Tuesday, December 18, 2012













http://www.assafir.com/Images/SideLayer.gif
المجلس الدستوري غير قانوني
وما يصدر عنه غير قانوني



محفوظ سكينة

يثير القرار الرقم 1/2012 الصادر عن المجلس الدستوري بتاريخ 3/12/2012 القاضي بتعليق مفعول القانون المطعون في دستوريته من قبل رئيس الجمهورية، رقم 244 تاريخ 13/11/2012، والمتعلق بترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام، من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق إلى رتبة ملازم أول، السؤال التالي:
هل أن الهيئة التي أصدرت هذا القرار تعتبر قانونية؟
أولاً: قاعدة عدم التجديد لأعضاء المجلس الدستوري:
نصت المادة الرابعة من قانون إنشاء المجلس الدستوري (رقم 350/93) على أن «مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري ست سنوات غير قابلة للتجديد ولا يجوز اختصار مدة ولاية أي منهم...».
كما نصت المادة الثالثة من النظام الداخلي للمجلس الدستوري (القانون رقم 243 تاريخ 7/8/2000) على أن مدة ولاية أعضاء المجلس ست سنوات غير قابلة للتجديد ولا للاختصار...».
إن المادة الرابعة والمادة الثالثة المذكورتين أعلاه، مطابقتان ومستوحاتان من المادة 56 من الدستور الفرنسي الصادر عام 1958، ومن المادة 12 من القانون الأساسي للمجلس الدستوري الفرنسي تاريخ 7/11/1958.
وقد اجمع علماء القانون على القول إن هدف هذه النصوص هو تأمين استقلالية الوظيفة وكرامتها بتعيين مدة غير قصيرة للولاية وغير قابلة للتجديد (nonrenouvelable). ومرد ذلك هو تمكين الأعضاء من ممارسة وظيفتهم بكل جدية من دون اللجوء أو السعي لمحاباة السلطة التي عينتهم ومن دون تمكين هذه الأخيرة من رهن مصير مدة ولاية العضو بإرادتها سواء بـ«إطالتها مكافأة لرضى» أو بـ«ببترها عقاباً» على عدمه.
D.Rousseau: Droit du Contentieux CONSTITUTIONNEL P.50
وتجدر الملاحظة أن قاعدة عدم التجديد مطبقة في التشريعات الأجنبية لا سيما في ألمانيا، وذلك بموجب الفقرة الثانية من البند 4 من قانون 21 كانون الأول 1970، لأن هذه القاعدة تُؤَمِّن، كما سبق القول، استقلالية أعضاء المجلس الدستوري.
غير أن لهذه القاعدة استثناء وحيدا، إذ إنها لا تطبق على العضو البديل إذا كانت المدة المتبقية من ولاية العضو الأصيل تقل عن سنتين.
وهذه القاعدة الجوهرية مرعية بشدة في جميع التشريعات الأجنبية وهي تشمل عدم إمكانية (بل استحالة) التجديد المباشر للولاية.
(renou vellement immediate)
والتجديد اللاحق (renou vellement ultérieur)
ولو كان ثمة احتمال بقبول المشترع لتجديد لاحق للولاية، لكان أورد قياساً على نص المادة 49 من الدستور اللبناني نصاً مماثلاً لنص هذه المادة الذي جاء فيه «... وتدوم رئاسته ست سنوات ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات...».
وبالعودة إلى المجلس الدستوري الحالي في لبنان، يتبين، انه، يضم بين أعضائه، عضواً، تم التجديد له عام 2009، بعد أن سبق وكان عضواً في المجلس الدستوري، الأمر الذي يشكل مخالفة صريحة لقاعدة عدم التجديد المنصوص عنها في المادة 4 المذكورة أعلاه، وينتج من ذلك، أن التكوين الحالي للمجلس، يكون، مشوباً بعيب قانوني، والقرارات التي تصدر عنه بمشاركة العضو المجدد له، تكون باطلة.
ويتبين من القرار رقم 1/2012 الصادر عن المجلس الدستوري المنشور في الجريدة الرسمية عدد 51 تاريخ 6/12/2012 الذي قضى بتعليق مفعول القانون الرامي إلى ترقية مفتشين في الأمن العام إلى رتبة ملازم أول، انه، اتخذ بمشاركة العضو المجدد له، ويكون بالتالي هذا القرار غير قانوني.
ثانياً: وجوب إجراء القرعة بعد انقضاء ثلاث سنوات:
عملاً بالمادة الرابعة من القانون رقم 43 تاريخ 3/11/2008 المعدلة للقانون رقم 350/93 (إنشاء المجلس الدستوري) تنتهي ولاية نصف أعضاء المجلس الدستوري بعد انقضاء ثلاث سنوات على ولايتهم، ويجري اختيار هؤلاء بالقرعة. ويعين خمسة أعضاء جدد بدلاً منهم لمدة ست سنوات من قبل المراجع التي اختارت الأعضاء الأصليين.
إن قاعدة تبديل نصف أعضاء المجلس الدستوري كل ثلاث سنوات، عن طريق القرعة، والمعمول بها في معظم المجالس الدستورية الأوروبية، تهدف إلى ضخ دم جديد، يتكامل مع خبرة الأعضاء المتبقين، بحيث يتمكن المجلس الدستوري من التكيف مع التحولات الاجتهادية الكبرى التي تحصل في القضاء الدستوري الأوروبي، لا سيما الفرنسي.
إن القرعة تشكل موجباً قانونياً ملزماً، بعد انقضاء ثلاث سنوات على ولاية أعضاء المجلس الدستوري، وإجراؤها غير مرتبط بأية مسألة أخرى على الإطلاق. كما أنه، لا يوجد في القانون رقم 43 المذكور، أي نص يربط بين إجراء القرعة المفروضة قانوناً، وبين مسألة الترشيحات لعضوية المجلس الدستوري التي تبقى مستقلة تماماً عنها.
وإن الحرص على تأمين استمرارية عمل المجلس الدستوري، لا يحول دون إجراء القرعة، باعتبار أن هذه الاستمرارية مؤمنة بموجب المادة الرابعة من النظام الداخلي للمجلس الدستوري، التي جاء فيها ما يأتي:
«
عند انتهاء الولاية، يستمر الأعضاء الذين انتهت ولايتهم في ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بدلاء عنهم».
وتطبيق هذه المادة، يشترط مسبقاً معرفة الأعضاء الخمسة الذين انتهت فترة ولايتهم. ولا تتحقق هذه المسألة، إلا عند إجراء القرعة، وعندها يصبح بالإمكان تعيين بدلاء عنهم. ويستمر هؤلاء الأعضاء في ممارسة أعمالهم لحين حصول التعيين وحلف اليمين.
أما إذا لم تجر القرعة، فانه يستحيل على المراجع المختصة تعيين أعضاء جدد وذلك لاستحالة تحديد الأعضاء الذين ينبغي استبدالهم.
وينجم عما تقدم، وبكل وضوح، أن المجلس الدستوري ملزم قانوناً بإجراء القرعة، بعد انقضاء ثلاث سنوات على ولاية أعضائه، ولا يوجد أي سبب أو مبرر قانوني يحول دون ذلك.
وفي ما يتعلق بأعضاء المجلس الدستوري، يتبين أنهم قد حلفوا اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية مجتمعين بتاريخ 5 حزيران 2009، إلا أن العضو محمد مرتضى الذي حل محل المرحوم اسعد ذياب، قد حلف اليمين في 20 نيسان 2010، بحيث تكون ولاية العضو البديل المذكور للمدة المتبقية من ولاية العضو الأصيل الذي شغر مركزه بالوفاة عملاً بالمادة 4 من قانون إنشاء المجلس الدستوري.
إن المجلس الدستوري، أصبح ملزماً، بالنظر لما تقدم، بإجراء القرعة، بتاريخ حده الأقصى 5 حزيران 2012، إلا أن القرعة لم تجر حتى الآن، بالرغم من انقضاء ما يقارب الستة أشهر، الأمر الذي يجعل من المجلس الدستوري هيئة غير قانونية وغير مؤهلة بالتالي لممارسة صلاحياتها بصورة صحيحة، ويكون بالتالي القرار الصادر عنه رقم 1/2012 والمتعلق بتعليق مفعول قانون ترقية المفتشين في الأمن العام إلى رتبة ملازم أول غير قانوني.
وبالاستناد إلى كل ما تقدم، نرى أن التكوين الحالي للمجلس الدستوري هو غير قانوني، ويكون بالتالي القرار الصادر عنه رقم 1/2012 تاريخ 3/12/2012، غير قانوني.


([)
دكتور في القانون العام
مستشار سابق لدى مجلس الشورى

No comments:

Post a Comment