Monday, February 4, 2013


أبي سفيان
جهاد الزين
  • 2013-02-05
بين النصوص الجادة العديدة التي قدّمها مشاركون في مؤتمر"من أجل سوريا ديموقراطية ودولة مدنية" الذي انعقد الأسبوع المنصرم في جنيف لفت نظري نصّان من "لَوْنَيْنِ" ثقافيّين سوريّيْن مختلفيْن بل من حساسيّتيْن مختلفتين في الثقافة السياسية جديريْن برصدٍ بل باهتمامٍ خاص.


الأول هو الخطاب الذي ألقاه الشاعر أدونيس والثاني ورقة الشيخ رياض درار.
في الحقيقة خطاب أدونيس بل جملةٌ واحدةٌ فيه هي التي تستوقف لأنها كفيلةٌ بأن تفتحَ على مدىً جديدٍ في النظرة إلى إحدى الموضوعات الكبيرة في تاريخ الثقافة السياسية العربية والمسْلمة!
هذه الجُملة هي التالية: ... الدولة العربية الأولى في دمشق التي أنشأها معاوية وحملت البذورَ الأولى للثقافة المدنية وكانت النواةَ الأولى للفصل بين الدين والدولة، أو لإعطاء "ما لقيصر لقيصر وما لله لله"...
كلام لافتٌ جدا على المستوى الثقافي حين يصدر عن شخص من وزن أدونيس في السجال المعاصر حول الثقافة العربية وتحديدا الدينية.
فلو حمَلْنا هذه الجملة كعنوان لَصَلُحَتْ لنقاش غير مألوف بين المفكّرين العرب (وليس المستشرقين؟) من شأنه أن يعيد النظرَ في الكثير من المسلّمات حول الدولة الأموية التي هي تقليديا موضع إهمال وتشكيك من الفكر السلفي السني الذي يحصر الشرعية الدينية والسياسية والأخلاقية بـ"الخلفاء الراشدين" في صدر الإسلام ومن الفكر الشيعي التقليدي الذي بالإضافة إلى اتفاقه مع "المذاهب الأربعة" السنيّة على عقيدة "الخلافة الراشدة" يرفض أصلا أي شرعية للدولة الأموية. لهذا ينمُّ هذا التقييمُ الأدونيسيُّ عن شجاعة متعددة المستويات في إطار الحساسيات الدينية العربية والإسلامية من جهة، ويحرّض في الأوساط العلمانية على تفكير تجديدي في النظرة إلى المفاهيم والتراتبيات التي فرضَتْها الثقافة السياسية الشائعة من جهةٍ ثانية.
كل هذا في جُملةٍ واحدة بل في جزءٍ من جملةٍ أطول(¶)!
يرى إذن صاحب "الثابت والمتحول" و"الكتاب" (الذي هو تأريخٌ شِعريٌّ لـ"الفتنة" الاسلامية الاسلامية أو كما يقول هو فيه: "آهِ من ذلك اليومِ الْذي أصبحَ تاريخَنا كلَّهُ")... يرى أن معاوية من دمشق هو أول مؤسّسٍ لدولة فصل الدين عن الدولة في الإسلام... وبهذا المعنى فإن دمشق هي مهد أول فصل للدين عن الدولة في التاريخ الإسلامي وأن معاوية هو رائد هذا التحول... ويختار، ليقول ذلك، مؤتمراً في قلب الصراع الضاري الدائر حاليا في كل سوريا كجزء من حرصه على تقديم نفسه في الإطار الثقافي للهموم السورية والعربية وليس في محض السياسة حتى لو كان في لُجّتها.
لسنا هنا في مجال موافقة أو معارضة مقولة أدونيس الأُمَوية ولكننا نسجّل أهميّتَها ونفكّر فيها في الآن معا.
النص الثاني في مؤتمر جنيف المشار إليه والذي يستحق التوقف هو ورقة الشيخ رياض درار الذي لم أستفد فقط من الاستماع إليه بل سُعدتُ أيضاً بالتعرّف عليه. أما هو فإمام مسجدٍ سابقٌ في دير الزور وسجينٌ سابق في سجون النظام لبضع سنوات ولم يكن يوما عضوا أو مؤيدا لـ"الإخوان المسلمين". وأما نصّهُ فهو مرافعة من شيخ مُسْلمٍ (سنّي طبعاً) ضد "الفكر التكفيري" وضد فكر سيد قطب تحديدا الذي يقول الشيخ درار عنه في نصّه:"سيد قطب لم يكن فقيها ولا رجل عِلْمٍ في الدين إنما هو رجُلُ أدبٍ وبلاغةٍ تناولَ النصَّ الدينيَّ وفق رؤيةٍ سياسية... وربما هذا هو منبعُ الإعجاب الذي قاد إلى تَمَحْوُرِ الكثيرين حول كتابه "في ظلال القرآن" وبيانه الساحر...".
والشيخ درار إذْ يكشف "الميثاق"الذي "تعاهد" عليه "الكثير من الكتائب المسلّحة" وأسماءَ قادتِها والمتضمّنَ السعيَ لإسقاط مشروع الدولة المدنية الديموقراطية وإقامة "خلافة إسلامية" يكتب أن "الناشطين الإسلاميين في سوريا بتشدُّدِهم ضد الحل الديموقراطي يساهمون في تأخُّرِ الإسلام ودخولِه العصر" إلى أن يُنهي ورقتَهُ بالتالي:"إن مراجعة الإرث التاريخي الفقهي ضرورةٌ هامةٌ للخروج من هالة القدسية التي رُسِمتْ للرجال على حساب النص وضرورة إعمال العقل والنقاش المفتوح بدلاً من تكريس ثقافة الأمر الواقع وثقافة الإقصاء والاستبعاد فلا بد من حسم القضايا المتعلّقة بالمرأة والرق والإماء والزواج من القاصرات وتعدّدِ الزوجات وقضية الجزية وحكم المرتد والعلاقات مع الأديان الأخرى والتعدّد المذهبي...".
إذا كانت كل هذه القضايا التي يعدِّدُها شيخُنا هي التي تشكِّل الشُغلَ الشاغل للسلفيين الجهاديين والسلفيين في كل المذاهب ً... فلنتصوّرْ أين نحن جميعا وفي أي جحيم؟
ما يمكن أن يُضاف في هذه العجالة على إشارة أدونيس أن هذه الرؤية للدولة الأموية تسمح، إذا صحّتْ، بما يمكن أن يُصبح أساساً سياسياً مبكراً لمفهوم فصل الدين عن الدولة في المجتمع الديني – كما هي في عصرِنا الدولةُ "المؤمنة" دينياً في الولايات المتحدة الأميركية التي تفصل الدين عن الدولة تبعاً لمصطلح "السيكولارية" الذي هو اشتقاق أنغلوساكسوني لمعنى الفصل مُتمايزٌ عن اصطلاح "العلمانية" الفرنسي الحامل لمعنى أكثر تناقضا بين قطبيْ ذلك الفصل.
هذا تحت "قبعة" أدونيس أما تحت "عمامة" رياض درار فموقفٌ مع الدولة المدنية يعيد الاعتبار لنمط من رجال الدين "غير الدينيين" في النظرة السياسية وهو نمط كان هو السائد والأقوى في مصر وبلاد الشام والمغرب في الزمن الذهبي لليبرالية العربية في النصف الأول من القرن العشرين وعقد أو عقدين تَلَيَاهُ قبل أن يبدأ النمط الديني الأصولي بالسيطرة على الموقف الديني في العقود الأخيرة. ولا يمكن تصوّر بناء دول ديموقراطية مدنية في بلداننا بدون إعادة الاعتبار له.

¶ لِقراءةِ النص الكامل لكلمة أدونيس وورقة رياض درار:
(موقع "هيئة التنسيق لقوى التغيير الديموقراطي")
Syrianncb.org
¶¶ راجع مقالة جهاد الزين من جنيف السبت 2 شباط 2012

No comments:

Post a Comment