Monday, April 22, 2013

جورج عبيد يكتب في السفير استثمار الفرصة


استثمار الفرصة

جورج عبيد

يحفظ لتمام سلام أنّه حافظ على عراقة البيت السلامي العريق، على الرغم من محاولات إغلاقه سياسيًّا. والبيت هذا مهجوس باللبنانيّة الصافية والأصيلة ذات البعد العربيّ الخلاّق، دفع المغفور له الرئيس صائب سلام ثمنها غاليًا لما ذهب إلى منفاه القسريّ في جنيف، شأنه شأن المغفور له العميد ريمون إدّه في منفاه الباريسيّ. وقد ذاق اللبنانيون أنّ الأصالة هي التي تحفظ الكيان، وإلا خرجنا إلى مفهوم الغالب والمغلوب، وليس إلى ما كان يشتهيه صائب سلام رحمه الله.
إنّ ثقافة تمام سلام، المنتمية إلى وحدانيّة لبنان، تجعله مدركًا أنّ مبدأ الوحدانيّة يتطلّب انتظام الحياة السياسيّة بمبدأ المناصفة في التأليف، ومن ثمّ عبر مشروع قانونيّ يولّف بين الحقوق الدستوريّة العائدة للطوائف المكوّنة للبنان. هذا يحتم على الرئيس المكلّف أن يقرأ نداء المطارنة الموارنة المجتمعين في بكركي قراءة عموديّة راسخة، لكون هذا النداء يرسّخ ثقافة الوحدة بين اللبنانيين استنادًا إلى الدمج بين قانون يؤمّن تلك الحقوق وسيادة الدولة. فكأن السادة المطارنة يستعيدون المبدأ الذي رسّخه رياض الصلح: لبنان ليس مقرًّا ولا مستقرًّا، «بل هو أرض تلاق وعيش مشترك، ودولة ديموقراطية على المتوسط، وإلاّ فلا قيمة خاصّة لوجوده».
وبتصوّر بسيط، لقد أثبتت التجارب أن لبنان لا يحكم بحكومة حياد أو تكنوقراط أو أحاديّة. ولا يمكن أن يستعيد وهجه ووجهه بالشخصانيّة التي مورست في التسعينيات وصولاً إلى بداية هذا القرن، وهي التي أفرزت أنماطًا متوحّشة في السياسة والاقتصاد، وأغلقت بيوتًا سياسيّة عريقة بالمفاتيح الإقليميّة والعربيّة، ومنها بيت سلام العريق في التاريخ السياسيّ اللبنانيّ والعربيّ.
لبنان يحكم بحكومة وحدة وطنيّة مرسّخة على مبدأ المناصفة الفعليّة، تلك يجب أن تكون في الحقيقة جوهر النظام السياسيّ اللبنانيّ، وعليها يبنى منطق «لبنان واحد لا لبنان»، معلّلا بثقافة التفهّم والتفاهم.
تمام سلام رئيس حكومة بالتكليف فهل سينجح بالتأليف؟ ما هي المعايير التي ستجعل الحكومة متجانسة ومتوازنة؟ المعايير لا تقوم على إعلان بعبدا بعد أن صار مجوّفًا. بل ثمّة معايير أخرى يجب أن تتعامل مع المسألة السوريّة على أنّها تخصّ لبنان مثلما تخصّ سوريا. هذا لا يعني أننا تائقون لاستجرار الصراع السوريّ إلى الداخل اللبنانيّ. بل تائقون لتحصين لبنان الدولة المطلّة على أوروبا من باب المتوسّط من القوى التكفيريّة والظلاميّة.
ان السعوديّة التي في الأصل لم تخرج سياسيًّا من لبنان مدعوة لتغيير قراءتها الاستراتيجيّة في لبنان بالتماهي مع الواقع السوريّ. ويعرف الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن وقوع سوريا في يد المتطرفّين يسهّل عمليّة وقوع المملكة بدورها في تلك القبضة، ويضرم النار بالمنطقة كلّها على نطاق واسع. من هنا إن تسهيل المهمة على الرئيس المكلّف تمام سلام، هو سعوديّ بالدرجة الأولى، وسعوديّ ـ إيرانيّ بالدرجة الثانية، لتعبر الحكومة عن شراكة وطنيّة حقيقيّة ومتحرّكة في كلّ الفضاءات ومفتوحة على تجليات وآفاق عدة.
هذا وحده كاف لتأمين الاستقرار في الداخل اللبنانيّ، ويكون تاليًا استشرافًا لما ستؤول إليه القمة المرتقبة ما بين الأميركيين والروس، وفيها ستولد الخطوط الجديدة في المنطقة المحتدمة، بعد ان أبطلت مفاعيل سايكس - بيكو.
تمام سلام العقلانيّ والأخلاقي الرفيع المستوى، سيُعطى الفرصة الذهبيّة لنحت بنية وطنيّة تقوم على التوازن في الشراكة بعيدًا عن العدد.. هذه مرحلة جديدة فلنقدم على استثمارها بهدوء لكي يسلم لبنان ويدرك نوره في أودية الظلمات وبواديها.


([)
ناشط في «اللقاء الأرثوذكسي»

No comments:

Post a Comment