Thursday, January 17, 2013


ب
حقائق حول مشروع القانون الأرثوذكسي
بقلم:جان بيار قطريب
انتخابات لبنان
احتلّت المباحثات البرلمانية حول ما بات يُعرف بمشروع قانون "اللقاء الأرثوذكسي" للانتخابات، حيّزاً كبيراً من المشهدين السياسي والإعلامي في لبنان أخيراً. وتبادل مؤيِّدو ومعارضو المشروع الاتهامات، ما عرّض التحالفات السياسية الحالية الهشّة بطبيعتها للخطر، وأعاد الفرضية الاجتماعية المنطقية التي تحدّد محيطنا الشرق أوسطي. إذ بغياب أي صيغة علمانية قابلة للحياة، تبقى الهوية الدينية هي الهوية الأساسية، والولاء الأوّل للطائفة والثاني للوطن.


بغضّ النظر عن أهداف من يؤيدون مشروع القانون "الأرثوذكسي"، وعمّا إذا كان شراً مطلقاً أو خيراً مطلقاً، سنورد أمامكم في ما يلي بعض الحقائق التي من شأنها تصويب بعض أشكال المبالغة والأحكام المعلّبة التي تناولته.


1- لقد تمّ اقتراح القانون قبل "اللقاء الأرثوذكسي" بفترة طويلة. إذ في حين أعطى نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي مشروع القانون دفعاً شعبياً من خلال تقديمه بالاعتماد على رافعته السياسية وتحت لواء "اللقاء الأرثوذكسي"، فإنّ البحث ملياً في الأرشيف حول هذا الأمر يظهر عكس ذلك. فبالعودة الى أيلول 1997، نشرت صحيفة "النهار" مشروع القانون هذا بتوقيع "التجمّع اللبناني الأرثوذكسي" برئاسة لطف الله خلاط. وفي عام 2005، سلّم التجمّع مشروعه إلى لجنة فؤاد بطرس وأُعيد نشره في صحيفة "النهار" في آذار 2008. وحتى قبل هذا التاريخ بوقتٍ طويل، يُقال إنّ القانوني المرحوم إدمون نعيم تحدّث عن مبادئ هذا المشروع في الستينات، لتعيده الرابطة المارونية الى الواجهة في الثمانينات.

2- حسبما تقدّم به التجمّع اللبناني الأرثوذكسي، بدا أنّ المشروع يحترم حقوق من يرغبون بعدم تصنيفهم وفقاً لديانتهم، وذلك من خلال وضع "السجل 19" الذي يمكن للعلمانيين الانتساب إليه، وبالتالي اختيار ناخبيهم حسب العدد المخصّص للمقاعد العلمانية. ذلك أنّ حقوق الإنسان لا تلحظ فقط حرية الدين، بل وكذلك حرية المعتقد بالنسبة للعلمانيين وغير المؤمنين. وهذه ركيزة هامة لم يشر إليها مشروع قانون "اللقاء الأرثوذكسي" الذي قدّمه الفرزلي. وريثما يتم تطبيق المادتين 22 و95 من الدستور اللتين تدعوان الى تشكيل مجلس شيوخ بعد انتخاب أوّل مجلس نوّاب على أساس وطني غير طائفي، وفي خطوة لاكتشاف الإجراءات اللازمة تجاه الخروج من النظام الطائفي، فإنّ السجّل 19 يسمح بتبيّن مدى الاستعداد للعلمانية في لبنان بشكل واضح.

3- في حين أنّ مشروع القانون الأرثوذكسي يحدّ من حرية تعبير الناخبين عن آرائهم من خلال حصر تصويتهم بطائفتهم الخاصة، فإنّ التعامل مع لبنان على أنّه دائرة انتخابية واحدة، يعطيهم ثقلاً موازياً في الاقتراع بغضّ النظر عن وجودهم الجغرافي. وبالتالي، فإنّ أي أرثوذكسي من الكورة يمكن أن يترشّح في المتن الشمالي (وفقاً للنظام الحالي)، ويمكنه كذلك أن يصوّت لأرثوذكسي آخر مرشّح في المتن الشمالي.

4- إنّ مقولة إنّ مشروع القانون الأرثوذكسي يكرّس قاعدة المثالثة لا تستند الى أي دليل. فبكل الأحوال، المشروع يحترم المادة 24 من الدستور التي تخصّص مقاعد حسب نسبة 5/5 بين المسيحيين والمسلمين، ريثما يوضع قانون انتخابي غير طائفي. تجري عملية المثالثة في توزيع السلطة وفقاً لمشروع قانون مجلس الوزراء برئاسة نجيب ميقاتي حيث تعطي العملية التناسبية كل طائفة حصة متناسبة مع حجمها. ما يعني أنّه وفقاً لسجل بيانات الناخبين لعام 2011، فإنّ المسيحيين يمكن أن يحصلوا على نسبة 38.2% من المقاعد (نحو 46 نائباً). أما وفقاً لمشروع القانون الأرثوذكسي، يمكن أن يطالب المسيحيون بنسبة 50% من المقاعد (نحو 64 نائباً)، والعملية التناسبية تتخّذ طبيعة سياسية، وليس طائفية. وهكذا، فإن تناسبية مشروع القانون الأرثوذكسي تضمن ألاّ يسيطر أي حزب مسيحي واسع النفوذ مثلاً على دائرة انتخابية ما سيطرة مطلقة وحصرية. ويبقى أن نرى ما هو عدد المقاعد التي يمكن أن ينتزعها الشيعة المستقلون غير الطائفيين من "أمل" و"حزب الله" في ظل القانون الأرثوذكسي القائم على النسبية.

5- منذ نهاية الحرب عام 1990، أدّت القوانين الانتخابية الى سوء تمثيل لدى الطوائف. ففي حين أنّ الدستور يقسّم المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، عملياً لم يمثَّــل المسيحيون كما ينبغي في حين أن المسلمين حصلوا على حقوقهم في التمثيل وأكثر، إذا ما نظرنا الى النواب المسيحيين الناجحين بأصوات المسلمين. وفي حين أنّ سوء التمثيل هذا أثّر على مقاعد المسلمين والمسيحيين على حد سواء، فإنّ تأثيره على المسيحيين كان أعمق من تأثيره على المسلمين. وفي ظل عدم وجود أي تعديل دستوري من شأنه أن يعيد النظر بنسبة 5/5، لا تعدّ تصرّفاً "إنعزالياً" مطالبةُ المسيحيين بحقوقهم.

6- مقولة إنّ مشروع القانون الأرثوذكسي يخالف ميثاق العيش المشترك ويؤدي الى خلافات بين المسيحيين. في هذا السياق، نسأل ما الذي يقوّض ركائز العيش المشترك بين الطوائف أكثر، المساواة أم سوء التمثيل؟ هل شعور طائفة ما بأنّها مغبونة مقارنة بالطوائف الأخرى يخدم الميثاق والاستقرار الوطني؟ التحديد والفصل الانتخابي يسود داخل الطوائف نفسها وليس في ما بينها. وإلاّ وجب على الأقليات أن تخضع لطغيان الأكثرية او على الأقليات المسلّحة أن تحدّد مصير الأكثريات. وبشكل مماثل، لم يعد وارداً منطق الاقتتال بين المسيحيين. فخلال الحرب، المسيحيون وغير المسيحيين كانوا مسلّحين أشد تسليح. وغالباً ما تطوّر الخلاف السياسي الى مواجهة عسكرية بين الأطراف المتنازعة وداخلها. أما اليوم، فالحرب لم تعد واردة، فضلاً عن انّ المسيحيين، إن لم نقل غالبية اللبنانيين، أثبتوا انّهم ناضجون بما يكفي من خلال تصرفاتهم خلال دورتين انتخابيتين عام 2005 وعام 2009 دون أي حوادث أمنية تُذكر، بغضّ النظر طبعاً عن الاصطفاف الحاد وعمليات الاغتيال التي سبقت الانتخابات وأعقبتها.

7- مقولة إنّ مشروع القانون الأرثوذكسي هو إجراء "متخلّف" يعود لزمن المتصرّفية الذي ولّى (أي محافظة جبل لبنان خلال عصر السلطنة العثمانية، 1861-1920). إذا ما قمنا بمقارنة مع تلك الحقبة، فإنّ النتيجة التي نحصل عليها ليست سيئة بالقدر الذي قد نتخيّل. فوفقاً للمؤرّخ التركي Engin Akarli"تبرز فترة المتصرفية كفترة هادئة سلمية يمكن القول إنّها الفترة الأطول التي ساد فيها السلام الداخلي في التاريخ اللبناني الحديث. كانت كذلك مرحلة من التصالح والاتحاد الاجتماعي السياسي". لا بل يمكن اعتبار أنّه وفقاً للقانون الأرثوذكسي يمكن للتوتّر بين الطوائف أن يتحوّل الى منافسة داخلها، وينهي بالتالي عقوداً من الحصانة التشريعية (التي يتمتّع بها النواب المنتخبون من غير طوائفهم) ويبشّر بحقبة جديدة من التعاون ما بين الطوائف من خلال التركيز على القضايا الوطنية.

8- مقولة إنّه في ظل مشروع القانون الأرثوذكسي، سوف يحصّن النواب أنفسهم داخل طوائفهم ولن يعودوا "نواّب الأمة" كما ينص الدستور. هذه أيضاً مقولة لا ترتكز الى شيء. فبظلّ النظام الحالي، ألا يُعتبر النواب الموارنة عن بشرّي المنتخبون من قبل ناخبين موارنة بالمطلق، نواباً للوطن أجمع، تماماً كما يمثلّون طائفتهم المارونية في ذلك القضاء؟ والمنطق نفسه ينطبق على النواب الشيعة عن النبطية. فبماذا إذاً يختلف مشروع القانون الأرثوذكسي عن ذلك؟

في نهاية الأمر، أشار الخلاف حول مشروع القانون الأرثوذكسي الى مشاكل جوهرية وبنيوية في نظامنا السياسي والى الحاجة لتطويره. فلطالما أخفق النظام في معالجة المظالم الطائفية وأدى الى أو حتى غذّى المشاكل في المناطق، بدءاً من العروبة الموحدة أيام عبد الناصر وصولاً إلى عصر ولاية الفقيه في إيران. ونأمل أن تتولّى مجلس تأسيسي، في الوقت المناسب، المهمّة الشاقة في تطوير نظام يعالج مخاوف وهواجس كل طائفة من الطوائف. ولهذا السبب فإنّ أي قانون إنتخابي عادل مبرّرٌ وممُباحٌ دوماً. غير أنّه وبوجود "حزب الله" المدعوم من إيران والمدجّج بالسلاح، وبوجود الحرب المدمّرة الدائرة في سوريا التي تحدّ من نفوذ بشار الأسد يوماً بعد يوم، فإن مثل هذه المهمة تبقى معلّقة بانتظار حصول اتفاق سنّي-شيعي برعاية إقليمية، وتنسيق دولي، وموافقة داخلية.

وبانتظار ذلك، وفي ظل غياب أي اتفاق على قانون انتخابي يرضي كافة الطوائف، على اللبنانيين أن يستبقوا خطر تأجيل الانتخابات في حزيران، وفي الوقت نفسه أن يتجنبوا الانزلاق إلى أتون الحرب الأهلية أي الى الانتحار.

Bottom of Form


احتلّت المباحثات البرلمانية حول ما بات يُعرف بمشروع قانون "اللقاء الأرثوذكسي" للانتخابات، حيّزاً كبيراً من المشهدين السياسي والإعلامي في لبنان أخيراً. وتبادل مؤيِّدو ومعارضو المشروع الاتهامات، ما عرّض التحالفات السياسية الحالية الهشّة بطبيعتها للخطر، وأعاد الفرضية الاجتماعية المنطقية التي تحدّد محيطنا الشرق أوسطي. إذ بغياب أي صيغة علمانية قابلة للحياة، تبقى الهوية الدينية هي الهوية الأساسية، والولاء الأوّل للطائفة والثاني للوطن.

بغضّ النظر عن أهداف من يؤيدون مشروع القانون "الأرثوذكسي"، وعمّا إذا كان شراً مطلقاً أو خيراً مطلقاً، سنورد أمامكم في ما يلي بعض الحقائق التي من شأنها تصويب بعض أشكال المبالغة والأحكام المعلّبة التي تناولته.

1- لقد تمّ اقتراح القانون قبل "اللقاء الأرثوذكسي" بفترة طويلة. إذ في حين أعطى نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي مشروع القانون دفعاً شعبياً من خلال تقديمه بالاعتماد على رافعته السياسية وتحت لواء "اللقاء الأرثوذكسي"، فإنّ البحث ملياً في الأرشيف حول هذا الأمر يظهر عكس ذلك. فبالعودة الى أيلول 1997، نشرت صحيفة "النهار" مشروع القانون هذا بتوقيع "التجمّع اللبناني الأرثوذكسي" برئاسة لطف الله خلاط. وفي عام 2005، سلّم التجمّع مشروعه إلى لجنة فؤاد بطرس وأُعيد نشره في صحيفة "النهار" في آذار 2008. وحتى قبل هذا التاريخ بوقتٍ طويل، يُقال إنّ القانوني المرحوم إدمون نعيم تحدّث عن مبادئ هذا المشروع في الستينات، لتعيده الرابطة المارونية الى الواجهة في الثمانينات.

2- حسبما تقدّم به التجمّع اللبناني الأرثوذكسي، بدا أنّ المشروع يحترم حقوق من يرغبون بعدم تصنيفهم وفقاً لديانتهم، وذلك من خلال وضع "السجل 19" الذي يمكن للعلمانيين الانتساب إليه، وبالتالي اختيار ناخبيهم حسب العدد المخصّص للمقاعد العلمانية. ذلك أنّ حقوق الإنسان لا تلحظ فقط حرية الدين، بل وكذلك حرية المعتقد بالنسبة للعلمانيين وغير المؤمنين. وهذه ركيزة هامة لم يشر إليها مشروع قانون "اللقاء الأرثوذكسي" الذي قدّمه الفرزلي. وريثما يتم تطبيق المادتين 22 و95 من الدستور اللتين تدعوان الى تشكيل مجلس شيوخ بعد انتخاب أوّل مجلس نوّاب على أساس وطني غير طائفي، وفي خطوة لاكتشاف الإجراءات اللازمة تجاه الخروج من النظام الطائفي، فإنّ السجّل 19 يسمح بتبيّن مدى الاستعداد للعلمانية في لبنان بشكل واضح.

3- في حين أنّ مشروع القانون الأرثوذكسي يحدّ من حرية تعبير الناخبين عن آرائهم من خلال حصر تصويتهم بطائفتهم الخاصة، فإنّ التعامل مع لبنان على أنّه دائرة انتخابية واحدة، يعطيهم ثقلاً موازياً في الاقتراع بغضّ النظر عن وجودهم الجغرافي. وبالتالي، فإنّ أي أرثوذكسي من الكورة يمكن أن يترشّح في المتن الشمالي (وفقاً للنظام الحالي)، ويمكنه كذلك أن يصوّت لأرثوذكسي آخر مرشّح في المتن الشمالي.

4- إنّ مقولة إنّ مشروع القانون الأرثوذكسي يكرّس قاعدة المثالثة لا تستند الى أي دليل. فبكل الأحوال، المشروع يحترم المادة 24 من الدستور التي تخصّص مقاعد حسب نسبة 5/5 بين المسيحيين والمسلمين، ريثما يوضع قانون انتخابي غير طائفي. تجري عملية المثالثة في توزيع السلطة وفقاً لمشروع قانون مجلس الوزراء برئاسة نجيب ميقاتي حيث تعطي العملية التناسبية كل طائفة حصة متناسبة مع حجمها. ما يعني أنّه وفقاً لسجل بيانات الناخبين لعام 2011، فإنّ المسيحيين يمكن أن يحصلوا على نسبة 38.2% من المقاعد (نحو 46 نائباً). أما وفقاً لمشروع القانون الأرثوذكسي، يمكن أن يطالب المسيحيون بنسبة 50% من المقاعد (نحو 64 نائباً)، والعملية التناسبية تتخّذ طبيعة سياسية، وليس طائفية. وهكذا، فإن تناسبية مشروع القانون الأرثوذكسي تضمن ألاّ يسيطر أي حزب مسيحي واسع النفوذ مثلاً على دائرة انتخابية ما سيطرة مطلقة وحصرية. ويبقى أن نرى ما هو عدد المقاعد التي يمكن أن ينتزعها الشيعة المستقلون غير الطائفيين من "أمل" و"حزب الله" في ظل القانون الأرثوذكسي القائم على النسبية.

5- منذ نهاية الحرب عام 1990، أدّت القوانين الانتخابية الى سوء تمثيل لدى الطوائف. ففي حين أنّ الدستور يقسّم المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، عملياً لم يمثَّــل المسيحيون كما ينبغي في حين أن المسلمين حصلوا على حقوقهم في التمثيل وأكثر، إذا ما نظرنا الى النواب المسيحيين الناجحين بأصوات المسلمين. وفي حين أنّ سوء التمثيل هذا أثّر على مقاعد المسلمين والمسيحيين على حد سواء، فإنّ تأثيره على المسيحيين كان أعمق من تأثيره على المسلمين. وفي ظل عدم وجود أي تعديل دستوري من شأنه أن يعيد النظر بنسبة 5/5، لا تعدّ تصرّفاً "إنعزالياً" مطالبةُ المسيحيين بحقوقهم.

6- مقولة إنّ مشروع القانون الأرثوذكسي يخالف ميثاق العيش المشترك ويؤدي الى خلافات بين المسيحيين. في هذا السياق، نسأل ما الذي يقوّض ركائز العيش المشترك بين الطوائف أكثر، المساواة أم سوء التمثيل؟ هل شعور طائفة ما بأنّها مغبونة مقارنة بالطوائف الأخرى يخدم الميثاق والاستقرار الوطني؟ التحديد والفصل الانتخابي يسود داخل الطوائف نفسها وليس في ما بينها. وإلاّ وجب على الأقليات أن تخضع لطغيان الأكثرية او على الأقليات المسلّحة أن تحدّد مصير الأكثريات. وبشكل مماثل، لم يعد وارداً منطق الاقتتال بين المسيحيين. فخلال الحرب، المسيحيون وغير المسيحيين كانوا مسلّحين أشد تسليح. وغالباً ما تطوّر الخلاف السياسي الى مواجهة عسكرية بين الأطراف المتنازعة وداخلها. أما اليوم، فالحرب لم تعد واردة، فضلاً عن انّ المسيحيين، إن لم نقل غالبية اللبنانيين، أثبتوا انّهم ناضجون بما يكفي من خلال تصرفاتهم خلال دورتين انتخابيتين عام 2005 وعام 2009 دون أي حوادث أمنية تُذكر، بغضّ النظر طبعاً عن الاصطفاف الحاد وعمليات الاغتيال التي سبقت الانتخابات وأعقبتها.

7- مقولة إنّ مشروع القانون الأرثوذكسي هو إجراء "متخلّف" يعود لزمن المتصرّفية الذي ولّى (أي محافظة جبل لبنان خلال عصر السلطنة العثمانية، 1861-1920). إذا ما قمنا بمقارنة مع تلك الحقبة، فإنّ النتيجة التي نحصل عليها ليست سيئة بالقدر الذي قد نتخيّل. فوفقاً للمؤرّخ التركي
Engin Akarli"تبرز فترة المتصرفية كفترة هادئة سلمية يمكن القول إنّها الفترة الأطول التي ساد فيها السلام الداخلي في التاريخ اللبناني الحديث. كانت كذلك مرحلة من التصالح والاتحاد الاجتماعي السياسي". لا بل يمكن اعتبار أنّه وفقاً للقانون الأرثوذكسي يمكن للتوتّر بين الطوائف أن يتحوّل الى منافسة داخلها، وينهي بالتالي عقوداً من الحصانة التشريعية (التي يتمتّع بها النواب المنتخبون من غير طوائفهم) ويبشّر بحقبة جديدة من التعاون ما بين الطوائف من خلال التركيز على القضايا الوطنية.

8- مقولة إنّه في ظل مشروع القانون الأرثوذكسي، سوف يحصّن النواب أنفسهم داخل طوائفهم ولن يعودوا "نواّب الأمة" كما ينص الدستور. هذه أيضاً مقولة لا ترتكز الى شيء. فبظلّ النظام الحالي، ألا يُعتبر النواب الموارنة عن بشرّي المنتخبون من قبل ناخبين موارنة بالمطلق، نواباً للوطن أجمع، تماماً كما يمثلّون طائفتهم المارونية في ذلك القضاء؟ والمنطق نفسه ينطبق على النواب الشيعة عن النبطية. فبماذا إذاً يختلف مشروع القانون الأرثوذكسي عن ذلك؟

في نهاية الأمر، أشار الخلاف حول مشروع القانون الأرثوذكسي الى مشاكل جوهرية وبنيوية في نظامنا السياسي والى الحاجة لتطويره. فلطالما أخفق النظام في معالجة المظالم الطائفية وأدى الى أو حتى غذّى المشاكل في المناطق، بدءاً من العروبة الموحدة أيام عبد الناصر وصولاً إلى عصر ولاية الفقيه في إيران. ونأمل أن تتولّى مجلس تأسيسي، في الوقت المناسب، المهمّة الشاقة في تطوير نظام يعالج مخاوف وهواجس كل طائفة من الطوائف. ولهذا السبب فإنّ أي قانون إنتخابي عادل مبرّرٌ وممُباحٌ دوماً. غير أنّه وبوجود "حزب الله" المدعوم من إيران والمدجّج بالسلاح، وبوجود الحرب المدمّرة الدائرة في سوريا التي تحدّ من نفوذ بشار الأسد يوماً بعد يوم، فإن مثل هذه المهمة تبقى معلّقة بانتظار حصول اتفاق سنّي-شيعي برعاية إقليمية، وتنسيق دولي، وموافقة داخلية.

وبانتظار ذلك، وفي ظل غياب أي اتفاق على قانون انتخابي يرضي كافة الطوائف، على اللبنانيين أن يستبقوا خطر تأجيل الانتخابات في حزيران، وفي الوقت نفسه أن يتجنبوا الانزلاق إلى أتون الحرب الأهلية أي الى الانتحار.
Bottom of Form

No comments:

Post a Comment