Tuesday, February 19, 2013

الراعي إلى ما بين «الفلاديميرين» بتوافق روسي فاتيكاني

غراسيا بيطار
بين سوريا وروسيا تناسق في الحروف والسياسة. على هذا الوتر يعزف الفاتيكان وتيرة تحركات بطريرك انطاكية وسائر المشرق للموارنة بشارة بطرس الراعي.
بعد عاصفة زيارته الدمشقية ومشاركته في حفل ترسيم بطريرك الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي، كممر إلزامي للعب الدور المشرقي الذي ينشده، يحزم رأس الكنيسة المارونية حقيبته لجولة تمتد نحو أربعة أيام في «بلاد القياصرة» الشاسعة.
يحل الراعي ضيفا على روسيا من 26 الجاري الى الأول من آذار المقبل بدعوة من «نظيره» بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل الأول. خلال جولة الأخير في الأراضي المقدسة في تشرين الثاني من العام الماضي، تبدت رغبة «القيصر الروحي»: «توطيد وجود الكنيسة الروسية الأرثوذكسية على الأرض المقدسة».
«صيت» البطريرك كيريل ذائع لناحية «انفتاحه ورغبته في توسيع نفوذ الكنيسة في المجالات كافة ومن ضمنها السياسة». لعلها الأرضية التي يمكن من خلالها القراءة في تلبية البطريركية المارونية للدعوة الروسية. فالكنيسة الأرثوذكسية في روسيا هي عمود فقري في صناعة القرار الروسي.
يذهب البعض من «الخبراء الأرثوذكس» حد القول «إن إيمان هذه الكنيسة هو من الأصفى والأنقى بين المسيحيين المنتشرين في العالم». والمقصود بذلك «اللوثة الصهيونية» التي نجحت في تخريب مفاصل عدة من الوجدان المسيحي في الغرب وهذا ربما ما اختصره وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد بعبارة «وداعا لأوروبا القديمة».
هذه الجرثومة حاولت ان تنال من الكنيسة الروسية لكنها فشلت. تكامل «انقلاب» فلاديمير بوتين مع توجه زعماء الكنيسة وآخرهم منذ العام 2009 البطريرك كيريل واسمه العلماني، للمفارقة، فلاديمير أيضا.
هذا التلاقي بين «الفلاديميرين» ساهم في تلميع صورة روسيا وحضورها في الشرق الأوسط وثبّت جوهر موقفها التاريخي في «حماية الأقليات في الشرق». الأقليات هنا لا تعني فقط المسيحية وإنما حماية فكرة التنوع في الشرق أي اسقاط ثقافة التطرف والحفاظ على كنيسة القيامة والمسجد الأقصى، التراث الحقيقي للمنطقة، في حالة عناق حقيقي.
في الجهة المقابلة والتكاملية، بقيت الكنيسة المارونية حتى الأمس القريب ذات طابع لبناني صرف برغم جذورها الانطاكية. شرع الراعي في كسر الحدود الجغرافية والروحية معا مع من كانوا شهودا على ولادة السيد المسيح في المنطقة. ومن هنا يتبدى دور الكنيسة المارونية في لعب دور الشراكة الحقيقية مع الكنيسة الأرثوذكسية التي لها علاقة أخوة إيمانية مع الكنيسة الروسية.
بين المارونية والأرثوذكسية يتنفس لبنان في هذه الأيام على وقع المشروع الانتخابي لـ«اللقاء الأرثوذكسي» الذي يقوده نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي. يعتبر «دولته» ان «الحراك الماروني لا يكتمل مارونيا ومسيحيا ولبنانيا إلا بعد تلاقيه مع الكنيسة الروسية والذي يجسد تفاهما فاتيكانيا روسيا». هذه المهمة التاريخية تتطلب «إخاء بين كنائس المنطقة. فانطاكيا ودمشق وبيت لحم وقانا الجليل... هذه كلها ليست أماكن جغرافية على ما يقول المطران جورج خضر وانما هي تلاقي الارادة القدسية الالهية مع الجغرافيا».
هذا الفيض الروحي في خلفيات زيارة بطريرك الموارنة الى موسكو يضاف اليه «دعم دولة روسيا العظمى للبنان. فأي تطرف، برأي الفرزلي، في لبنان أو لدى الجيران، من شأنه ان يكون له ارتدادات مباشرة في روسيا».
ينطلق الفرزلي من زيارة الراعي الروسية ليقارب الوجود الأرثوذكسي برمته. «حماية الحضور الأرثوذكسي الحقيقي وليس الشكلي في لبنان والمنطقة هو أمر لزومي لسلامة الصحة الوطنية»، يضيف «إرفعوا أيديكم عن المسيحيين».
وحرصا على العلاقة التكاملية بين الكنيسة وأبنائها، يوضح بـ«أننا لا ننظر الى أنفسنا كعوام أي علمانيين إلا في علاقة تكاملية في جسد المسيح الذي هو الكنيسة مع رجال الدين». وإذا كان البعض أرسى قواعد «دنست» هذه العلاقة، فالفرزلي ينتظر من «صاحب الغبطة» (اليازجي) ان يقوم بإصلاح الإعوجاج الذي يشوب العلاقة بين رجال الدين والجواسيس. فدور الأرثوذكس وخصوصا على المستوى الإداري يجب ألا يحجّم الى مستوى صفقة تعقد بين رجل دين وبين رئيس من هنا أو هناك. فصفقات الغرف المغلقة يجب ان تغلق بالشمع الأحمر».
هذا المشهد لـ«مستقيمي الرأي» يحضر في وجدان الراعي خلال زيارته موسكو. يرفع لواء الانفتاح ويمشي. الى يمينه النائب البطريركي العام المطران بولس صياح ووفد مرافق. وفي مفكرته لقاء سياسي مع رئيس مجلس النواب الروسي بالإضافة الى لقاءات روحية تشمل القيادات الروحية الروسية وأسقف الكاثوليك وممثل البطريرك اليازجي في موسكو على ان يواكبه طوال الجولة سفير البطريركية المطران تيفون سيقلي. فضلا عن سلسلة لقاءات يعقدها مع الجالية اللبنانية وبينها قداس يترأسه في كنيسة مار مارون في موسكو.

< المقال السابقرجوعالمقال التالي >
Bookmark and Share
إقرأ للكاتب نفسه

No comments:

Post a Comment