Saturday, September 28, 2013

بعض من محاضرة القيت في نادي الليونز (351)

الديبلوماسية البرلمانية
بقلم إيلي الفرزلي
نائب رئيس مجلس النواب

للولايات المتحدة الأميركية في عين زائرها ملامح لا تخفى، بل هي بارزة للعيان على كل محطة. وثباتها الطويل الذي أوصلها لتكون القوى العظمى الوحيدة في العالم ، هو الشهادة الناطقة بثبات نظامها السياسي الذي أقامه المشرّعون الأوائل بأفق مستقبلي بعيد المدى.
ولذلك فإن أي عضو في أي مجلس تشريعي في العالم لا يجد نفسه غريباً في الولايات المتحدة ، بل يشعر على الفور، لكونه منتخباً من شعبه، أنه من هل البيت ، وله إبداء الرأي في أي أمر بصرف النظر عن حجم بلاده أو وزنها أو دورها. حتى أن رئيس البلدية المنتخب في أصغر قرية ، هو في نظر الأميركيين أهم وأكثر شرعية من أي وزير معيّن في أكبر دولة.
لم نشعر أثناء وجودنا في الولايات المتحدة بين المشرّعين الأميركيين الذين حضرنا مؤتمرهم القومي في مدينة ني أورليانز، بأننا نمثل دولة صغيرة بقدر ما شعرنا أننا نمثل فكرة كبيرة. فالحياة الدستورية في لبنان لها وزن في العالم أكبر مما يتصوّر اللبنانيون.
قلنا للمشرّعين الأميركيين، ولغيرهم من المسؤولين على جميع المستويات، أن البنيان الدستوري الذي حفظ الولايات المتحدة خلال الحرب الأهلية الأميركية في القرن الماضي ، وحفظها من التقسيم بنوع خاص ، هو ذاته الذي حفظ لبنان من المرامي الخبيثة للحرب اللبنانية . فالخلق الدستوري العميق الجذور في لبنان، كأساس للنظام الديموقراطي البرلماني، متماثل، من حيث المبدأ، مع الخلق الدستوري الرفيع للآباء المؤسسين للولايات المتحدة، ولو أن كثيرين من المشرعين والسياسيين اللبنانيين لم يرتقوا الى هذا المستوى.
وصادفت أثناء وجودنا في الولايات المتحدة ذكرى وفاة الكاتب الشهير "الكسيس دي توكفيل" صاحب المؤلف الكلاسيكي المعروف "الديموقراطية في أميركا"، فكانت مناسبة للتعرف إليه من جديد عن كثب، ولتعريف الدستوريين اللبنانيين به.
ذلك أن توكفيل كان يرى أن نجاح النظام الأميركي وتفوّقه يعودان الى الانسجام أو التطابق بين الخلق الدستوري في المطلق والخلق الشخصي للمشرّعين الدستوريين.
ولا سبيل الى ردم أي ثغرة تنشأ بينهما إلا بممارسة الحياة الديموقراطية الحرّة في إطار المؤسسات الدستورية ولممارسة الديموقراطية الفعلية.
كذلك لمسنا لمس اليد أن الاتصالات التي يجريها النواب المنتخبون في أي بلد مع نظرائهم في البلدان الأخرى، لها فعل أكثر نفاذاً ودواماً من أي اتصال ديبلوماسي آخر على المستويات الرسمية، باعتبار أن "الديبلوماسية البرلمانية" لا تشوبها المجاملات الكثيفة والملامسات الخجولة أو غير المباشرة. كما أن النائب المنتخب لا تحدّه عقدة حجم بلاده، كما سلف القول، بل يعتبر نداً بصرف النظر عن أي اعتبار، فيكون من الناحية العملية كأنه أخذ مقعداً في مجلس نظيره بالنسبة الى القضية التي يريد إبلاغها أو الدفاع عنها.
ولعل هذه الحقيقة هي من الأسباب التي حملت وكالة التنمية الدولية على التركيز على التنمية السياسية، وخصوصاً بالنسبة الى المؤسسات الدستورية والديموقراطية، لأن التعاضد بين المجالس التشريعية في البلدان المختلفة من شأنه أن يحمي الأوضاع الديموقراطية في تلك البلدان كافة. وقد أثبت هذا التوجّه نجاحاً ملحوظاً في أميركا اللاتينية. كان شرفاً عظيماً للبنان أن وفده البرلماني الذي دعي لحضور المؤتمر القومي للمشرّعين الأميركيين إلى جانب وفود دولية من بريطانيا والكومونويلث وألمانيا والإتحاد الاوروبي وأميركا اللاتينية وكندا واليابان، حيث حظي بترحيب خاص وبمشاركة فعلية. كذلك الأمر في لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاتحادي في واشنطن برئاسة "لي هاملتون"، عندما دعينا لحضور جلسة استجواب وزير الخارجية "وارن كريستوفر" قبل جولته الجديدة في الشرق الأوسط.
وإذا كان لي من كلمة أقولها للبنانيين عامة ، وللزملاء النواب خاصة ، فهي أننا في لبنان نتمتع بمركز فريد فعلاً قوامه الخلق الدستوري والحياة الديموقراطية، وأنه علينا أن نحافظ عليه وأن نرتقي إلى المستوي اللائق به.
إيلي الفرزلي
نائب رئيس مجلس النواب

10-08-1994 
 

No comments:

Post a Comment