Friday, March 29, 2013

عادل يمين ردا على مناهضي الاورثوذكسي


ردّاً على مناهضي الاقتراح الأرثوذكسي: هذه هي الأسباب الموجبة

عادل يمين
أكرّر القول إنّ اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة مع نظام الاقتراع النسبي والوطني وحفظ كوتا الطوائف في توزيع المقاعد سيمكّن المسيحيين من إنتاج ما يزيد عن خمسين نائباً بقوتهم الذاتية، وسيتيح لهم بحكم موجبات التحالف من التحكّم بفوز 64 نائباً من أصل 128 وهو ما يشكّل التزاماً بقاعدة المناصفة، وفي الوقت عينه مراعاةً لسائر المبادئ الدستورية، ولكن ما دام هذا الاقتراح لم يحظ بتأييد غالبية نيابية قادرة على إقراره كان لا بدّ من اعتماد خيار اقتراح الأرثوذكسي الذي يحقق المناصفة الحقيقية والفعلية بين المسيحيين والمسلمين، خاصة بعدما نجح في تأمين شبه إجماع مسيحي عليه وبات الخيار المتقدّم ويتعيّن طرحه على الهيئة العامة للبرلمان.
إنّ المآخذ التي يسجلها البعض على الاقتراح الأرثوذكسي تصبح جادّة وذات مصداقية في حال تأسّست على خلفية أنّ النظام الانتخابي الدستوري الوحيد هو لبنان دائرة واحدة مع النسبية الوطنية والكوتا الطائفية، حيث أنّ قاعدة المساواة مصونة بلا ريب وقاعدة أنّ النائب يمثل الأمة جمعاء موفورة سواءً اعتبرنا أنّ القصد منها وجوب أن يشارك في عمليّة انتخابه مجموع الناخبين في الوطن اللبناني أم اعتبرنا أنه يصبح ممثلاً للأمة بحكم الدستور بعد انتخابه.
أما مناهضة الاقتراح الأرثوذكسي على غير تلك الخلفيّة، فذلك انفصام مع الذات وإسقاط للحجج على أيدي أصحابها، وإليكم البيان:
1- يأخذ مناهضو الاقتراح الأرثوذكسي عليه أنه يتعارض مع منطوق المادّة 27 من الدستور التي تقضي بأنّ «عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء»، وعلى ذلك أجيب:
علينا اعتماد واحد من تفسيرين لقاعدة أنّ النائب يمثل الأمة جمعاء، فإمّا أنّ المشترع الدستوري عنى بها وجوب أن يتمّ انتخاب النائب بإرادة ناخبي الأمة جمعاء وعندها يكون المشروع الدستوري الوحيد اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة (مع النسبية الوطنية والكوتا الطائفية)، وما على الطاعنين بطرح اللقاء الأرثوذكسي عندها إلا رفع لواء هذا المشروع باعتبار أنّ القوانين والمشاريع الأخرى تكون إذ ذاك كلها غير دستورية، بما فيها قانون 1960 المعدّل بالقانون 25/2008 بالتأكيد، وإمّا أنّ المشترع قصد أنّ النائب بمجرّد انتخابه يصبح ممثلاً للأمة جمعاء بحكم الدستور، بمعزل عن الجماعة أو الدائرة التي انتخبته، ويتعيّن عليه الدفاع عن مصالح الأمة وقضاياها، وهو ما يجعل اقتراح اللقاء الأرثوذكسي دستورياً لهذه الجهة.
2- يعتبر مناهضو الاقتراح الأرثوذكسي بأنه يتعارض مع قاعدة المساواة بين اللبنانيين المنصوص عنها في المادّة 7 من الدستور، حيث أنه ينطوي على تمييز في القيمة الاقتراعية لأصوات الناخبين وفي أعباء الحملة الانتخابية بين المرشحين تبعاً للاختلاف في أعداد المقاعد النيابية المخصّصة لكلّ طائفة وفي أعداد ناخبيها، وعلى ذلك أجيب:
- عند بحث أيّ اقتراح للنظام الانتخابي يتعيّن العمل على إيجاد القانون الذي من شأنه التوفيق بين مختلف الأبعاد والقيم الدستورية، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا في نظام الدائرة الواحدة مع النسبية الوطنية والكوتا الطائفية، أما في حال تنحية هذا النظام جانباً فيقتضي إعطاء الأولوية لمبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في تشكّل البرلمان على سائر المبادئ الدستورية في حال تعارضه معها، كونه ورد في المادّة الخاصّة بتأليف المجلس النيابي، أي المادّة 24 من الدستور، وغنيّ عن القول «إنّ النصّ الخاص يغلب النص العام».
- إنّ قاعدة المساواة بين اللبنانيين لها حدّان دستوريان، أي استثناءان، وهما ناشئان عن طبيعة نظامنا الدستوري الطائفي. أما الحدّ الأول فيكمن في شؤون الأحوال الشخصية، حيث أكّدت المادّة 9 من الدستور أنّ الدولة «تضمن للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية»، ولا ريب في أنه ترتب على ذلك تمييز هائل بين اللبنانيين سواء لجهة المراجع التي يحتكمون إليها في قضايا الأحوال الشخصية ولا سيّما في الزواج والطلاق وحضانة الأولاد والإرث والوصية، أم لجهة القوانين التي تُطبّق عليهم وبالتالي الحقوق والموجبات الناشئة عنها تبعاً لانتماء كلّ منهم إلى طائفة معينة، ومن المسلّم به أنّ هذا التمييز الذي يتعارض أصلاً بطبيعته مع قاعدة المساواة الدستورية نجده دستورياً في حالتنا لأنّ الدستور اللبناني شرّعه وكرّسه ولأنه جزء من نظامنا الطائفي.
وأما الحدّ الثاني لقاعدة المساواة فيتمثل في الطائفية السياسية والوظيفية، حيث نصّت المادّة 24 من الدستور على توزيع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين ونسبياً بين طوائف كلّ من الفئتين، وقضت المادّة 22 منه بأنه «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية»، وأوجبت المادّة 95 فقرة (أ) بأن «تُمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة» ووزعت الفقرة (ب) وظائف الفئة الأولى وما يعادلها مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، فضلاً عن أنّ الأعراف الدستورية أوجبت أن يشغل رئاسة الجمهورية ماروني ورئاسة البرلمان شيعي ورئاسة الوزراء سني ونيابة رئاسة البرلمان ونيابة رئاسة الحكومة روم أرثوذكسيّ، ولا ريب في أنّ كلّ هذه المحاصصة الطائفية تشكّل تمييزاً بين اللبنانيين وانتهاكاً لمبدأ المساواة، ولكننا نجدها دستورية في حالتنا لأنّ الدستور والأعراف الدستورية قضت بها ولاّنها تدخل في صلب نظامنا.
- إنّ جميع الاقتراحات تخالف قاعدة المساواة في القيمة الاقتراعية لأصوات الناخبين وفي أعباء الحملة الانتخابية بين المرشحين ما عدا مشروع لبنان دائرة انتخابية واحدة (مع النسبية الوطنية والكوتا الطائفية)، وإذا افترضنا جدلاً بأنّ ثمة صيغة في تقسيم الدوائر تؤمن المساواة في هذا الخصوص فهي ستنطوي حتماً وبالتأكيد على ضرب قاعدة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في المقاعد النيابية وفي إنتاجها عرض الحائط بالنظر إلى الفارق العددي بين الفئتين والانتشار المسيحي المترامي الأطراف على سائر الجغرافيا اللبنانية، ما يجعل مثل هذه الصيغة ساقطة دستورياً كون قاعدة المناصفة لها الأولوية والغلبة.
3- يتذرّع البعض بأنّ الاقتراح الأرثوذكسي يخالف الفقرة (أ) من مقدّمة الدستور التي تنصّ على أنّ لبنان «واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات»، والفقرة (ط) التي تقضي بأنّ «لا فرز للشعب على أساس أيّ انتماء كان»، ومع الفقرة (ي) من مقدّمة الدستور التي تنصّ على أنّ «لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، وعلى ذلك أجيب:
- إنّ وحدة الشعب لا تمنع إطلاقاً تعدّدية الدوائر الانتخابية سواء كانت جغرافية أم طائفية وإلا باتت جميع المشاريع الانتخابية المعمول بها سابقاً والمقترحة حالياً غير دستورية لأنها تقوم على تقسيم لبنان على عدد كبير من الدوائر الانتخابية وبعضها ذات لون طائفي ومذهبي واحد أو يكاد أن يكون، ما عدا مشروع لبنان دائرة واحدة مع النسبية الوطنية وكوتا الطوائف.
- من المعلوم أنّ لكلّ طائفة في لبنان سلطات تشريعية وقضائية في شؤون تتصل بالأحوال الشخصية وتطبق على اللبنانيين المنتمين إليها، كما أنّ جزءاً من مسائل الأحوال الشخصية المتعلّق بالإرث والوصية يخضع للقانون المدني والمحاكم المدنية في ما خصّ غير المحمديين، ولكنه يخضع للتشريعات والمحاكم الطائفية في ما خصّ المحمديين، من دون أن يكون ذلك متعارضاً مع قاعدة وحدة الأرض والشعب والمؤسسات لأنه يدخل في صلب نظامنا الطائفي، فكيف بالحريّ بالاقتراح الأرثوذكسي الذي يقوم على قاعدة لبنان دائرة واحدة ويبقي المجلس النيابي سلطة مركزية واحدة.
- إذا كان المناهضون يعتبرون أنّ انتخاب كلّ طائفة لممثليها يتعارض مع قاعدة وحدة الأرض والشعب والمؤسسات فكيف يقترحون اعتماد صيغة اللقاء الأرثوذكسي من أجل انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ المنصوص عنه في المادّة 22 التي قضت بأنه مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية؟
- إذا كان مناهضو الاقتراح موضوع البحث يعتبرون أنّ من شأنه أن يشكّل فرزاً للشعب، فذلك يجب أن يقودهم إلى القول إنه في كلّ مرّة تتعدّد فيها الدوائر الانتخابية يكون الشعب مفروزاً، وهو ما يجعل جميع الأنظمة الانتخابية غير دستورية ما عدا نظام الدائرة الواحدة (مع النسبية الوطنية وحفظ كوتا الطوائف)، علماً أنّ الفقرة (ط) من مقدّمة الدستور عندما أوردت أن «لا فرز للشعب على أساس أيّ انتماء كان» قصدت الفرز من الناحية الجغرافية وهو أمر واضح وجليّ من سياق نصّها، حيث تضمنت ما حرفيته «أرض لبنان واحدة لكلّ اللبنانيين. فلكل لبناني الحق في الإقامة على أيّ جزء منها والتمتع به في ظلّ سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أيّ انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين».
- تحرص الفقرة (ي) من مقدّمة الدستور على ميثاق العيش المشترك وليس على الانتخاب المشترك، علماً أنّ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في المجلس النيابي، في عدد المقاعد أم في إنتاجها على السواء، تشكّل العمود الفقري لميثاق العيش المشترك في المرحلة التي تسبق تجاوز الطائفية والتي ما زلنا في صلبها وإلى أمد غير منظور.
ومن الضروريّ أن نوضح بأنّ تذرّع البعض باتفاق الطائف للقول بعدم دستوريّة الاقتراح الأرثوذكسي، بذريعة أنّ الاتفاق نصّ على أنّ المحافظة هي الدائرة الانتخابية بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري، مستوجب الردّ لأنّ هذا النصّ لم يدخل في صلب التعديلات الدستورية التي انبثقت من وثيقة الوفاق الوطني، وهو ليس مبدأ عاماً ذا قيمة دستورية بذاته ولا يتمتع بالتالي بصفة دستورية ملزمة (راجع نص قرار المجلس الدستوري الرقم 1 تاريخ 31/1/2002 حول قانون الضريبة على القيمة المضافة رقم 372 تاريخ 14/12/2001). وفوق ذلك، ربطت وثيقة الوفاق الوطني اعتماد المحافظة دائرة انتخابية بإعادة النظر بالتقسيم الإداري، وهو أمر لم يحصل لغاية اليوم، فضلاً عن أنّ مختلف الاقتراحات الصادرة عن مناهضي اقتراح اللقاء الأرثوذكسي لم تعتمد المحافظة دائرة انتخابية.
وفي الخلاصة، يمكن القول إنّ رافضي الاقتراح الأرثوذكسي بذرائع دستورية، والذين يناهضون في الوقت عينه صيغة الدائرة الواحدة مع النسبية الوطنية وحفظ كوتا الطوائف، هم في حقيقة الأمر لا يبالون بالدستور ولكنهم يبتغون الاستمرار بالسطو على عدد وافر من المقاعد النيابية المسيحية... غير أنهم غافلون أنّ الزمن تغيّر.
وغنيّ عن البيان، أنّ دعوة مجلس النواب للانعقاد باتت ملحّة جدّاً قبل انقضاء ولايته من دون إصدار قانون انتخابات نيابية جديد، الأمر الذي سيدخلنا في فوضى دستورية لا تُحمد عقباها، علماً أنّ استقالة الحكومة لا تمنع البرلمان من التشريع.


([)محام وكاتب سياسي


adelyammine@gmail.com

No comments:

Post a Comment