Tuesday, July 9, 2013

الحاجة لقراءة تاسيسية جورج عبيد

الحاجة إلى قراءة تأسيسية

جورج عبيد
حمل الجيش معاصي الطبقة السياسيّة وآثامها، ومضى بها إلى الشهادة في صيدا بوجه متمرّد وحانق، حرّف الدين عن غير موضعه بتبويب سقط في اللحظة التي استعيدت صيدا وعبرا إلى حضن لبنان. لقد اغتسلنا بدم الشهادة القانيّ. وتدعونا اللحظة للقول بأنّ الدم السكيب فوق تراب كلّ لبنان، من عرسال إلى طرابلس فصيدا هو دمنا ودم لبنان.
إذا رمنا الصواب، وجب علينا القول والاعتراف بأنّ الطبقة السياسيّة ببعض رموزها، كانت تعمل على استلحاق لبنان بالمحيط المتأزّم والمتفجّر. ذلك أنّ غياب الجيش والقوى الأمنيّة عن حسم الصراع من عرسال إلى باب التبانة وجبل محسن، قاد لبنان إلى التلاشي المطلق، تراكَمَ ذلك مع شلل المؤسسات الدستوريّة، ممّا استوجب الاعتراف، وبمرارة، بأنّ الأزمة التي بتنا في أتّونها وجوديّة - كيانيّة، تقود لبنان إلى الهاوية وبسرعة فائقة. أهميّة الحسم في عبرا وصيدا لا تنحصر بإنهاء حالة شاذّة، بل حرّر الحسم صيدا والجنوب ولبنان، من فتنة طائفيّة كانت واقعة لا محال.
ما يلاحظ في الأفق المنظور، أن ثمّة من يريد تحجيم هذا النصر بمعاييره السياسيّة. ويشاء بعضهم استهلاك عبارات رنّانة كالمساواة في فرض السلطة والعدالة، لتصير حجابًا لفتنة عنيفة يزج الجيش بها. ثمّة من يشاء أخذ السنّة باتجاه ثقافة الحروف المغلقة والنافرة والنافية للجنس. واعتمد بعضهم الآخر بليبراليّة مقنّعة أن يقود اللبنانيين إلى الخيار في الدائرة السنيّة ما بين تيار يسمّي نفسه سياديًّا، وآخر هو سلفيّ بامتياز. وثبت بتلك القراءة، أن ليس من تمييز بين هذين التيارين، بل ينساب التجانس إليهما والتماهي في رؤيتيهما لتبدو رؤية واحدة في نهاية المطاف في الاصطفاف الدائر في فلك سعوديّ - قطريّ.
النصر الذي حقّقه الجيش، يدعونا إلى نقاش جديّ حول واقع لبنان ودوره أمام نفسه وأمام الأمم. قبل ذلك ما كنّا في نقاش، كنّا في صدام أمام مشاريع سياسيّة آفاقها إقليميّة - عربيّة ودوليّة، ممّا أفقد لبنان تلك الخصوصيّة الفريدة التي ميزته عن عالمه العربيّ، وأبطلت فعل نهائيّة الكيان الذي أقررناه في اتفاق الطائف. هذا النقاش يجب أن يبدأ ليس حول الحكومة وماهيّتها، بل حول ماذا تريد هذه الحكومة للبنان في ظلّ وجوده في قلب العاصفة. ويتوسّع الحوار بعد ذلك حول المشاريع الانتخابيّة التي لا يمكن الحياد فيها عن المناصفة الفعليّة والجديّة بين المسيحيين والمسلمين.
تجب قراءة مشاركة حزب الله في القتال في سوريا بتوازن دقيق. ذلك أنّ تلك المشاركة جاءت ردًّا على مشاركات أفرزتها قوى لبنانيّة أخرى مدعومة من دول خليجيّة كالسعوديّة وقطر وتركيّا. التوازن يفترض أن لا نرى بعين واحدة. لربما بات لزامًا أن نقول بأن لبنان يحتاج إلى قراءة تأسيسيّة لوجوده ومعايير الوجود. فلنقبل عليها قبل فوات الأوان، مستذكرين أن لنا جيشًا لبنانيًّا نعتزّ به وهو إكليل المجد في وطننا.

([) كاتب وناشط في «اللقاء الأرثوذكسي»

No comments:

Post a Comment