Sunday, February 9, 2014

بـحـث في صلاحيّات الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة في ظل الفقرة "2" من المادة "64" من الدستور


بـحـث

في صلاحيّات الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة
في ظل الفقرة "2" من المادة "64" من الدستور


الجزء الأول
في منطلقات البحث


إنّ بحث مسألة ممارسة الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة لصلاحيّاتها "بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال" في ظلّ الفقرة "2" من المادّة "64" من الدستور اللبناني لا بدّ من أن يتمّ على ضوء وضمن حدود المعطيات الأساسيّة الآتية     :

1.    النص الدستوري الذي يرعى الموضوع.

2.    الأسباب الموجبة التي استدعت وضع هذا النصّ، والوظيفة المفترض به تأديتها.

3.    المبدأ العام المتمثل باستمراريّة المرفق العام والحياة الوطنيّة.

4.    الظروف الإستثنائيّة والخاصّة المرافقة لتطبيق النص.

5.    سائر النصوص الدستوريّة.












– 1 –

بالنسبة للنص الدستوري الذي يرعى الموضوع

تنص الفقرة "2" من المادّة "64" من الدستور على أنّ "الحكومة لا تمارس صلاحيّاتها قبل نيلها الثقة ولا بعد إستقالتها أو إعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال".

إنّ صياغة هذا النص تفيد بشكلٍ صريح وواضح بأنّ تَوْليَة الصلاحيّات المحدودة للحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة يتمّ على سبيل الإستثناء؛ فتكون النتيجة الأولية المبدئيّة المترتبة على كيفيّة صياغته هي عدم جواز التوسّع في تفسيره    :

-         لأنّ ما أجازه للحكومة المستقيلة من صلاحيّات قد ورد على سبيل الإستثناء باستعمال كلمة "لا" متبوعة بكلمة "إلا".
-         ولأنّه ألحَقَ بعبارة "تصريف الأعمال"، والتي تفيد أصلاً التضييق، عبارة "بالمعنى الضيّق" لتأكيد القصد بإبقاء ممارسة تصريف الأعمال ذاتها في حدودها الدنيا.

– 2 –

بالنسبة للأسباب الموجبة التي استدعت وضع هذا النصّ، والوظيفة المفترض به تأديتها

إنّ ما استدعى وضع هذا النص هو الحاجة لمعالجة ذيول الفراغ التام في السلطة التنفيذيّة التي تحدثه إستقالة الحكومة خلال الفترة الفاصلة بين تاريخ إستقالتها وتاريخ تشكيل الحكومة، فتكون الوظيفة المفترض أن يؤدّيها، عند تطبيقه، معالجة تلك الذيول، ممّا يوجب تفسيره وتحديد نطاق تطبيقه بالقدر الذي تستوجبه تلك المعالجة في حدّها الأدنى وفي دائرة ما سيلي بيانه من معطيات.

– 3 –

بالنسبة للمبدأ الواجب المراعاة والمتمثل بضرورة تأمين إستمراريّة المرفق العام وبقاء الدولة

عند إصطدام حرفيّة النص بضرورة المحافظة على إستمراريّة المرفق العام وبقاء الدولة ومؤسّساتها وضمان أمنها واستقرارها ومصالحها الحيويّة، فإنّ تفسيره يضحى واجباً على ضوء ما تفرضه تلك الضرورات والمصالح الحيويّة، إنطلاقاً من الأسباب الموجبة التي استدعت وضعه أصلاً ومن الوظيفة النهائيّة المفترض به تأديتها.
فطالما أنّه لا يمكن تصوُّر الوطن من دون دولة،

وطالما أنّه لا دولة من دون سلطاتها وأجهزتها،

وطالما أنّ النص لم يوضع أصلاً إلا من أجل المحافظة على الحدّ الأدنى من مقوّمات الوطن والدولة؛

فإنّ إعمال النص وتطبيقه بما يتلائم مع إستمراريّة الدولة عبر إستمراريّة مرفقها العام وسلامتها ومصالحها الحيويّة، يضحى واجباً ضماناً ضماناً لانتظام الحياة الوطنيّة.

– 4 –

بالنسبة للظروف الإستثنائيّة و/أو الخاصّة المرافقة لتطبيق النص

إنّ تطبيق النص لا بدّ من أن يتمّ على ضوء الظروف الخاصّة التي ترافق تطبيقه، وهي ظروف يمكن إختصارها تحت العناوين التالية       :

-         حالات الضرورة.
-         حالات العجلة.
-         الحالات التي يخضع فيها العمل الحكومي لمهلة إسقاط للحق.

وبشكلٍ عام وأوسع، الظرف الإستثنائي المتمثل بامتداد فترة الفراغ في السلطة التنفيذيّة مدّة غير مألوفة وغير طبيعيّة وغير عاديّة وغير معقولة بسبب التأخر غير المألوف وغير الطبيعي وغير العادي وغير المعقول في تشكيل الحكومة الجديدة، حيث يضحى تفسير وتطبيق نص الفقرة "2" من المادّة "64"، بحرفيّته وبمفهومه الضيّق، على مثل هذه الحالة الإستثنائيّة في غير موقعه الدستوري والقانوني لتعارضه مع الأسباب الموجبة التي استدعت وضعه والوظيفة المفترض به تأديتها.

ذلك أنّ المنطق القانوني يفرض الإعتبار أنّ نص الفقرة "2" من المادّة "64" قد بُنيَ على الإعتبار العادي والطبيعي، وهو أنّ تشكيل الحكومة الجديدة من المفترض أن يتمّ خلال فترة زمنيّة محدّدة لا تتعدّى حدود المعقول والطبيعي والمألوف والتي لن تحتاج خلالها الحكومة المستقيلة إلى صلاحيّات تعوق تصريف الأعمال بمعناه الضيّق، بحيث أنّ تجاوز الفترة الزمنيّة لتشكيل الحكومة الحدّ المعقول والمقبول والمألوف الذي تحتمله إستمراريّة المرفق العام، يستدعي تكييف تطبيقه مع "مقتضيات الدولة الضروريّة" وذلك خلال فترة الفراغ الإستثنائي هذه، وفقاً للتعبير المستعمل في القرار المبدئي لمجلس شورى الدّولة الفرنسي تاريخ 04/04/1952 (Dalloz – 12 ème édition P. 447).
وبالتالي        :

-         إخراج تفسيره عن النطاق الضيّق الذي تفرضه، بصورة أولية ومبدئيّة، صياغته الموضوعة أصلاً للحالة العاديّة.

-         والتوسع في تفسيره وتطبيقه وذلك بالقدَر الذي تطول فيه وتتسع فترة الفراغ غير المألوف والظرف الإستثنائي الناتج عنه، وما يولّده هذا الظرف، تباعاً، من حالات طارئة تستوجب معالجتها إنطلاقاً من أنّ الضرورات تُبيح المحظورات، ولا سيّما عندما يتعلق الأمر بضرورات الدولة ذاتها المرتبطة بمصالحها الحيويّة، وجوداً وسلامةً وحياة طبيعيّة.

– 5 –

بالنسبة لسائر النصوص الدستوريّة

لقد تضمّن الدستور، في أكثر من نصّ من نصوصه، ما ينبئ عن حرصه على مراعاة الظرف الإستثنائي وضرورة تحاشي ذيول الفراغ الذي قد يلحق بإحدى سلطات الدولة الدستوريّة  من جرّائه  :

آ- فنصّ في الفقرة "3" من المادّة "69" منه على ما حرفيّته : "عند إستقالة الحكومة أو إعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النوّاب حكماً في دورة إنعقاد إستثنائيّة حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة".

لقد وُضع هذا النص ليس فقط لتمكين المجلس من مناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة، بل أيضاً لتحاشي النتائج السلبيّة التي تتولد بسبب تزامن وترافق الفراغ على مستوى السلطة التنفيذيّة مع الفراغ على مستوى السلطة التشريعيّة في حال حصول إستقالة الحكومة خارج الدورتين العاديّتين للمجلس، فأحيا دور مجلس النوّاب بجعله في دورة إنعقاد حكميّة خلال فترة الفراغ الناتج عن إستقالة الحكومة لتحاشي الفراغ على مستوى السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة في آنٍ معاً.

وإنّ ما يؤيّد هذا الرّأي :

-         إنّ الفقرة "3" من المادّة "69" لم تنصّ على أنّ إنعقاد المجلس هو "بغية" أو "بهدف" تمكينه أو "لتمكينه" من مناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة، بل نصّت على أنّ إنعقاده يتمّ "حتى" تأليف الحكومة الجديدة ونيلها الثقة، أي طوال فترة الفراغ الذي تتسبّب به إستقالة الحكومة، بحيث أنّها تكون قد حدّدت مدّة إنعقاد الدورة الحكميّة الإستثنائيّة من دون أن تحدّد موضوعها أو تحصره.
-         إنّ عدم تحديد أو حصر النص، صراحة، صلاحيّات المجلس المنعقد في هذه الدورة الحكميّة ينبئ عن النيّة في إبقاء جدول أعمال جلساته خلالها مفتوحاً وفقاً لمقتضيات وحاجات الظرف الإستثنائي الذي إستدعى فتحها؛ علماً أنّه حتى في حال الإعتبار، إفتراضيّاً، أن جعل المجلس في دورة إنعقاد حكميّة كان من أجل تمكينه من مناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة، فإنّ تمادي الفراغ الحكومي طويلاً في الزمن وتعدّيه المدّة المعقولة والمقبولة يحول دون جواز الإستمرار بحصر صلاحيّاته وتضييقها وبحجب صلاحيّة التشريع عنه، وذلك لذات الأسباب التي تحول دون جواز الإستمرار في تضييق صلاحيّات الحكومة المستقيلة في مثل هذه الظروف.

-         إنّ الدستور، باعتماده نص الفقرة "3" من المادة 69 بعد الفقرة "2" من المادة "64"، قد ترجم، عمليّاً، مبدأين أساسيّين وهما = وحدة الدولة، وتعاون سلطاتها فيما بينها وتكاملها بما يؤمّن، بالنتيجة، إستمراريّة مرفقها العام وحياتها الطبيعيّة، فجعل السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة – العامودين الفقرتيّن لهيكليّة الدولة الواحدة – في وضع يمكنهما، متكاملين، من القيام – كل منهما في حدود صلاحيّاتها – ومن دون المسّ باستقلاليّة أو بصلاحيّات السلطة الأخرى بكل ما تتطلبه إستمراريّة هذه الدولة وعدم تعطيل الحياة الوطنيّة الطبيعيّة، ممّا يوجب تفسيرهما وتطبيقهما على هذا الأساس ومن هذا المنظار.

-         يبقى الملاحظة أنّ وصف الدورة الحكميّة "بالإستثنائيّة" لا يجعلها خاضعة لأحكام الدورة الإستثنائيّة، من حيث حصر وتحديد جدول أعمالها، لأنّ وصفها بالإستثنائيّة لم يكن إلا لكونها خارجة عن الدورتين العاديّتين المقرّرتين دستوريّاً للمجلس ومُقرّرة بالإضافة إليهما.

ب- بالإضافة إلى الفقرة "3" من المادّة "69"، فقد عاد الدستور فأكد، مرّة أخرى، حرصه على وجوب مراعاة الظرف الإستثنائي، فنصّ في الفقرة "12" من المادة "53" على إعطاء الصلاحيّة لرئيس الجمهوريّة "بأن يدعو مجلس الوزراء إستثنائيّاً كلما رأى ذلك ضروريّاً بالإتفاق مع رئيس الحكومة"، بحيث أنّه يكون، هنا أيضاً، قد خرج عن القاعدة العامّة التي تنصّ عليها الفقرة "6" من المادّة "64" والتي تولي رئيس مجلس الوزراء صلاحيّة دعوة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد، مظهراً نيّته بوجوب تلبية الظرف الإستثنائي وحالة الضرورة ضماناً لحسن سير المرفق العام بإعطاء هذه الصلاحيّة إستثنائيّاً، وفي حالة الضرورة لرئيس الدولة.

ج- وبالمحصّلة، فإنّ مسلكيّة الدستور هذه في مراعاة الظرف الإستثنائي توجب إعتماد المسلكيّة ذاتها في تفسير وتطبيق الفقرة "2" من المادة "64" على ضوء الظرف الإستثنائي الذي يرافق تطبيقها، والخروج عن النطاق الضيّق لهذا التفسير والتطبيق، ولكن دائماً ضمن الحدود التي ترسمها المصالح الحيويّة للدولة واستمراريّة مرفقها العام.





الجزء الثاني
في التطبيق العملي للفقرة "2" من المادة "64"


– 1 –

في أنّ نص الفقرة "2" من المادة "64" يجيز، بل يفرض،
صراحة إنعقاد الحكومة المستقيلة في جلسات لمجلس الوزراء

لمّا كانت الفقرة "2" من المادّة "64" قد نصّت على ممارسة "الحكومة" لصلاحيّاتها بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال؛

ولمّا كانت ممارسة "الحكومة" لصلاحيّاتها وإن بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، يفترض إجتماعها؛

ولمّا كان إجتماعها، كحكومة، لا يمكن أن يحصل إلا من خلال عقد جلسة لها كمجلس وزراء؛

فيكون عقد جلسات لمجلس الوزراء جائزاً، بل مفروضاً، دستوريّاً، عملاً بصراحة النص، في كل حالة يكون فيها جدول أعمال الجلسة محصوراً في الأمور الدّاخلة ضمن صلاحيّات الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة وفقاً لما سيلي تحديده.

– 2 –

في صلاحيّات الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة
خلال الفترة المعقولة والمألوفة التي تلي إستقالتها

لا بدّ، بالنسبة للفترة المعقولة والطبيعيّة التي تلي إستقالة الحكومة والمفترض أن يتمّ تشكيل الحكومة الجديدة خلالها، من إعتماد المفهوم الضيّق لتفسير الفقرة "2" من المادّة "64" على ضوء ما تقدّم من معطيات، وبالتالي، حصر صلاحيّات الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة :

‌أ.       بالأعمال الروتينيّة الجارية العاديّة التي يتطلبها تسيير الأمور اليوميّة للإدارة والتي تتطلب تسييراً آنياً دون أن يترتب عليها أعباء هامّة أو تغييراً جذريّاً في أوضاع الدولة والبلاد.


‌ب.  بالأعمال المهمّة، ولكن فقط في حالتي العجلة والضرورة، وهي الأعمال التي يترتب عليها إلتزامات هامّة أو تُحدث تغييرات جذريّة في أوضاع الإدارة والدولة على أي صعيد من الأصعدة.

‌ج.    بسائر الأعمال التي يتوجّب على الدولة القيام بها ضمن مهلة إسقاط محدّدة تحت طائلة ضياع حقوقها.

على أن تبقى الأعمال المُشار إليها في الفقرتين "ب" و"ج" خاضعة للمراقبة اللاحقة من قبل القضاء الإداري المختصّ من حيث توافر الظروف التي تبرّر القيام بها.

‌أ.       أمّا الأعمال الجارية أو العاديّة الروتينيّة المقصودة فتتمثل، تفصيلاً، بما يلي     :

بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء :

-         التكلم باسم الحكومة والإشراف على تنفيذ سياستها العامّة (مقدّمة المادّة 64)، وفقاً لما سبق للحكومة أن حدّدتها، في بيانها الوزاري التي نالت الثقة على أساسه، وفي مجلس الوزراء قبل إستقالتها.

-         ممارسة صلاحيّاته كنائب لرئيس المجلس الأعلى للدفاع (الفقرة 1 من المادّة 64).

-         دعوة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد، عند الإقتضاء (الفقرة 6 من المادة 64)، على أن يقتصر جدول أعماله على ما يتوافق مع صلاحيّات الحكومة المستقيلة، وذلك عندما تستدعي ممارسة تلك الصلاحيّات قراراً يتخذه مجلس الوزراء مجتمعاً.

-         متابعة أعمال الإدارات والمؤسّسات العامّة والتنسيق بين الوزراء وإعطاء التوجيهات العامّة لضمان حسن سير العمل، ودائماً ضمن حدود صلاحيّات الحكومة المستقيلة (الفقرة 7 من المادة 64).

-         عقد جلسات عمل مع الجهّات المعنيّة في الدولة بحضور الوزير المختصّ (الفقرة 8 من المادة 64).






بالنسبة لمجلس الوزراء :

-         السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال كل أجهزة الدولة من إدارات ومؤسّسات مدنيّة وعسكريّة وأمنيّة بلا إستثناء (الفقرة 2 من المادّة 65).

-         الإنعقاد في جلسة عندما يدعوه رئيسه (الفقرة 6 من المادّة 64)، أو رئيس الجمهوريّة (الفقرة 12 من المادة 53)؛ على أن يقتصر جدول أعمالها على الأمور المجازة للحكومة المستقيلة، واتخاذ القرارات الواجبة والتي يقتضي أن تبقى في حدود تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق – طالما أنّ فترة الفراغ لا تزال في حدودها المعقولة والمقبولة والمألوفة – بحيث تطاول "الأعمال الهامّة، ولكن فقط في حالات العجلة والضرورة، وتحت رقابة القضاء الإداري وإشرافه"، ولا تطاول "الأعمال التنظيميّة أي المراسيم غير الفرديّة التي ترمي إلى تنفيذ قوانين" (بهذا المعنى، مراجعة مطالعة هيئة الإستشارات والرّأي في وزارة العدل تاريخ 18/04/2005 – رقم 265، ودراسة معالي الدكتور سليم جريصاتي تاريخ 04 نيسان 2013).

وبالنسبة للوزراء :

-         تولي إدارة مصالح الدولة وتطبيق الأنظمة والقوانين المرعيّة الإجراء كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خصّ به وفي الحدود المرسومة لصلاحيّات الحكومة المستقيلة وفقاً لما هو محدّد أعلاه (المادّة 66).

-         الحضور إلى مجلس النوّاب إن شاؤوا، وأن يتكلموا في جلساته (المادّة 67) ولكن فقط في حدود سياسة ومقرّرات الحكومة قبل إستقالتها.

‌ب.   أمّا الأعمال المهمّة التي تتجاوز ما تقدّم تفصيله من أعمال عاديّة جارية، والتي يصفها إجتهاد مجلس شورى الدّولى "بالأعمال التصرفيّة"، والتي من شأنها أن تتسبّب بأعباء هامّة على الدولة أو بتغيير جذري في أجهزتها أو أوضاعها على أي صعيد كان، فإنّه لا يمكن للحكومة القيام بها إلا في حالات العجلة أو الضرورة أو إذا كان القيام بها خاضعاً لمهلة إسقاط.

‌ج.    أمّا المراسيم غير الفرديّة والأعمال التنظيميّة المؤدية إلى تغيير الأوضاع القانونيّة القائمة والحقوق المقرّرة، فإنّها تبقى غير جائزة إلا في الحالة الإستثنائيّة الخاصّة المتمثلة بامتداد حالة الفراغ الحكومي فترة غير معقولة وغير طبيعيّة وفي الحدود المبيّنة أدناه.




– 3 –

في صلاحيّات الحكومة المستقيلة في حال إمتداد حالة الفراغ الناتج عن التأخير
في تشكيل الحكومة الجديدة طويلاً في الزمن بشكلٍ غير مألوف وغير طبيعي وغير عادي

إنّ التأخر غير الطبيعي وغير العادي وغير المعقول وغير المألوف في تشكيل الحكومة الجديدة وامتداد حالة الفراغ على المستوى الحكومي طويلاً في الزمن مع عدم ترقب أُفُق زمني محدّد لانتهائها، يحول دون جواز متابعة التمسك بحرفيّة النص وتطبيقه تطبيقاً ضيّقاً.

إنّ مثل هذه الحالة الإستثنائيّة غير المألوفة المُنبِئة عن حالة سياسيّة إستثنائيّة مأزومة مفتوحة تستوجب عدم إقتصار تفسير النص على ما ورد في حرفيّته بل تطبيقه على ضوء الأسباب الموجبة التي استدعت وضعه والوظيفة المفترض به أن يؤدّيها والمبدأ العام المتمثل باستمراريّة المرفق العام والحياة الطبيعيّة للوطن، والظروف الإستثنائيّة والخاصّة المرافقة لتطبيقه فضلاً عن سائر النصوص الدستوريّة، كما سبق تفصيله في الجزء الأول من هذا البحث.

إنطلاقاً من هذه الأسناد، فإنّ صلاحيّات الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة، سواء مجتمعة كمجلس وزراء، أو إفراديّاً كرئيس لمجلس الوزراء أو كوزراء، تضحى شاملة – بالإضافة إلى ما سبق تجديده في صلاحيّات لفترة الفراغ المعقولة – ما يلي     :

-         كل عمل من الأعمال الدّاخلة أصلاً في صلاحيّات الحكومة غير المستقيلة كلما كان الأحجام عن القيام به، أو التأخر في القيام به، آنياً، من شأنه أن يهدّد، بشكلٍ خطير، بقاء الدولة، واستمراريّة مرفقها العام، أو أن يعرّض هذا المرفق للتفكك والتضعضع أو أن يعرض إستقلال الوطن وسيادته وحريّته و/أو سلامة الدولة وأمنها، أو أن يلحق الضرر الجسيم، أو غير القابل للتعويض أو الإصلاح، بمصالح الوطن و/أو الدولة الحيويّة، سواء بصورة مباشرة وفوريّة، أو بصورة غير مباشرة أو مستقبليّة؛

على أن تبقى أعمالها هذه، بمطلق الأحوال، خاضعة لمراقبة القضاء الإداري المختصّ بعد أن أضحت مستقيلة وخارجة عن المراقبة الفاعلة للسلطة التشريعيّة.








إنّ السبب الموجب لمثل هذه الصلاحيّة الإستثنائيّة يكمن في أنّ المصلحة الوطنيّة العليا لا تحتمل الفراغ المتمادي وغير المألوف وغير المرتقب تاريخ إنتهاء مدّته، وما ينتج عنه من جمود في سلطة إجرائيّة يتوقف على تحرّكها واستمراريّة عملها الطبيعي تحرّك سائر مصالح ومؤسّسات الدولة وأجهزتها، هذا التحرّك الذي يقتضي أن يبقى الهدف الأول والأقصى الواجب أن يؤمّنه أي نص دستوري أو قانوني أو مبدأ أو فقه أو إجتهاد؛

وبالتالي، فإنّ عدم قيام حكومة تمارس صلاحيّاتها، مجتمعة كمجلس وزراء، أو إفراديّاً كرئيس للحكومة ولمجلس الوزراء أو كوزراء، رغم انقضاء فترة زمنيّة طويلة غير معقولة وغير مألوفة وغير محدّدة السقف على الفراغ الحكومي من شأنه أن يؤدّي إلى شللٍ تامٍ للدولة، وبالتالي، إلى جعل الدولة بمثابة الدولة العاجزة، ممّا يستدعي معالجات إستثنائيّة كليّة لحالة إستثنائيّة كليّة لا يصحّ فيها الإلتزام المطلق والتامّ بالنظريات المجرّدة، أو النصوص المجرّدة عندما تضحى المصالح العُليا المفروض بهذه النصوص خدمتها وحمايتها معطلة أو معرّضة للخطر، عمليّاً، بحكم الواقع المأزوم ولمدّة زمنيّة مفتوحة غير مقدّر تاريخ إنتهائها.



  بيروت في 04/11/2013





     القاضي لبيب زوين

الرّئيس شرفاً لدى محكمة التمييز

No comments:

Post a Comment