Sunday, February 24, 2013


لماذا وصلنا إلى "الارثوذكسي"... هذا هو السؤال الأهم؟
الاثنين 25 شباط 2013 - 08:55
دافيد عيسى
لم يكن قرار السير بمشروع اللقاء الارثوذكسي واعتماده قانوناً جديداً للانتخابات قراراً أحادي الجانب انفردت به جهة حزبية أو سياسية مسيحية ، وإنما كان قراراً صادراً عن " لجنة بكركي " التي رعاها البطريرك بشارة الراعي وضمت القوى الاساسية والفاعلة ، وبعد اجتماعات ماراتونية ومداولات معمقة انتهت إلى خلاصة مؤداها ان قانون الستين هو قانون سيء ولا يؤمن صحة التمثيل المسيحي والمناصفة الفعلية ، وأن " المشروع الارثوذكسي " هو قانون يعطي المسيحيين فعلاً ما أعطاهم إياه الدستور أي 64 نائبا ويوصل إلى الندوة البرلمانية المسيحيين الذين يستحقون ذلك ... لقد كانت هذه من المرات القليلة التي يحصل فيها منذ الطائف اتفاق مسيحي على مستوى القيادات والاقطاب على مسألة أساسية تعني المسيحيين وتتعلق بمصالحهم ومستقبلهم ودورهم وموقعهم في الحكم والدولة .
منذ عشرين عاماً ، يعيش المسيحيون التهميش والاستهداف في وجودهم السياسي وحاولوا بكل الوسائل تصحيح الوضع لكي يتساووا مع شركائهم في الوطن في الحقوق والواجبات . في الزمن السوري دفعوا الثمن غالياً تهميشاً وظلماً وسجناً وإبعاداً ، فيما شركاؤهم المسلمون استفادوا من السلطة وحكموا البلاد وحصنوا مواقعهم وفرضوا نواباً مسيحيين لا يمثلون احداً في مجتمعهم وضربوا " بسيف الوصاية السورية " طيلة وجود السوري في لبنان، وبعد الخروج السوري استطاب هؤلاء الشركاء الوضع ولم يقدموا على أية خطوة باتجاه رفع الظلم عن المسيحيين واعطائهم حقوقهم المشروعة .
 
اليوم عرف المسيحيون ولو متأخرين انه ( لا يحك جلدهم غير ظفرهم ) وحصل توافق مسيحي عام على مسألة أساسية هي ان نقطة الانطلاق في عملية تصحيح الوضع واعادة التوازن السياسي بين الطوائف تبدأ من قانون الانتخاب الذي هو في أساس إنتاج السلطة وتحديد الاحجام والتوازنات . فبقدر ما يكون المسيحيون متمتعين بقوة برلمانية ضاربة وكتلة وازنة متحررة من قيود وتبعية ، يكون تأثيرهم وحضورهم قويين في مجلس الوزراء والدولة والحكم ويكون دورهم اساسياً في إيصال من يمثلهم إلى رئاسة الجمهورية ، وتكون بالتالي مشاركتهم في الحكم وفي القرار الوطني مشاركة فاعلة ومؤثرة .
لم يكن بمقدور المسيحيين تحصيل حقوقهم وتحسين أوضاعهم في زمن الوصاية السورية وانفردوا بين سائر اللبنانيين في إعطاء معركة السيادة والاستقلال واستعادة القرار الوطني الحر أولوية مطلقة ... كانوا هم من اطلقوا شرارة انتفاضة 14 آذار ووقفوا في الصفوف الامامية مدافعين عن قضية 14 آذار ومبادئها واضعين جانباً كل ما يتعلق بمطالبهم وحقوقهم ولكنهم استغربوا حال اللامبالاة من جانب "المسلمين" شركائهم في الوطن الذين لم يبادروا بأية خطوة ايجابية تجاه من يفترض ان يكونوا شركاءهم في الوطن بل على العكس شعر المسيحيون بأن المسلمين اعتادوا على تبعية المسيحيين لهم واستطابوا هذا الامر.
 
لم يعد بامكان المسيحيين ان يبقوا متفرجين ومكتوفي الأيدي إلى ما لا نهاية، وقرروا ان ساعة التغيير قد دقت وان عليهم ان يستعيدوا حقوقهم. فمن جهة حدث تغيير في البطريركية المارونية ونشأت دينامية جديدة في اتجاه ربيع مسيحي في الكنيسة والمجتمع وقرر البطريرك بشارة الراعي جمع شمل المسيحيين وتوحيد موقفهم في المسائل والقضايا الاساسية وفي مقدمها قانون الانتخابات خصوصاً ان عواصف التحولات في المنطقة العربية هبّت وتيارات الاصوليات والتطرف الديني والعنف المسلح بدت تلوح في افق المنطقة، ما يستدعي استنفاراً مسيحياً لمواجهة المخاطر المحدقة والقادمة خصوصاً ان التجارب مع مسيحيي العراق ومصر وفلسطين لم تكن مشجعة حتى لا نقول انها كانت "كارثية" وقرروا مجتمعين اتخاذ الإجراءات التي تحمي وتحصن وجودهم وتعيد إحياء دورهم وترد الاعتبار إليهم، حتى يبقى وجودهم في لبنان مميزاً وطليعياً وحتى يستمر لبنان في دور " الوطن الرسالة "...
وهنا لنقل الامور بكل صدق وصراحة نسمع شركاءنا في الوطن يقولون ان لبنان من دون مسيحييه سيكون مجرد رقم إضافي في المنطقة وانه سيفقد قيمته المضافة وحتى مبرر وجوده ، وهذا كلام جيد وجميل ومشكور ... ولكن الا يعتقد هؤلاء جميعاً ان الوجود المسيحي ليكون فاعلاً ومؤثراً يجب ان تكون الشراكة الوطنية شراكة فعلية كاملة ومتكاملة ؟
فإذا كان الطائف ينظم العلاقات والتوازنات بين الطوائف والمكوّنات اللبنانية ، فإن جوهر هذا الاتفاق يقوم على مبدأ المناصفة في البرلمان والحكومة والوظائف الأولى . والمناصفة التي كرسها الدستور ليست المناصفة العددية التي تعطي المسيحيين 64 نائباً يحملون (الهوية الدينية المسيحية) وإنما المناصفة السياسية التي تعطي المسيحيين 64 نائباً يحملون (الهوية السياسية المسيحية) ويكونون متحررين من أي تبعية ولا يصلون إلى الندوة البرلمانية بمنّة أحد ويمثلون المسيحيين تمثيلاً حقيقياً وصحيحاً .
 
من هنا نحن كمسيحيين نقول لشركائنا المسلمين : ما يهمنا في أي قانون انتخابي هو تأمين المناصفة الفعلية والحقيقية، أما الشكل أو الاسم فليس مهماً . فنحن نريد أكل العنب " عنب المشاركة والمناصفة الفعلية والحقيقية " وليس قتل الناطور .
وهنا وإذا كان الشيء بالشيء يذكر لا بد من تسجيل أسف كبير على تيار المستقبل ومن كان يفترض به ان يكون السبّاق إلى دعم لجنة بكركي لأنه لم يحسن التصرف والتقدير ، فبادر إلى فتح النار على " المشروع الارثوذكسي " ولم يكلف نفسه عناء البحث عن أسباب هذه " الانتفاضة المسيحية " أو عناء طرح مشروع بديل يحقق "المناصفة والمشاركة "... وبدل ان يركز على قانون الانتخاب عمل على تحويل الأنظار في اتجاهات ومسائل أخرى مثل مجلس الشيوخ والطائفية السياسية مقترحاً تعديلات دستورية أساسية بعدما كان يرفض طيلة السنوات الماضية أي مس بالدستور وأي تعديل في مواده في كل مرة كان رئيس الجمهورية يدعو إلى إعادة بعض صلاحيات رئاسة الجمهورية بما يتناسب مع مسؤولياتها .
كنا نتمنى ونتأمل ان يظهر تيار المستقبل بمظهر الشريك الحقيقي الداعم للحقوق المسيحية والمدافع عنها وان يبادل حلفاؤه المسيحيون الذين كانوا إلى جانبه في احلك وأقسى الظروف بتحية أحلى منها ، وان يدعموهم في القانون الذي توافقوا عليه تقديراً لما قدموه من جهود وتضحيات منذ ثورة الأرز بما يتناسب مع حجم وأهمية هذه التضحيات، كما كنا ننتظر من تيار المستقبل الذي يمثل قوة الاعتدال والانفتاح في الطائفة السنية الكريمة ان يكون اكثر تفهماً لهواجس وحقوق المسيحيين، وان يبادر سعد الحريري شخصياً الذي سبق وخاطبناه بكلمات من القلب والعقل بطرح مبادرة وفاقية لتفادي أي اضطرابات واهتزازات في 14 آذار ولإراحة حلفائه المسيحيين وعدم وضعهم في أي موقف حرج لا تجاه قواعدهم ولا تجاه مجتمعهم... وكنا تمنينا ايضاً لو أنه لم يتسرع في وصف يوم إقرار "المشروع الارثوذكسي" في اللجان المشتركة بأنه "يوم أسود" حتى لا يعطي انطباعاً ان إعادة حقوق المسيحيين دون المس بحقوق الطوائف الاخرى هو "يوم أسود" بنظره ونظر تياره السياسي.
إذا كان خطأ " المارونية السياسية " عندما كان لها موقع الصدارة في الحكم قبل الطائف انها لم تستوعب حاجات المسلمين ولم تعمل على تأمين حقوقهم كاملة ، فإن خطأ "السنيّة السياسية" التي فُصِّلَ اتفاق الطائف على قياسها انها وقعت في الخطأ ذاته وتتجاهل الشكوى المسيحية وتدير ظهرها للمطالب المشروعة والمحقة والتي تبدأ من مجلس النواب أم المؤسسات ومصدر السلطات ... لقد آن الأوان كي يدرك الجميع ان لبنان قائم على تركيبة وخصوصية وتوازنات دقيقة، وان أي طائفة مهما علا شأنها ومهما كبر حجمها وعددها ليس بمقدورها ان تحكم لبنان بمفردها. حاولت "المارونية السياسية" ذلك وفشلت ، مرة باغتيال زعيمها التاريخي الرئيس بشير الجميل ومرة بانزلاقها إلى "التدمير الذاتي "... وحاولت "السنيّة السياسية" ذلك منذ الطائف وفشلت ايضاً مرة باغتيال زعيمها التاريخي الرئيس رفيق الحريري ومرة بإبعاد زعيمها الشاب الرئيس سعد الحريري عن الحكم والبلاد ... وهذا ما سيتكرر مع "الشيعية السياسية" إذا هم حاولوا الهيمنة والتفرد في حكم البلاد والعباد وسيكون الفشل مصير مشروعهم حتماً.
المطلوب إذاً إيجاد افضل الطرق للتعايش والتفاعل الإيجابي في ما بين الطوائف والمجموعات التي يتكوّن منها المجتمع اللبناني التعددي ، وطرح الأفكار الخلاقة التي تؤمن الاستقرار والوحدة ضمن التنوع وتعطي للمسيحيين كل اسباب الاطمئنان إلى وجودهم ومستقبلهم والقدرة على اداء دورهم الطبيعي مع باقي شركائهم في الوطن . إن دوراً مسيحياً كهذا هو من مصلحة المسلمين سُنة وشيعة وحاجة لهم ... ومن واجبهم ومسؤولياتهم بالمقابل تأمين مقومات هذا الدور ومرتكزاته والبيئة الوطنية الحاضنة لشراكة فعلية لا بد ان تبدأ من مناصفة فعلية ومن قانون انتخابات جديد يعطي المسيحيين نوابهم أياً يكن اسمه وعنوانه ...
في الختام أقول لجميع شركائنا في الوطن بكل محبة وصدق واحترام ان السؤال المهم الذي يجب طرحه ومعالجته هو لماذا وصلنا إلى القانون الارثوذكسي وتوحد حوله المسيحيون ؟ فتشوا عن السبب الذي اوصلنا إلى هنا ، عالجوا السبب، ان التكاذب على بعضنا البعض لم يعد جائزاً ومقبولاً لأنه اوصلنا إلى ما نحن اليوم عليه . وكما ان تعيين " دمى مسيحيين " في مجلس النواب لم يعد مسموحاً بعد اليوم ، فلتختر كل طائفة نوابها ولتتحمل مسؤولياتها امام الناس والوطن .
 
.

No comments:

Post a Comment