Monday, February 25, 2013


نص المؤتمر الصحفي الذي عقده اللقاء الأرثوذكسيّ حول:
"قانون الانتخابات: الأسباب الموجبة، خلفيّات وأبعاد وظروف سياسيّة مُحيطة".
الاثنين في 25 شباط 2013

         باسم سعادة أمين عام "اللقاء الأرثوذكسيّ" الأستاذ نقولا سابا والسادة أعضاء الهيئة الإداريّة، واللجنة القانونيّة وسائر اللجان والمنتسبين إلى اللقاء أتوجّه بالتهنئة القلبيّة إلى صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر يازجي، على تنصيبه بطريركًا على أنطاكيا وسائر المشرق، ويغبطنا أن تستقطب كنيسة الصليب في دمشق، ذلك اللقاء المسيحيّ المشرقيّ المحتفي بغبطته. فهو إنّ دلّ على شيء، فيدل على توق لتخطّي تلك الفوارق، والسلوك بصورة لائقة نحو وحدة مرتجاة للمسيحيين المشارقة في مقارعة المستقبل، ومواجهته برجاء كبير. ونغتنم تلك الفرصة، وبخاصّة بعد الدعوات التي وجهها غبطته في معظم كلماته وأحاديثه، للدعوة الصادقة ببدء ورشة عمل علميّة ورؤيويّة، تعنى بتنظيم العلاقة بين الإكليروس والعوام، وشدّ الأزر نحو التعاون الوثيق، من أجل بنيان هذه الكنيسة التي الطائفة جزء منها كما قال غبطته، ونكون بذا جسدًا واحدًا لربّ واحد.
      كما أتوجّه بجزيل الشكر من جميع الذين أيدوا مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ ودفعوه ليكون الوجه المعبّر عن الحقّ المسيحيّ المنتهك فعليًّا منذ التسعينيّات من القرن المنصرم وصولاً إلى الآن. وأخصّ بالشكر في هذا المجال، صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي فخامة الرئيس الشيخ أمين الجميل رئيس حزب الكتائب، دولة الرئيس العماد ميشال عون رئيس تكتل التغيير والإصلاح، الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوّات اللبنانيّة، سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله،


معالي الأستاذ سليمان فرنجيّة والكثير من القيادات الوطنيّة، من كلّ الطوائف والمذاهب. ولا بدّ من تخصيص شكرنا للنائبين نعمة الله أبي نصر وآلان عون، اللذين تبنيّا مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ باسم التيار الوطنيّ الحرّ، وبدعم من العماد ميشال عون، وقدّماه مشروعًا باسم التيّار الوطنيّ الحرّ، وتكتّل التغيير والإصلاح، كما أشكر ممثلي أحزاب الكتائب والقوات اللبنانيّة والطشناق وحركة أمل وحزب الله اللذين ساهموا بالدفاع عن هذا المشروع، وجعله المادّة الوحيدة التي حازت الأكثريّة بفضل نقاشهم وقراءتهم المشتركة والواعية في غياب مشاريع جديّة بديلة ومطروحة...كما أخصّ بالشكر معظم الأقلام من كتّاب وصحافيين ومفكّرين الذين أغنوا النقاش، وأثبتوا أنّ هذا المشروع ميثاقي بلا التباس.
       كما أشكر معظم الذين قدّموا النقد الإيجابيّ لمشروع لا ندّعي أنّه كامل، أو يحيا في الكمال أو ينطلق منه. فكلّ مشروع سياسيّ تكوينيّ وجذوريّ له إيجابياته كما له سلبياته، وفي قراءتنا إنّ مشروع اللقاء أظهر مقدار الإيجابيّات أكثر من السلبيّات، ومن هنا ننطلق.
     ميثاقيّة مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ سطعت من إجماع من قمنا بشكرهم على دعم قراءة اللقاء لمفهوم المناصفة والتي هي الطريق المعبّد لتجسيد الشراكة الوطنيّة بين المسيحيين والمسلمين. ليس صحيحًا على الإطلاق، أنّ الشراكة محصورة بالإطار المذهبيّ البحت، كما حاول بعضهم استظهارها، إذ إنّ هذا الاستظهار المتعمّد من شأنه أن يقود إلى المثالثة، وهذا لم يكن واردًا في الأسباب الموجبة التي أوضحناها في متن المشروع. في حين أنّ الشراكة بين المسيحيين والمسلمين شراكة ثنائيّة مسيحيّة-إسلاميّة تعني كلّ المذاهب المسيحيّة وكلّ المذاهب الإسلاميّة، في اللقاء الوطنيّ الكليّ والشامل.


بهذا المعنى إنّ الميثاق الوطنيّ القائم على مبدأ الشراكة الوطنيّة ليس بين الموارنة والسنّة أو بين الأرثوذكس والشيعة على سبيل المثال لا الحصر، بل هو بين المسيحيين بكلّ مذاهبهم، والمسلمين بكلّ مذاهبهم، في إطارهم الوجوديّ والتكوينيّ - الوطنيّ الواحد.
     غير أنّ أدبيّات الشراكة التي ربيت عليها أجيال عديدة، منذ أن تعاقدنا على وحدانيّة الدولة وسيادتها على ذاتها، باتت متصدّعة ومشوّهة الوجه ومشتّتة الحضور، في أزمنة عجاف، استغلّت بعد انتهاء الحرب على الأرض، التمزّق البنيويّ الذي اعترى الوجود المسيحيّ،أدى الى طبقة زبائنيّة مذعنة، حجبت عنها معنى السيادة في التقرير والمساهمة. وجاءت تراكمات الأحداث المتأتيّة من الصفقات على حساب لبنان لتجعل المسيحيين مستولدين في كنف المذاهب الإسلاميّة الثلاث، والتي نلخّص نتائجها وتداعياتها على النحو التالي:
مقاطعة المسيحيين للانتخابات النيابيّة في سنة 1992، وسنة 1996، والمقاطعة أدّت إلى غيابهم الوجودي والتكوينيّ الفاعل، مما استوجب وجود طبقة سياسيّة متبعثرة هنا وثمّة ومنتجة من الآخرين على حساب الحقوق السياسيّة والموضوعيّة.
 دخول لبنان بفعل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أخطر مرحلة من حياته السياسيّة والوحوديّة، وهي مرحلة الحرب المذهبيّة.
انقضاض التحالف الرباعيّ في الانتخابات النيابيّة سنة 2005، والتي جرت حسب قانون عام 2000 على الحضور المسيحيّ، ممّا أدى إلى غيابه كليًّا، ومن ثمّ ظهر مستولدًا في كنف المذاهب الإسلاميّة الأخرى. وفعل الاستيلاد بجوهره، أفقد العنصر المسيحيّ مناعته وحجب عنه قدرة المطالبة بحقوقه العائدة له، فبات وجوده مجرّد وجود بيولوجيّ أجوف خال من محتوى أو مضمون.
وحتّى القيادات الروحيّة المسيحية فقدت في تلك الأثناء القدرة على المواجهة والمطالبة بالحقوق التي تعود لأبنائهم...واستمرّ استساخ هذا الواقع في انتخابات 2009، والتي جرت بحسب قانون 1960، ولكن بصورة شرسة وماحقة للمسيحيين...فأظهرت النتائج بصورة جليّة، أنّ الطوائف الإسلاميّة الثلاث تأتي بنوابها بنسبة 95% ويأتون بنواب المسيحيين بنسبة 80 إلى 85%، ويترك للمسيحيين ما نسبته 20 إلى 15% فقط لحفظ ماء الوجه. وهذا مثبت في الدراسات الصادرة عن مراكز الإحصاءات.
تقاسم الحصص العائدة للمسيحيين منذ التسعينيّات من القرن المنصرم إلى الآن ما بين الطوائف السنّة والشيعة والدروز. مما جعل الحالة المسيحيّة متلاشية وفاقدة القدرة على المطالبة بما هو عائد لها. فعل الاستيلاد الممارس منذ ذلك الوقت خلق ذلك المناخ المقيت الذي حجب إمكانية التفاعل السياسيّ الداخليّ ما بين المسيحيين وأقرانهم من المكونات الأخرى، وبينهم وبين الراعي الإقليميّ آنذاك. حتّى فقد التوازن. وعندما يفقد لبنان توازنه الموضوعيّ، وفعل التلاحم النوعيّ، وينتهي نحو التراكم المذهبيّ الكميّ، يدني نفسه من إمكانيّة استعادة الحرب على أرضه وغالبًا ما تستثمر من الآخرين لتصير حربًا أمميّة على أرض لبنان. 
     تلك التراكمات بخلفياتها الواضحة هي الأسباب الموجبة، والتي حدت باللقاء لكي يطرح مشروعه الانتخابيّ. لم نهدف على الإطلاق كما ادّعى بعضهم إلى خلق مناخات تقسيميّة، أو أحذ لبنان نحو مشاريع فدرالية...فمعظم الذين عملوا على هذا المشروع لهم تاريخ مشرّف في عروبتهم ووطنيّتهم وهم يفتخرون بذلك، وقد سطعوا من ثقافة وحدويّة تأسّست على المواطنة. لكنّنا في المسرى السياسيّ والانتخابيّ والإداريّ، وجدنا بعد تشخيص يسير، أنّ المسيحيّة وهي مكوّن جوهريّ ليس في لبنان بل في المشرق العربيّ، غدت ضحيّة استغلال مقيت لإيمان بعضنا بالعروبة، وبأنّنا طائفة اللاطائفيين، وإيمان بضرورة أن يبقى لبنان أرض اللقاء بين المسيحيين والمسلمين كإرث حضاريّ كبير للكون كلّه.
هذا الاستغلال والذي جوهره قائم على المزج بين السياسة والدين، استفاد من الاستيلاد، واستهلكه حتّى قبض على الدولة بأسرها. ودليلنا على ذلك، تلك الانتخابات التي حصلت بناء على قانونين مجحفين قانون عام 2000 وقانون 1960، خلال سنتي 2005 و2009. وهذا ما جعل المناصفة التي تصّت عليها المادة 24 من الدستور، تتلاشى في اللاتوازن الذي أمسى راسخًا على الأرض. ومشروع اللقاء هو استعادة لفعل المناصفة المنصوص عليها في الدستور اللبنانيّ. بمعنى آخر إنّ مشروع اللقاء مستقى بجملته من اتفاق الطائف الذي وئد حين ولد، ولا يزال موؤدًا،وفيه كلام واضح على المناصفة التي هي الشرط الموضوعيّ لإلغاء الطائفيّة السياسيّة.
   يهمنّا وفي هذا المقام، أن نؤكّد للرأي العام اللبنانيّ، أنّ هذا المشروع المقترح من اللقاء، والذي تمّ التصويت عليه في جلسة اللجان النيابيّة بانتطار ما سيحدث في الجلسة العامّة للمجلس النيابيّ، وضع لمرحلة انتقاليّة، وليست مولوديته وموجوديّته أبديّة سرمديّة. غايتنا من خلال ذلك المشروع الانتقال من القيد الطائفيّ إلى القيد الوطنيّ، والذي هو المشتهى والمصبّ لكلّ ما نرنو إليه. وبرأينا إنّ عمليّة الانتقال تتطلّب، وبكلّ وضوح، أمرين هامّين لمعالجة الخلل الطائفيّ، بل الخلل في علاقة الطوائف والمذاهب ببعضها البعض، وهو معالجة التمثيل الصحيح للطوائف بالحقّ الدستوريّ المعطى لهم، وهو حقّ وجوديّ وميثاقي، تأسس مع تأسيس دولة لبنان الكبير. وليسمح لنا وفي معرض الحديث عن الحقوق الدستوريّة، بأن التركيز في التقنيات التي استهلكت أوقاتًا طويلة، جاء بخلفيّة التعمية والإلهاء، وقد كان مضيعة للوقت، وسببه أن يتمّ صرف النظر عن البحث في الحقوق الدستوريّة والأساس الجوهريّ االخاصّ بها. والأمر الثاني، يقوم على معالجة الطائفيّة المتلاشية الفوضويّة بالطائفيّة المتوازنة والخلاّقة. فبمجرّد أن نحدّد معايير المعالجة الدقيقة، نكون قد خطونا خطوات جريئة إعادة الروح للميثاق الوطنيّ المفقود بالجوهر والحضور من خلال الخلل بالممارسة، وتلك الطريق تقودنا حتمًا نحو إلغاء الطائفيّة السياسيّة تنفيذًا لمنطوق المادة 95 من الدستور.

هذا الأمر يقودنا إلى الاعتبار بأنّ اتهام من تبنّى هذا المشروع بأنّهم هاتكون لاتفاق الطائف، ويخلّون به وغير ميثاقيين وطائفيون، هو تجنّ كبير وظالم وغير مبرّر. ذلك أن الذين استهلكوا المسيحيين واستولدوهم في كنفهم هم غير ميثاقيين وطائفيون. ما يصبو إليه مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ، هو دولة المواطنة التي تتأسس على التوازن وليس على الخلل. وبتصورنا إنّ الكلام على الغبن والإجحاف يبيح الكلام على أنّ لنا حقًّا دستوريًّا يجب استعادته، ليس من اجل المسيحيين بل من أجل أطيب وأوطد علاقة بين المسيحيين والمسلمين، ومن أجل لبنان. ولمن يدّعون ذلك، نتمنّى عليهم أن يدركوا، بانّ اجتماع الأحزاب المسيحيّة الأربعة مع صاحب الغبطة البطريرك بشارة الراعي، والرئيس نبيه برّي الذي اعتبر أنّ مشروع اللقاء ليس سببًا بل نتيجة، وصاحب السماحة السيد حسن نصرالله وبعض القيادات الدرزيّة وبعض القيادات السنيّة، يسبغ على هذا المشروع هالة وطنيّة يجب أن تقدّر. فمعظم هؤلاء على المستويين السياسيّ والعقائديّ، هم أضداد في الجوهر، فليس سهلاً إذًا أن يجتمعوا حول الأسباب الموجبة، وحول قانون من شأنه أن يعيد التوازن إلى العلاقة المسيحيّة-الإسلاميّة، ويبيح التنوّع داخل كلّ طائفة ومذهب، في إطار من المحافظة على الوجود.
       بداءة التوازن أن يستعيد المسيحيون حقوقهم بهذا المشروع أو بأي مشروع يؤمّن الأسباب الموجبة التي أملته. ونداؤنا إلى الأحزاب المسيحيّة أن يبقوا موحدين في الهدف والجوهر حتّى يرفع الإجحاف عنّا. ونقول للجميع أرفعوا أيديكم عن مسيحيي لبنان، حتّى يستقيم التوازن وننطلق معًا في رحلة طيبة نحو استيلاد وطن يستحق الحياة من توافقنا جميعًا، وتوقنا إلى التكامل برباط السلام.


No comments:

Post a Comment