Tuesday, April 9, 2013

معارك البابا فرنسيس على ثلاث جبهات

معارك فرنسيس على ثلاث جبهات

غراسيا بيطار
«المعركة الأكبر أمام الكنيسة الكاثوليكية في الساحة الأميركية». هنا قامت الصهيونية بهجمة كبيرة استهدفت هذه الكنيسة وإكليروسها وساقت ضدهم شتى أنواع الاتهامات ولفقت الكثير من البدع الدينية.
يعطي أحد الكهنة مثلا: كنيسة «الاتحاد» (الأميركية) تفرض على الراغبين في الانتساب اليها هجر كنيستهم الأم... و«على يدها» سيقت اتهامات جنسية لعدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من رجال الدين الكاثوليك من أصل نحو 150 ألفا ما دفع كاردينال بوسطن الى الاستقالة. من قلب هذه الغيمة السوداء ظهر البابا الجديد فرنسيس «الذي لا يلين ولا يهادن». كما أن انتخاب رأس الكنيسة الكاثوليكية «من جذور لاتينية له انعكاساته على القاعدة الكنسية الاسبانية التي تشكل «ثقل» الكنيسة الكاثوليكية في أميركا».
وفق نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، «هناك جبهة ثانية يستعد البابا الجديد لخوضها أيضا وهي محاولة استعادة أوروبا الكاثوليكية بعد ان «تيهودت» في قيمها ومفاصلها الأساسية». لا يفته التذكير بعبارة الوزير الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد: «وداعا أوروبا القديمة». أما المعركة الثالثة التي تنتظر خليفة بطرس، فتتلخص في «حث المسيحيين على البقاء في أرضهم لأن تجذرهم في الشرق يسقط ما يسمى صراع الحضارات والأديان».
في المعركة الثالثة بالذات، اللاعبون كثر. اللاعب الأبرز ربما هو الكنيسة المارونية والتي تعد الأكثر تقدما لناحية خروجها من حدودها اللبنانية الى الانفتاح على المدى الأرحب نحو أنطاكيا وشمال سوريا وبيت لحم أي الشرق ليس بمداه الجغرافي وحسب وانما بالمدى الروحي لهذه الكنيسة.
يتوقف أحد المطارنة عند المبادرات المتتالية للبطريرك الماروني بشارة الراعي في الداخل والخارج ويقول «كان لا بد من توطيد أواصر العلاقة المارونية مع الكنيسة الأرثوذكسية من أجل العمل على تأمين وحدة المسيحيين وبالتالي محاولة الحفاظ على بقائهم في هذا الشرق»... يتوقف عند تقارير كثيرة بدأت تتحدث منذ مدة عن تقارب بين الفاتيكان والكنيسة الروســية، وكذلك عن الانفتاح على اليهود والمسلمين، وهو الأمر الذي أتى على ذكره البابا الجديد في إحدى عظاته.
أما الكنيسة الروسية التي تملك نفوذا هائلا في بلاد القياصرة وتكاد تختصر القرار السياسي بيدها، فيندرج ضمن «مصالحها» الحفاظ على الأقليات «وليس فقط المسيحيين في الشرق. فأي تطرف من شأنه ان تنتقل عدواه الى أراضيها وخصوصا عبر حدودها الجنوبية حيث ترى واجبا في ضبط أي تطرف ديني من شأنه ان يسعى الى الاستيلاء على السلطة كما يحصل في بعض الجمهوريات الروسية والشرق» يردد الفرزلي.
بعيدا من السماوات وأديانها لا يمكن إغفال المخطط الاسرائيلي الذي يتضح هدفه أكثر فأكثر منذ العام 1948 باتجاه تهجير المسيحيين وإفراغ المنطقة من مكونها الأساس. يحدد الفرزلي ثلاثة أهداف استراتيجية لهذا المخطط:
أولا، إفراغ مكان ولادة المسيح من المسيحيين بغية تحويل شخصية السيد المسيح كأي رمز إلهي في بلاد ما بين النهرين مثلا كالاله ميترا وذلك عبر اسقاط الشهود على ولادته وتحويل كنيسة القيامة الى مكان أثري لا قيمة استقطابية أو روحية له.
ثانيا، تثبيت شعار ان الفاتيكان هو المرجعية المسيحية الأولى والوحيدة. فالتفريغ يعني أيضا إلغاء الكنيسة المشرقية لأن الكنيسة بالمعنى اللاهوتي والفعلي هي جماعة المؤمنين وليست المعابد.
ثالثا، بين الفاتيكان مرجعية الغرب ومكة مرجعية المسلمين لا بد ان تكون لليهودية مرجعية أيضا وهي أورشليم القدس.
مسار الاهداف الثلاثة يشرح كيف استفاد اليهود من كل التناقضات للاستمرار في العيش والنمو. منذ الحرب الأولى التي أنتجت وعد بلفور الى الحرب العالمية الثانية التي زرعت الكيان الاسرائيلي في العام 1948 والحرب الثالثة أي الباردة التي أنتجت ليس فقط الإعتراف بالكيان وإنما «تدليله».
ومع سقوط الإتحاد السوفياتي شعرت إسرائيل بأن وظيفتها تجاه الغرب بدأت تخفت بدليل حرب العراق التي أقعدتها جانبا فما كان منها إلا ان ابتكرت حرب الحضارات بين شرق بأكثرية إسلامية وغرب بأكثرية مسيحية. وعلى هذا التناقض تستند لتقول للغرب «أنا رأس حربتك في قلب العالم الإسلامي». وتخاطب المسلمين قائلة :«أنا وأنتم أولاد العم.. فأنا سارة وأنتم هاجر». كالفطريات تتكاثر الكيانات ويسقط العامل القومي كبند من بنود الخلاف بين اليهود وأبناء المنطقة.
وفي الاتجاه عينه، تصب تحركات الكاردينال بشارة الراعي نحو الانفتاح على مسيحيي الشرق وإعادة إحياء التراث المشرقي الإنطاكي المسيحي.
الراعي في باريس.. لما لا، «طالما أن خطاب الكنيسة الذي لم يلق صدى قبل سنتين صار له اليوم من يتبناه بالكامل» يقول أحد المطارنة.
< المقال السابقرجوعالمقال التالي >

No comments:

Post a Comment