Saturday, March 9, 2013

لبنان المزدحم بالعواصف

جورج عبيد
عواصف عدة تهبّ في لبنان، تحمل في ازدحامها تداعيات الأزمة الوجوديّة المتفجرة من مصر إلى سوريّا. ولبنان الآن هو نفسه لبنان التاريخ. هو الأرض المستوعبة والممتصّة لأزمات المحيط، والتي تستدرج إلى الداخل، بالتماهي مع مكوناته المؤسسة له.
تراكم العناوين من أمنيّة واجتماعيّة وسياسيّة وانتخابيّة، وفي غياب معالجة الدولة الجذريّة والعادلة، ينذر بالعاصفة المتكونة ويذكّرنا، ببداءة الحرب اللبنانيّة وحتّى قبلها منذ 1973. ففي ذلك الوقت اشتدّ الخناق الاجتماعيّ، وتوتّر الواقع الطائفيّ، وتماهى بصراع محاور انفجر على أرض لبنان، حيث كان ياسر عرفات في ذلك الوقت يدير تلك الأزمة مستنهضًا الطائفة السنيّة بوجه ما سمي في ذلك الوقت بـ«اليمين المسيحيّ». لم يتغيّر شيء منذ ذلك الحين إلى الآن. فالطوائف والمذاهب هي محور الصراع ومضمونه. والصراع الدائر اليوم هو صراع تكوينيّ-وجوديّ، يأخذ المنطقة بصورة شاملة إلى التغييرات الجيو-سياسيّة، والجيو-مذهبيّة.
البحث في ماهيّة التغييرات يحتّم علينا طرح سؤال استراتيجيّ: هل نحن مقبلون إلى ترسيم خطوط جديدة تبطل مفاعيل سايكس-بيكو التي كرّست بمؤتمر يالطا سنة 1946؟
تاريخيًّا سايكس-بيكو وجد لتأمين وجود إسرائيل. وإسرائيل ترعى التغييرات الجيو-مذهبيّة لتضمن ديمومتها. وهذا مخطّط وجد منذ الخمسينيّات من القرن المنصرم بما أسمي آنذاك بالرسائل الثلاث، بين ديفيد بن غوريون وإسحق ساسون وموشي شاريت، حيث اعتمدوا المنهج التفكيكيّ لشرذمة الشرق الأوسط وجعله محصورًا بغيتوات مذهبيّة. وما استخدام القوى التكفيريّة والسلفيّة سوى حالات مزروعة في المدى الإسلاميّ لتنفيذ هذا الهدف وتجذيره بالعمق الاستراتيجيّ..
هذا يعيدنا إلى ما حدث في الآونة الأخيرة في لبنان من تأجيج أمنيّ، من عرسال إلى صيدا وطرابلس، وكان السلفيون أبطاله الرئيسيين. ما حدث في الواقع يشي بأن الصراع الوجوديّ في سوريا وعليها، دخل الأراضي اللبنانيّة. والدخول بحدّ ذاته فتنويّ يهدف في أبعاده إلى استنهاض الحرب المذهبيّة. واستنهاضها يبقى محاولة يائسة لتنفيس ما يحدث في سوريا..
إنّ دخول فرقاء لبنانيين في جوف الصراع السوري أسقط مقولات السيادة ونهائيّة الوطن ولبنان أوّلاً. وبات الهمّ، مذهبيًّا ربط الساحة اللبنانيّة بالساحة السوريّة عبر خيط مذهبيّ «ليبراليّ»- سلفيّ يتوق للقبض على النظام، بألوان مختلفة. وينعكس هذا بدوره على الواقع اللبنانيّ الذي غدا مشلوحًا في التلاشي العبثيّ. الحياد وفق «اعلان بعبدا» بات لفظة جوفاء خالية من معناها الحقيقيّ، وتحوّل إلى قناع لكلّ تورّط ملتبس.
هذا المشهد المتراكم، يدعو كلّ متأمّل إلى إبداء الملاحظات التالية:
1- مع غياب الدولة بالمعنى الوجوديّ، تصبح الأرض رهينة الأمن المذهبيّ، وليس الطائفيّ. فالمذهب جزء من الطائفة. هذا أخطر ما يمكن أن يصله اللبنانيون. وحين بلغنا إليه في مراحل سابقة لـ13 نيسان 1975، من دون الاستناد إلى القوّة الميثاقيّة الرابطة بين الأمن والسياسة والوجود، انفجر البركان في ذلك التاريخ الأسود. ولبنان بغياب الدولة هو أقرب إلى انفجار هذا البركان من جديد.
2- إنّ أفضل ما يؤمّن الحماية بالمعنى الاستراتيجي ويدعم الفعل الميثاقي بانسيابه في الحيّز الإجرائيّ، تحقيق المناصفة فعليًّا وليس صوريًّا عبر قانون للانتخابات. إنّ مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ، والذي قامت الدنيا من فريق خلفياته معروفة هو الإطار الواحد والوحيد، الذي يبطل التطرّف وينمّي ثقافة الاعتدال، ويقيم وزنًا للتوازن. فيتم دفن الطائفيّة الفوضويّة والمحتوية لطائفيّات أخرى بطائفيّة متوازنة تتلاقى فيها الطوائف ميثاقيًّا وإراديًّا، والهالة الميثاقيّة تبيد بجوهرها ومفرداتها الحالة الاحتوائيّة التي تجعل ثقافة الاستيلاد بأدبيّاتها وسلوكيّاتها سارية المفعول. وتكون الهالة الميثاقيّة المدخل لإلغاء الطائفيّة السياسيّة. ذلك أن ثقافة الاحتواء وحدها تقوّي التطرّف بالمعنى البنيويّ للكلام حيث القدرة تظل بيد المحتوين.
3- إنّ إصرار رئيسيّ الجمهوريّة والحكومة على المضيّ بالانتخابات وفقًا لـ«قانون 1960»، قبل أن يصلهما القانون من الهيئة لعامّة، يطال بدوره المسوّغ الشرعيّ والدستوريّ، ويبتر الرؤية الميثاقيّة، باستبعاد الأكثرّية التي أقرت وبصورة قانونيّة ودستوريّة مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ. كما هو إمعان في زجّ لبنان بخيارين: إمّا القبول الحصريّ بـ«قانون الستين»، أو الفراغ. والفراغ يترك لبنان بلا سقف سائبًا، يشبه فراغ الحرب اللبنانيّة، حيث حجب حضوره بين الأمم. «قانون 1960» إلغاء كليّ لجوهر المناصفة التي نصّ عليها الطائف وبني عليها الدستور اللبنانيّ، وبخاصّة المادة 24 منه، واستمداد للحرب.
([) ناشط في «اللقاء الأرثوذكسي»

< المقال السابقرجوعالمقال التالي >
Bookmark and Share
إقرأ للكاتب نفسه

No comments:

Post a Comment