Sunday, March 3, 2013

المجلس الدستوري «غير دستوري»!


سليمان ضد اقتراح اللقاء الأرثوذكسي وسيطعن فيه أمام المجلس الدستوري (مروان بو حيدر)
المجلس الدستوري مشكوك في دستوريته. هذه هي خلاصة النقاش الدائر اليوم في بعض الاوساط القانونية والسياسية. فالمجلس الذي يبتّ أهليّة النواب المطعون في شرعية انتخابهم، ودستورية القوانين، خالف بنفسه قانون إنشائه، في حزيران الماضي.
محمد نزال
في لبنان مجلس دستوري. إنها حقيقة. مجلس لولا ورود ذكره على ألسن بعض السياسيين، من سنة إلى سنة، لما انتبه أحد إلى وجوده. في لبنان مجلس دستوري كثر الحديث عنه أخيراً. أعاد الخلاف على قانون الانتخابات أحياء ذكره هذه المرة. رئيس الجمهورية ميشال سليمان ضد اقتراح اللقاء الأرثوذكسي، وسيطعن فيه أمام المجلس المذكور.
لكن ثمة من يُشكك اليوم في دستورية هذا المجلس الدستوري. وبالتالي، في ظل التشكيك فيه، لا يعود بالإمكان الركون إلى رأيه. يقول المشكّكون إنه كان يجب على المجلس أن يجري القرعة التي كان ينص عليها قانونه الخاص، لتعيين 5 أعضاء جدد. فالمادة الخامسة من القانون الصادر عام 1993 تنص على أن ولاية نصف أعضاء هيئة المجلس الدستوري تنتهي بعد ثلاث سنوات من تاريخ قسم اليمين، لجميع أعضاء المجلس الدستوري، ويجري اختيار هؤلاء بالقرعة، ويعيّن خمسة أعضاء بدلاً منهم لمدة ست سنوات من قبل المرجع الذي اختار الأعضاء الذين سقطت عضويتهم بالقرعة». (المقصود بالمرجع هنا إما مجلس النواب وإما مجلس الوزراء، لكون الأعضاء العشرة يعيّنون مناصفة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية).
إذاً، كان يجب أن تحصل هذه القرعة في حزيران من العام الماضي. لكنها لم تحصل. يمكن القول إننا هنا أمام مخالفة صريحة لنص قانون قائم آنذاك، ومن قبل المجلس الدستوري، أي أعلى هيئة رقابية في لبنان. مصادر رسمية في المجلس أفادت «الأخبار» أنها كانت قد أرسلت إلى كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء، قبل حزيران الماضي (موعد القرعة)، طالبة ترشيح أعضاء جدد، بيد أنه «لم يردنا أي رد من المجلسين، وبالتالي ما معنى أن نجري القرعة عندها ونحن نعلم أن هيئة المجلس ستفقد نصابها، فندخل عندها في مرحلة شغور، ما يعني تعطيلاً لعمل المجلس». هكذا إذاً يدافع المجلس الدستوري عن نفسه، أو بالأحرى عن «دستوريته». لكن، في المقابل، يرى بعض الاختصاصيين في الدستور أن ما فعله المجلس لناحية مراسلة الجهات المعنية بتعيين الأعضاء صحيح، ولكن «لم يكن عليه أن ينتظر من مجلسي النواب والوزراء تعيين بدلاء من المنتهية ولايتهم، بل كان عليه أن يبادر إلى ما يفرضه عليه قانونه الخاص، أي الالتزام بالمادة 4 تحديداً التي تتحدث عن وجوب إجراء القرعة بعد مضي 3 سنوات، ثم ترك الأمر للجهات السياسية المعنية بالتعيين».
أعضاء المجلس الدستوري يتسلحون اليوم بالقانون الذي أصدره مجلس النواب في تشرين الأول الماضي، والذي ألغيت بموجبه المادة الرابعة المذكورة آنفاً، وبالتالي ما عاد القانون الحالي ينص على وجوب إجراء القرعة. هذا صحيح، مرّ هذا القانون وصوّت عليه في مجلس النواب من دون ضجيج، باستثناء اعتراض وزير العمل نجيب جريصاتي الذي أكّد أن «لا شرعية للمجلس الدستوري الحالي، رغم صدور قانون إلغاء القرعة، إلا بالعودة إلى القانون القديم وإجراء القرعة وتعيين أعضاء جدد، وذلك لأن المجلس ملزم بأن يتقيد بالقانون الذي كان سارياً آنذاك، خاصة أن القانون الجديد لا ينص على مفعول رجعي أو ما شاكل».
هكذا، ثمة جهات سياسية وازنة اليوم، وهي في الحكومة أيضاً، ترى أن لا شرعية للمجلس الدستوري الحالي، وبالتالي «إن كان يمكن الانتخابات أن تحصل من دون هيئة إشراف، فإن من المقطوع به أنها لا يمكن أن تحصل في ظل عدم وجود مجلس دستوري شرعي». كلام ينذر بخلاف سياسي جديد بشأن مبدأ إجراء الانتخابات من أصلها، قبل الحديث عن قوانين الانتخاب المختلف عليها.
يُذكر أن النائب ميشال موسى هو صاحب اقتراح القانون الذي ألغى مبدأ القرعة، وقد أكد لـ«الأخبار» أنه لم يتضمن اقتراحه «أي مفعول رجعي، ولا أعلم ما هي الآلية التي يمكن للمجلس الدستوري أن يصحح بها مسألة الأشهر الأربعة التي كان يعمل خلالها من خارج النص القانوني، أي من حزيران 2012 حتى تشرين الأول منها».
إلى ذلك، وبعيداً عن الشق المتعلق بإجراء الانتخابات وشرعية المجلس الدستوري الحالي، فإن ثمة ملاحظات ذات صلة بـ«الشفافية» و«عدم التبعية» التي رافقت إقرار القانون الجديد. فمثلاً، رأت جمعية «المفكرة القانونية» أن إلغاء مبدأ القرعة، وهو مبدأ معمول به عالمياً، يحصّن أعضاء المجلس إزاء احتمال إنهاء ولايتهم، ما يشكل عملياً «إكسابهم منفعة إضافية، وبكلام آخر رشوة». وانتقدت الجمعية ما ورد في الأسباب الموجبة للقانون المذكور، أي «الديموقراطية الضعيفة التي لدينا، حيث يغيب استحقاق المجلس الدستوري في كل مرة». فهذا، بحسب الجمعية، يلغي ضمانات الاستقلالية «بحجة المحافظة على الاستمرارية».
يُشار إلى أن المجلس الدستوري ظل معطّلاً من عام 2005 حتى عام 2008 بسبب الشغور، وهذا ما تُذكّر به اليوم مصادر المجلس، لتبرير عدم إجراء القرعة في موعدها. بيد أن المصادر الحكومية، التي تصرّ على عدم شرعية المجلس الحالي، ترفض هذا التبرير، وتستفيد من قانون المجلس نفسه لتؤكد أن لا خوف من الفراغ في حال إجراء القرعة، إذ ينص على أنه «عند انتهاء الولاية، يستمر الاعضاء الذين انتهت ولايتهم في ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بدلاء منهم وحلفهم اليمين».
سياسة
العدد ١٩٤٦ الاثنين ٤ شباط ٢٠١٣

No comments:

Post a Comment