشهد الاخير في ساحة الشهداء إلا خير دليل على ذلك وهذا ما يستدعي إعادة تقييم للمرحلة السابقة ومعرفة مكامن الخلل في الاداء المتبع .
  10. ومن المؤسف ايضاً ان نشاهد خلال الانفجار الذي طال الاشرفية وزرع فيها الموت والرعب والدمار بعض الحلقات التلفزيونية التي تحولت بفعل وجود "مبخرين وزجالين" إلى حلقات من اجل تبخير ومدح هذا أو ذاك السياسي على لسان منافقين ومستفيدين وأزلام و " قبيضة " حتى لا نقول كلام أكبر أحضرهم بعض هؤلاء السياسيين إلى الحلقات التلفزيونية خصيصاً لإداء هذا الدور، متناسين الآم الناس واوجاعهم مروجين "لمآثر وتقديمات وانسانية" هذا السياسي او النائب او الوزير على حساب ارواح ودماء وممتلكات الناس، وليسمحوا لي هؤلاء جميعاً بأن اقول لهم وبكل محبة ولي من بينهم اصدقاء كثر بأن ما حدث خلال بعض هذه الحلقات ليس لمصلحتهم السياسية ولا الانتخابية بل ان ذلك سيرتد عليهم غضباً وقرفاً واستهزاءً من الاغلبية الصامتة من ابناء المنطقة التي كانت تشاهد من منازلها هذه المهازل عبر الشاشة والتلفزيون.
  11. ان مشكلة أهل الاشرفية ليست مع بعض السياسيين فقط ، وإنما ايضاً مع الجهات الرسمية خصوصاً عندما يشعرون ويشاهدون بالأدلة الحسية ان هناك صيفاً وشتاءً على سطح واحد وليس هناك مساواة في المعاملة والحقوق . فها هي الهيئة العليا للإغاثة تمعن في تعميق شعور الغبن والإجحاف عند ابناء الاشرفية في وقت تفيض خيراتها وأموالها على مناطق وجهات أخرى . وللتذكير فقط فإن الهيئة العليا للإغاثة لم تعطِ شيئاً حتى اليوم لسكان مبنى فسوح الذي انهار قبل سنة على رؤؤس ساكنيه ، ولولا الجهد الخاص والمتواضع الذي قامت به مؤسسة بشير الجميل عبر النائب نديم الجميل وشقيقته يمنى مشكورين وبمشاركة فعالة من محطة MTV وإدارتها لكان سكان المبنى المنهار متروكين لمصيرهم وعليهم ان يتدبروا أمورهم ويحصّلوا حقوقهم بأيديهم. ونخشى هنا ان تتكرر التجربة مجدداً مع سكان الحي المنكوب في الاشرفية ، خصوصاً وان التعاطي مع الهيئة العليا للإغاثة لم يكن مشجعاً في المرة السابقة . فمن جهة تمارس سياسة التقنين الشديد ومن جهة أخرى تُغدق الوعود الكلامية من دون أي التزامات فعلية . فهل يُعقل ان يُعطى صاحب المنزل المتضرر ألف دولار فقط " بدل إيواء " ، وهل من الجائز ان لا تُعطى للذين خسروا منازلهم وجنى عمرهم تعويضات كافية لشراء منزل جديد خصوصاً عندما يكون هذا المنزل ملكاً لهم وهو من جنى عمرهم وحياتهم ، أو لا يصار إلى ترميم منزل متصدع مستأجر لا يملك ساكنه القدرة على شراء منزل أو استئجار منزل آخر؟
  12. وليست الهيئة العليا للإغاثة لوحدها الجهة الرسمية التي تمارس التمييز والاجحاف ويشكو منها الناس ، فكذلك هي الحال ايضاً مع بلدية بيروت الغائبة عن الاشرفية ، والتي كانت وعبر رئيسها وعدت النائب ميشال فرعون باعطاء عشرة ملايين ليرة لبنانية لكل عائلة متضررة من جراء الانفجار واذا بها وخلال جلسة المجلس البلدي تقلص المبلغ إلى خمسة ملايين ليرة لبنانية منكسةً بوعدها ، هذا هي الحال مع الأسف مع بلدية بيروت فهي غائبة على صعيد الانماء وعلى صعيد الخدمات في مناطق معينة من بيروت على رغم بعض الجهود والخدمات التي يقوم بها بعض أعضاء المجلس البلدي على المستوى الشخصي والفردي . وهي لا تعرف إلا تحصيل الضرائب والرسوم البلدية من أهل الاشرفية وابنائها الذين لم يتلكؤوا يوماً أو يقصروا في واجباتهم تجاه البلدية ، ولكن حصل دائماً ان كانت البلدية مقصرة ومهملة معهم ، وبدلاً من أن تركز على ما ينقصهم من خدمات وبنى تحتية وغيره ، نراها منصرفة إلى خوض معارك وهمية على الصلاحيات والسلطة مع محافظ بيروت بالوكالة ناصيف قالوش (الكاثوليكي) الذي عرف كيف يحافظ بثبات وعناد على دور وحق هذا الموقع المسيحي (الارثوذكسي) ، وهنا وإذا كان الشيء بالشيء يذكر لا بد من التذكير بأنه لا مناصفة في معظم الوظائف الادارية في بلدية بيروت وهي لا تعرف من المناصفة إلا المناصفة العددية في مجلسها البلدي ، بينما في ممارستها ايضاً فهي بعيدة كل البعد عن هذا المبدأ وعن روحية العدالة والمساواة ولولا المحافظ بالوكالة ناصيف قالوش وجهوده لحصل الأمر نفسه من عدم توازن في تعيينات الشرطة البلدية الاخيرة ، ولأن الظرف لا يسمح اليوم بالتحدث مطولاً عن بلدية بيروت لكنه فسيكون لنا عود على ذلك في القريب لنضع النقاط على حروف حقيقة انجازات هذه البلدية.
  13. ما يطلبه أهل الاشرفية ان يساعدهم سياسيوهم ونوابهم ووزرائهم وفاعلياتهم على نيل حقوقهم كاملة من الدولة من دون مِنّة ومن دون إبطاء. وما يريدونه منهم أكثر ان يتعاطوا مع الامور والاحداث الاليمة باحترام وكرامة وانسانية بعيداً عن الاعلام والتصاريح والمنافسة الانتخابية وان يتواضعوا ويتعظوا من التجارب الماضية التي علمتنا ان المحبة والتضامن وقيم الحرية والعدالة والانسان هي التي تسود وتنتصر في النهاية .
  14. هذه هي لحظة التضامن مع الاشرفية . التضامن فعلاً لا قولاً ، بعيداً عن الفلكلور والضوضاء لا جهاراً عبر الشاشات ووسائل الاعلام ، التضامن من منطلقات إنسانية وليس لغايات سياسية أو انتخابية . التضامن الذي تستحقه الاشرفية ويكون في مستوى كرامتها وكرامة ابنائها وتاريخها وإرثها النضالي .

Sunday, October 28, 2012







أبعد من الاغتيال



جورج عبيد

الدم الذي أريق على ارض الأشرفيّة، من دم اللواء وسام الحسن إلى دماء الأبرياء، يستدعي أن نقف بمهابة أمام الموت العبثيّ.
ما من شكّ، أنّ من تفاعل مع الحدث برومانسية كئيبة، وانفعالية جامحة، وصراخ عاصف، وارتجاج بنيويّ واضح، خرج من سياق القراءة الموضوعيّة والمجرّدة، إلى المزيد من القراءة الشديدة الالتباس، لارتباط اغتيال وسام الحسن بالمشهد اللبنانيّ المتراكم، والمتأثّر حتمًا بالحدث السوريّ، ناهيك بالتفاعل الدوليّ مع هذا الحدث، ذلك أن ثمّة أحادية توضحت معالمها في احتكار للشهادة قلّ نظيره، واستهلاك الدم المراق لتحويله نارًا حارقة، ليس بوجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أو الحكومة برمتها فحسب، بل بوجه لبنان ككل، من شماله إلى جنوبه مرورًا ببقاعه وجبله، وأسره بل زجّه في أتّون احتراب مذهبيّ متوقّد ومتأجّج، يأباه أيّ عاقل، كما يلفظه الحكماء المستوون على أرائك الحكمة والمعرفة من أدبيّاتهم.
تدافع الشباب بهذا الحجم إلى السرايا، في نهاية مأتم اللواء الشهيد، وما كان بعد قد دفن، قلّل كثيرًا من قيمة الشهادة وخدش مفهومها وجرح عمقها. فجاءت العشوائيّة تبيانًا لخطاب سياسيّ أجوف، وتحريض مذهبيّ فارغ، خرج من المسجد، وانفجر على الأرض حممًا بركانيّة، وهو، تاليًا، انكشاف لإفلاس سياسيّ لا قاع ولا قرار له، عند الذين عصفوا بكلماتهم، من دون إدراك واحتساب معنى سقوط الحكومة، وسقوط لبنان معها في الفراغ وتداعياته.
وممّا لا شكّ فيه، أن حدث الاغتيال، وبهذا الحجم بالذات، إعلان واضح لانكشاف لبنان أمنيًّا على المستوى العالميّ، إذ بات لبنان، ومنذ سنوات أرضًا خصبة لصراع استخباريّ متراكم. لكن ثمّة أسئلة نازفة لا بدّ وأن تصبّ حول القصد من الجريمة. فما هو القصد من اغتيال اللواء وسام الحسن؟ ذلك أن القصد يكشف هويّة القاتل. وهل القصد من تلك العمليّة إعادة لبنان إلى المربّع الذي كان عليه في سنة 2005 بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأخذ البلد إلى السياق الفتنويّ-المذهبيّ، المتجلبب بجلباب السورنة حاليًّا كما كان متجلببًا بجلباب العرقنة في ذلك الحين؟ هل جاءت عمليّة الاغتيال تمزيقًا لاتفاق الدوحة بشقّيه السياسيّ والأمنيّ؟ أم هو إفصاح جديد، بأنّ لبنان وسوريّا والمنطقة بأسرها سائرون إلى مدى تسوويّ واضح مترافق مع مهمّة الأخضر الإبراهيميّ.
أنّ قراءة الدبلوماسيّ الجزائري المحنّك، وإن ظهرت كثيرة التشاؤم بتحذيره، إنّ الأزمة في سوريّا «ستأكل الأخضر واليابس في الدول المجاورة»، غير أنها تبقى أعمق من التحذير، بل هي تبشّر بأنّ هدف المهمّة، ينبع من إرادة دولية واضحة وساعية، إلى الصعود من جوف الصراع نحو إنتاج تسوية جديدة.
وإذا شاء بعضهم الإيغال أكثر في التوصيف، فإنّ سقوط النظام في سوريّا وبلا بدائل ديمقرطيّة وليبراليّة، هو سقوط وجوديّ للكيان السوريّ برمته ككيان وطنيّ جامع، وسقوط للترابط الميثاقي بين المكونات الوجوديّة لسوريا والمكونات الوجوديّة للمشرق العربيّ. كما انّ سقوط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بتزاوجه مع هذا الانكشاف الأمني في لبنان وبلا بدائل واضحة، هو سقوط للجمهوريّة والدولة والكيان اللبنانيّ الجامع. إذ إنّ الفتنة المذهبيّة الهابّة من العواصف الوجوديّة السوريّة الهوجاء وتداعياتها، ستأخذ لبنان وسوريا والمشرق العربيّ، إلى جيوبوليتيك متمذهب، وخادم لديمومة إسرائيل وأمنها، وهو لا شكّ مؤسّس على التراكم الكميّ العنيف الذي يبيح الانفجار، وليس على التلاحم النوعيّ الذي يؤول إلى وفاق.
تبقى الحاجة ماسّة إلى وقاية لبنان بأمن متماسك ومترابط، وبترقّب حكيم، من كلّ أولي الأمر، ونزع فتيل الأزمة بالحكمة. ولا شكّ أنّ دور الجيش اللبنانيّ، بالتآزر مع كلّ القوى الأمنيّة سيكون حاسمًا ودقيقًا. كما أنّ الوقاية ترتكز على حلّ الأزمات الاجتماعيّة واستكمال النقاش بقانون انتخاب يؤمّن المناصفة والتوازن، ولعلّ مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» الانتخابيّ هو الأقرب إلى ذلك. فالمناصفة والتوازن هما الركيزتان الجوهريتان لترسيخ دعائم ميثاقنا الوطنيّ وشراكتنا الفاعلة، والتي بها نحمي لبنان الوطن والكيان، فيبزغ من مفرداتها فجر المواطنة، وهو المبتغى ليكون قلب هذا الوطن الجريح وهيكله الحيّ.

([)
كاتب وناشط في «اللقاء الأرثوذكسي»

                                                                                            

Friday, October 26, 2012

الفرزلي لـ"الانتقاد": الاساءة للرسول تندرج ضمن مخطط صهيوني قديم لاشعال حرب الحضارات" بين الشرق والغرب
لفت نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي الى ان مسلسل الاساءة للرسول الأكرم (ص) يقع ضمن خطة قديمة بدأت منذ أوائل العقد الماضي، لافتاً الى ان الغاية الرئيسية منها هي إشعال "حرب الجضارات" لأن الصهيونية التي استفادت كثيراً من الحروب العالمية الثلاثة عبر انتزاع وعد بلفور وزرع الكيان الصهيوني في المنطقة وشرعنته وتثبيته حتى في قلب العالم العربي، شعرت إثر سقوط  الإتحاد السوفياتي ان وظيفتها الاستراتيجية بنظر الغرب من الممكن ان تتدنى فأسهبت بالبحث عن حرب جديدة وصراع جديد تغذيه وتصطنعه وتضع الاسس للدعاية له فكان ما سمي بـ"حرب الحضارات" التي روجت لها الصهيونية عبر كتابها المشهورين.

وأوضح الفرزلي ان هذه الحرب تتطلب حربا بين شرق بأكثرية مسلمة وغرب بأكثرية مسيحية الامر الذي تجلت معالمه في تمزيق القرآن الكريم وحرقه من قبل القس المتطرف تيري جونز، والرسوم الكاريكاتورية التي حاولت النيل من صورة الرسول الاكرم، وفيلم ما يسمى "براءة المسلمين" في محاولة منهم لأن تتسبب المشاعر الاسلامية المتأججة بردة فعل تنال من المسيحيين في المنطقة، وخصوصا الاقباط في مصر في سياق تعميق الصراع وتدمير مسيحيي الشرق"، مكررا ان "الهدف من هذه الاساءة هو اشعال حرب عالمية جديدة تلعب فيها "اسرائيل" دور "رأس الحربة".

وإذ أشاد نائب رئيس مجلس النواب السابق بمطالعة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في هذا المجال وحرصه على تحديد بوصلة الصراع في هذه المسألة باتجاه الصهاينة. وشدد الفرزلي على ان الادانات لا تكفي ولكن يجب ان ناخذ بعين الاعتبار ان استمرار الصيحة والضغط على الغرب يشعر هذه الدول بأن الصهيونية تشكل عبئاً عليه، مضيفاً " كيف يستطيع الشعب الامريكي ان يفهم ما يقوم به الصهاينة في الشرق وبلاده اذا لم يكن هناك صرخة عارمة، وهذا لا يمنع الرجوع الى المنتديات الدولية ورفع الصوت في كل مكان والاماكن المخصصة كمنابر للانسانية".

وختم بالقول " يبقى ان تجييش الرأي العام الاسلامي بصورة حضارية وبأخلاق الرسول هو المبتغى.. فلنغضب جميعا للرسول ودفاعا عن الرسول بأخلاقه". 

Wednesday, October 24, 2012




«إن مصلحة لبنان العليا لا يمكن أن تستقيم
إذا بقي بيننا من يراهن على تطورات يمكن أن تتيح له
الالتفاف على سوريا واتخاذ لبنان متكأً لإضعافها».
رفيق الحريري
(
من خطاب الجامعة الأميركية في 13/7/92)

لم يكد يمضي أسبوع على تحذير الأخضر الإبراهيمي، الموفد العربي والدولي إلى سوريا، من أن الأزمة «لا يمكن ان تبقى داخل الحدود السورية إلى الأبد. فإما أن تُعالج، أو ان تتوسّع وتأكل الأخضر واليابس».
أجل، لم يكد يمضي أسبوع على قول الأخضر هذا الكلام الواقعي من بيروت، حتى انفجرت هذه بعبوة قاتلة داخل سيارة بعد ظهر الجمعة الماضي في أحد الأحياء الداخلية في الأشرفية أودت بحياة رجل أمن كبير هو اللواء وسام الحسن، ومرافقه المؤهل أحمد صهيوني، إضافة إلى ضحية مدنية وعشرات الجرحى، فضلاً عن تضرر عدد من المباني واحتراق وتدمير عدد من السيارات.
أصيبت البلاد، جرّاء ذلك، بصدمة موجعة جعلت كثيراً من السياسيين يفقدون صوابهم ويوزعون الاتهامات يميناً ويساراً، ومعظمها كان موجهاً إلى سوريا. ولم تشذ بعبدا عن هذا الاستعجال في الاستنتاج، مستبقة التحقيق واستنتاجات القضاء.
وحين انطلقت الدعوات إلى التعقل والتروي وعدم التسرع في الاستنتاج، خصوصاً بعدما انتشرت الفوضى في شوارع بيروت وطرابلس وسواهما، ونزل مسلحون إليها وراحوا يطلقون الرصاص ويقطعون الطرق بالإطارات المشتعلة، عضّ المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، على جرحه، وكتم وجعه، وهو الأقرب إلى الشهيد الحسن، وبدا كأنه ينصح الرئيس سليمان بعدم الاستعجال من أجل المحافظة على حرمة الشهادة، وإعطاء الرجل حقه كـ«صانع للأمن» في لبنان، وقد طرح مروحة من الفرضيات الأمنية والسياسية لاستهداف الحسن، أبرزها أربع هي:
ـ أن يكون الاغتيال رداً على توقيف النائب والوزير السابق ميشال سماحة.
ـ أن يكون هناك «طابور خامس» يهدف إلى إحداث فتنة وكشف البلد أمنياً.
ـ ان يكون الاغتيال رداً على كشف الحسن أكثر من 36 شبكة تجسس إسرائيلية في لبنان، إضافة إلى إبلاغ سوريا عن وجود 17 عميلاً لإسرائيل بين عسكرّييها.
ـ ان يكون رداً على كشف عدد كبير من الشبكات الإرهابية أبرزها «القاعدة» و«فتح الإسلام».
ولأن لبنان لا يخلو من العقلاء، خصوصاً في أوقات الشدة، انطلق صوت النائب وليد جنبلاط بالدعوة إلى «حكومة شراكة وطنية لإنقاذ البلاد من الوضع الراهن شرط حصول توافق جماعي محلي وإقليمي على ذلك»، يُضاف إليه دعم دولي ظهر أخيراً من خلال مواقف الاتحاد الأوروبي والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
وجاء هذا الموقف الدولي الداعم للبنان في مواجهة أسلوب 14 آذار في التعامل مع الحكومة في ضوء تداعيات التفجير الذي أودى باللواء وسام الحسن، والمطالبة باستقالتها، وفي حال رفض الرئيس نجيب ميقاتي الاستقالة، العمل لإسقاطه مع حكومته بإثارة الفوضى والعصيان في الشارع، أو من خلال الهجوم الفاشل على السرايا.
أضيف إلى ذلك موقف يائس اتخذته كتلة نواب 14 آذار ويقضي بمقاطعة أي اجتماعات في مجلس النواب، سواء حضرتها الحكومة أو لم تحضرها، إلى حين استقالة الرئيس ميقاتي وحكومته المتهمة من 14 آذار بـ«تغطية القتلة والمجرمين».
ولأن جنبلاط هو «ابن التاريخ»، فإن مطالبته بـ«حكومة شراكة وطنية» تحظى بتوافق داخلي وإقليمي ودولي، ترجمته الاندفاعة الأوروبية والدولية في اتجاه لبنان.
ولم ينس جنبلاط أن لبنان موضوع تحت الوصاية الدولية منذ أحداث العام 1860 في الجبل، إثر المذابح والاقتتال بين الموارنة والدروز. وقد تدخّل قناصل الدول الكبرى آنذاك: النمسا (كبكر)، وفرنسا (بكلار)، وانكلترا (دوفرين)، وروسيا (نوفيكوف)، وبروسيا (روهفوس)، واجتمعوا إلى ممثل الباب العالي فؤاد باشا، وصاغوا معاً ما عُرف بـ«النظام الأساسي» لما عُرف بحكم المتصرفية التي وليّ عليها حاكم مسيحي، أجنبي الهوية، دُعي متصرّفاً يعاونه مجلس إدارة من 12 عضواً موزعين بالتساوي على الطوائف الست المعترف بها آنذاك وهي: الموارنة، الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، السنة، الشيعة والدروز.
واستمر هذا النظام قائماً حتى انهيار الحكم العثماني، فإعلان دولة لبنان الكبير العام 1920. ومن أهم انجازات هذا النظام انه أوقف القتل والذبح على الهوية في الجبل!
واليوم عندما يأتي سفراء الدول الكبرى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى بعبدا التي كانت سابقاً مقراً لمجلس الإدارة، معربين عن «تضامنهم مع لبنان خلال هذه الفترة الصعبة، داعين جميع الأطراف في لبنان إلى المحافظة على الوحدة الوطنية».
وكان السفراء واضحين في موقفهم الذي أوحى إلى اللبنانيين كأن حكم بلدهم انتقل إلى نوع من «الإدارة الدولية»، وأن عليهم ان يطمئنوا إلى مستقبله.
قال السفراء في بيانهم: «إن ما يهمنا هو الاستقرار وديمومة عمل المؤسسات الرسمية». فهل يدرك الرئيس سليمان ثقل المسؤولية التي ألقاها المجتمع الدولي على عاتقه، فيسعى إلى ترميم علاقته المأزومة، بتكتم، مع فريق الأكثرية غير الوسطي، منذ خطاب عيد الجيش حتى غمزه القناة السورية في اغتيال اللواء وسام الحسن مستبقاً التحقيق ومتدخلاً في شؤون القضاء. وكان خالفهما سابقاً باستقباله الحسن بعد توقيف ميشال سماحة؟
وهل لاحظ كيف أن «الضحية» التي قدّمها مجاناً إلى فريق 14 آذار، خلال تشييع الحسن، لم تلق تجاوباً منه بدليل إصرار هذا الفريق على مقاطعة الحوار الذي يحاول سليمان تقريب موعده، وتعطيل الدولة بالامتناع عن حضور اجتماعات اللجان في مجلس النواب.
إنها لفرصة تاريخية أمام سليمان لـ«تحرير» لبنان ووضعه على طريق الاستقلال.
edmond@edmondsaab.com



«إن مصلحة لبنان العليا لا يمكن أن تستقيم
إذا بقي بيننا من يراهن على تطورات يمكن أن تتيح له
الالتفاف على سوريا واتخاذ لبنان متكأً لإضعافها».
رفيق الحريري
(
من خطاب الجامعة الأميركية في 13/7/92)

لم يكد يمضي أسبوع على تحذير الأخضر الإبراهيمي، الموفد العربي والدولي إلى سوريا، من أن الأزمة «لا يمكن ان تبقى داخل الحدود السورية إلى الأبد. فإما أن تُعالج، أو ان تتوسّع وتأكل الأخضر واليابس».
أجل، لم يكد يمضي أسبوع على قول الأخضر هذا الكلام الواقعي من بيروت، حتى انفجرت هذه بعبوة قاتلة داخل سيارة بعد ظهر الجمعة الماضي في أحد الأحياء الداخلية في الأشرفية أودت بحياة رجل أمن كبير هو اللواء وسام الحسن، ومرافقه المؤهل أحمد صهيوني، إضافة إلى ضحية مدنية وعشرات الجرحى، فضلاً عن تضرر عدد من المباني واحتراق وتدمير عدد من السيارات.
أصيبت البلاد، جرّاء ذلك، بصدمة موجعة جعلت كثيراً من السياسيين يفقدون صوابهم ويوزعون الاتهامات يميناً ويساراً، ومعظمها كان موجهاً إلى سوريا. ولم تشذ بعبدا عن هذا الاستعجال في الاستنتاج، مستبقة التحقيق واستنتاجات القضاء.
وحين انطلقت الدعوات إلى التعقل والتروي وعدم التسرع في الاستنتاج، خصوصاً بعدما انتشرت الفوضى في شوارع بيروت وطرابلس وسواهما، ونزل مسلحون إليها وراحوا يطلقون الرصاص ويقطعون الطرق بالإطارات المشتعلة، عضّ المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، على جرحه، وكتم وجعه، وهو الأقرب إلى الشهيد الحسن، وبدا كأنه ينصح الرئيس سليمان بعدم الاستعجال من أجل المحافظة على حرمة الشهادة، وإعطاء الرجل حقه كـ«صانع للأمن» في لبنان، وقد طرح مروحة من الفرضيات الأمنية والسياسية لاستهداف الحسن، أبرزها أربع هي:
ـ أن يكون الاغتيال رداً على توقيف النائب والوزير السابق ميشال سماحة.
ـ أن يكون هناك «طابور خامس» يهدف إلى إحداث فتنة وكشف البلد أمنياً.
ـ ان يكون الاغتيال رداً على كشف الحسن أكثر من 36 شبكة تجسس إسرائيلية في لبنان، إضافة إلى إبلاغ سوريا عن وجود 17 عميلاً لإسرائيل بين عسكرّييها.
ـ ان يكون رداً على كشف عدد كبير من الشبكات الإرهابية أبرزها «القاعدة» و«فتح الإسلام».
ولأن لبنان لا يخلو من العقلاء، خصوصاً في أوقات الشدة، انطلق صوت النائب وليد جنبلاط بالدعوة إلى «حكومة شراكة وطنية لإنقاذ البلاد من الوضع الراهن شرط حصول توافق جماعي محلي وإقليمي على ذلك»، يُضاف إليه دعم دولي ظهر أخيراً من خلال مواقف الاتحاد الأوروبي والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
وجاء هذا الموقف الدولي الداعم للبنان في مواجهة أسلوب 14 آذار في التعامل مع الحكومة في ضوء تداعيات التفجير الذي أودى باللواء وسام الحسن، والمطالبة باستقالتها، وفي حال رفض الرئيس نجيب ميقاتي الاستقالة، العمل لإسقاطه مع حكومته بإثارة الفوضى والعصيان في الشارع، أو من خلال الهجوم الفاشل على السرايا.
أضيف إلى ذلك موقف يائس اتخذته كتلة نواب 14 آذار ويقضي بمقاطعة أي اجتماعات في مجلس النواب، سواء حضرتها الحكومة أو لم تحضرها، إلى حين استقالة الرئيس ميقاتي وحكومته المتهمة من 14 آذار بـ«تغطية القتلة والمجرمين».
ولأن جنبلاط هو «ابن التاريخ»، فإن مطالبته بـ«حكومة شراكة وطنية» تحظى بتوافق داخلي وإقليمي ودولي، ترجمته الاندفاعة الأوروبية والدولية في اتجاه لبنان.
ولم ينس جنبلاط أن لبنان موضوع تحت الوصاية الدولية منذ أحداث العام 1860 في الجبل، إثر المذابح والاقتتال بين الموارنة والدروز. وقد تدخّل قناصل الدول الكبرى آنذاك: النمسا (كبكر)، وفرنسا (بكلار)، وانكلترا (دوفرين)، وروسيا (نوفيكوف)، وبروسيا (روهفوس)، واجتمعوا إلى ممثل الباب العالي فؤاد باشا، وصاغوا معاً ما عُرف بـ«النظام الأساسي» لما عُرف بحكم المتصرفية التي وليّ عليها حاكم مسيحي، أجنبي الهوية، دُعي متصرّفاً يعاونه مجلس إدارة من 12 عضواً موزعين بالتساوي على الطوائف الست المعترف بها آنذاك وهي: الموارنة، الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، السنة، الشيعة والدروز.
واستمر هذا النظام قائماً حتى انهيار الحكم العثماني، فإعلان دولة لبنان الكبير العام 1920. ومن أهم انجازات هذا النظام انه أوقف القتل والذبح على الهوية في الجبل!
واليوم عندما يأتي سفراء الدول الكبرى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى بعبدا التي كانت سابقاً مقراً لمجلس الإدارة، معربين عن «تضامنهم مع لبنان خلال هذه الفترة الصعبة، داعين جميع الأطراف في لبنان إلى المحافظة على الوحدة الوطنية».
وكان السفراء واضحين في موقفهم الذي أوحى إلى اللبنانيين كأن حكم بلدهم انتقل إلى نوع من «الإدارة الدولية»، وأن عليهم ان يطمئنوا إلى مستقبله.
قال السفراء في بيانهم: «إن ما يهمنا هو الاستقرار وديمومة عمل المؤسسات الرسمية». فهل يدرك الرئيس سليمان ثقل المسؤولية التي ألقاها المجتمع الدولي على عاتقه، فيسعى إلى ترميم علاقته المأزومة، بتكتم، مع فريق الأكثرية غير الوسطي، منذ خطاب عيد الجيش حتى غمزه القناة السورية في اغتيال اللواء وسام الحسن مستبقاً التحقيق ومتدخلاً في شؤون القضاء. وكان خالفهما سابقاً باستقباله الحسن بعد توقيف ميشال سماحة؟
وهل لاحظ كيف أن «الضحية» التي قدّمها مجاناً إلى فريق 14 آذار، خلال تشييع الحسن، لم تلق تجاوباً منه بدليل إصرار هذا الفريق على مقاطعة الحوار الذي يحاول سليمان تقريب موعده، وتعطيل الدولة بالامتناع عن حضور اجتماعات اللجان في مجلس النواب.
إنها لفرصة تاريخية أمام سليمان لـ«تحرير» لبنان ووضعه على طريق الاستقلال.
edmond@edmondsaab.com