Thursday, February 13, 2014

بحث في نصاب جلسة إنتخاب رئيس الجمهوريّة

بحث في نصاب جلسة إنتخاب رئيس الجمهوريّة


تنصّ الفقرة الثانية من المادّة 49 من الدستور على أنّه : "يُنتخب رئيس الجمهوريّة بالإقتراع السرّي بغالبيّة الثلثين من مجلس النوّاب في الدّورة الأولى ويُكتفى بالغالبيّة المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي".

لقد أثار هذا النصّ ولا يزال يثير الجدل حول النصاب المفروض لانعقاد جلسة إنتخاب رئيس الجمهوريّة؛ فبينَ قائلٍ بوجوب توافر نصاب الثلثين من أعضاء المجلس وقائلٍ بالإكتفاء بالنصف زائد واحد لدستوريّة إنعقادها ومباشرة عمليّة الإقتراع، إنتهت ولاية أكثر من رئيس دون إنتخاب رئيس جديد وشغرت سدّة الرئاسة طوال أشهر، وكان من الممكن أن يستمرّ خلوّها مدّة غير محدّدة وإيقاع البلاد في حالة من الفراغ الدستوري الخطير لولا تدخل الرعاية الخارجيّة؛ وهو ما يخشى أن يتكرّر عند إنتهاء ولاية الرّئيس الحالي.

لذا، وبانتظار تعديل دستوري يضع حدّاً للجدال القائم، فإنّه لا بدّ من إعطاء النصّ الحالي تفسيره عبر ما تفرضه صياغته، وسائر الإعتبارات والمعطيات التي يقتضي أن تحكم شروط وظروف إنتخاب رئيس الدّولة ورمز وحدة الوطن السّاهر على إحترام الدستور وعلى المحافظة على إستقلال الوطن ووحدته وسلامة أراضيه، والحالف الأوحد، بين سائر المسؤولين، ليمين الإخلاص للأمّة والدستور، وذلك في وطن تعدّدي قائم على العيش المشترك والمشاركة المتعادلة لمكوّناته كافة في إدارة شؤونه على سائر المستويات بدءاً بعمليّة إنتخاب رأس الدولة.

إنّ تفسير النصّ الحالي للفقرة الثانية من المادّة 49، على ضوء ما تقدّم من أُسُس، يؤدّي إلى وجوب إعتماد الرّأي القائل بوجوب توافر نصاب الثلثين من أعضاء مجلس النوّاب الأحياء المؤلف منهم قانوناً لدستوريّة إنعقاد جلسة إنتخاب رئيس الدّولة، وذلك وفقاً للحجج والأسباب الموجبة الآتية    :

– 1 –

إنّ النصّ باشتراطه غالبيّة الثلثين من مجلس النوّاب في الدّورة الأولى يكون قد اشترط ضمناً أن تكون مثل هذه الغالبيّة متوافرة في الجلسة التي ستجري خلالها هذه الدورة الأولى، طالما أنّه من غير الممكن حصول المرشّح على غالبيّة الثلثين في دورة أولى إذا لم يتواجد ثلثا أعضاء المجلس في جلسة الإنتخاب التي تجري فيها هذه الدّورة؛

علماً أنّه لا مجال للإنتقال إلى دورات تالية ما لم تحصل الدّورة الأولى التي لا يجوز حصولها إلا في ظلّ الثلثين.

وعلماً أنّ إحتساب الثلثين لا يجوز أن يشمل النوّاب المتوفين لعدم جواز وعدم قانونيّة وعدم "منطقيّة" إشراك الموتى في عمليّة إنتخاب رئيس البلاد.

وعلماً أنّ نصاب الثلثين يقتضي أن يبقى متوافراً في سائر الجلسات التي تحصل فيها دورات الإنتخاب بما فيه الجلسات التي تحصل فيها الدورات التالية والتي يكتفي فيها بالغالبية المطلقة، وذلك لوحدة الصلة التي تستدعي إشتراط توافر مثل هذا النصاب الموصوف وفقاً لما سيلي بيانه.

– 2 –

ولأنّ التسليم بالرّأي المعاكس والقول بأنّ النصاب المفروض لانعقاد جلسة إنتخاب الرّئيس هو النصف زائد واحد يؤدّي إلى التسليم بأنّ المشترع قد وضع شرطاً مستحيل التحقق، وذلك، باشتراطه، من جهّة، غالبية الثلثين في الدورة الأولى؛ وباكتفائه، من جهة ثانيةٍ، وفي الوقت ذاته، بنصاب النصف زائد واحد لانعقاد الجلسة التي تحصل فيها هذه الدورة الأولى؛ أي إلى التسليم بأنّ المشترع الدستوري قد وقع في هذا المحظور عن طريق السهو والغلط، الأمر الذي لا يجوز إفتراضه لدى المشترع، وتحديداً، المشترع الدستوري.

– 3 –

لأنّ العُرف قد استقرّ على اعتماد نصاب الثلثين لجلسة إنتخاب رؤساء الجمهوريّات جميعاً، منذ الإستقلال، وفي ظل سائر العهود وحتى في ظل ظروف أمنية صعبة للغاية كان تأمين النصاب فيها أمراً صعب التحقيق؛ وإنّ هذه المسلكيّة المعتمدة من المجالس النيابيّة المتعاقبة والقيادات اللبنانيّة على إختلاف توجهاتها يعزّز الرّأي القائل بوجوب توافر نصاب الثلثين؛ سيّما وأنّ الأسباب الموجبة التي حمّلتهم جميعاً على التقيّد بهذا النصاب لا تزال هي هي بل أصبحت أكثر إلحاحاً، ولم يحدث ما يبرّر أو يستدعي الخروج عنه.

– 4 –

ولأنّ رئيس الجمهوريّة هو رئيس الدّولة بسائر سلطاتها ومن المنطقي الإعتبار أنّ المشترع الدستوري قد تعمّد إخضاع جلسة إنتخابه لنصاب موصوف.







– 5 –

ولأنّ رئيس الجمهوريّة هو رمز وحدة الوطن والمسؤول الوحيد الذي يلزمه الدستور، قبل القبض على أزمة الحكم، أن "يحلف بالله العظيم بأن يحترم دستور الأمّة اللبنانيّة وقوانينها ويحفظ إستقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه"؛

ومن هذا المنطلق، فلا بدّ من أن يكون الدستور قد تعمّد إخضاع جلسة إنتخابه لنصاب مميّز لتميّز موقعه ومقامه ورمزيّته ودوره الوطني الجامع.

– 6 –

ولأنّ لبنان وطن تعدّدي مبني على ميثاق وطني قائم على العيش المشترك والمشاركة الفعليّة المتوازنة بين مكوّنيه في إدارته؛

وإنّ مشاركة مكوّنيه في إدارته تشمل، بالأولويّة، المشاركة الفعليّة والفاعلةن في عمليّة إنتخاب رئيس الدّولة؛ وإنّ مشاركتهما في هذه العمليّة تفترض حضور أكبر عدد وازن من ممثلي كل من المكوّنين جلسة إنتخاب هذا الرّئيس؛ وإنّ مثل هذا الحضور لا يمكن ضمانه إلا باشتراط نصاب مرتفع لقانونيّة إنعقاد جلسة إنتخابه لأنّ الإكتفاء بنصاب النصف زائد واحد يجعل إمكانيّة حصول إنتخابه بالأصوات الرّاجحة لمكون، مع أقليّة غير فاعلة من المكوّن الآخر، الأمر الذي يُشكل خرقاً لركن أساسي من أركان الميثاق الوطني القائم عليه الوطن والمتمثل : بمشاركة مكونَيه في إدارته مشاركة فاعلة وفعليّة وصحيحة وبالعيش المشترك الذي يقتضي أن يتجسّد بعيش الحياة الوطنيّة واللبنانيّة عيشاً فعليّاً مشتركاً، وبوحدة بنيه المشروطة بالإبقاء على سائر أوجه هذه المشاركة وهذا العيش المشترك.

– 7 –

ولأنّ رئيس الجمهوريّة ينتخب لولاية تمتدّ طوال ستّ سنوات بتحمل أو يفترض أن يتمّ خلالها التداول في السلطة بين تيّارات البلاد السياسيّة المختلفة، ممّا يستدعي مشاركة أكبر نسبة ممكنة من تلك التيّارات في عمليّة إنتخابه بقطع النظر عن موقفها المؤيّد أو المعارض لانتخابه.







– 8 –

ولأنّ الديموقراطيّة اللبنانيّة هي ديموقراطيّة برلمانيّة طوائفيّة توافقيّة؛ وإنّ مثل هذه الديموقراطيّة تستوجب مشاركة ثلثي أعضاء المجلس بانتخاب الرّئيس ليأتي إنتخاب الرّئيس نتيجة توافق وطني وليس نتيجة مجرّد غلبة أكثريّة على أقليّة بقطع النظر عن تكوين الهيئة الناخبة، لأنّ مثل هذه الغلبة – الحاصلة خارج عن الوجه التكويني التعددي لهذه الهيئة – هي من قواعد النظام الديموقراطي الأكثري التي وإن كانت صالحة لاعتمادها في البلدان الأحاديّة التكوين، فهي تبقى غير ملائمة لاعتمادها في البلدان التعددية كلبنان ما لم تترافق قاعدة غلبة الأكثريّة مع مراعاة ضرورة تمثيل المكوّنات المتعدّدة في الهيئة الناخبة التي أنتجت تلك الأكثريّة، بحيث تأتي الأكثريّة نتاج مشاركة فعليّة لسائر المكوّنات الوطنيّة في عمليّة إخراجها.

مقترحات تعديل المادّة 49

إنّ تعديلاً للمادّة 49 لا بدّ من أن يحصل على الشكل التالي  :

-           بتضمينها نصّاً صريحاً بوجوب توافر نصاب ثلثي أعضاء مجلس النوّاب الأحياء المؤلف منهم المجلس قانوناً في جلسات إنتخاب الرّئيس، وبالنسبة لسائر دورات الإقتراع.

-           بإضافة فقرة تنصّ على إستمرار رئيس الجمهوريّة المنتهية ولايته بممارسة مهامه الدستوريّة إلى حين إنتخاب الرّئيس الجديد.

-           بإضافة فقرة تنصّ على أنّه إذا انقضى ثلاثة أشهر على إنتهاء ولاية الرّئيس دون أن ينتخب المجلس رئيساً، يعتبر المجلس محلولاً حكماً وتجري إنتخابات نيابيّة جديدة حتى في ظلّ حكومة مستقيلة أو معتبرة مستقيلة أو غير حائزة بعد على ثقة مجلس النوّاب.

إنّ إضافة هاتين الفقرتين الأخيرتين لا بدّ من أن تحصل في آنٍ معاً، لأنّ إضافة إحداهما دون الأخرى قد يؤدّي إلى إساءة إستعمال إحداهما لغير الغرض المقصود منها، في حين أنّ إضافتهما معاً من شأنه، من جهة، أن يَحُثَّ المجلس على انتخاب الرّئيس تحاشياًَ لتعرّضه للحلّ؛ ومن جهة ثانية، أن يحدّ من تمادي فترة إستمرار ولاية الرّئيس إلى أمدٍ غير محدّد.


  بيروت في 09/01/2014

     القاضي لبيب زوين

الرّئيس شرفاً لدى محكمة التمييز

No comments:

Post a Comment