Saturday, December 29, 2012



الدروز هدف صهيوني... أين أصبحت الدولة الدرزيّة؟
Friday, December 28, 2012 - 10:11 PM
مفيد سرحال

مرجع درزي كبير : لا دولة درزيّة تعيش على حساب إسرائيل
نحن مُسلمون مُوحّدون نعيش مع إخواننا في هذا الشرق

مفيد سرحال

الدروز في النسب عرب أقحاح، ولا يوجد في العرب الجالين عن جزيرة العرب اصبح عروبة منهم.. فأولئك الذين يعدون الاجانب بأن آل معروف يكونون الى جانبهم على الامة العربية قد احتملوا بهتانا وإثما مبينا، فمهما يكن من العوامل فإنه متى انقسم الناس ولحق كل فريق بأهله، فأبناء معروف لا يخرجون عن الجامعة العربية، ولا من الجامعة الاسلامية، ولن يقدر احد ان يخل بهذه القاعدة: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه.
هذا الكلام لا لبس فيه ولا إبهام صاغة بفصاحة وصراحة من قيل عنه بين العروبة، ولسان الامة الاسلامية، وامير البيان العربي في القرن العشرين، الامير شكيب ارسلان والذي قال لصديقه عبد الله المشنوق قبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة في التاسع من كانون الاول 1946 «أوصيكم بفلسطين».
ما تقدم اقل ما يقال فيه انه عقيدة وصراط ومنهج حياة ومسلك جماعة دأبها التمسك بهويتها القومية فاستحقت بجهادها عن جدارة لقب سيف العروبة والاسلام وعبثا يحاول اعداء الامة كسر المقدس وانتهاك الحرمة اي الانتماء والهوية والتاريخ لتلويث الجماعة الدرزية بلوثة الخصوصية كدين مستقل وليست مذهبا من مذاهب الاسلام بغية جرها الى حماية مزعومة وقلق اقلوي ينجذب الى شبيهه، ويبقى الوجدان الجماعي مزدانا بذاكرة تضج خلاياها بمآثر محفورة عميقا في كينونة وجودها ماضيا وحاضرا ومستقبلا، فهل من السهل ان ينسى الدروز الامير مجيد ارسلان يوم دخل المالكية في معركة استعادة فلسطين العربية ووصلت طلائع جيشه التحريري الى الناصرة حيث قرعت اجراس الكنائس فرحا، كما لن ينس الدروز كمال جنبلاط الذي اعتمر الكوفية الفلسطينية وحمل في قلبه ووجدانه قضية العرب المركزية مناضلا مجاهدا في سبيلها وكيف للدروز ان ينسوا سلطان الاطرش وثورته بوجه المستعمر الفرنسي وكلمته الشهيرة عندما لحق بالفرنسيين الذين اختطفوا ضيفه ادهم خنجر من منزله وحملته طائرة فرنسية في بلدة الشقا: «لا حيلة لنا في السماء اما على الارض فسترون بأس بني معروف» وسحق الثوار الدروز العسكر الفرنسي في طول الجبل وعرضه وامتدت الثورة الى وادي التيم معقل الدعوة الدرزية واشتعلت الثورة في كل المناطق السورية فكانت ثورة هنا نور صالح العلي وتوحد السوريون تحت لواء الثورة السورية الكبرى وكان التحرير ومعه الاستقلال، وكيف للدروز ان ينسوا ابن السويداء العقيد نايف العاقل الذي اقتحم مرصد جبل الشيخ اكبر تحصينات الجيش الصهيوني على خط الجبهة عام 1973، بإنزال رأسي ومعه مجموعة من جنود الجيش العربي السوري البواسل، وعندما قلده الرئيس الراحل حافظ الاسد وسام بطل الجمهورية ابى إلا ان يغرسه في لحم صدره لا في بزته العسكرية.
} موقف حكيم وشجاع }
وهل ينسى الدروز ابن بلدة شارون في جرد عاليه الاستشهادي القومي الاجتماعي عن سابق اصرار وجدي الصايغ فاتح عهد العمليات الاستشهادية وبصرف النظر عن انتمائه العقائدي فهو ابن عائلة وبيئة درزية غرست فيه حب الارض والشهادة في سبيلها وكذا هي رفيقته الشهيدة ابتسام حرب ابنة غريفة الشوف، وكيف للدروز ان ينسوا عام 1998 الحرم الديني الذي رماه مشايخ خلوات البياضة وعلى رأسهم الشيخ ابو سهيل غالب قيس والشيخ فندي شجاع والشيخ سليمان شجاع على كل من يتصل بالعدو الصهيوني وخلوات البياضة اكبر مرجع للموحدين الدروز في العالم، قرارهما ملزم قاطع صارم ويطال الاجنة في بطون امهاتهم ويومها صعق القادة الصهاينة من هذا القرار فأوفدوا الى حاصبيا وكانت تحت الاحتلال رئيس جمعية الصداقة الدرزية الاسرائيلية محمد الرمال وموفق طريف لاقناع المشايخ بالعودة عن قرارهم الا ان الموفدين لم يتمكنا من دخول حرم خلوات البياضة ومنعا من تدنيسها فكان الحرم ورد الزائرين الثقيلين صفعة هزت كيان العدو ومخططاته الهادفة الى فرز لبنان الى طوائف ومذاهب منها الصديق المفترض والعدو، ولن ينسى الدروز موقف الزعيم وليد بك جنبلاط عقب احداث 7 ايار 2008 من مقاتلة حزب الله المقاوم في موقف حكيم وشجاع ينطوي على قرار وجداني ينسجم مع الذات بحيث لا يسجل على الدروز ان سلاحهم رفع في وجه من هزم العدو الصهيوني من جهة وكي لا تؤسس تلك المواجهة الى ثقافة معادية لخط المقاومة قد تدفع بعض المجانين اذا افلتت الامور من عقالها وانسدت الافق واقفلت السبل الى مد اليد للمحظور القاتل الذي لا طاقة للدروز في تحمل تبعات الغوص في مجاهله، كما ان كلام الامير طلال ارسلان واضح في «ان الجبل سيبقى جبل العروبة ولن يكون خنجرا في ظهر المقاومة وان سلاح الدروز لن يشهر إلا في وجه اليهود دفاعا عن ارض العرب ومقدساتهم».
ما تقدم قطيرة من بحيرة في تاريخ طائفة الموحدين الدروز، ترطب الجذور وتمنع اليباس في حلكة الزمان وتشظي الخرائط حين تنطق الجغرافيا بذاك الخواء وتتقلص الاوطان في ضمور انتحاري ويوسوس الخناس الوسواس في صدور الناس.. انه الشغل المحموم لحكومة العالم الخفية لصناعة كيانات «اسرائيليات» تنهش بعضها وتدور في فلك المولود الغير شرعي «اسرائيل» فمن الوهم ولو للحظات لو فكرنا ان الحركة الصهيونية تراجعت او قد تتراجع عن مشروع تدمير وحدة الوطن بالتجزئة والحقد الطائفي طريقا لتمزيق سوريا الطبيعية والجزيرة العربية ومصر واول الغيث في المؤامرة المتناسلة والمخطط الدائم الحضور في الادراج، والذي يعاد تظهيره في السوانح كلما اختلت الموازين واستفزت المشاعر واستشرت العصبيات واستحكم الجهل الغرائزي وتهدمت الجسور بين القلوب وباتت الاسلاك الشائكة حارسة حدود الذات وحارسة حدود «الغول».. انه مشروع «الدولة الدرزية» وعلى الدوام الدروز هدف صهيوني كما سواهم من الاقليات ونبش اوراق الذاكرة والاضاءة على احداث ووقائع مغمورة واخرى مخفية كفيل بتوكيد ان كل ظاهر «نور» ينير العقل والدرب معا ويكشح غمام الالتباس ويبدد المظان الكالح..
فمن المسلّم به ان الصهيونية خليفة الامبريالية في المنطقة العربية او هي الامبريالية الغربية وقد صدرت الى هذه المنطقة اقبح صورها التي تقوم على البراغماتية الانانية المتطرفة والتوسع الدموي غير المحدود وفق هذه الرؤيا المتناسلة التي تخدم الغرض عينه، اعلن نابليون بونابرت في اواخر القرن الثامن عشر اثناء حصاره لعكا عن رغبته المخلصة في ان يقيم للدروز استقلالهم واعطائهم مدينة بيروت ذات المرفأ كمركز تجاري وإبان الانتداب الفرنسي عرض المستعمر على سلطان باشا الاطرش اقامة «دولة - إمارة» درزية في منطقة السويداء وتتكفل فرنسا بدعمها بشتى الوسائل على ان تتوسع لاحقا برعاية اجنبية لكن سلطان رد بإشعال الثورة ليؤكد عروبة بني معروف وانتماءهم القومي والديني لن يكونوا اداة طيعة بيد المستعمر بل حربة في صدر مشاريعه التفتيتية.
اما الحلم الصهيوني فقد تكشفت ملامحه في الرسائل المتبادلة بين موشيه شاريت وبن غوريون لاقامة الدولة المارونية والتي اختارت جونية لتكون عاصمة لها لكن عوامل محلية وعربية ودولية حالت دون قيامها وجاء عدوان 1967 على سوريا والاردن ومصر واحتلال قسم من الاراضي العربية فأبقت «اسرائيل» على الدروز في الجولان تأسيسا لترجمة الحلم وليبدأ التقسيم بقيام «دولة درزية» وقد اتصلت اسرائيل بعدد من القيادات الدرزية معلنة انها على استعداد ان تعترف فورا بالدولة الدرزية وتقدم لها كل اسباب الدعم عبر ترحيل دروز فلسطين المحتلة بغية إقامة واعداد جيش درزي قادر على محاربة الجيوش العربية في الشرق والشمال وقد وقع الاختيار الاسرائيلي في تلك الفترة على كمال كنج ابو صالح باعتباره شخصية تحظى باحترام شعبي واسع كما انه كان عضوا في البرلمان السوري واحد الزعماء السياسيين البارزين بين ابناء الطائفة الدرزية وجرت لقاءات عدة جمعته مع موشي دايان ودافيد اليعازر وايفال آلون الذين عرضوا عليه خطتهم فأصيب بالذهول والدهشة والصدمة لدى سماعه المخطط الرهيب وآليات تنفيذه العملانية واوهم الكنج القادة الصهاينة بأنه وافق على المشروع وسيتشاور مع القادة الدروز في سوريا ولبنان وفي روما التي غادر إليها الكنج بدأت رحلة التخطيط لقيام الدولة الدرزية في شارع فينتيو قرب متحف بوركيزي في «بانسيون فرانشيسي» حيث اتصل الكنج بقريبه المحامي كمال ابو لطف من بلدة عيحا - قضاء راشيا الوادي والذي انتقل الى روما وسمع تفاصيل المشروع اليهودي بعد جولات ولقاءات مع الضابط يعقوب الذي افصح عن كامل المشروع اي قيام دولة درزية وحدودها وسبل تمويلها ودورها في المنطقة لكن هذين البطلين القوميين ابلغا السلطات اللبنانية والسورية كما تم ايصال المعلومات الى جمال عبد الناصر واتخذ العرب حينها الاحتياطات الكافية لحماية جنوب سوريا فرفعت جهوزية الجيوش العربية ورصدت اسرائيل ذلك التحرك واعتبرت ان خطتها فشلت وان الكنج وابو لطيف قد خدعا المخابرات الاسرائيلية واخبرا العرب بمخططهم ثم اكتشف الصهاينة لاحقا ان كمال كنج اعتاد زيارة سوريا سرا ومقابلة شقيقه الذي كان ضابطا في الجيش السوري كما التقى حكمت الشهابي رئيس المخابرات العسكرية آنذاك فتم القبض عليه وصدر الحكم ضده بالسجن لمدة 30 عاما لكن افرج عنه بعد مرور سنتين عقب اتفاقية تبادل الاسرى بين سوريا واسرائيل عقب حرب تشرين الاول 1973.
} حدود الدولة الدرزية }
كذلك فعل كمال ابو لطيف الضابط السابق في الجيش السوري باطلاعه المرحوم كمال جنبلاط على تفاصيل لقاءاته في روما وتسليمه تقارير مفصلة للمخابرات السورية واللبنانية بشخص عبد الكريم الجندي وسامي الخطيب كما اعلمت المخابرات المصرية والعراقية بالامر وامضى ابو لطيف حياته محاطا بسرية التحرك والانتقال الى ان قضى بحادث أليم شهدته بلدته عيحا في منتصف الثمانينات.
اما حدود الدولة الدرزية وفق التقرير الذي وضعه ابو لطيف بتصرف المخابرات اللبنانية والسورية فتمتد من «جبل الدروز الى الشاطئ اللبناني محيطة «باسرائيل» وتشمل القنيطرة وقضاء قطنا وضواحي دمشق اي بعض قرى الغوطة الدرزية فقضاءي راشيا وحاصبيا ثم الشوف وعاليه حتى خلدة. بما في ذلك بلدة الشويفات، اما القرى والبلدات السنية والشيعية والمسيحية بين منفذي جزين عبر مشغرة والشوف عبر الباروك من كفريا حيث الحدود الشمالية للدولة في خط مستقيم الى وادي القرن فيتم إما اخلاء هذه القرى او العيش في كنف الدولة المزعومة.
اما عاصمة الدولة فتكون السويداء او بعقلين بحسب اي من دروز لبنان او سوريا اكثر تعاونا مع اسرائيل اما المقومات الاقتصادية فمضمونة من قبل اسرائيل بتعهدات اميركية ويصبح ميناء صور بعد تطويره الميناء التجاري للدولة ويبقى ميناء صيدا لتصدير النفط ورصدت اميركا آنذاك مبلغ 30 مليون دولار للبدء بتهيئة الاجواء للتنفيذ على ان تتكفل بحماية الكيان عن طريق اسرائيل وتعترف به فورا مع اوروبا والامم المتحدة ككيان قائم ومستقل.
اما التنفيذ على الارض فيتم بعد احتلال الجنوب حتى صيدا واختراق الجهة السورية على محور درعا - ازرع - السويداء».
وتجدر الاشارة الى ان اعنف معركة خاضها الجيش العربي السوري عام 1982 في منطقة بيادر العدس التي ادعى الصهاينة آنذاك انهم تجاوزوا عن طريق الخطأ خط وادي كامد اللوز فكانت مقبرة الدبابات الاسرائيلية التي لم تشهدها دولة العدو عبر تاريخها حيث وقع رتل كبير من الاليات المدرعة بين فكي كماشة كتيبتين من الوحدات الخاصة السورية مولجتين حماية بوابات الشام وبالتالي فإن ما سمي خطأ تجاوز خط كامد اللوز كان يخفي فيما يخفي ذاك الاستهداف الكبير في رسم الحدود والسدود ومن الصدف البالغة الدلالة ان ضابطا درزيا من آل مهنا في السويداء كان في عداد الكتيبتين السوريتين اللتين صنعتا اكبر هزيمة للجيش الصهيوني في احتكاك مباشر استخدم فيه السلاح الابيض وبالتالي هذا الضابط قاتل في صفوف الجيش العربي السوري بعقيدة قومية لا تقيم وزنا لكل الولاءات الضيقة.
وفي السياق نفسه «الدروز هدف صهيوني» فقد حرصت دولة الاغتصاب اسرائيل على زرع بذور التشكيك بصدقية انتماء الدروز القومي والعروبي وامعنت في التشويه والتزوير محاولة تظهير تمسك دروز فلسطين بأرضهم وكأنه اعلان ولاء لدولة الاحتلال. ثم ألم تلعب اسرائيل واجهزتها وضباطها على هذا الوتر اثناء الاحتلال وعقب اجتياح عام 1982 على قاعدة هذه طائفة موالية وتلك طائفة معادية امعانا بتعميق الشروخ النفسية وضرب عوامل الثقة بين ابناء الوطن الواحد، ثم ألم تشعل حرب الجبل بين المسيحيين والدروز خدمة لغرضها في اذكاء نيران الطائفية والتعصب واغراق القرى والبلدات بالدم والتهجير، والدروز كما المسيحيين شاهدوا بأم العين الاحابيل والخدع الصهيونية بين طرفي النزاع اثناء المعارك وفي خضم الصراع وكيف كان يتم الانسحاب من منطقة لتحدث فيها المجازر ويتم الدخول الى اخرى للايهام بأنهم عنصر حماية وامان.
وفي الاطار نفسه ايضا وبكل صفاقة ووقاحة ودون سابق انذار عبر شمعون بيريز الشوف منتشيا واقتحم دار المختارة وسمع كلاما واضحا من زعيمها: أنتم قوة احتلال لارضنا انتم اعداؤنا.. فخرج بيريز حانقا خالي الوفاض وعندما سئل وليد بك في اجتماع ضمه وعدد من اصدقائه في الكويت حين زارها في الثمانينات عن رأيه فيما يشاع عن الدولة الدرزية قال: «لن نسمح بمرور هذه المؤامرة ولست مستعدا لان اخون قوافل الشهداء من اهلنا، لقد ساهم والدي في إفشال المؤامرة من قبل وستبقى فاشلة لاننا لن نبيع عروبتنا ولو كان الثمن دولة من ذهب».
} انتم قوة احتلال }
وكما هي المختارة كذا هي دار خلدة حين دخل على المرحوم الامير مجيد ارسلان ضابط درزي في جيش الاحتلال من رتبة عالية ومعه شخصية درزية من آل عطشة وقبل ان يتجاذب الطرفان الحديث نادى الامير مجيد على مرافقه واسر في اذنه وبعد قليل عاد المرافق حاملا بزة عسكرية قديمة عليها بقع باهتة، فقال الامير مجيد: «حضوركم في بيتي غير مرحب به واعرف تماما مقاصدكم ومرامي من ارسلكم، هذا القميص الذي ترونه يعود لضابط صهيوني ارديته بمسدسي في المالكية، واحتفظت به في المستودع، ابلغوا قادتكم انهم اعداء الله والانسانية ولن تكون علاقتنا بهم إلا بالبارود والنار، فاخرجوا من بيتي.. دنّستم قصري» وكان بالطبع يدرك المير مجيد ابعاد الزيارة الوقحة وخلفياتها ببصيرته ومعرفته بما يخطط له العدو الصهيوني.
وفي السياق نفسه القائم على ان الدروز هدف صهيوني فاثناء اجتياح عام 1982 وفي معمعة الاحداث نفسها دخلت قوات الاحتلال الاسرائيلي منطقة راشيا بعد ان تأخرت اندفاعة دباباتها في الحاصباني بفعل الرماية المكثفة والهادفة لمرابض مدفعية الجيش اللبناني (155) المحصنة في وادي كفرمشكي والتي ألحقت خسائر كبيرة بعديد العدو وعتاده، وبعد معارك شرسة خاضها الجيش السوري في سهل عز العرب وجب فرح، وصلت قوة مؤللة الى قلعة الاستقلال في راشيا وكان يقود حامية القلعة المقدم عادل ابو ربيعة (ضابط درزي من بلدة الفرديس قضاء حاصبيا) ومعه نحو 400 من مختلف الطوائف لكن غالبيتهم من الدروز وعندها خاطب ابو ربيعة الضابط الصهيوني وهو برتبة عقيد ومعه مسؤول عسكري من احدى الميليشيات اللبنانية ومن لهجته عرف بانه لبناني وفق شهود عيان من العسكريين وقال ابو ربيعة: انتم قوة احتلال ولهذه القلعة رمزيتها الوطنية وبالتالي لن اسمح لكم بالدخول اليها الا على جثتي وجثث جنودي وتستطيعون قصفنا بالطائرات ونرضى حينها ان نموت لكن ان تدنس ارض القلعة وغرفها ومعالمها فهذا ما لن يحصل... عندها رضخ العقيد الصهيوني ودخل القلعة مع الميليشيوي اللبناني الذي حرص على تدوين كل كلمة قالها ابو ربيعة وبدأ التفاوض على تفاصيل تعود لاماكن انتشار الجيش في منطقة راشيا لكن الاخطر ما طرحه الضابط اليهودي على ابي ربيعة اذ طلب منه ان ينشر عناصره الدروز من راشيا الى جزين ويتولى حماية المنطقة على ان تقدم دولة اسرائيل كل الدعم المالي واللوجستي والعسكري لهذه القوة. عندئذ انتفض ابو ربيعة ووجه كلاما نابيا وصل الى حد الاشتباك بالايدي مع الضابط اليهودي وقال له: لن اخون قسمي اتريدني ان اتحول الى مأمور في جيشك وفي خدمة عدو وسلطة احتلال ؟ فبادره الضابط اليهودي بالقول: «خذ جيشك واخرج من المنطقة ولنا معك حساب».
وقد فهم ابو ربيعة بحسه الامني والعسكري مغزى الطلب الاسرائيلي اي تحويل هذه الكتيبة الى نواة للجيش الدرزي والدولة الدرزية لاحقاً...
وبالفعل خرج ابو ربيعة مع جنوده الابرار بشرف الى بيروت ويبدو ان الضابط الصهيوني نفذ وعيده حيث قتل المقدم الشهيد عادل ابو ربيعة في شارع الحمرا على بعد امتار من منزله والخلية التي قيل انها اغتالته غادرت لبنان بين 1989 و1990 الى اميركا عبر مطار بن غوريون في تل ابيب؟؟ فقضى ابو ربيعة شهيد وحدة لبنان على مذبح انتمائه العروبي القومي...
ألم يغتل الموساد الصهيوني السيدة ليندا جنبلاط في شرق العاصمة بيروت، شقيقة المرحوم كمال جنبلاط وزوجة الامير حسن الاطرش الذي اطلع من كمال الكنج على مخطط الدولة الدرزية عبر كمال ابو لطيف الذي زاره في الاردن وكان الامير حسن ركيزة من ركائز اجهاض مشروع الدولة الدرزية وكان الغرض في السبعينات من اغتيال ليندا جنبلاط ان يندفع المرحوم كمال جنبلاط الى القيام بردة فعل ضد المسيحيين في الشوف وعاليه والمتن لكنه تنبه واحبط الجهد الصهيوني في هذا الاتجاه.
وفي السياق عينه : الدروز هدف صهيوني، فمن منا لا يتذكر احداث السويداء عام 2001 وما عرف انذاك بالاشكال الامني الكبير الذي وقع بين الدروز والبدو وفي ملفات المخابرات السورية كم كبير من المعلومات الخطرة عن مخطط استهداف وحدة سوريا من تلك الزاوية الحساسة اللصيقة بالاردن حيث تبين ان الامير حسن بن طلال عم الملك عبدالله وبالتعاون مع المخابرات الصهيونية سلح وموّل مجموعات من البدو بأسلحة وذخائر ومعدات عسكرية لخوض صراع مع الدروز العزل وتآمر احد الرموز الاداريين مع الخارج بحيث نقل صورة تحرك تظاهرة مطلبية في السويداء الى النظام السوري على انها عصيان مدني والغرض اشغال النظام السوري بصراع مذهبي مدخله السويداء وتطوير هذا النزاع الدموي ليشمل مناطق اخرى فيكون فاتحة الشقاق المذهبي من جهة وبابا لدفع الدروز المحاصرين في لحظة حاسمة يكتنفها القلق على المصير والوجود، الى مد اليد واستجداء المعونة من الشيطان؟؟ لكن النظام السوري وأد هذا المخطط وتنبه لخطورته وخلفياته فتدخل بقوة واعاد الامور الى نصابها وعاقب المسؤول الاداري الذي تبين لاحقا ارتباطه بهذا المخطط المشبوه الهادف الى تمزيق سوريا وتصديع وحدتها واحياء قضية الدولة الدرزية من خلال هذا الاشكال الذي بدا في بدايته عرضيا سطحيا لكنه تكشف عما هو أدهى وأخطر.
} لن يخرج الدروز من عباءة العروبة }
كذلك في السياق نفسه: الدروز هدف صهيوني: فأحداث السابع من ايار بين الشيعة والدروز على خلفية القرارين المشؤومين في الحكومة اللبنانية آنذاك كانت محط اهتمام صهيوني وتطلعت قيادة العدو الى الساعة التي ترى فيها الدم الدرزي والدم الشيعي يسيلان في معمعان العبث فتغرق المقاومة في تفاصيل الداخل وتستنزف ويحقن الدروز بالضغينة والكره للمقاومة وشعبها وتنبعث في البيئة الدرزية الثقافة المعادية للخط القومي العروبي حتى اذا ما استفحل الصراع واتسع تطل «اسرائيل» كحامية وراعية للمحاصر الفاقد لكل مقومات المواجهة والصمود فتنبه القادة الدروز الى هذا الشأن الخطر خشية انتشار افكار مغلقة اصولية في الوسط الدرزي لا ترى الا المقاومة وجمهورها عدوا فتتلقفها جهات مغرضة وتنال من منعتها فتحرفها عن سياقها التاريخي الطبيعي وهناك من يعتقد لا بل يؤكد ان اغتيال القائد المقاوم الشيخ صالح العريضي كان رسالة مكتوبة بدم الشهيد ومدموغة بخاتم الموساد للأمير طلال ارسلان رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني الذي اطلق مبادرة 11 ايار واوقف نزف الدم الشيعي - الدرزي مانعا الفتنة الشيعية - الدرزية من التمدد. أليس كلام ارسلان عن ان الجبل لن يكون خنجرا في ظهر المقاومة رسالة ارسلانية للعدو قبل الصديق ازعجت بني صهيون وخنقت خطتهم القديمة الجديدة الدائمة الحضور في كل حين ؟ هذا العدو الذي كان ينتظر ان يطلق الدروز نداءات الاستغاثة حتى يظهر هيامه القاتل لوجودهم في حين لا تستطيع كل جبال الشوف ان تحمل ذلك العبء الحمائي البغيض على حد قول مرجعية دينية درزية كبيرة. فالشهيد صالح العريضي من مفاصل العمل المقاوم في الجبل الدرزي ويجسد تطلعات الامير طلال ارسلان في وحدة ابناء الجبل من كل الطوائف ومبشر بثقافة المقاومة فيما المطلوب تجذير العداء للمقاومة وخطها في الساحة الدرزية في مناخ لا يعوض في نظر العدو في مرحلة النفور الكبير بين الزعيم وليد جنبلاط والمقاومة وتيارها ومناصريها..
في السياقات الانفة الذكر شهود وشهادات وشهداء، والهدف واحد ومهما كانت الاسباب والظروف لن تخرج الجماعة الدرزية من عباءة العروبة الى صقيع التقوقع رغم ان الصهاينة حتى وان كشف مخططهم سيواصلون المحاولة وكما في كل مرحلة وعند كل منعطف ستفشل الطائفة الدرزية واركانها وألي الامر فيها هذا المخطط الجهنمي الذي يحمل في طياته بذور فناء الدروز مع العلم ان كل ما يدور حولنا في السنوات الاخيرة من تدمير منهجي للوطن العربي يخدم دون ادنى شك ديمومة الدولة اليهودية القلقة على وعودها عقب انتصار تموز المدوي حيث استشعر الصهاينة خطر زوال الكيان فكانت الحرب البديل اي تطييف ومذهبة المنطقة واغراقها في دم الاقتتال الذي يجعلها بمنأى عن اي جهد عسكري قد يؤسس لهزيمتها بشكل نهائي فالعراق قسم ومصر في غيبوبة عربية ستصحو بعدها على نزاع طائفي لا محالة وسوريا نبض العروبة وشريان المقاومة تتعرض لأشرس حرب دولية لتغييرها وإسقاط دورها وهي آخر حلقة من حلقات التآمر فاذا استمرت ثقافة تقطيع الرؤوس الى جانب تقطيع الجغرافيا فان المنطقة برمتها ذاهبة الى ذلك المخطط المرعب، فالعودة الى الخصوصيات وحدها الكفيل بحماية الكيان الصهيوني الهجين ويهودية الدولة تعني «ترانسفير» جديد لعرب الـ 48 بعدما مهد المسرح في محيط فلسطين. وذات يوم مطلع الحرب الاهلية اللبنانية في السبعينات سئل المكفر اللبناني شارل مالك عن رأيه في تقسيم لبنان فقال: لا يقسم لبنان الا بعد تقسيم العراق، فهل تتحقق نبوءة مالك.. حتما ان انتصار سوريا سيعيد توليف المنطقة بحزام العروبة اما البديل فاحزمة المذهبية الناسفة للوحدة التي ستتشكل حول «الملك اليهودي». اسئلة لا اجابات عنها راهنا، الا ان الجواب الوحيد جاء من مرجع درزي كبير ان لا دولة درزية تعيش على حساب اسرائيل حتى ولو وصلوا الارض بالسماء فنحن مسلمون وموحدون سنعيش مع اخواننا في هذا الشرق مهما كان شكله وكيفما كان مضمونه.
مقالات أخرى :
ماذا يحدث للدببة حين ترقص فوق الرمال؟ الدببة القطبية بطبيعة الحال. والسؤال يطرحه امامنا ديبلوماسي عربي تساند بلاده بقوة المعارضة السورية. وتعقيبه ان روسيا تنتحر بل هي انتحرت فعلاً في الشرق الاوسط.. يضيف ساخراً «لكم نجحت الايديولوجيا الحمراء، اي ...
كمال ذبيان نجحت مقولة وزير الخارجية الاميركية الاسبق، عن «حرب المئة عام بين السنة والشيعة»، على غرار «حرب المئة عام بين

Tuesday, December 25, 2012

ميلاد المسيح في مشرق المشارق

جورج عبيد
ليس سهلاً على المسيحيين أن يقبلوا إلى فرح العيد، والدنيا مغلقة أمامهم، في انسداد الأفق بالمعنى السياسيّ والمعيشيّ. غير أنّهم أبناء الرجاء. والرجاء يدفعهم إلى قراءة حدث الميلاد على أنّه يتم في الزمان الحاضر. «اليوم يولد من البتول الضابط الخليقة بأسرها في قبضته».
المؤامرة مستمرّة على يسوع المسيح منذ مولده، حين راح هيرودس يبحث عنه بين صبية بيت لحم ليقتله. قتل الأطفال بوحشيّة هائلة، فيما الطفل وأبواه انتهوا إلى مصر هربًا من وحشيّته، ومن ثمّ جاء موته على الصليب تتويجًا لها. وعندما قام من بين الأموات وصعد إلى السماوات، استمرّ البحث عنه ليقتل من جديد... ولكنّ قومه استطابوا الشهادة في التزامهم وجهه، لأنّهم آمنوا وكما قال الحلاّج: «ركعتان في العشق لا يسوغ الوضوء بعدها إلاّ بالدم».
هم يجيئون من قول المخلّص لبطرس: «أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها». هم الكنيسة إذا ولدوا من فكر المخلّص: «ليكن فيكم الفكر الذي في المسيح يسوع». بمعنى، أنّ المسيحيين هم لهب السماء بما حباهم الله من طاقات إبداعيّة تتخطّى العدد، لأنّ الله، وكما قال الامام عليّ ابن أبي طالب أمير المؤمنين فوق العدّ وفوق الحدّ. فإذا جاءوا من هذا الفكر عينًا يؤسسون تلك الكنيسة التي لن تقوى عليها الجحيم، ويكملون المسيرة في جعل الكتاب العزيز هو الكلام، وهو البدء والمنتهى.
هذا الكتاب هو انعكاس لتجسّد المسيح بل استمرار لفعل التجسّد المستمرّ في جماعة المؤمنين، والذي توّج بالصليب والقيامة. ذلك أنّ الإنجيل، وكما القرابين، في القداس الإلهيّ، هو جسد يسوع، ووجهه الكائن في الزمان الحاضر. وقد تعودنا في النقد الأدبيّ، أن نقول بأن النصّ هو ذات الكاتب، كما أن القصيدة هي ذات الشاعر، فإنّ الإنجيل هو المسيح الحيّ الذي يضمنّا إلى صدره، فيما نحن اليوم نحيي ميلاده الشريف، ونستمرّ بقوّة الكلمة.
ليس السؤال في حقيقته محصورًا بماهيّة التهديد الذي يعيشه المسيحيون العرب اليوم، وما يستتبعه من أفعال. هم هددوا مرارًا عدة في التاريخ، واستمرّوا، ولم ينفصلوا عن الأرض التي منها ولدوا وإليها يعودون. لكنّه ممدود إلى آفاق تعنى ببقائهم كمكوّن وجوديّ حامل للرؤى الكاملة، وليس فقط كمكوّن تاريخيّ أو سياسيّ. إذ إنّ تكوينهم الوجوديّ والبنيويّ مكتوب بالكلمة الذي هو الجوهر، وهو علّة العلل في مسيرتهم وحضورهم. الكلمة الذي صار جسدًا مخضّبًا بالدم، غدا هو إطار وجودهم وحركتهم وتلاقيهم مع كلّ آخر.
هل أنّ المسيحيين مهددون من الآخرين، أو هم مهددون بالدرجة الأولى من ذاتهم؟
إنّ هذا الأمر هو في غاية الخطورة من حيث التوصيف الواقعيّ للأزمة التي يمرّون بها، وبخاصّة في العالم العربيّ. ذلك أنّ من عاد إلى تاريخهم اكتشف أنّه مليء بالاضطهادات، ما خلا الحقبة التي فيها حملوا السلاح ظنًّا منهم أنّهم به يستبيحون العالم، كما حصل مع الحملات الصليبيّة، أو في الحرب اللبنانيّة... والواقع أنّ شمسهم بدأت بالأفول فعليًّا، حين قرّروا في حقبات عدة من التاريخ حمل السلاح، إذ إنّ حمل السلاح ناجم من الخوف، فكيف يخاف قوم يقولون بالقيامة؟
غير أنّهم في العراق لم يحملوا السلاح فقتلوا، وفي فلسطين حملوا لواء قضيتهم وجاهدوا في سبيلها فسلخوا بصورة شبه كاملة عن وطنهم، وفي سوريّا يعيشون اليوم قلقًا حقيقيًّا فيقتل بعضهم، كما أنّهم في مصر يرتجفون من الخوف والاضطراب، فيما هم مؤسسون لتاريخ مصر المعاصر والحديث، أمّا مسيحيو لبنان فيساورهم القلق حول المصير. وهذه علامات تستدعي القلق وأسئلة سياسيّة ووجوديّة. لكنّ الخطورة في كلّ هذا الاصطفاف، أنّ المسيحيّ متخلّ بصورة شبة نهائيّة عن ذاته النابعة من المسيح.
نعم، ما كان للمسيحيين أن يحملوا تلك الكنية لو لم يكتبوا على اسم يسوع، لو لم يولدوا من كلماته، والتخلّي هذا يدفعهم إلى الانسلاخ عن أرضهم وأوطانهم، والهجرة إلى دول الاغتراب غير آبهين بالدعوة الموجّهة إليهم لكي يبقى حاملو المسيح في مشرق، لبسه جسدًا في ميلاده فغدا هو مشرق المشارق.
لنا أن نطرح أسئلة سياسيّة كثيرة في هذا الزمان، وبخاصّة تلك التي تختصّ بعلاقة المسيحيين بالمسلمين، في وضع متأزّم محتدم، ومتّجه إلى مزيد من الصراع المذهبيّ بين الشيعة والسنّة. أنّ أي مشروع بإمكانه السقوط في جبّ العدم، إذا لم تتوطّد العلاقة بين المسيحيين وكتابهم، فينعكس ذلك على علاقتهم بأرضهم وسواهم. والواقع يقول بأنّهم جزء من المعادلات التاريخيّة المرسومة في دول المشرق العربيّ، فإذا أخرجوا من المعادلات الحديثة فإلى أين يتجّه هذا المشرق؟ وهل يقبلون أن يكونوا لاجئين في أقبية الأمم المظلمة؟
ما تمكن قراءته في الزمان الحاضر، أن التاريخ أظهر غير مرّة أنّ المسيحيين ضحيّة التغييرات الجيوسياسيّة الكبرى. ومن خصوصيّة هؤلاء أن يمزّقوا الله في التاريخ، لأنّ التاريخ يتمزّق إذا تمزّق هو ويموت. وحشر المسيحيين في العدد وسيلة لتمزيق الله أيضًا. لذا وجب على المسيحيين في عيد ميلاد ربّهم، أن يعيدوا قراءتهم لموجوديّتهم، بصفاء وهدوء تامّين. والأهم أن يتصالحوا مع كتابهم ليولدوا منه ويتصالحوا مع كلّ آخر. فإذا تصالحوا تأصّلوا بأرضهم، وجعلوا أزليّة الله محرّكة للتاريخ. فالإنجيل ليس جسد المسيح فقط بل هو جسدهم الواحد الممدود من تلك الأزليّة، والجامع المتفرّقات إلى حال واحد. فمتى لبسوه يولد المسيح في مذود الشرق، ويبقى المسيحيون شهودًا على ذلك.

([) ناشط في «اللقاء الأرثوذكسي»
< المقال السابقرجوعالمقال التالي >
Bookmark and Share
إقرأ للكاتب نفسه

Sunday, December 23, 2012


مسيحيو سوريا ينتظرون حُكم النظـام الجـديد عليهـم:
فــي الميــلاد الــديــانــة تمــوت فــي مهــدهــا

مادونا سمعان

بين البلدات والقرى المسيحية في جبل لبنان «تختبئ» عائلات سورية مسيحية نازحة هربت من القتل ومسلسل الدمار. حُكم عليها بإقامة جبرية لا تعرف متى تنتهي وإلى ماذا ستؤول، لكن ما تدركه تلك العائلات وما تعيه أنها باتت «الآخر» المرفوض. منها من شهد على أعمال قتل وحشية وفقد قريباً أو صديقاً، ومنها من أنهكه الخوف فهرب من الوطن إلى الدين. وهي تشعر اليوم بأن الاثنين يلفظانها لأنها «الآخر» الذي يُخلّ بالتوازن أينما حلّ. بقي أهلها في لبنان، أو من يشبهها في المعتقد والطائفة، خشبة الخلاص الوحيدة، وهي تعيش اليوم جلجلة، ولا أمل لها في قيامة إلّا في بلاد غربية بعيدة. والبلاد تلك ما زالت ترفض جواز سفر أبناء تلك العائلات أو تقفل أبوابها في وجه هويتهم السورية.
تتشابه قصص نزوح تلك العائلات في الخوف على الوطن وعلى المستقبل، وفي العيش على إيقاع يومي يحكمه المجهول. وهم ليلة العيد يفتقدون لقاء العائلة الكبيرة والبيت والمدرسة والعمل، يفتقدون تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة والتافهة... وهم يتوافقون على أن المسيحية بدأت تحتضر في مهدها، بدأوا ينعونها ويهزأون من الاطمئنان الذي يعيشه المسيحي اللبناني و«الذي مهما اختلفت الوسائل المؤدية إلى هجرته، فهو حتماً سيهاجر»، وفقهم.
تخاف العائلات المسيحية السورية النازحة الكلام في السياسة، فهي بدأت تدفع ثمنه باهظاً. والأكثر جرأة من بين أبنائها يعلّل سبب تأييده للنظام قبل ذكره أنه مؤيد له. وإذا ما ألقى اللوم عليه في الأحداث الأخيرة، فاللوم حتماً لا يأتي لا من باب التأييد للمعارضة ولا من باب الحرص على النظام.
من بين تلك العائلات معارضون «فاتحون خط معارضة على حسابنا» كما يقول أحدهم، وهم يندمون على عدم محاولة الهجرة منذ زمن بعيد، وتحديداً منذ انقلاب الرئيس الأب حافظ الأسد.
يأتي العيد اليوم ليزيد تلك العائلات قلقاً على المصير وخوفاً من المجهول، وقد أصرّت على تزيين شجرة وإقامة مغارة رمزية تشبّثاً بالأرض «التي هي مسيحية كما هي مسلمة» على ما يشير عدد من أبنائها. وغالبيتهم تنشد العودة إلى سوريا مع أنهم يشعرون بأن مستقبلهم لن يُشرق إلّا من الغرب.

لا نريد قتلنا مرتين

حين كتبت ريتا، ابنة الست سنوات والنازحة من سوريا رسالتها إلى بابا نويل هذه السنة، أشارت إلى لعبة إلكترونية جديدة وطالبته بأن يأتي لها بألعابها القديمة من بيتها في حلب. وإذا كان من خيار واحد فهي تفضّل ألعابها التي تركتها منذ أكثر من شهر في البيت الذي تريد أن تعود إليه بشدّة.
نزحت عائلة ريتا إلى بلدة الصفرا في كسروان بسبب الأحداث في سوريا، وهرعت إلى منزل ابنة خالة الأب أنطون بعد مقتل صديق عمره «على أيدي الثوار». مع العائلة المؤلفة من أربعة أشخاص (أب، وأم، وابنة، وابن) نزحت زوجة الصديق وابنها.
تنام العائلتان اليوم في شاليه مؤلف من غرفة نوم وصالون، قدمته لهما قريبة الأب. تمضيان فيه معظم الوقت لأن الأولاد لم يسجّلوا في مدرسة، ولا الأب وجد عملاً بعد.
يقول أنطون انه حتى الساعة، ما زال يشعر بأن إقامته موقتة في لبنان ولن تزيد عن الشهر. والموضوع مدار بحث وسجال بينه وبين زوجته التي تطالبه بإيجاد عمل «لأنه لا يلوح في الأفق حتى الآن، سوى حلّ البقاء في لبنان». هو يفضّل العمل بجديّة على موضوع الهجرة إلى بلد غربي. حاول لدى السفارة الفرنسية كما حاول لدى النروجية، لكن طلبه رفض.
يريد أنطون أن تهدأ الأحوال وأن يعود إلى سوريا، لكنّه يضع شرطاً أساسياً لعودته «أن لا يكون النظام الذي سيتولى حكم البلاد إسلامياً». يقول انه ليس مع بقاء نظام بشار الأسد «لأنه ليس ديموقراطياً» ثم يستدرك «الرئيس لم يخطئ تجاه المسيحيين وأشعرهم بالامان لكنه حتماً لم يقدم الصورة الأمثل للدولة». يجزم أنطون أن غالبية المسيحيين من مؤيدي النظام «قد لا يكون محبة بالأسد بل لأنهم ضدّ تسلّم طرف إسلامي متطرّف قيادة الدولة».
يقول ان المسيحيين بدأوا يدفعون ثمن تأييدهم للنظام، وأن صديقه واحد منهم وقد ترك خلفه زوجة لم تتجاوز سن الثلاثين وابنا في الخامسة من عمره.
كانت تلك الزوجة تجلس مختبئة في غرفة النوم، خائفة. تروي زوجة أنطون أنها لا تنام في الليل وتبكي باستمرار وتخاف السير في الشوارع وتمنع ابنها من اللعب مع أولاد آخرين، وتصاب بهستيريا كلما سمعت بموضوع السلاح والتسليح.
لم تستطع تلك المرأة أن تتعرف إلى جثة زوجها المشوّهة الا من خلال ساعة يده، وقد قطعت أطرافه وشوّه وجهه بعنف. هي لا تريد العودة إلى سوريا بل الهجرة إلى أي بلد بعيد وغير ناطق بلغة الضاد، وتردد «لا أريد أن نقتل مرتين». في ذلك الشاليه الصغير يبدو الحديث عن العيد كسقوط مخلوق من كوكب آخر. فهنا لا أمل ولا فرح ولا رجاء ولا لقاء يجمع العائلة. أليست هذه من مرادفات العيد؟

«
ندفع ثمن الدين والهوية»

حاول نزار، وهو ربّ أسرة مسيحية نازحة من سوريا، أن «يضرب الحديد وهو حام» ولجأ إلى أحد الرهبان وإلى أحد النواب المجاهرين بمسيحيته مطالباً بإيجاد صيغة معينة لمساعدة النازحين السوريين المسيحيين، «لأنهم في معظمهم يفضلون الإقامة في منطقة جبل لبنان حيث الخطر أقلّ من المعارضين السوريين» وفق ما يقول.
أتى ردّ الرهبان بأن الكنيسة عاجزة عن إيجاد صيغة عامة، وتفضّل المساعدة بحسب الإمكانات المتوفرة وبحسب متطلبات كل أسرة. بينما «نأى النائب بنفسه»، معتبراً أن مساعدة المسيحيين دون غيرهم «فعل تقسيمي» يخالف مبادئ خطّه وخطّ زعيمه السياسي.
يرى نزار أن لبنان سيشهد نزوحاً مسيحياً سورياً شديداً في الأيام القادمة «لأن التقارير الغربية تشير إلى السقوط الوشيك للنظام». ويعلّل توقعه بأن لا مكان للمسيحي السوري يذهب إليه ويشعره بالاطمئان داخل سوريا ولا في أي دولة مجاورة أخرى إلّا لبنان. ويؤكد أن الهجرة ما زالت ممنوعة عليهم، بينما هي مفتوحة أمام الأقباط المصريين.
قصد نزار وعائلته المؤلفة من أم وثلاثة صبيان لبنان منذ أكثر من شهرين، ولقي له عملا في معمل للمفروشات، وقد عيّن مشرفاً على العمال لكونه مهندسا داخليا، عمل في اختصاصه أكثر من عشر سنوات.
تعيش العائلة «كل يوم بيومه» وفق ما يقول، وهو ينتظر نهاية السنة الدراسية لترتيب أموره خارج سوريا «إن استلمت المعارضة الإسلامية الحكم، أو العودة إليها إن كان النظام الجديد يحترم جميع الطوائف ويصونها».
اللافت قوله انه «لا مجال اليوم للحنين إلى لقاءات العائلة الكبيرة في العيد، بل إن القلق على المصير يتفوّق على كل شعور آخر. ولعلّ الميلاد مناسبة للصلاة لنجاة سوريا والسوريين من هذا الكابوس».

بانتظار الحكم

بالنسبة لبشارة العيد في مكان بعيد عن بلدان الشرق الأوسط، وتحديداً العربية. «هنا لا أعياد ولا ميلاد حقيقيا. هنا جلجلة لا قيامة لها». يضيف ان مسيحيي سوريا ينتظرون إصدار الحكم عليهم، وسيصدر بحقهم حكم توافقي بين النظام السوري الجديد والدول الغربية النافذة والكنيسة، ولعلّهم في تلك المعادلة سوف يفتقدون حرية تقرير المصير. وإذا ما بقيت المنطقة على حالها، «فلا شكّ في أن مسيحيي لبنان سيدخلون في المجهول معهم».
يعيش بشارة وأمه في بيروت، ويجهد لتأمين عمل أفضل من عمله الحالي لاستضافة شقيقته وولديها في المنزل الصغير الذي استأجره. يعتبر سوريا «حلما بعيدا» ويجزم أن العودة إليها لن تكون الا سيراً على الجثث والدماء «لأن المسيحيين احتموا بنظام قاتل بدلا من قول الحقيقة التي ينشدها دينهم ويدفعهم للموت من أجلها».

«
الكنيسة خاطئة، خاطئة، خاطئة»

يؤكد الأب الدكتور ميشال السبع أن ما يقوله بشارة صحيح، وبرأيه يدفع المسيحيون ثمن الماضي و«المُتوقّع أبشع مما نشهده بكثير». ويلفت إلى أن المنطقة ستشهد خلال الأسبوعين القادمين مذابح إن دخل الثوار منطق حماه ووادي النصارى. ويؤكد أيضاً أن ما من حلول يقترحها حتى الساعة بل يوصف الوضع بأنه كارثي. أولاً لأن الدول الغربية تضع فيتو على جواز السفر السوري، وهي تمنع بالتالي سفر السوريين إليها سواء لفترة موقتة أم طلباً للهجرة.
وثانياً «لأن الإرشاد الرسولي الذي أوصى به الفاتيكان لا قيمة له على أرض الواقع وهو نوع من «التخبيص الخطير بحق المسيحيين. فهو يريدهم أن يبقوا لكن من دون تأمين حماية لهم، وها هم يُذبحون يومياً».
من هنا يقول ان «الكنيسة خاطئة خاطئة خاطئة». ويعيب على المسؤولين اتّباعهم نهج النأي بالنفس عوضا عن وضع خطة لإنقاذ السوريين. ويشير إلى أن «حزب الله طلب من النواب المسيحيين إقفال أبواب الإقامة والاستقبال للمسيحيين السوريين، لأنه باستقبالهم يُفتح باب استقبال السوريين السنّة». وهذا بدل إقامة خطة طوارئ لإنقاذ المسيحي السوري، «وقريباً المسيحي الأردني».
إلى هذا يعتبر السبع أنه يجب التأسيس لحزب مسيحي إقليمي على غرار «حزب الله» و«الإخوان المسلمين» وعدم الاتكال على الحلول التي يقدّمها الفاتيكان، مشيراً إلى أن خطة الغرب هي استقبال مسيحيي الشرق كلّهم «لأن لديهم مشكلة ديموغرافيا وهم يريدون استيراد أرحام تلد».





البطريرك اليازجي وتحديات الكنيسة

البطريرك يوحنا اليازجي (ابراهيم شلهوب - أ ف ب)
الأب إبراهيم سروج بالرغم من اعتراضنا الشديد على الطريقة الاستفرادية والبعيدة عن روح الأرثوذكسية، بأن يختار السادة المطارنة وحدهم الاول في ما بينهم، دون إخوتهم الاكليركيين والعلمانيين، نشكر الله على استجابته صلوات المؤمنين بان يُعدم مشورة الباطل وبان يرسل لنا بطريركا على حسب قلبه. هذه كانت طلبة رعية القديس جاورجيوس في طرابلس ــــ البلدة يوم الاحد الماضي في 16/12/2012. ويوم الاثنين في 17/12/2012، وبسرعة يضرب بها المثل، صار الحلم حقيقة. فالسبح لك يا الله، والبركة لك يا صاحب الغبطة، لتنفذ مشيئته وتكون خادمه الامين دون محاباة لوجه انسان.
و بالرغم من عدم احترام السادة المطارنة حتى للانظمة التي يضعونها، وهذا ما اعتادوه كثيرا، ندعوهم بكل تواضع ومحبة إلى ان نتطلع جميعاً الى الامام، وان لا نلتفت الى الوراء، وذلك كي نرضي الرب الذي جندنا في خدمة نقية طاهرة. ومن هنا ليسمح لنا صاحب الغبطة المنتخب جديدا ان نطرح بين يديه بعض قضايا الكنيسة الملحة، راجين ان يتجرأ ويقطع باستقامة كلمة الحق.
1.استعادة الشركة: هذه هي القضية الاساسية والمفتاح لحل الكثير من الامور العالقة في كنيستنا والمعطلة لحياتها بالروح والحق. يعرف غبطته ان اخوته السادة المطارنة قد حطموا الشركة عام 1972 بين الاكليروس والعلمانيين وتفردوا بالسلطة ليتخلصوا من تسلط الاخيرين ورقابتهم. نحن ضد التسلط اينما كان، عند الاكليروس او العلمانيين، لكننا ندعو الى شركة شعب الله، المؤمن والمصلي، والمطارنة جزء من هذا الشعب وأئمته وليسوا اطلاقا فوقه. ولنكون مبدعين لنحقق شركة جماعية 
collegialite امينة للرسل والقديسين ولنسقط الدعوى المقامة في لبنان ضد قانون 1972.
2. المؤسسات الكنسية: عندنا منارتان ارثوذكسيتان،جامعة البلمند ومشفى الروم، لكنهما منطفئتان، اذ لم يضعا في مصابيحهما زيتا من كروم العذارى العاقلات، اعني بذلك ان لا مكان لأحبة يسوع من الفقراء والمساكين، يسندون فيه رؤوسهم. يدخل اليهما اصحاب الاموال فقط وكذلك معظم المؤسسات الارثوذكسية، ولنتذكر المدرسة المسكوبية التي كانت تقدم العلم وحتى الطب مجانا. جامعة البلمند تسمي نفسها جامعة علمانية كأنها تخجل بأرثوذكسيتها ومشفى الروم يتباهي بعلمه ولا مكان لفقراء الروم بين جدرانه. عرفت مستشفى الروم في تاريخها الحديث تطبيب الاكليروس وعائلاتهم مجانا، لكنها تراجعت عن الخدمة لمصلحة شركات التأمين. المؤسستان قائمتان على ارض وقف فقراء الروم فهل يعقل الا يخدما اصحاب الملك؟
3. الاسقفية الفخرية: في المجمع الاخير الذي عقد برئاسة المثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع، انتخب اثنا عشر اسقفا وُزعوا على ابرشيات الكرسي الانطاكي. وهؤلاء جُعلوا في مرتبة ادنى من مطارنة الابرشيات، اذ حرموا صوتاً في مجمع المطارنة. قديماً سُمي امثالهم في الكرسي الانطاكي اساقفة شرف أو فخريين، اما اليوم، فهم اساقفة فعليون أي يرعون شعبا معينا، فلماذا لا يكون لهم صوت كامل في مجمعكم؟
4. اعادة الاعتبار لمن حوكموا ظلما وزورا من قبل محكمة كنسية او من قبل المجمع: اذكر على سبيل المثال الشماس اسبيرو جبور، علّامة الكرسي الانطاكي وشهيده الحي، الذي حرم الشموسية والاسقف اثناسيوس صليبا الذي حرم من الاسقفية ومن ثم رُفع الحرم ليقيم في بيته اقامة شبه جبرية. ومن بين طلاب البلمند واساتذته اذكر ألمعَهم والاول بينهم اعني به الاستاذ اسكندر ابو شعر. بابا رومية اعتذر بعد سنين وقرون عن اساءات اقترفتها كنيسته، فهل يقتدي الروم بسلف الحبر الاعظم القديس اقليمس الذي رئس كنيسة رومية بالمحبة؟
اكتفي بهذا القدر القليل من تهاني لك يا صاحب الغبطة وقد اردت ان تكون عاشرا بين اليوحنائيين الانطاكيين. فانا التمس محبتك وبركتك داعيا لك بان تكون راهبا قديسا كسميك يوحنا الرسول الحبيب والانجيلي الطاهر ابن اورشليم, ويوحنا الذهبي الفم رئيس اساقفة القسطنطينية ـــ وقد ذقت قليلا من اضطهاداته وعذاباته ـــــ ويوحنا الدمشقي الذي قُطعت يده, ويوحنا الرحيم رئيس اساقفة الاسكندرية الذي كان يصرف موظفي البطريركية ليقف امام بابها مع شماسه حاملا الانجيل مصغيا وخادما للفقراء والمساكين.
ألا اهنأ يا صاحب الغبطة بصحبة هؤلاء القديسين الى اعوام عديدة يا سيد.
* راعية أبرشية طرابلس للروم الأرثوذكس



النص الكامل :
اتفاقية لافروف - كيري
لا يزال الشرق الأوسط منذ قرن من الزمان يعيش تحت ظلال إتفاقية وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا المسماة بإسميهما سايكس - بيكو منذ العام 1916 ، و التي لم تنطلق حينها كما افترض كثير من العرب من دعم الفرنسيين لمجموعة قيادات لبنانية ، لم يبق أحد منها على قيد الحياة بينما بقيت سايكس بيكو حية ، وافترض آخرون انها لدعم الملكية في مصر اوالعراق او لتتويج حركة الشريف حسين عبر سلالتها على مملكة عربية موحدة كما ظن كثيرون ، واليوم عندما يتطلع المؤرخون والسياسيون لما تعنيه سايكس بيكو لن يخطر ببال أحدهم شيئ مما رافقها في زمن ولادتها ، فقد بقي من سايكس بيكو ما كان في زمن ولادتها أصل ولادتها و سببا لولادتها ، ومختصره أمران : - رسم قواعد الجغرافيا السياسيا في الشرق الأوسط من جهة و - توزيع دوائر النفوذ والمرجعيات الحاكمة لهذه الجغرافيا بين الدول العظمى من جهة أخرى .
عندما جاءت الحرب العالمية الثانية وعقدت قمة يالطا بين زعيمي الدولتين العظميين الجديدتين السوفياتي خروتشوف والأميركي ايزنهاور قبل ان تنعقد قمة التكريس الثلاثية التي ضمت ستالين وتشرشل ورزفلت وكان صانعا " سايكس بيكو" في حال تراجع العظمة بقيت صيغتهما في شق الجغرافيا السياسية بلا تعديل خصوصا لجهة نفوذ بريطاني على النفط وبلدانه ونفوذ فرنسي على المتوسط وتجارته وبلدانه ، وبقي لهما توزيع النفوذ كتعويض عن خسائر الحرب للحليفين البريطاني والفرنسي و لحداثة معرفة الحاكمين الجديدين للعالم بخفايا العالم القديم وأسرار حكمه وإدارته .
لم تتح التغييرات التي لحقت بالتكوينات السياسية الحاكمة وخصوصا ثورة جمال عبد الناصر وانقلابات سوريا و العراق وانتصار ثورة الجزائر وسائر دول سايكس بيكو في زمن الحرب الباردة منذ الخمسينات حتى التسعينات ، الحاق تغيير جذري بجغرافيا كيانات سايكس بيكو، رغم نجاح اللاعبين الكبيرين الصانعين لقمة يالطا بالتسلل لوراثة صانعي سايكس بيكو او مقاسمتهما على النفوذ وبقيت سايكس بيكو لأن تعديلها يحتاج نصرا حاسما لقوة دولية صاعدة ترسم وحدها العالم الجديد وهذا ما حاولته وفشلت فيه الولايات المتحدة الاميركية في ولايتي جورج بوش او تفاهما دوليا بين معسكرين كبيرين متقابيلن في حرب تحدد موازين القوى ودوائر النفوذ وهذا ما لم تنته فصوله بعد منذ حرب أفغانستان عام 2001 .
الواضح أننا ما بين تفكك الاتحاد السوفياتي 1991 ونهاية الانسحاب الاميركي من العراق 2011 كنا امام حرب عالمية ثالثة شنتها الولايات المتحدة الاميركية لفرض جغرافيا سياسية جديدة وقواعد نفوذ جديدة ، وقد نجحت بذلك في شرقي اوروبا الذي تغيرت هويته عن ما بعد يالطا و أعلنت سقوطها كليا بانضمام دول حلف وارصو السوفياتي الى حلف الناتو والى الاتحاد الاوروبي بدلا من المنظومة الاشتراكية ، وبالتالي عمليا سقطت يالطا مع تقسيم يوغوسلافيا بعدما تمزقت اوراقها بوحدة المانيا ، اللتان قسمت يالطا احداهما ووحدت الاخرى بالعكس تمام لما جرى مع نهايتها ، وتابعت واشنطن في المدى الحيوي لروسيا والصين في جورجيا واوكرانيا واليابان والهند وصولا الى اكتشاف الحاجة لترتيب الشرق الاوسط قبل رسم قواعد اللعبة الجديدة ، فكانت حرب افغانستان بداية الحملة الامبراطورية التي توجت بحرب العراق وبعدهما حرب لبنان وحرب غزة وظهور التوازنات الجديدة التي تقول ان مثلث روسيا الصين ايران اللاعب الجديد في اسيا ليس الرجل المريض الذي تنهيه حرب عالمية ثالثة ، ليكون الربيع العربي وثوراته وما كشفته من تفاهم مع الاسلام السياسي ممثلا بالاخوان المسلمين وصولا لاستباحة التعاون مع تنظيم القاعدة ، الحلقة الحاسمة في هذه الحرب وتأتي حرب سوريا لتقدم الفرصة لتكون أحد مشهدين في هذه الحرب " استسلام اليابان " او "صمود ستالينغراد " ويبنى عليها ما تبقى من مقتضيات المعادلة الجديدة .
جنيف تبدو عنوانا لمكان التفاهم الجديد الذي ترتسم معالمه وجون كيري وسيرجي لافروف يبدوان رمزان لاسمين يدخلان تاريخ السياسة الدولية من بابها الواسع لترصيع توقيعهما على وثيقة ستحكم العالم ربما لقرن من الزمان .
كثيرون يرغبون برؤية العالم يدور حولهم ويرتسم من خلالهم كما كان الحال في مرحلة ولادة سايكس بيكو فيقول بعض هواة الرغبة بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد أن لا مكان للتفاهم الدولي بخلفية ما يرغبون وليس بقراءة المشهد الكبير الجديد الذي يرتسم ويقول بعض عقلائهم كما كتب وليد شقير في الحياة لكن ببعض الرغبة الدفينة المحكومة بعقدة الأسد ومرة اخرى بعيدا عن القراءة الحقيقية لما يجري "ان روسيا تتغير لحساب التخلي عن الاسد " لكن كله بعيدا عن الحسابات الحقيقية لمصالح الكبار .
المشهد واضح ، فواشنطن قد إستنفدت ما هو إيجابي في الربيع العربي وهو آخر حروبها وأنجحها ، وبدأت مرحلة الإنحدار في ما ولده من أزمات ومخاوف ومصادر للقلق ، و الضغوط الإقتصادية صار مردودها تفاعليا بالإتجاهين على صاحب العقوبات ومتلقيها في عالم ينكمش ويقع أركانه تحت ضربات الإختناق وتتهدد كيانات وليدة وعملة وليدة كالإتحاد الأوروبي واليورو بالتفكك والتلاشي ، والقدرات العسكرية تتقابل بأقوى مفرداتها في الحرب السورية من صواريخ الاسكندر والبارتيوت الى قوات النخبة الأطلسية في القدرة على بذل الدماء تمثلها القاعدة في مقابل قوات النخبة السورية ، وتتبلور توازنات حاكمة وخطوط حمر لا يمكن تخطيها ، وعلى ضفة مقابلة اقتصاد صيني ينمو ومدى روسي يتوسع وقدرة ايرانية تتعزز .
زمن التقدم يترنح أميركيا وزمن العد التنازلي يبدأ رغم الوعود الكثيرة والمواعيد الكثيرة ، سقط الأمل بسقوط سوريا كمفصل اخير لرسم التوازنات ، وبالمقابل رغك تبلور حلف آسيا الجديدة ، لا يملك هذا الحلف خطة وتصور ومشروع لحسم في سوريا أو في غيرها ، ويفضل مواصلة الصمود للوصول الى طاولة التفاوض ، رغم ان بين يديه امكانية التفكير بحلف عراقي ايراني سوري يبيح ادخال قوات على طريقة درع الجزيرة التي دخلت الى البحرين، وبامكانه نشر صواريخ تعادل نشر البارتيوت على حدود تركيا مذيلة بتوجيه انذار بسحب الباتريوت واعتباره تهديدا بحال الحرب ، وربما كانت بيده فرصة حرب على اسرائيل تغير التوازنات .
يبدو الكل مهيئا للذهاب لطاولة التفاوض وقد نضجت المعادلات وقد استهلك الرهان على الوقت وبدأ مفعوله عكسيا .
في هذا السياق اعيد انتخاب باراك اوباما رئيسا لولاية ثانية ولكون العلملية انتخابية فيها الكثير من الداخلي الاميركي يجيئ تعيين جون كيري وزيرا للخارجية الاميركية قطعا للشك باليقين خصوصا انه جاء بترشيح جمهوري وتكريس ديمقراطي كحاصل اجماع وطني اميركي .
كيري صانع لعبة الاخوان المسلمين في المنطقة لمن لا يعرف ومسوقها في الكواليس الاميركية وكيري صانع الحوار مع الرئيس الأسد ومسوق هذا الحوار في واشنطن وكيري الخصم العنيد للتعاون الاستخباري مع القاعدة او الاحتواء المزدوج كما يجعلون الاسم اجمل واقل وطأة ، وكيري داعية تقاسم هادئ وتفاوض ناعم مع بكين وموسكو وطهران لرسم شرق أوسط جديد غير الذي بشرت به غونداليسا رايس ، وفي قلب هذه المعادلة سلام عربي اسرائيلي ، وهو يتباهى بكون ثمرته الناضجة من حلف الاخوان كانت امن اسرائيل بتموضع حماس في حضن اخوان مصر كما كان يتوقع ويشرح لزملائه في لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس .
لافروف رجل الجغرافيا السياسية الاول في العالم وصاحب نظريتها التي حاول داوود اوغلو سرقة لقبها بكتابه الذي خان وصيته المعروفة بالعداوات صفر مع الجيران لتنتهي بالجيران صفر ، وهو المفاوض الصلب صانع المصطلحات المدروسة بمثل ربط رفض التفاوض على الرئاسة السورية بمبدأ عدم المس بالسيادة ، وربط التدخل الدولي بمعادلة تهيئة الشروط لحوار فانتخابات .
سيجلس الرجلان ومن ورائهما أخطر خبيرين بشؤون المنطقة وليم بيرنز وميخائيل بوغدانوف واماهما حقائق اهمها ان لا احد منهما يملك حلا سحريا في سوريا وان لا حل لخرائط العالم بلا سوريا ، وان شرط الحل هو التفاوض مع الاسد ، وان لا احد يملك قراره منهما بل يملكان صداقة من جهة وعداوة من جهة مقابلة ، والصداقة الروسية تعرف حجم المصالح المتبادلة لكنها تعرف القدرة المحدودة على طلب اكثر من قبول احتكام سوري لانتخابات حرة تعرف ان الاسد سيفوز بها ، والعداوة الاميركية تعرف مدى محدودية اي جديد سيضاف لحلف الحرب كما تعرف ان دولة متوازنة وفيها جيش قوي ورئيس قادر على تنفيذ الالتزامات شروط ضرورية لعلملية السلام التي تريدها واشنطن بقوة هذه المرة .
سيتفاوض الرجلان طويلا وسيمزقان الكثير من الخرائط لكن الواضح من الآن أن معادلات أربع ستسمى اتفاقية لافروف كيري لقرن قادم :
- المدى الجغرافي الممتد من الصين الى افغانستان وايران والعراق وسوريا وشمالا حتى القطب المتجمد هو مدى روسي فيه مصالح اميركية اما جنوبا فهو مدى اميركي فيه مصالح روسية صينية ايرانية ، السوادن جنوبا مقابل تركيا شمالا وهكذا .
- عملية طويلة ومتدحرجة لتبريد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لا تحرج اطرافها بتنازلات قاتلة امام جمهورهما المتفجر والمرتبط بشعارات يصعب هدم بنائها بسرعة وعزل هذا البعد عن المحيط العربي والاسلامي لحلف الشمال وخصوصا سوريا ولبنان وايران لتركه يهدأ في حضن مصر وتركيا وقطر والسعودية .
- خطوط النفط والغاز وتجارتهما وامنهما مصلحة اميركية استراتيجية امنية واقتصادية ومالية لكنها في عهدة روسية صينية ايرانية من المتوسط الى الخليج وكازاخستان وفي قلب هذه التقاطعات مكانة حساسة لسوريا تستحق تمويلا يعيد لها الاستقرار ويلبي حاجات اعادة البناء .
- التغييرات السياسية نحو صيغ الحكومات المنتخبة تتقاسم السلطة مع رؤوساء وملوك وامراء ستشمل كل دول المنطقة بما فيها ممالك وامارات الخليج لكن بهدوء وسيكون للمعارضات في الخليج ومصر وتونس وليبيا ما يوازن ما ستحصل عليه المعارضة السورية والعراقية مع خط احمر يمنع ممثلي ومناصري القاعدة من دخول لعبة السلطة من افغانستان الى المتوسط والاطلسي .
في الربيع سيصل كيري ولافروف الى بلورة تفاصيل هذه المفكرة وسيكون كيري قد صار جاهزا لزيارة سوريا

Friday, December 21, 2012


  • المطران جورج خضر
  • 2012-12-22
الكنيسة الأرثوذكسية تبدو أحيانًا ضعيفة في بشريتها واذ بها تنهض بافتقاد إلهي حسب قول الرب لها: "واخطبك لنفسي الى الأبد أخطبك لنفسي بالعدل والحق والإحسان والمراحم" (هوشع 2: 19).
الموت الروحي رفيقنا كجماعة. يشدنا الى خارج المسيح حتى يدعو من اختارهم ليطلقهم في التوثب. ويحيينا بما يهبنا من افتقاده. المسيحيون بشر وتعتريهم ضعفات كل البشر فيما هم يشتهون ان يجددهم انسكاب الله فيهم. الكنيسة المجيدة الوضاءة وعد وبعض تحقيق يدوم قليلا او كثيرا. ان المجد لا يسطع كاملا فينا ما دمنا في هذا الجسد والخطيئة ساكنة فينا الى ان تكف في الموت ونذوق به وعود المجد للتائبين.
الكنيسة مجيدة بالوعد وهذه حقيقة أخروية. فالخطيئة معششة في النفس التي يسكن فيها نداء المجد وطاقتنا على ذوق الملك الآتي. معنى الكلام اننا نشتهي المجد وهذا الاشتهاء بعض مجد ولكن كماله محقق في اليوم الأخير.
انت تعيش في كنيسة هشة بسبب من سقوطنا وعظيمة بسبب من النعمة وانت تتوق الى القداسة فتعطاها على الرجاء ولا تكمل فيك
. ليس من نصر في هذه الدنيا ولكن ليس من يأس لأن الخطيئة لا تقضم نفسك بكاملها لأنها قائمة بالوعود الإلهية والوعد الإلهي.
ما يصح على كل الإخوة في رؤية واقعهم النفسي هذا لا يمنع ان المؤمنين في السباق على دروب الخلاص وان تفاوتوا قدرا وجهدا. وليس من مؤمن في السماء وفق العقيدة الأرثوذكسية الا مريم القائمة من الموت والشهداء. اما القديسون الآخرون فهم قائمون مثل أهل الأرض على الرجاء.
هذا الوصف ليس تراضيا مع التراضي. لكنه حث على رؤية الجمال الروحي على بعض من الوجوه. اذا تكلمنا عن القديسين فليس لننسب اليهم القيام في المجد. هذا لمريم فقط مع الذين بذلوا دماءهم في الشهادة.
كل ما أعطانا الله أعطانا اياه بالوعد والوعد بعض تحقيق. لهذا كانت المسيرة باقية الى ان ينقلنا الرب الى رحمته من بعد موت.
¶¶¶
ومسيرة بعض النفوس وثابة الى درجة انك تراها وكأنها في السماء. الملكوت آت مع المسيح الآتي ابدا وهو في بعض من بشر راسخ بحيث تحس انهم حضرة المسيح فأنت تدركه إدراكا مباشرا في الكلمة وكثيرا ما تلتقطه على وجوه استنارت ولا تستطيع ان تباعد في الرؤية بينها وبين وجه الإله.
البشرية تعيش بهؤلاء وبهم يشهد الله لنفسه. بفضل هؤلاء لا ينحصر الرب في سمائه. ينزل على الأرض فتغدو هذه سماء اخرى يسكن فيها البر.
نفسك تطلب هؤلاء الناس لتنتعش.
لا يحيا امرؤ وحده لكنه يحيا في شراكة الحب. هذه تسمى في المسيحية كنيسة. هذه ليس شيء مثلها لأنها سطوع التجسد الإلهي الذي يزورنا بعد ايام معدودة. كل المسيحية قولها ان الانسان بات مسكن الله. فاذا رأينا من كانت نفسه عظيمة البهاء نكون قد رأينا مجد الله على الأرض. ولما صُلب المبارك بدا الله آتيا الينا بدمه فأصعدنا بهذا الانسكاب الى السماء.
الى هذا الضياء دعيت الانسانية كلها. غير ان هذا لا يتحقق فيها كلها. النور يختار لنفسه مواضع مميزة. انت لا تحدد للرب أماكن حضوره. هو ينتقيها كما يشاء. وعليك انت ان تفتش عن أماكنه في البشر.
هناك من نستطيع ان نعرفهم بجمالاتهم وان نغض النظر عن نقائصهم او الا نراها لكوننا ابصرنا الرب يتراءى فيهم اي في النهاية يقر فيهم.
المخلّصون مقار الله. كيف يستمر التجسد بلا رؤيتنا اياه في الطيبين الذين يجودون علينا بحلاوتهم والدماثة والشفافية. ليس التجسد معطى محدودا الى كل مدى، انه لأفراد جعلوا الله نصيبهم وانت لا تجد ربّك فقط ان سعيت اليه. هذا طريق. لكنك تجده عند من عاشره بالطاعة اي بالزهد بالأنا واستقبال الرب في بذل ذاتك. ليس الله في الآخر بانغلاقه عنك. هو في الآخر وفيك اذا استطعتما ان تتلاقيا لتتشاركا. الله في هذا النوع من البشر.
¶¶¶
تتطلّب الحياة الروحية ان يلتقي الروحانيون في المدى المنظور. لا ينبغي ان يكتفي الروحاني بذاته. اجل هذا يؤمّن إشعاعا ما ولكن اذا رمت ضوءًا كثيرا لا بدّ ان تتكاتف والأبرار. تكتل الصالحين يعطيهم فاعلية ناتجة من مشاركتهم. هناك تراص يساعد على الفاعلية الروحية. والتراص يقوي الرسالة كثيرا.
لست من أنصار التكتلات في الحياة الروحية. لكن اجتماع الأبرار يمد بعطائهم ويكثر العطاء. صح ان الأبرار ليسوا حزبا ولا يتحزبون لكن التلاقي بينهم موقع من مواقع الله. الأشرار كثيرون وفاعلون على طريقهم. يصدمهم الأبرار في فهمهم وعمقهم وصدقهم واذا تجمّع الصالحون تقوى شهادتهم.
والأشرار لا تبيدهم الا الشهادة وعدد الأشرار لا يخيف. واحد يبيد فعلهم إبادة كاملة. لذلك لا بدّ للأنقياء ان يتعاونوا ليس فقط بنقائهم ولكن بثقافتهم وصمودهم واجتماع بعضهم الى بعض لأن هذا الاجتماع حضور الله في العالم.

As-Safir Newspaper - جورج عبيد : يوحنّا العاشر اليازجيّ#.UNUL95ZlJbM.facebook#.UNUL95ZlJbM.facebook

Thursday, December 20, 2012


زحلة الفتاة العدد 2941 بتاريخ 27 كانون الأول عام 1947
صلاة زحلة
الصلاة الربانية التي القاها شاعرنا الكبير سعيد عقل في حفلة الذكرى فاهتزت لها أعمدة الهيكل
أبانا الذي تعالى في السموات، فوق آلام الناس و صغارة الناس.
ليتقدس اسمك ، اسمك الذي لوّثوه بشفاههم، و تلفظوا به ستاراً يخفون وراءه جشعهم الى المال، و شهوتهم للسيادة ، و استغلالهم للفقير.
ليات ملكوتك ، ملكوت العدل الذي يبلغ من حدّه انه- بعد إطالة الحبل- لا يشفق و لا يرحم ، يوم تغدو الشفقة ظلماً للذي ظلم، و الرحمة انتفاصا من حق الذي أضيم.ليأت ملكوتك العالم بما أخفوه عن الشعب ، و المعلن لما أخفوه على الشعب ، هؤلاء المتمرغون باوحال جهازٍارادوه مظلماً كضمائرهم المظلمة، فجعلوا من ادارته متجراً، و من عدله مكمناً ،و من جيشه الجميل مطيةّ.،
ويا رب، لتكن مشيئتك التي لصبرها و طول اناتها ،ظنّت انها لن تكون.لتكن مشيئتك صريحة ،قاصمة للظهر ،معلنة ان الحق ينتهي بان يسود،و ان زمجرة الغضّاب للكرامة ستحلّ يومامحل ابتسامة طيبي القلب ، و ان العقاب سيرتفع بقبضته على ناصية من ارتقوا على عرش الجماجم.
لتكن مشيئتك، يارب، في السماء ،سماء البررة و الخلّص و المتعبين.كذلك في الارض ، ارض الآمنين و العملة و الكادحين،تلك التي جعلوها ارض الظلم و الفقر و العبودية. متى طلبت خبزاً ألقموها  بدل الجواب صمتا و عوض الرغيف رصاصا. و متى تظلمت قالوا لها: انتظري كلمة العدل. عدلهم هم! هؤلاء الذين بنهبهم و تزويرهم و سفكهم الدم حذفوا انفسهم بانفسهم    من كتاب العدل، حذفوها من الوجود.
أعطنا ، يا رب، خبزنا بذكائنا البريء لا بالاعيب اللاعبين، بحق لا يجور،بعرق الجبين لا باستثمار المستضعفين،بنشاط الزند و العقللا بالاتجار بالرغيف و الادوية.أعطنا خبزنا كفاف يومنا، يا رب، لأننا تعبنا يومنا، لا كفاف السنين،و كفاف ابناء الابناء و حفدة الحفدة. كفاف يومنا، يا رب ،لا كفاف الجشع يحوّل قوت الفقراء أموالاً تكدّس في المصارف ، في خارج الوطن الجميل الفقير.
و اغفر لنا ، يا رب ، ذنوبنا جميعاً: ذنوب سكوتنا عن المتربعين على عرش الكرتون ، \نوب سكوتنا عن اقوالنا و دعاياتنا التي نصّبتهم جبابرةو ما هم الا تماثيل من خزف ، ذنوب سكوتنا عن انفسنا التي صغرت و صغرت الى حد أن أصبح هؤلاء ، هؤلاء أنفسهم ، كباراً.
اغفر لنا، يا رب، كما نحن نغفر الى من اساء الينا ، أساء عن طيب قلب لا عن تعمّد، عن قصد الى الخير لا عن توطيد العزم على الفتك، عن محبة بالرعية لا عن طمع بأن لا يبقى في الساحة من حرٍيعترض مطامعه.
و لا تدخلنا ، يا رب، في تجربة، تجربة التفكّر بان نكون أّذلاءعند الاذلاء،متقاعسين عن الواجب في وجه المتغاضين عن الحق، متخاذلين في صفوفنا و في داخل انفسنا امام المتمظهرين بالقوة، و ما هم الا أيد ترتجف و ركاب تصطك .
و لكن نجنا، يا رب، من الافعى التي تتمسكن اذا تظّلمنا لها، و تلين، و تدّعي ان لا قبل لها بدفع الشر. نجنا من مكرها الناعم و ريائها العميق و استغلالها المبطّن و الجهوري معاً. نجّنا يا رب منها ، إنها هي الشرير.
- 2-
و السلام عليك ، يا زحلة، يا سيدة النجاة، نجاة لبنان. السلام عليك ايتها التي كانت، بفضل اجدادٍ كبار (يؤلمنا اليومان يكون حبيبان غاليان، سمّيا باسمين من اسمائهم:حنا وعبدلله، الواحد قتيلاً و الآخر مفجوعاً )، كانت ملاذ الغاضبين للحق، و درع لبنان ، و حامية المدن و القرى.
السلام عليك يا ممتلئة نعمةً و مجداً و كرامةً، مترفعةً عن كل مسكنة،  متحة في صف واحدٍ الى نصرة القيم ، متمسكةً باهداب الشرف الذي لا يعدله حكم و لا مال و لا جاه.
الرب معك ، يا زحلة، الرب معك متى تكبرين على الاعصاب، و توقنين ان العزّة فوق الزلفى، و القناعة بالمجد الحقيقي فوق التخمة "بالاستكلاب" عند ذوي السلطان ، و الفقر اليه تعالى فوق الغنىبثروة الذي يغنى بتجويع الشعب.
الرب معك، يا زحلة، يا سيدة النجاة ، نجاة لبنان، يوم تعرفين ان العيون شواخص اليك، من كل صوب من عطاش البقاع، الى فرسان الشمال ، الى منكوبي الجنوب ن الى احرار الجبل، الى المستغلين المحطّمين في بيروت.
الرب معك، يازحلة، يا سيدة النجاة، نجاة لبنان، و العالم معك: من قلب هذه الكاتدرائية التي شهدت في تاريخك أولى مؤتمرات الكرامة، الى قلاع البطولة التي رفعها لك ابناؤك في سانبولو و مكسيكو، في الاميركتين جميعاّ،في افريقيا و استراليا.
الرب معك، يا زحلة ، و مباركة انت بين المدن و القرى، نبعث فيك كلمة الوالد المفجوع أن "فداء اتحادك دم ولدي" أحب دعوة يرددها الشيخ في مسجده و الكاهن على مذبحه و الآمفي اغنية طفلها و الفتى يوم يحرك قلماً او يتقلّد بندقية.
و مباركة ثمرة جهادك ، إعلان كلمة الحق و صوت العقاب القاصم، وإنقاذ الاستقلال من الاستغلال.
و يا قديسة مريم ، يا والدة الحق الأحد، صلّي لأجلنا نحن الذين اتحدنا فلن نموت بعد اليوم ، صلّي لأجلنا نحن خطأة الأمس و حماة الكرامة غداً، اللآن و كلما دعانا الواجب. 
                                                           سعيد عقل