Friday, January 18, 2013

رسالة إلى رئيس الجمهورية

جورج عبيد
فخامة الرئيس،
نمي منذ أيام قليلة إلى وسائل الإعلام والرأي العام اللبناني رفضكم لمشروع اللقاء الأرثوذكسيّ، إلى أن تأكد ذلك في لقائكم السلك الديبلوماسي العامل في لبنان، خلاله طالبتم بمناقشة مشروع الحكومة وإدخال التعديلات عليه. ويأتي كلامكم من رفضكم لمشروع اعتبرتموه غير ميثاقيّ ولا يمكن أن يكون دستورياً. وغير حائز إجماعاً مسيحيّاً ولبنانياً...
بإمكان المتابع، لكل هذا السياق اللفظيّ الصادر عن فخامتكم، وإذا ما رمى نحو قراءة نقدية مجرّدة، الاعتبار بأنّ مواجهتكم لهذا المشروع تتجلبب بسلوك انطباعيّ، خال من تحليل دستوريّ وقانونيّ قادر على تأمين سيرورة الوحدة الميثاقية ومفرداتها المنسكبة من رحم المشروع الصادر عن اللقاء الأرثوذكسيّ.
واللقاء الأرثوذكسيّ لا يمكن له أن يتبنّى بالحدّ الأدنى مشروعاً باترًا لوحدة اللبنانيين وثقافة العيش المشترك وقبول الآخر بتراثه وإرثه ورؤاه. فثقافة اللقاء وحدويّة وميثاقيّة بامتياز. والأرثوذكس بصورة عامّة كانوا وسيبقون متحررين من الطائفية. لكنّ القراءة الموضوعية لتداعيات الأزمة في الشرق الأوسط، الكيانيّة والوجوديّة بامتياز، ومن حيث انعكاسها على لبنان الفريد في علاقة مكوناته ببعضها البعض، قادت مجموعة من الأرثوذكس لطرح مشروع ليس هو سوى أسباب موجبة، تعبّر عن هواجس بدأت تعصف في أفئدتنا وعقولنا نتيجة تصاعد الموجات السلفيّة، واستيلائها على الحكم في مدى عريق ومحاولتها الاستيلاء على الحكم في مدى آخر. ومن خصوصيّة وفرادة الأسباب الموجبة في ما اصطلح تسميته بالمشروع الأرثوذكسيّ، أن تعيد قراءة الكيان اللبنانيّ عمودياً، وتعيد إنتاج الميثاق الوطنيّ الموؤود منذ أن خرج المسيحيون من السلطة فعليًّا حين قاطعوا انتخابات 1992 و1996. وحين دخلوها في سنة 2000، كانوا مهيضي الجناح مما سهّل استيلادهم (والعبارة للرئيس إيلي الفرزلي) في كنف المذاهب الأخرى، وظلّ فعل الاستيلاد ممارساً إلى الآن.
لم يشأ طارحو هذا المشروع أن تتم العناية به من باب مدرسة الفنّ للفنّ. أي أن نذهب بلبنان إلى نوع من الكونفدرالية الطوائفية. وليس هذا شأننا على الإطلاق. بل رام اللقاء الأرثوذكسيّ بهذا المشروع إلى تحرير الللبنانيين من ثقافة الاستيلاد المقيت، وتطلع أعضاؤه إلى آفاق وتجليات منطقيّة، تبحث في نحت وجود حقيقيّ فعّال يرتكز على العدالة والمناصفة بين الطوائف بصورة متوازنة وفاعلة.
وترتكز القراءة يا فخامة الرئيس، على المادة 24 من الدستور، التي تقول:
«توزّع المقاعد النيابيّة وفقًا للقواعد الآتية:
أ - بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.
ب - نسبيّاً بين طوائف كلّ من الفئتين.
ج - نسبيّاً بين المناطق، وبصورة استثنائيّة ولمرّة واحدة.
ورأينا في القراءة الموضوعية التي قمنا بها، بأن المناصفة التي هي الرديف اللفظيّ والقانونيّ لمعنى التساوي، هي العهد الميثاقيّ الذي يسوغ النطق به في واقع لبنان. والإطلالة نحو مستقبل لبنان، ستظلّ رماديّة اللون، أو سوداء قاتمة، إذا لم تتجلّ المناصفة ببعدها الميثاقيّ المتحرّك بين طوائف لبنان ومذاهبه. ذلك أنّ أحداث لبنان، التي أمست حروبًا من أجل الآخرين كما كتب المغفور له غسان تويني، انفجرت حين اختل الميثاق وأضحينا خارج المناصفة الموضوعيّة، وتاه العقل بفعل ذوبان التوازن العادل والمجرّد.
لقد تأسّس لبنان بالهيكل الطائفيّ المكوِّن لهذا الشرق. حينها كنّا أمام مدرستين: مدرسة جورج نقّاش التي قالت بأنّ نفيين لا يؤلّفان أمّة واحدة، ومدرسة ميشال شيحا الميثاقيّة التي منها ولد دستور عام 1926. وفي الحالتين كانت الطائفيّة هي المسوّغ والرحم المنتج للجدليّات والأدبيّات الناشئة منذ ذلك الحين إلى الآن. ولا بدّ في هذا المقام من التذكير بأن مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ ولد من تلك الأدبيات عينها، واستند على قولة لشبل دمّوس: «أنا أحتقر الطّائفيّة، ولكن يجب التشبّث بها، لأنّني لا أريد أن تتمزّق الوحدة، لا تتجاوزوا الواقع لئلاً تسقطوا». ليس مشروع اللقاء منتجًا أخرويّاً، بل هو منتج لبنانيّ نشأ من خلاله تدعيم النظام السياسيّ وإعادة الاعتبار إلى جوهر اتفاق الطائف الذي وئد حين ولد. وفرادة الأطروحة، أنّها ترنو نحو إلغاء الطائفيّة السياسيّة، حين قلنا بلبنان دائرة واحدة، وتاليًا حين رسّخنا النسبيّة أساسًا شرعيًّا لقانون الانتخابات، والتي تظهر بتجليّاتها بأن النائب يمثّل الأمّة جمعاء تنفيذًا لمنطوق المادة 27 من الدستور. وإذا تفردنا بمبدأ أن تنتخب كلّ طائفة نوابها وممثليها، فلا يراد من ذلك، أنّنا ننشئ نظامًا كونفدراليّاً لا بالمطلق ولا بالواقع. بل إننا نعالج مسألة الطائفيّة بالطائفيّة نفسها. نعالج التلاشي والخلل الطائفيّ والمذهبيّ بالتوازن الطائفيّ والمذهبيّ، بالجوهر الميثاقي الذي هو أصل لبنان ومدى نموّه واستقراره. فلا يتمّ استيلاد طائفة عريقة مكوّنة للبنان في كنف مذاهب أخرى، وهذا هو العطب الذي مني به النظام اللبنانيّ بجوهره. العطب يا فخامة الرئيس ينشئ الحروب المبتلعة للدماء والجثث والتي لا تشبع البتّة منها بل تظلّ دائمة الجوع إليها، وما يحصل في محيطنا أكبر شاهد على ذلك. فإذا تمت معالجة الطائفيّة المتلاشية بالطائفية المتوازنة تعبّد الطريق تلقائيّاً لتنفيذ المادة 95 من الدستور التي تقول بإلغاء الطائفيّة السياسيّة، والمشرّع في هذه المادة شاء المناصفة في المجلس النيابيّ بين المسيحيين والمسلمين مسلكاً لإلغاء الطائفية السياسية في لبنان، والبلوغ نحو نظام مدنيّ كامل.
أمام تلك الحيثيات يا فخامة الرئيس، لا بدّ من سؤالكم، هل الميثاق الحقيقيّ الذي أنتم مؤتمنون عليه يرتكز على الخلل من خلال ابتلاع طائفة لأخرى أو يكون بالمناصفة؟ واستطرادًا، كيف يمكن الجمع والتوفيق بين نقيضين أي نظام أكثريّ ونظام نسبيّ؟ هل للعلماء وصفة عجيبة تستطيع الدمج بين نظامين غير متلازمين وتاليًا غير متوازنين وليس بينهما تمازج homogénité؟ ما يحدث هو استنساخ لقانون عام 1960 بصورة معدّلة وهذا ما يجب الانتباه إليه.
فخامة الرئيس نحن نثق بأنكم رجل الميثاق والحكمة، وهي بنت لها بيتاً في قصركم العامر. فلتكن هي الطريق إلى انبلاج فجر الميثاق بمشروع كتب طريق الخلاص لوطننا لبنان.
([) ناشط في اللقاء الارثوذكسي
< المقال السابقرجوعالمقال التالي >
Bookmark and Share
إقرأ للكاتب نفسه

الإسم الكامل

No comments:

Post a Comment