Friday, April 5, 2013

جورج عبيد في السفير

نداء بكركي:
الإصبع على الجرح

جورج عبيد
وضع المطارنة الموارنة المجتمعون في بكركي، الإصبع على الجرح بندائهم الأخير الموجّه إلى الجميع ومن دون استثناء. نداء يجيء من الخوف والقلق، من أن يتماهى الفراغ في الداخل اللبنانيّ بالعاصفة الهابّة في سوريّا، والتي دخلنا في أتونها، منذ أن عادت الأرض اللبنانيّة ساحة استعداء وتأجيج مذهبيّ انفلش وينفلش بين لبنان وسوريّا، ولن ينحصر فيهما بل سيشمل كلّ المدى المشرقيّ المتوشّح بهذا «الموزاييك» المذهبيّ والطائفيّ. البنود الخمسة في هذا النداء تصبّ في موضوع سيادة الدولة، الذي بحسب السادة المطارنة «يحتم على الجميع السعي إلى إقرار حياد لبنان وعدم انخراطه في المحاور الإقليميّة والدوليّة. فليس لبنان ورقة أو ساحة تستخدمها المحاور لتحقيق مآربها، بل نريده منارة على المتوسّط لا قنديلاً خافتًا».
جوهر المسألة التي أدّت إلى صدور هذا البيان وقبله استقالة الحكومة وصولاً إلى التكليف، تلك الطائفيّة المتلاشية التي تحاول الإطاحة بمشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ». لم يكن المشروع سببًا. بل هو الحلّ الميثاقيّ الناشئ من مجموعة مسببات أدّت إلى غياب وانسحاق المكوّن المسيحيّ لمصلحة المكوّنات الأخرى وصالحها. وهو الحلّ الذي يعيد التوازن إلى الصيغة اللبنانيّة التي هي سبب نشوء الدولة.
غالب الظنّ أن تعليق البحث في مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» الذي صدر عن اجتماع الأقطاب والأحزاب الموارنة هو محاولة طيبة يشاء مطلقوها إعطاء الفرص للوصول نحو التوافق على قانون انتخابي يحفظ العدالة للجميع بعدما تمّ دفن «قانون الستين» في أقبية بكركي. ذلك «أنّ قانونًا جديدًا للانتخابات ليس وجهة نظر، أو مسألة تفاوض، بل هو قضيّة ملزمة لا يمكن أحدًا التهاون بها أو التلاعب بمصيرها. وهو قضيّة حقّ ومطلب عدالة يكفلهما الميثاق الوطنيّ والدستور». وتاليًا، «فإنّ التراخي في موضوع قانون الانتخاب الذي يكفل التمثيل الحقيقيّ للجميع، يضرب صلب الميثاق، ولا نخال أنّ أحدًا يتحمّل نتائج التلاعب بالميثاق، لأنّ الميثاق ليس قضيّة عدد بل هو متصل بطبيعة الكيان اللبنانيّ».
مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» متصل بطبيعة الكيان اللبنانيّ، الذي ذاب في الطائفيّة المتلاشيّة والفوضويّة، على حساب الطائفيّة المتوازنة التي تعيد الحياة إلى جوهر الكيان. غير أنّ لا أحد من المجتمعين في بكركي أو من الذين أطلقوا مشروع اللقاء مصرّ على أن يختنق في جوف حروفه. بل إنّ الأساس أن يبثّ الروح إلى مشروع يريده الجميع توافقيًّا، ويضمن الوجود المسيحيّ كمؤسس للحياة السياسيّة، بشراكة كاملة مع الجميع. فالشراكة التي تنبع من الميثاق ليست ملحقة بالديموغرافيا، أي بالعدد كما ركّز بيان المطارنة، بل هي - كما الميثاق - متصلة بطبيعة الكيان اللبنانيّ وجوهره. وهذا ينتظره الجميع من الرئيس نبيه برّي الذي بلا شكّ سيتلقف النداء بإيجابيّة واضحة كما البيان الصادر عن المجتمعين في بكركي، حتّى يسطع التوافق الذي يحافظ على التوازن.
«إنّ الفراغ في السلطة الإجرائيّة لا يخدم أحدًا، بل يدخل البلاد في حال من الفوضى السياسيّة، لا أحد يعرف ما ستؤول إليه». وإذا ساغ تفسير ما جاء في البيان، فإن مواجهة الفراغ تؤول فعليًّا إلى مواجهة العاصفة السوريّة بدءًا من لبنان وفي لبنان. وقد خبرت التجارب السياسيّة المتحركة في فضاء البلدين، أن المكوّنات المذهبيّة تتأجّج بالاعتبارات نفسها إن في لبنان أو في سوريا وسابقًا في العراق، والأردن بدوره تحت دائرة تلك الاعتبارات. وتتأجج بفعل الاحتراب، احتراب الآخرين لتبلغ نحو تسوية يقودونها تحافظ على دورهم ومصالحهم في المنطقة. من هنا يسوغ قول فؤاد بطرس، انّ الحرب هي في لبنان وعلى لبنان، وهي كذلك في سوريّا. والتسوية بدورها هي في لبنان وعلى لبنان وهي كذلك في سوريّا.
ولذلك فإن نداء بكركي استشراف حركيّ يلامس آفاق التسويات المقبلة لكي لا تصير على حساب المسيحيين. وقد فهم البطريرك بشارة الراعي في تجواله الأوروبيّ والأميركيّ، أن الغرب بصورة عامّة ليس متحسّسًا لمسألة وجود المسيحيين العرب وتفاعلهم الوجودي في بلدانهم. فهو غرب علمانويّ، أي متشدّد في علمانيّته. ولم تعد مسألة الأقليّات تهمّه كما كان الأمر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أو خلال سايكس - بيكو. فالموارنة كانوا الوصال ما بين الفرنسيين ولبنان، وشاء الفرنسيون هذا الوصال مدى لتأمين استثمارهم لدود القزّ وتجارة الحرير، كما روى معظم المؤرخين. ثمّة تحسّس لتسوية دولية مرتقبة. ولا بدّ من الخروج نحو تلك التسوية بضمانات تعيد لنا الوجود.
إنّ الحياد الإيجابي الذي طالب به السادة المطارنة لا بدّ من ان يستعيد مقولة رياض الصلح، «لبنان ليس مقرًّا ولا مستقرًّا». بل هو «أرض تلاق وعيش مشترك، ودولة ديموقراطيّة على المتوسط، وإلاّ فلا قيمة خاصّة لوجوده. يحتاج الأمر إلى قرار اللبنانيين معًا ولا يحلّ أحد آخر مكانهم في هذا القرار». هذا هو التحدي المطروح على اللبنانيين في الأيام المقبلة وعلى تمام سلام رئيس حكومتهم العتيدة.
([) كاتب وناشط في «اللقاء الأرثوذكسي»

No comments:

Post a Comment