Monday, July 14, 2014

"داعش" وأخواتها: مخاطر التجاهل والتبرير بقلم : ميشال ابي نجم

"داعش" وأخواتها: مخاطر التجاهل والتبرير

ميشال أبو نجم

تشكِّل الظاهرة التكفيرية أخطر تحدٍ للنسيج الإجتماعي المتنوع في المشرق العربي وجميع مكوناته الأصيلة والحضارية، بما تمثله من رفض للتنوع الثقافي والديني وللآخر المختلف، دينياً كان أم مذهبياً أم قومياً. وهي بذلك لا تستهدف المسيحيين فحسب وإن كانوا من أوّل ضحاياها وطليعة استهدافاتها خاصة في العراق وسوريا، بل تطال بمخاطرها وإرهابها كل المختلفين عنها ولو كانوا من الدين الإسلامي أو من أهل السنة والجماعة.
إنَّ خطورة هذه الظاهرة لا ترتبط بعملياتها الإجرامية واستهدافاتها الأمنية فحسب، بل بكونها تعكس الردود العنيفة والمضطربة لأزمة الهوية التي تعصفُ بمجتمعات المنطقة وصدامها مع الحداثة، منذ حملة نابوليون وحتى اليوم. وهي بهذا المعنى ليست نتاج أحداث الساعة، وليست نتيجة لدخول حزب الله لسوريا مثلاً كما يتوهم أو يبرر البعض، بل تشكل امتداداً لمسار اجتماعي تاريخي من التشدد والتفسير الديني وانتشار عقائد وأفكار نشأت في القرن الثامن عشر وفي طليعتها "الوهابية" وصولاً إلى "الإخوان المسلمين" وأفكار "سيد قطب" المتشددة قبل إعدامه، وهذه التوجهات لا تنتمي إلى بلاد المشرق الحضارية التي عُرفت بالتسامح الديني والإخاء والوسطية. وقد تصاعدت حدة ظاهرة التكفير والتشدد مع تسارع وتيرة الإصطدام بواقع تقدم وتطور الدول الغربية، والمنعطفات التي مرت بها المنطقة وخاصة في الصراع العربي الإسرائيلي والهيمنة الإستعمارية على الشرق الأوسط.

الخطورة البالغة في التعاطي مع هذه الظاهرة وخاصة على المسيحيين المشرقيين، واللبنانيين منهم، تتمثل في سلوكين:
1-  تجاهل مخاطر هذه الحركات وفكرها التكفيري ورموزه وإحالته إلى أوضاع سياسية وآنية، ومن ثم التعامي عن عملياتها واستهدافاتها الإقصائية أو للأسف تبريرها والتخفيف منها.
2-  نتيجة لجهل فكر هذه الحركات وبنيته المنهجية والعقائدية، ينبثق سلوك "يجرّم" المسيحيين المشرقيين للمواقف والسلوكيات التي اعتمدوها في بلدانهم وفي شكل خاص في الصراع في سوريا، وتحميلهم وزر نشوء واستمرار الأنظمة الديكتاتورية العربية، وفشل تحقيق الديموقراطية والتنمية. وهذا المنطق هو أخطر ما يواجه البيئة المسيحية المشرقية نظراً للغطاء السياسي الذي يشكله للحالة التكفيرية وعملياتها ونشاطها، وتحويل الأنظار عن الخطر الأكبر على وجودهم الجسدي وعلى دورهم الحضاري الفاعل في المجتمعات المشرقية. ولنا في الأوضاع في العراق وسوريا ومصر أمثلة كثيرة على هذا المنحى.
وانطلاقاً مما تمثِّله الحالة التكفيرية على كامل النسيج الإجتماعي في المشرق، ومن تشويه للدين الإسلامي ولصورة أتباعه في شكل خاص، فإننا نرى أن مواجهة هذه الظاهرة لا يمكن إلا أن تكون مشتركة مسيحية إسلامية، ومبنية على قاعدة التلاقي على القيم المشتركة والمساواة التامة في المواطنية واحترام الآخر المختلف والتنوع من ضمن وحدة المجتمع.
إن التلاقي مع المرجعيات والإتجاهات المتنورة والتجديدية في الفكر الإسلامي، والتي يرتفع صوتها على الرغم من كل ضجيج التشدد الذي يعصف بالعالم العربي والإسلامي، ومع الشرائح المدنية الواعدة التي برزت طلائعها خاصة من شوارع المدن المصرية، هو واجب ومسؤولية على المسيحيين المشرقيين، ويشكل إحدى السبل الكفيلة بقطع الطرف على أهداف التكفيريين والمتشددين، وتقديم نموذج حضاري مغاير للحال الإقصائية التي يمثلونها.



No comments:

Post a Comment