Friday, November 9, 2012


الويل للمسيحيين... فهم ضيوف ثانويّون على مائدة السلطة
Friday, November 09, 2012 - 11:49 PM
مفيد سرحال

مرجعيّة روحيّة مسيحيّة : لماذا تراجع جعجع عن تأييده للقانون الأرثوذكسي؟


مفيد سرحال

منذ أن أدار العثمانيون وفق نظام الملل، التعددية الثقافية والدينية في رحاب السلطنة ولبنان ما زال يستنسخ تلك الصيغة المسماة التوافقية لنظامنا السياسي والتي تعود جذورها الى نظام القائمقاميتين والمتصرفية وصولاً الى ميثاق 1942 واتفاق الطائف عام 1989 وهذا الأخير عزز التوافقية بمنحه ضمانات للجماعات الطائفية التي تقاسمت السلطة بين المسيحيين والمسلمين بصرف النظر عن عدد كلا الطرفين. هذه التوافقية تلتصق بخاصية «الاكثرية» وبالتالي فان النظام اللبناني نظام هجين تجمعه خصائص من النظامين الاكثري والتوافقي. فالشعب اللبناني مقسّم الى طوائف والوطن كونفدرالية طوائف والطوائف كيانات اجتماعية قائمة بذاتها وتشكل حلقات الوصل بين الدولة والمواطنين. اما صياغة السلطة فانها تقوم على الانتخابات وفق النظام الاكثري من تحت، ويتم تقاسمها بين الطوائف من فوق، وبالتالي فان الاقليات الانتخابية تتبخر وتصبح عديمة الوجود لان النظام المأخود به يحرمها من المشاركة. اما التمثيل النسبي على وجه العموم فيفسح في المجال لتمثيل كافة مكونات المجتمع اللبناني في المؤسسات الديموقراطية ويعزز صيغة العيش المشترك.
اليوم في لبنان انقسام حاد بين اتجاهين الأول يتشبث بنظام انتخابي اكثري ألا وهو نظام عام 1960 ويمنح هذا القانون قوى 14 آذار ارجحية في حكم البلد بعد الفوز المحتم بينما فريق 8 آذار طرح النسبية سواء في دوائر متوسطة او لبنان دائرة واحدة بغية افساح المجال امام كل مكونات المجتمع اللبناني في المشاركة بالسلطة بحيث لا يشعر فريق او حزب او فئة او طائفة صغيرة انه غائب سياسياً او بالاحرى مغيب بقوة القانون السائد وهذا الطرح بطبيعة الحال يعطي فريق 8 آذار فرصة الإمساك سياسياً بالبلد. اذاً هناك طرحان كل واحد يشكل بنظر الاخر سحقاً والغاء لحضوره ولان لبنان قام على الفكر التسووي والتفهم والتفاهم وصعوبة الغاء فريق للآخر او شطبه من المعادلة، فان احتمالات التسوية بين الطرفين واردة ولكنها لست محققة راهناً ويصعب تحقيقها الا وفق تفاهمات وتسويات اقليمية ودولية وفي ظل ما ستؤول اليه الأوضاع في الاقليم.
على وقع طاحونة القوانين الانتخابية التي تسمح لكل فريق بأن يحكم البلد لثلاثين سنة الى الأمام وعلى وقع حال التمذهب والتطيف المستشريين في لبنان والأمة العربية جمعاء بدفع من العقل الصهيوني المتربص بكل عوامل الوحدة. برز القانون الارثوذكسي الذي بشر به في المنتديات وعلى المنابر نائب رئيس مجلس النواب الاسبق ايلي الفرزلي الذي دعا الى ان تنتخب كل طائفة نوابها على اساس النسبية وقد لاقى هذا الطرح رواجاً في مكان وامتعاضاًَ في أماكن اخرى وحيث كان الاستحسان تبدى معه اقرار المقرين بأنه طالما لبنان كونفدرالية طوائف وطالما ان نواباً من طوائف مختلفة وفي دوائر مختلفة يستنبتون في حقول الآخرين ويمثلون طوائفهم على نحو غير منطقي وغير تمثيلي بالاحرى. فالأجدى ان تنتخب كل طائفة نوابها وهذا بحد ذاته منتهى القبول بالواقع على حقيقته من دون الشعر المسرحي واغاني العيش المشترك.
اما حيث كان الامتعاض فالمغالاة في تمجيد الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية أقل ما يقال فيها بأنها فذلكات لبنانية يجيدها اللبنانيون في «لبنان يا قطعة سما» من خلال ورشة «نفاق ووفاق» متبادلة يزيّن فيها البلد بأنه جنة عدن.
ان الحكمة من طرح هذا القانون حسب المنظرين له انه ينقل الصراع الى داخل الطوائف بشكل ديموقراطي بدل ان يكون بين الطوائف ومن حسناته يقول المنظرون لهذا القانون انه يسقط سلطة الحزب الواحد داخل الطوائف ويفسح في المجال امام تمثيل كل ابناء الطائفة كل حسب حجمه مع اعتماد النسبية وبالتالي ما من قانون كامل الأوصاف الا ان القانون الارثوذكسي على ما يبدو فتح كوة في جدار قوانين الانتخاب الى حد ذهب البعض للقول انه خلق صراعاً وجدلاً نافعين في البلد في حين قال البعض انه قصف عمر الستين وجدد شباب نماذج اخرى من القوانين الانتخابية.
من جهتها مرجعية روحية مسيحية ابدت اعجابها بطرح اللقاء الارثوذكسي الانتخابي لجهة انتخاب كل طائفة لنوابها على قاعدة النسبية من دون الإخلال بمبدأ المناصفة وعندها يستطيع الناخب الاختيار على اساس حر وعقلاني من يرغب من ممثليه من دون ان يفرض النواب بأصوات الغير ومن دون ان يكون للناخب اي رأي خاصة ان الحديث عن «طائفية» هذا القانون وتقوقعه في المذاهب والطوائف ليس صحيحاً بل يبقى أفضل بكثير من نظام انتخابي يعمّق الطائفية لا بل هو طائفي بامتياز مهما سعينا لتجميله على الطريقة اللبنانية بالتوافق وغير ذلك من التوصيفات الخادعة فطالما نحن طائفيون الى هذه الدرجة وطالما نحن غارقون بالمحاصصة الطائفية حتى الرأس وكثيرون من نوابنا من مختلف الطوائف يركبون الحافلات الكبرى للوصول الى المجلس في مناطق متعددة ودوائر متعددة، وطوائف متعددة ما يعني عدم صحة التمثيل ويعني ايضاً التغني بديكور العيش المشترك ظاهراً والتلبس بالطائفية باطناً.
وتتابع المرجعية: ليس من شأننا نحن، التدخل في السياسة والغوص في اشكالاتها متجاوزين دورنا الارشادي التوجهي، لكن واقع الحال في بلدنا يلزمنا بالتدخل ورفع الصوت بعدما جرت قوانين الانتخاب الويل على المسيحيين وجعلتهم مجرد ضيوف ثانويين على مائدة السلطة في لبنان يأكلون باستحياء من ثمرات جنتها بعد ان يصاب الآخرون بالتخمة اللهم اذا اكلوا او بقي لهم شيء من زادها.
وتطرقت المرجعية الى صاحب فكرة انتخاب كل طائفة لنوابها نائب رئيس مجلس النواب الاسبق ايلي الفرزلي قائلة: المعروف لدينا ان آل الفرزلي من غلاة النزعة العروبية وتنكبوا مهام متقدمة منذ نشأة فكرة العروبة خلال وبعيد سقوط السلطة العثمانية وكانوا رواداً في مجال الدفاع عن الفكرة القومية وجامعة العروبة فان يصل ريادي منهم عنيت به «ابننا ايلي» للتفكير بهذه الطريقة وطرح الفكرة للنقاش والبحث كبديل لنظام التكاذب والتحايل الطائفي، نظام الاصطفافات المذهبية والطائفية العقيم الذي لم ينتج الا الويلات والحروب ومزيد من التهميش للمسيحيين على قاعدة انهم «حاضرون ولكنهم غير موجودين» لغياب قوة القرار الحر والمستقل والمعبر عن الشارع المسيحي خير تعبير والمتوسل التحاف العباءات الطائفية والمذهبية الاخرى للعبور الى الندوة البرلمانية... ان يصل شخص مثل ايلي الفرزلي القومي العروبي حتى النخاع الشوكي للتفكير بآلية انتخاب كل طائفة لنوابها على اساس النسبية وخوض النقاش العملي ترويجاً وتذهيناً للناس لخلق رأي عام مؤمن بهذه الفكرة وعياً وارادة فهذا ان دل على شيء فعلى ان سيل الطائفية والمذهبية في البلد قد بلغ الذبى وان العقل المذهبي مَسَخَ كل تفكير منفتح تجاوزي للحالات الفئوية، وحقيقة «الامر مثير للتبصر واعادة ترتيب الاولويات كما اعادة النظر بالواقع القائم وهذا من العلاقات والمؤشرات التي تدل على اندثار الفكر الوجودي لصالح التشظي المذهبي والافكار المغلقة».
وتقول المرجعية الروحية المسيحية المؤيدة لطرح اللقاء الارثوذكسي: طالما نحن نتنفس الطائفية كما نتنفس الهواء ونغالي ونتشاطر بالخطب في تمجيد نظامنا «الوحدوي» فلنجرّب طرح اللقاء الارثوذكسي الذي ينقل الصراع بين الطوائف والمذاهب الى حراك داخل كل طائفة ومذهب فنوفر على البلد موجات الحر المذهبي والطائفي التي لطالما احرقت البلد في مواسم ومحطات مختلفة وعندها نصنع صيغة للشراكة على قواعد ندية مسؤولة «لانو ابنك الخلقان وعايش بحضنك غير ابنك الخلقان وعايش بحضن غيرك».
وتتابع المرجعية: اتساءل لماذا عاد الدكتور جعجع وتراجع عن موقفه تجاه القانون الارثوذكسي بعد ان ابدى اعجابه تأييداً وتفهماً خلال اجتماعات بكركي ليعود ويلتف على هذا القانون بقانون بديل عرف بقانون الخمسين وهو اسوأ من الستين بستين مرة ويعيد انتاج النواب المسيحيين وغير المسيحيين في كنف الاخرين ويختصر دورهم بالتهليل والتبجيل لمرجعيات واحزاب الطوائف الاخرى بعلاقة هي «اشبه بعلاقة اليتيم بالميتم» وعادت المرجعية الروحية المسيحية لتسأل: ما الحكمة من رفض الدكتور جعجع للقانون الارثوذكسي وما سر توقيت هذا الرفض بعد عودته من السعودية التي تجهد للابقاء على قانون الستين وترفض اي صيغة تقوض نفوذها في لبنان عبر الحريرية السياسية، وبالعكس تقول المرجعية: ان للسعودية وللشيخ سعد الحريري مصلحة كبرى بقانون اللقاء الارثوذكسي الذي هو افضل بكثير من اعتماد النسبية في صيغ اخرى خاصة وان جمهور المستقبل واسع وعريض داخل الطائفة السنية ولا خوف على زعامة آل الحريري ودور السعودية من خلالهم وبالامكان حبك تحالفات مع نواب الطوائف الاخرى من دون ان يأتي المستقبل بنواب هذه الطوائف على لائحته بالطريقة المعهودة وعندها يشعر المسيحي ان علاقته بالسني كماعلاقته بالدرزي والشيعي علاقة ندية وفيها حضور ووقار وليست علاقة استلحاق واستتباع ومعها النواب مجرد حاملي مباخر لأولياء الامر.
وحذرت المرجعية المسيحية من «قبول صيغ اخرى غير صيغة اللقاء الارثوذكسي لانها ستكون مدمرة للوجود المسيحي سيما وان الهجرة والقلق الوجودي وقوانين الانتخابات التي انتجت ذمية نيابية او حلقة دونية من حلقات التواصل مع الشركاء في الوطن اشعرت المسيحيين بخوف كبير على مستقبل الشراكة في السلطة وصياغة علائق تحفظ كرامتهم ووجودهم».
وذهبت المرجعية الى حد «تكفير من يساوم على هذا الطرح لانه الامثل اي الطرح الارثوذكسي فهو صالح مسيحياً واسلامياً» والدعوة مفتوحة للكتائب والقوات وكل القوى الحية في الشارع المسيحي لتلقف الفكرة والتجاوب معها كما تلقفها وتجاوب معها العماد عون وهو قوة اساسية في الساحة المسيحية، لذا فاخذ الامور الى دائرة المصالح الشخصية سيضيع حقوق المسيحيين ولتكن الانتخابات داخل الطوائف محضة لاعادة صياغة علاقات مع الاخر وفقا لما ستنتجه هذه الانتخابات القاتمة على النسبية وعندها تتشكل كتل نيابية وتحالفات سواء مع السنة او الشيعة وفق منطوق مواز في الحضور والتخاطب والعلاقة بينما اعادة تحويل المسيحيين الى ديكورات في الطوائف الاخرى حيث لا حجم لهم ولا رأي بل فقط من اجل تفخيم قضية العيش المشترك او بالاحرى اعادة تفخيخها «لان ما بني على باطل فهو باطل».
مقالات أخرى :

No comments:

Post a Comment