Wednesday, November 21, 2012

بين «القبّة الحريرية»و«القبضة الحديدية»

«إن إسرائيل تنفّذ سياسة «جز العشب»، أي محاربة الإرهاب،
لكن قصف غزة يمثّل رش سماد على عشب الحقد والكراهية».
عن «النيويورك تايمز»

نجح الرئيس نجيب ميقاتي في تجاوز «القبّة الحريرية» التي نُصبت له في الفضاء الباريسي، فاستقبلته العاصمة الفرنسية بـ«الأحضان» مؤكدة مرة جديدة انها «أم حنون» لجميع اللبنانيين وليس للمسيحيين فحسب، إذ ان لديها عطفاً على المسلمين تستمد حرارته حالياً من آبار الذهب الأسود، في حين يحاول بعض المسيحيين استمداد عطف إضافي متصل بمفاعيل «معاهدة الامتيازات» مع الباب العالي التي وقّعت عام 1535 وجعلت من فرنسا لأجيال عدة حامية لمسيحيي الشرق.
وقد شجعت الزيارة الفرنسية الرئيس ميقاتي، وجرعات الدعم التي تلقاها من الإدارة الفرنسية، من أعلى مستوياتها، من الرئيس فرنسوا هولاند إلى وزير الخارجية لوران فابيوس مروراً برئيسي مجلس النواب كلود بارتلون ومجلس الوزراء جان مارك ايرولت، على طرح مبادرة للخروج من المأزق السياسي الذي يواجهه لبنان منذ اغتيال اللواء وسام الحسن الشهر الماضي وإعلان المعارضة مقاطعة طاولة الحوار، وكذلك مؤسستي مجلس النواب ومجلس الوزراء، وهي تقضي بإجراء حوار بإشراف رئيس الجمهورية حول نقطتين أساسيتين، هما قانون جديد للانتخاب وحكومة «استثنائية» تشرف على الانتخابات التي يخشى ألا تُجرى في موعدها، في حال استمرت مقاطعة الحكومة وجلسات مجلس النواب التي يناقش في إطارها مشروع الحكومة لقانون جديد للانتخاب على أساس النسبية. واشترط ميقاتي لإعلان استقالة حكومته ان يجري توافق في شأنهما كرزمة واحدة من شأنها إعادة وضع آليات الحكم على السكة الصحيحة.
بالطبع، لا يمكن الوصول إلى مثل هذا التوافق إلا بالعودة إلى الميثاق الوطني وثوابت العيش المشترك، التي تقرن التعهد الذي قطعه آباء الاستقلال على أنفسهم، واليوم الذكرى التاسعة والستون لهذا التعهد، بأن يقيموا دولة مستقلة عن الشرق والغرب، وان يوثّقوا أنفسهم بهذا العهد ومندرجاته في تحقيق المساواة والعدالة بين اللبنانيين، وكذلك تعهد الذين يقرون القوانين باحترامها والتزام تنفيذها.
وبينما يعرّض السياسيون البلاد لمزيد من الانقسامات والفوضى، ارتفعت القبضة الحديدية لقائد الجيش العماد جان قهوجي، رأس المؤسسة التي ألقيت على عاتقها مسؤولية حفظ الاستقرار وضمان السلم الأهلي اللذين هددهما السياسيون، فجاء بـ«أمر اليوم» عشية عيد الاستقلال، محذّراً من ان ثمة انقسامات «قد لامست بعض المحرمات التي تمس العيش المشترك» الذي هو لب الميثاق الوطني. وبعدما أكد التزام المؤسسة العسكرية «الثوابت والمسلمات الوطنية»، ومعاهداً الشعب، أعلن ان الجيش سيحافظ على الثوابت الآتية:
ـ لبنان وطن نهائي، حر سيد مستقل.
ـ حماية الديموقراطية والحريات.
ـ صون العيش المشترك.
ـ التصدي لأي محاولة للتقسيم أو للتجزئة أو التوطين.
ـ المحافظة على الدستور.
ـ توفير إقامة آمنة وكريمة في ظل سيادة القانون.
ـ الدفاع عن العدالة والمساواة.
ولعمري، ان هذا ليس «أمر اليوم» في ذكرى استقلال، بل هو «بلاغٌ» يدق ناقوس الخطر على الكيان الذي تستشعر المؤسسة العسكرية الحاجة إلى إنقاذه سريعاً بالحوار والتفاهم، قبل اللجوء إلى «الكي».
وقد بادر النائب وليد جنبلاط، إلى ملاقاة أصحاب الأفكار التوفيقية وفي مقدمهم الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري ونجيب ميقاتي والعماد جان قهوجي، في منتصف الطريق، عن طريق المبادرة التي أطلقها من أجل تقريب وجهات النظر حيال المشكلات المطروحة والتي عطّلت التواصل والحوار بين السياسيين.
وهو يأمل ان تشكّل استفتاء حول السبل الآيلة إلى إقامة وفاق وطني يمنع الانزلاق إلى الفتنة، ويساعد الجيش والأجهزة الأمنية على القيام بدورها.
ويبدو ان المبادرة التي ستشمل أعضاء هيئة الحوار الوطني وشخصيات فاعلة في مجالات مختلفة سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية وروحية، إضافة إلى هيئات المجتمع المدني، تطمح للوصول إلى قواسم مشتركة من شأنها مساعدة رئيس الجمهورية «الحَكَم والحكيم»، على ما وصفه الرئيس ميقاتي من باريس، لإيجاد مخرج من الأزمة الوطنية.
edmond@edmondsaab.com


< المقال السابقرجوعالمقال التالي >

No comments:

Post a Comment