Thursday, September 27, 2012


السيد اردوغان هل يقرأ "بقلم المطران جورج خضر"

في الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على وزراء الخارجية العرب في القاهرة أقف عند جملتين منه أولاهما أن "تركيا والعرب يشتركون في العقيدة والثقافة والقيم". العقيدة، بلا منازع، هي الإسلام. هنا كلام يتضمن أن دولته لا يرى وجود اثني عشر مليون مسيحي عربي على الأقل وهؤلاء لا ينتظرون من أجنبي تحديد هويتهم القومية. في ما يختص بالثقافة اللغة التي كان لها أثر كبير في الأناضول هي اللغة الفارسية. بعد محمد الفاتح صارت القسطنطينية قطب جذب للشعراء العرب والفرس حتى تأصل التركي البسيط. ولكن بعامة لم يبقَ من تأثير عربي غير مختلط بالأثر الفارسي حول القرنين الخامس عشر والسادس عشر.بظهور التنظيمات في القرن التاسع عشر اتجهت تركيا أدبياً نحو الغرب. ثم مع حرب الاستقلال وإعلان الجمهورية التركية السنة الـ 1923 تصلّب الشعور التركي حتى جاء ناظم حكمت الثوري ثم اتسع الأفق بدءًا بالسنة 1939 بالترجمات والاتجاه نحو الفكر المجتمعي والسياسي. ما هو حي الآن في الأدب لا علاقة له بالعروبة. أما القيم التي يشير إليها السيد أردوغان على أنها مشتركة بيننا وبينهم فمنها القديم والحديث، فما من شك أن القديم غير ضاغط علينا وأننا تواقون إلى الحداثة وذائقون أوروبا بعمق في حين أن الأتراك متعلقون بالعتيق بشدة وأوروبا عندهم أمل في الانصهار السياسي بها استكمالا لحلف شمال الأطلسي الذي يجمعهما ويجعل تركيا قوية في دنيا العرب على رجاء عثمانية ما العرب فيها حليف صغير لا شريك كبير.أما الأكثر مخافة مما سبق فقول السيد أردوغان: "كان في التاريخ التركي شاب تولى إنهاء حضارة سوداء وتدشين حضارة جديدة عريقة عندما فتح اسطنبول وهو محمد الفاتح". أنا لا أناقش عراقة الحضارة التركية وعظمتها. ولكن ابدأ بسؤال للسيد أردوغان لا ينبغي أن يصدمه وهو هل قرأ الحضارة البيزنطية التي يسميها سوداء. الأتراك عسكر أقوياء استطاعوا مع مؤامرة الأساطيل الغربية التي كانت تربض هناك أن يغلبوا أعظم فكر حضاري السنة الـ1453. ولكن كيف يريد السيد أردوغان أن يقنعنا أن الحضارة المتكاملة العناصر والخلاقة والسامية روحيا حتى السماء كانت سوداء. كيف لا يرى أن نهضة أوروبا ما أخذت تظهر إلا بهجرة العقول البيزنطية إلى الغرب الذي اقتبس منهم العقل الإغريقي وانشأ الفكر الحديث؟الحضارة البيزنطية أهم ما فيها الثقافة. عرفت الخط مكتوبا باليونانية واللاتينية في أعمال المؤرخين القدامى ورسائل في الزراعة والفن العسكري، في الطب والطب البيطري، في تأويل الأحلام، كل هذا ألف مكتبة كبيرة. إليها كانت مكتبة البطريركية المسكونية التي كانت تحوي أعمال المجامع وكتب الآباء. إلى هذا مكتبات خاصة. هنا وهناك كتب طقوسية. ندرة الكتب نابعة من كونها غالية.الوصول إلى الكتاب يسهل في العائلات الغنية. المدرسة الابتدائية يشرف عليها الأسقف، يتعلّم الولد فيها القراءة والكتابة والحساب. الكتاب الرئيس هو المزامير. في المدرسة علم الجمل حيث لكل حرف قيمته في الرقم كما في العالم العربي. الترتيل متقن في المدارس.كل الأولاد كانوا يتبعون المدارس الوسطى. تعلم الناس كل ما في الحضارة القديمة: هوميروس، الهندسة، البلاغة، الرياضيات. كانت الفلسفة تتضمن اللاهوت والرياضيات، الموسيقى، علم الفلك، الطبيعيات. في القرن الثالث عشر ظهر في الترجمة أعمال لاتينية وفارسية وعربية. أخذ القوم عن اللاتينية مفردات الحياة الإدارية وعن العربية تلك المتعلقة بالنسيج. كانت الكنيسة متعلقة باللغة القديمة. عرفت القسطنطينية غير مؤسسة جامعية، ثم كان للبطريركية تعليم جامعي.المعرفة العالية كان لا بد أن تتضمن تفسير الكتاب المقدس، وبعد تحديد العقيدة ظهرت المفردات اللاهوتية. لقد اثر النسك والتصوف في التعليم وتركزت العقيدة على كتب يوحنا الدمشقي. الصوفيون الكبار كانوا سمعان اللاهوتي الحديث وغريغوريوس بالاماس ونيقولاوس كبازيلاس. هنا تظهر سير القديسين. الكتب الطقوسية وضعت بين القرن الرابع والقرن الخامس عشر وعليها يعيش الأرثوذكسيون حتى اليوم. جزء أساسي من الثقافة البيزنطية أن تعرف استعمال كتب العبادات ولاسيما حسب الأعياد والمواسم.ثم تأتي الأعمال الأدبية الموضوعة بلغة العلماء. وتعالج التاريخ والجغرافية والفن العسكري والبلاغة والقصة، والفلسفة والألسنية وقواعد اللغة.التاريخ يبدأ من بدء الخليقة وينتهي عند زمن الكاتب. إلى هذا الفلسفة اليونانية التي أظهرت آباء الكنيسة. وقد استعار الفكر المسيحي مصطلحات الفلسفة لينتقل ورأى انه يكمل الفكر القديم بالوحي. غير أنها بقيت مستقرة في جوهرها. استعملت أساليب مختلفة في بناء اللاهوت غير أن عدد الفلاسفة الأصيلين كان قليلا ولكن كثر العالمون بالآداب اليونانية الكلاسيكية والنقاد وعلماء اللغة وبرز شعراء مسرحيات.لعل أجمل ما كتب الشعر الديني. كل ما يسمى في الصلوات القنداق والقانون شعر. إلى هذا عرفت بيزنطية الشعر الشعبي والقصة بالفصحى وبالعامية. كذلك عرف علماء رياضيات وفيزياء وبصريات.عرف البيزنطيون علم الحيوان من الناحية التطبيقية وعلم النبات التطبيقي أي استعمال النبات في الطب والصيدلة. اخذوا الخيمياء عن سترابون وطبقوها في المعادن والصبغة والأدوية والزجاج.على الصعيد الطبي في التنظيم الصحي. أسست مستشفيات وصار للأطباء تعليم نظامي وعززت مواردهم. اشتهروا في علم العين: بولس من إيجينا كان دارس الجراحة والتوليد وأثر في الطب العربي. ميخائيل بسيلوس وضع قاموسا في الأمراض. خصصوا كتبا في طب الأسنان والتمعوا في البيطرة وفي طعام الحيوان. الصيدلة كانت عندهم جزءا من تعليم الطب وأخذوا في الصيدلة شيئا من العرب والفرس.عظمت الخطابة وسيلة للدعوة السياسية أو الدينية. ومن الخطابة الوعظ الذي اشتهر فيه يوحنا الذهبي الفم في القرن الرابع ومطلع الخامس في أنطاكية والقسطنطينية ولدينا مواعظه في اللغة اليونانية مترجمة إلى معظم اللغات الأوروبية وبعضها إلى العربية.ظهرت الأيقونة الخشبية أو الجدارية في الإمبراطورية ولاسيما لتعليم الأميين. منذ القرن الرابع بدأ الرسم كما الفسيفساء.أقدم الفسيفساء (العذراء، القديس جاورجيوس) في سالونيك. القليل حفظ في آيا صوفيا وبقيت أيقونات كشف عنها من عهد أتاتورك. القليل في قبرص والأكثر في رافينا (إيطاليا). وبسبب غلاء الفسيفساء استعيض عنها بالرسم الجداري الذي عرف كثيرا في ما هو الآن المشرق العربي وهو في حال التجدد اليوم في كل أنحاء سوريا ولبنان. كذلك زينت المخطوطات بالتصاوير ولاسيما كتب الأناجيل. وارتبطت الصور بصناعة الصياغة والتطريز.انتبهت الكنيسة إلى ضرورة الأيقونة في المجمع المسكوني السابع وحددت تكريمها تحديدا عقديا في السنة الـ787 ملأت الكنائس والبيوت في الدنيا الأرثوذكسية وكان بادئ التنظير لها القديس يوحنا الدمشقي الذي عاش راهبا في فلسطين وتبنت الكنيسة رأيه في الأيقونة وهو القائل أن التجسد الإلهي يفرضها. إن روحانية الأيقونة في كل بيت أرثوذكسي في العالم إلى جانب استلهامها في الكنائس كان من العوامل التي حفظت الإيمان.كل البيزنطيين، كما يؤكد المؤرخون، كانوا مؤمنين. إذا وجدوا راهبا في الطريق يطلبون بركته. في هذا الجو لك أن تفهم اهتمامهم بالمرضى والفقراء.لقد ظلم بعض الأباطرة لكن بعضهم تركوا الملك ودخلوا الديورة رهبانا. كان هذا المجتمع على خطاياه يريد أن يدشن في الأرض ملكوت الله في استقامة الرأي وطهارة السيرة. علامتها البكاء على الخطايا واللطف والتسامح والسلام والتعاطف والزهد بالمال والتقشف. هذه كلها مجتمعة بكلمة واحدة هي محبة الرب.الأمر كله أن يهتدي الإنسان من الأمور الخارجية إلى الأمور الداخلية. بكلام آخر كل المؤمنين في وسط هذه الحضارة كان نهجهم صوفيا، بحيث تقيم في سر الله ولا تعلم حواسك شيئا مما تأخذ من إلهك وتصلي دعاء الرب يسوع في داخل قلبك مرددا اسمه مئات المرات في اليوم أو ألوفا حتى تنطفئ الكلمات ويصبح قلبك كلمة.من عرف العبادات البيزنطية التي تكونت أصلاً من بلادنا يرى فيها غنى لا يتجاوزه غنى آخر. كل صلاة من الصباح إلى الغروب إلى نصف الليل تحمل هذه القناعة التي نعبر عنها يوم الفصح بقولنا: "المسيح قام من بين الأموات" أنت في القداس ترجو الله بعد أن يأتيك جسد الرب ودمه أن يجعلك في "كمال ملكوت السماوات"، متحررا من المحاكمة في اليوم الأخير ومن الدينونة. كل هذه الصلوات الكثيفة، العميقة، البلورية وجسدك ساجد أو منتصب ونفسك بلورية نابعة من الكتاب الإلهي أو هي نظم له لتصبح شعرا إلهيا مع الجماعة.إذا قرأ السيد أردوغان كل هذا هل يقدر أن يقول إن كل هذا البهاء الذي وصفناه ما قدر لنا هو حضارة سوداء؟ أنت لست معذورا إن قرأتنا وفهمتنا خطأ. أنت لست معذورًا إن رأيت النور ظلاما. أجدادك اقتحموا المدينة التي كانت تعرف أنها وحدها آنذاك مقر الحضارة في العالم. أنصف ما كان قبلك جميلا واقرأ لأنك مسؤول.


Description: http://www.assafir.com/Photos/Photos27-09-2012/82233.jpg
احتجاجات في اليونان ولبنان وألمانيا على الفيلم التركي
«فتح 1453» عن سقوط القسطنطينية.. يسيء إلى المسيحيين

ن ج

بعد أيام عديدة على بثّ «براءة المسلمين» لسام باسيل (نقولا باسيلي نقولا)، وما أثاره من اضطراب في العالم الإسلاميّ تحديداً، «انفجرت» مسألة جديدة مرتبطة بشعور مسيحي أرثوذكسي بالإساءة إلى المسيحيين الأرثوذكس أساساً على أيدي أناس أتراك، من خلال فيلم «فتح 1453» لفاروق آكصوي، الذي تناول قصّة فتح القسطنطينية من قبل جيش المسلمين، في العهد العثماني بقيادة محمد الفاتح. والفيلم، الذي يُعتبر أكثر الأفلام تكلفة في تاريخ صناعة السينما التركية (بلغت ميزانية إنتاجه 18 مليونا و200 ألف دولار أميركي)، «حرّض» على مواجهته في بقاع مختلفة من العالم، احتجاجاً على «وجهة نظر تركية» للفتح المذكور، وعلى ما اعتُبِر «إساءة للروم وللكنيسة على حدّ سواء».
لوهلة أولى، يُمكن القول ببساطة شديدة إن العالم محتاج إلى ما يُسمّى بـ«توازن الرعب». فالإساءة إلى النبي محمد محتاجة، من بين أمور أخرى، إلى إساءة إلى السيّد المسيح وإلى سلالته، لإيجاد معادلة تتيح للجميع فرصة مقارعة الآخر بإساءات متبادلة. وعلى الرغم من أن الغليان الإسلاميّ لا يزال في ذروته، إلاّ أن الحملة الموجّهة ضد «فتح 1453» بدت كأنها مطلوبة لعدم التفريط بما يُسمّى «تعايشاً مشتركاً»، أو «عيشاً مشتركاً بين الديانتين المسيحية والإسلامية وأبنائهما». الفيلم «المسيء إلى الإسلام» مسيء إلى السينما أولاً وأساساً. والفيلم الذي اعتبره مسيحيون متشدّدون مسيئاً للكنيسة، قد يكون أهمّ وأفضل وأجمل من «براءة المسلمين» (وهذا أمر آخر). المأزق الأخطر كامنٌ في أن التشدّد الأصوليّ المتزمّت لن يكون أبداً حكراً على إسلاميين، لأن هناك في المقابل متشدّدين أصوليين مسيحيين يُشبهون أولئك الذين يرغبون دائماً في احتكار الأديان، وتجييرها لمصالحهم الأرضية الضيّقة.
بدءاً من الحدث الميداني: فقد دعا ناشطون إلى اعتصام يُقام عند الرابعة من بعد ظهر السبت المقبل في ساحة ساسين (الأشرفية)، تحت عنوان «يداً واحدة في مواجهة الفيلم المسيء لحضارة الروم المسيحية»، احتجاجاً على الفيلم التركي «فتح 1453»، الذي «يروي فتح العثمانيين للقسطنطينية من وجهة نظر تركية». جاء في الدعوة: «حضورنا ضروري، وفاءً لأجدادنا، ومنعاً لتزوير التاريخ، والمسّ بالمقدّسات». يُذكر أن الحملة ضدّه بدأت في اليونان على شبكة «إنترنت»، بعد إعلان جريدة «بروتو ثيما» (أكثر الجرائد انتشاراً في البلد) تفاصيل الفيلم وحبكته و«إساءته» إلى الكنيسة وأبنائها الأرثوذكسيين. في ألمانيا، دعت مؤسّسة «فيا دولوروسا» (مؤسّسة نصرانية متشدّدة) إلى مقاطعة الفيلم قبل تحديد موعد إطلاق عرضه التجاري، معلنة: «بدلا من الاحتفال، على الأتراك أن «يستحوا» من فعلهم في إلحاق الضرر بالنصارى». إلى ذلك، أشادت تعليقات عديدة بالفيلم، معتبرة إياه «حدثاً» سينمائياً مهمّاً. لكن هذه التعليقات نفسها «لاحظت ما وصفته بعدم احترامه حقائق تاريخية». يلماظ كورت (مدير كلية التاريخ في جامعة أنقرة) قال إن الفيلم «حدث على مستوى كبير من النوعية والتقنية، لكن التضحية بالواقع التاريخي تمّت لاعتبارات تجارية». علّق كورت على مشهد ظهر فيه الإمبراطور البيزنطي آمراً قواته العسكرية بالخروج من المدينة، بقوله: «إخراج الجيش (من المدينة) بهدف مواجهة العثمانيين أمر سخيف في مدينة كانت في موقع الدفاع. لم تكن المدينة تملك القوّة للقيام بهذا». مؤرّخون آخرون علّقوا على المشهد نفسه، وأكّدوا ما قاله كورت.
يُذكر أن الفيلم عرض للمرّة الأولى في 16 شباط 2012، وشاهده في ذلك اليوم 300 ألف مُشاهد، كما أنه عُرض أمام رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان في منزله: «أعجبني كثيراً. سلمت أيديكم»، كما قال.

Wednesday, September 26, 2012


الفرزلي لـ"الانتقاد": الاساءة للرسول تندرج ضمن مخطط صهيوني قديم لاشعال حرب الحضارات" بين الشرق والغرب
لفت نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي الى ان مسلسل الاساءة للرسول الأكرم (ص) يقع ضمن خطة قديمة بدأت منذ أوائل العقد الماضي، لافتاً الى ان الغاية الرئيسية منها هي إشعال "حرب الجضارات" لأن الصهيونية التي استفادت كثيراً من الحروب العالمية الثلاثة عبر انتزاع وعد بلفور وزرع الكيان الصهيوني في المنطقة وشرعنته وتثبيته حتى في قلب العالم العربي، شعرت إثر سقوط الإتحاد السوفياتي ان وظيفتها الاستراتيجية بنظر الغرب من الممكن ان تتدنى فأسهبت بالبحث عن حرب جديدة وصراع جديد تغذيه وتصطنعه وتضع الاسس للدعاية له فكان ما سمي بـ"حرب الحضارات" التي روجت لها الصهيونية عبر كتابها المشهورين.

وأوضح الفرزلي ان هذه الحرب تتطلب حربا بين شرق بأكثرية مسلمة وغرب بأكثرية مسيحية الامر الذي تجلت معالمه في تمزيق القرآن الكريم وحرقه من قبل القس المتطرف تيري جونز، والرسوم الكاريكاتورية التي حاولت النيل من صورة الرسول الاكرم، وفيلم ما يسمى "براءة المسلمين" في محاولة منهم لأن تتسبب المشاعر الاسلامية المتأججة بردة فعل تنال من المسيحيين في المنطقة، وخصوصا الاقباط في مصر في سياق تعميق الصراع وتدمير مسيحيي الشرق"، مكررا ان "الهدف من هذه الاساءة هو اشعال حرب عالمية جديدة تلعب فيها "اسرائيل" دور "رأس الحربة".

وإذ أشاد نائب رئيس مجلس النواب السابق بمطالعة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في هذا المجال وحرصه على تحديد بوصلة الصراع في هذه المسألة باتجاه الصهاينة. وشدد الفرزلي على ان الادانات لا تكفي ولكن يجب ان ناخذ بعين الاعتبار ان استمرار الصيحة والضغط على الغرب يشعر هذه الدول بأن الصهيونية تشكل عبئاً عليه، مضيفاً " كيف يستطيع الشعب الامريكي ان يفهم ما يقوم به الصهاينة في الشرق وبلاده اذا لم يكن هناك صرخة عارمة، وهذا لا يمنع الرجوع الى المنتديات الدولية ورفع الصوت في كل مكان والاماكن المخصصة كمنابر للانسانية".

وختم بالقول " يبقى ان تجييش الرأي العام الاسلامي بصورة حضارية وبأخلاق الرسول هو المبتغى.. فلنغضب جميعا للرسول ودفاعا عن الرسول بأخلاقه".
26-09-2012 | 16-11 د | 15 قراءة


الفرزلي في حديث لبرنامج بيروت اليوم على شاشة MTV  اللبنانية :

قانون الانتخابات في لبنان هو سرّ وجود المسيحيين فيه، ولا يحق لأي زعيم ماروني مهما كبر أو صغر ، أن يتنازل عن موقع مسيحي واحد في الدولة اللبنانية.

اعتبر نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي في بداية الحديث أن طرح "اللقاء الأرثوذوكسي" يحرر الطوائف اللبنانية من داخلها لتتخلص من التقوقع على نفسها من خلال اختيار الأفضل بينها لتمثيلها في البرلمان واعتبر بأن كلام النائب وليد جنبلاط عن "الخصوصية" محق ومطلب دستوري ، وأنه بالمنطق عينه يجب على المسيحيين أن يطالبوا بالأمر عينه.

الفرزلي تابع قائلاً: "إن لبنان يتألف من كيانات مذهبية بامتياز ونحن نقوم بتفكيكها من خلال اقتراحنا هذا وبالتالي نحاول نقل الصراع إلى داخل هذه الطوائف ونرفض تسميم المشروع المقترح. إن طرح اللقاء الأرثوذوكسي يلغي فكرة "استيلاد" النواب من قبل الحليفين السني والشيعي في البلاد وهو يخفف ويلغي هذا الصراع القائم في المنطقة بأسرها ومنعه من الولوج إلى لبنان".
الفرزلي قال : "أفهم القول "لا نريد انتخابات بظل السلاح" ولكن لا أفهم مقولة: لا نقبل النسبية بظل السلاح " . فالنظام الأكثري يثبّت الكيانين السني والشيعي وينقل الصراع إلى الساحة المسيحية".

... وتابع قائلاً: "القادة الموارنة مسؤولون أمام الله والتاريخ في تفادي التهميش والصراع الداخلي واختيار نوابهم بفرصة تاريخية لن تتكرر". أما حول الدوائر الصغرى في لبنان فقال: "هذا الموضوع كان يصحّ قبل 1975 عندما كان انتشار المسيحيين في لبنان على مساحة لبنان باسره لانهم الطائفة الوحيدة على توافق مع سائر الطوائف في لبنان، غير أنه نتيجة الحروب تراجع المسيحيون بالأرقام وصاروا أكثر على الورق منهم على الأرض.
وأعطى مثالاً راشيا ومرجعيون وصعوبة وصول نواب مسيحيين بأصوات المسيحيين . وقال في سياق التعليق على اقتراح القوات اللبنانية بتقسيم لبنان 61 دائرة بأنه في ما لو ثبت أن هذا المشروع هو ما نشرته صحيفة "الأخبار" فسيكون بمثابة الكارثة لأن هناك تحجيم مخيف لقرار بعض المناطق الأساسية في لبنان من بينها زحلة واختزال تمثيلها بنائب كاثوليكي واحد.  

الفرزلي انتقد الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ سنة 1992 و1996 و2000 واعتبر بأن القيادات السياسية نفسها أنتجت قوانين غايتها تهميش المسيحيين وإبعادهم عن السلطة ونحن اليوم أمام حدّ فاصل بين ماضِ مضى وآتِ سياتي... واعتبر أن الرعاية السورية انتهت في 2005 وجسّدها التحالف الرباعي . "المسيحيون بحاجة لحقوقهم في النظام السياسي، وهذا أمر واقع لا مفر منه".

واعتبر حول اقتراح القانون المقدم من قبل مجلس الوزراء أنه يمكن للقوى السياسية التي أنتجته أن ترجع وتغيّر رأيها وهذا من حقها الدستوري ، ولا ندري لماذا تراجع جعجع عن تأييده طرح اللقاء الأرثوذكسي علماً أنه قال في السابق : ليقنع عون شركائه الشيعة ونحن نؤيده ... فنتمنى ان يتحقق هذا الكلام.

الفرزلي أضاف : "إذا توحد المسيحيون اليوم سيتمكنون من تحقيق فرصة تاريخية في حياتهم في لبنان، ونتائج تفويت هذه الفرصة ستكون قاتلة وذابحة لهم لأنها لن تتوفر أبداً. كلامي موجهاً للموارنة لأنهم العامود الفقري للوجود المسيحي في لبنان وهم سيتحملون المسؤولية عن التقصير الاستراتيجي في ما لو حصل ، وهذه الانتخابات ستظهر كل من يتواطأ وسيتواطأ على لبنان وطائفته وكل ذلك سيظهر في القرارات التي تتخذ في شكل قانون الانتخابات." لأنه "يعنيني أكثر من أي شيء آخر سر وجود المسيحيين في لبنان لأن وجودهم يكمن بدورهم التاريخي في لبنان. سأسمي بالاسم من كان حصان طروادة في البيئة المسيحية وتآمر عليها" .

وفي الشأن الأرثوذكسي قال الفرزلي بأنهم الأوسع انتشاراً في المنطقة واعتبر أن طرح اللقاء الأرثوذكسي يسري أيضاً على دول المنطقة سائلاً: "ما هو الحل الذي سنقدمه للمسيحيين الأقباط الذين يشكلون أكثر من 12 مليون وليس لديهم نائباً واحداً في مجلس الشعب المصري" ؟!
الناس تريد حقوقها ولا تريد أن تأخذ من حق أحد ، أعطوهم حقوقهم من خلال قانون يمثلهم خير تمثيل.
حول الحوار اعتبر بأن أي إطار يخرج عن المؤسسات الدستورية الحقيقية مخالف للمعايير السياسية والدستورية ولكن الحوار أساسي والحوار هو قدر لبنان وأساسه.

الفرزلي اعتبر بأننا لم نصل إلى مرحلة الوفاق الوطني في لبنان وما زلنا مشرذمين حول هذا الموضوع وهو بحاجة للحوار ، وعن ورقة رئيس الجمهورية اعتبر أن أي ورقة تقدم في هذا الموضوع صالحة للنقاش ولتعتبر قاعدة للحوار ودعا إلى ضرورة إزالة الأمور السلبية وسحبها من النقاش السياسي في الساحة الوطنية.
في الختام ، وفي سياق التعليق على الأحداث السورية قال : "لا حل في سوريا إلا بوضع حدّ للتدخل الخارجي ووقف السلاح وتدفقه إلى الداخل السوري لتأجيج الصراع الدموي وإن الحوار والمصالحة هما العنصرين الأساسين لأي حلّ في الأفق السوري."

Tuesday, September 25, 2012

فؤاد دعبول

لقاء ضهور الشوير
لو كان اللقاء في بيروت، لكان طبيعياً أن يشهد ذلك الكم والنوع من الحضور.
اما ان يكون في ضهور الشوير، المصيف الهادئ والبعيد جغرافياً، فتلك هي المعجزة.
لقاء ضهور الشوير كان لبنانياً، أكثر منه أرثوذكسياً، ولو كان الداعي اليه، اللقاء الأرثوذكسي.
أولاً، حفل اللقاء، قبل الظهر وبعده، بجلسات حوار، لامست تاريخاً عريقاً لطائفة العراقة، وحفل بأفكار لبنانية الأهداف والأعراق، ولو ارتدى هوية انسانية.
وبين التجليات في الليتورجيا، والشهادة الكنسية، والوقوف على الحاجات المدنية والاجتماعية والقانونية للنائب غسان مخيبر، والأنظمة الانطاكية بين الماضي والحاضر للأستاذ جورج غندور والأفكار التي أتى عليها المحاضرون الآخرون، تنتصب رؤية وطنية ودينية للأستاذ ألبير لحام والأستاذ جهاد حيدر.
وبين الاثنين كان تكريم المتروبوليت جورج خضر، وهو يتكئ على تسعين عاماً من النضال لله، وفي تجديد الفكر اللاهوتي. وتكريم اللقاء لمطران جبل لبنان، اعتراف عبّر عنه الأمين العام للقاء المحافظ نقولا سابا بالدور الأرثوذكسي المتجدد، في عصر يضج ب ربيع التغيير.
وأبعد من واشنطن، وأقرب من موسكو، كما كان يقول مخايل نعيمة.
... كان ثمة طيف يحلّق ويطوف في أجواء ضهور الشوير.
صحيح أنه لم يطرح مباشرة ابان المناقشات.
لكن الصحيح أيضاً، أن مداخلة الوزير السابق بشارة مرهج خلال المناقشات لامسته.
لكنه كان حاضراً على الوجوه، وظاهراً في النفوس.
وربما، هذا هو الذي خطف الوجوه من العاصمة بيروت، ومن طرابلس وصيدا وزحلة، وكان الارادة الكامنة خلف الحضور الحاشد، في فندق السنترال، لتلك النخبة المثقفة، والمتعطشة الى دور وطني دأب الأرثوذكس على تمثيله في مختلف العصور.
لا أحد ينكر أن الوجوه العلمانية، والاكليريكية تتحمّل أوزار انحسار القرارات الديمقراطية، في المجامع التاريخية في الكرسي الانطاكي، منذ نسف الظاهرة المشتركة حيناً والمتباينة أحياناً في العام ١٩٥٦.

الآن الماضي رحل.
والمستقبل آتٍ بسرعة.
والكرسي الانطاكي يمور ويدور حول تغيير لا بد أن يولد في الوقت المناسب.

طبعاً، كان الحاضر الغائب في لقاء ضهور الشوير هو مشروع القانون الأرثوذكسي الانتخابي.
كان فيلسوفه حاضراً.
لكن الأستاذ ايلي الفرزلي بقي صامتاً، وكله اعتزاز بولادة الارادة الأرثوذكسية، وكأنها حزب غير معلن، لوطن يبحث عن صيغة انتخابية، تعيد تجسيد الحضور الأرثوذكسي، في السياسة اللبنانية، على غرار الطوائف الأخرى.
هل كان أحد، يتوقّع قبل بضعة أشهر، أن تهفو قلوب الأحزاب المارونية، في بكركي عاصمة الموارنة، لمشروع قانون أرثوذكسي، أضحى مطلب الجميع ومخرجا من الغابة السياسية، من دون قانون ينظّم الصراع على السياسة اللبنانية.
مما لا شك فيه، ان مشروع اللقاء الأرثوذكسي، أضحى مثل حبّة حصى ألقت بها نخبة أرثوذكسية في بحيرة لبنانية راكدة، فجعلتها أشبه بنهر دافق لا جامد، في الوطن اللبناني.
قد يمرّ المشروع، وقد لا يمرّ.
لكنه أحدث صيغة أعطت الحياة لنظام يسوده الظلم ويتحكّم به الافتئات على الانصاف السياسي.
بيد أنه أصبح عنواناً لأي اصلاح انتخابي في البلاد.
ليس غريباً ان تستضيف ضهور الشوير مثل هذا اللقاء الثقافي الأرثوذكسي.
لكن، ان يعيش مفكّرون، هذه الكميّة من الحضور، وتلك النوعية من المثقفين، فهذه ظاهرة صحّية جيّدة في الفكر اللبناني. .

Reply
Forward
Click here to Reply or Forward

Sunday, September 23, 2012


نصري الصايغ
غرب لا دين له في السياسة


لا يبدو أن عقد قران قد يحصل، بين شرق مستمسك بالعروة الوثقى، وبماضيه، وبين غرب حديث أقدم على طلاقٍ مع ماضٍ كبَّده ثمناً باهظاً، للتحرر والانعتاق منه... وفي هذا الصدد، ليست المسألة من على حق. هنا السؤال غلط، والجواب حتماً غير صائب. في هذا الصدد، يجدر تسجيل الوقائع لا أكثر، كي لا نقع في سوء التفسير، والنوايا المظلمة، العدوانية والاتهامية.
قيل في شريط «براءة المسلمين» ما يستحقه من نعوت. إجماع عربي وغربي، إسلامي ومسيحي، على أن الشريط سخيف وتافه وحقير واستفزازي ومهين ولا علاقة له بالفن والإبداع... وقيل كذلك، هذا شريط «أهل سوء» ارتكبوه عنوة بهدف التحقير.
إجماع مبرم، إنما... غرب يقول، إياكم وحرية التعبير. وشرق يطالب، بتقييد هذه الحرية، لعظمة الإساءة عندما يساء استعمالها.
في الغرب، حرية التعبير، حق مقدس لا يمس. لا يجوز التجديف عليه، والمطلوب دائما صيانته وتحصينه. قد يساء بحرية التعبير إلى المقدسات المسيحية والإسلامية، ومع ذلك، يلزم ألا يساء إلى حرية التعبير... هذا حق دفعت أوروبا ثمنه: محاكم تفتيش، حروب دينية، إعدام علماء ومفكرين، نبذ واضطهاد وإحراق هراطقة، إلى آخر سلسلة التعذيب وتمليع الأجساد، والتي وصف إحدى عملياتها ميشيل فوكو في كتابه Surveiller et punir ولكي لا تبقى حرية التعبير على غاربها، وضعت لها حدود مائعة كالإساءة إلى الانتظام العام وإثارة التعصب، يمكن التسلل من خرومها إلى منطقة السماح لحرية التعبير بالعبث القاتل، حيث لا يعاقب المرتكبون، وحيث يسقط الأبرياء... انتقاماً ولا رادع.
هذا الاجماع الغربي على حراسة وحماية حرية التعبير أفسح المجال لمجلة «شارل ايبدو» الفرنسية، بانتهاز الفرصة، ولزيادة مبيعات مجلتها، بنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للإسلام والرسول، وقد اعتبر عدد من المعلقين الغربيين هذا النشر فعلاً انتهازياً... لا علاقة له بالفن، ومع ذلك: إياكم وحرية التعبير. من يعتبر نفسه معتدى عليه، فليذهب إلى المحاكم، فأمامه القانون.
ولقد حدث ذات مرة ان رفعت دعوى ضد من أساء إلى الرسول، ولكنها لم تحظ بعقوبة. القانون حمى «المرتكب»، في عرف المتضررين نحن لسنا أوروبا، ولا نشبهها. حرية التعبير عندنا لا تنقصها إلا الحرية. التعبير عندنا مقيد. التفكير مكبل. للمنوعات عندنا سيادة تامة: لا مساس بالدين والجنس.. وإياكم المساس بالسلطة. الثالوث المحرَّم هذا هو الثالوث المقدس.
اننا نعيش في عالم واحد وفي زمن واحد مع الغرب، ولكن بتاريخين متباعدين. وجوه القرابة بيننا، قد تكون نتيجة بعض النخب التي اختارت أن تتشبه بالغرب أو ان تستفيد منه. على أن وجه الشبه التام، هو اننا في نظام العولمة البربري، نحن اتباع وهم أسياد، والعلاقة هي التبعية.
اننا مختلفون، ليس لأن الشرق في أغلبيته يدين بالإسلام، أو لأن الغرب في معظمه مسيحي. لقد كانوا مثلنا اليوم، عندما عانوا في القرون الوسطى المظلمة، فيما كان الشرق ينعم بالفكر الديني المتسامح، الذي أنتج فكراً وثقافة وحضارة، يوم كانت أوروبا مرعوبة من محاكم التفتيش... إنما حصل ان من كان مؤهلاً للانفتاح أكثر، المسلمون تحديداً، قد انغلقوا، والذين عانوا من قبضة الوحدانية، قد انعتقوا. هم تقدموا، ونحن تراجعنا. هم ابعدوا الكنيسة المتسلطة والشمولية، حتى بات التجديف على المقدسات حقاً يقترن بحق التعبير.
المشكلة ليست في الدين ولا في نظرية تخلف الشعوب العربية، بل في كوننا نعيش ظلماً متعدداً لا حدود لتأثيراته علينا. ظلم يطأ الكرامات البشرية قبل المقدسات السماوية، الثروات الوطنية، قبل التراث الإسلامي، القضايا الإنسانية، قبل القضايا المذهبية. نحن ضحايا ظلم اخطبوطي، يبدأ بفلسطين ولا ينتهي عندها... وأفدح المظالم، أن أوروبا تزن بميزانين على مرأى ومسمع الجميع، ولا تخجل من ذلك.
أدلة كثيرة. لا أتوقف عند روجيه غارودي، هذا «المفكر» القافز من موقع إلى موقع ومن إيمان إلى إيمان وصولاً إلى صيرورته محظياً عند القذافي. علماً ان من حقه وحق غيره ألا يعتقل عقله. فماذا عن الممثل ديو دونبه؟ قال عبارة ضد التأثير اليهودي في الإعلام، وشنت عليه حملة «إبادة» لطرده من جنة التمثيل والأداء.
لا حرية تعبير بلا قيود تفرضها مصالح الشعوب والدول. أنتجت أوروبا عدداً من التشريعات التي تدين من ينكر المحرقة. هذا حقها، ولكننا لسنا نحن من ارتكبها. لماذا لم تحاكم الفرنسيين، وهم بالعشرات والمئات، الذين سهلوا إيصال الضحايا اليهود إلى المحرقة...
حسناً. إذا كان هذا التحريم قصاصاً وحماية، فلماذا امتدت يد التشريع لاعتبار من ينتقد إسرائيل، معادياً للسامية؟ كيف ذلك؟
ثم، لماذا جزار صبرا وشاتيلا ومرتكب المذابح، والذي تطاله القوانين الدولية والمحلية، يستقبل كرجل سلام... أوروبا تعرفه جيداً. تعرف انه مرتكب صبرا وشاتيلا... بلجيكا عقدت محكمة لمحاكمته، ولما اقترب موعد التنفيذ، غيرت بلجيكا قوانينها. أما بريطانيا، فقد قررت تعديل بعض قوانينها، منعاً لملاحقة تسيبي ليفني. المجرمة المتفوقة في مذابح لبنان وغزة.
ممنوع المساس بإسرائيل والإسرائيليين، ولو كانوا مجرمين، ومسموح المساس بكل ما يسيء إلى المسلمين ويستفزهم.
«المحرقة اليهودية» مقدس لا يمس. هم أحرار. ولكن ما علاقتنا بذلك، كي نعاقب. ان كتاب فيفيان فورستر بليغ جداً. لقد ارتكب الغرب جريمة الإبادة وعاقب الفلسطينيين. هذه بديهة نعرفها، ويعرفها الغرب. ولكنه يجبن على المواجهة، ويعوض بممارسة ساديته وعدوا

Thursday, September 20, 2012




سبتمبر 18, 2012

هل تخرب الثورة السورية تركيا
  كما خربت الحروب الافغانية باكستان؟
هل باتت تركيا اليوم بالنسبة إلى الوضع السوري الناتج عن الثورة ضد النظام البعثي ما كانَتْهُ باكستان وما استمرت عليه إلى الآن بالنسبة لأفغانستان منذ وقعت تحت الاحتلال السوفياتي؟ وما نتائج ذلك المحتملة على تركيا؟ هنا محاولة للإجابة على السؤال على حلقتين اليوم وبعد غدٍ الخميس.

تركيا بحكم إنجازات الحداثة فيها هي بلدٌ واسعُ النخبِ البورجوازية والطبقة الوسطى الحاملةِ لتقاليد التماسك الداخلي الآتية من مصدرين: الدولة – الأمة التركية وثقافة الدولة الغربية. ولكنها نخبٌ متَرَسْمِلة ومتعولمِة لم تَأْمَن بعد إلى طاقة الشرائح الدنيا الأكبر في المجتمع على التماسك.
اليوم عادت تكْثر مواقف التحذير من ارتفاع درجة خطر التفكك الداخلي. لا تصْدُرُ أصواتُ التحذير هذه عن بعض المعلّقين الصحافيين والسياسيين المعارضين فقط – على الأهمية الأكيدة لهذه الأصوات – بل باتت تشمل الهيئات الإقتصادية من جهة، كما باتت تمس من حيث المضامين مستوياتٍ غير مسبوقة العلنية كمدى كفاءة الجيش التركي لمواجهة التمرد المسلّح الكردي وبالتالي الدعوة إلى إعادة النظر في تركيبته القتالية والتدريبية من جهة أخرى.
ففي كلمةٍ ألقتها رئيسة تجمع الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك (توسياد) السيدة أوميت بوينر تخوّفت من عودة “السلطوية” إلى الحياة السياسية في تركيا قائلة يوم الجمعة المنصرم (14 أيلول) ان الإستقطاب الحاد والكراهية والعدائية يمكن أن تدمِّر كل المنجزات التركية في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. هذا النوع من التحذير يعني أن هذه الهيئة المعتبرة الأقوى في تمثيل كبار رجال الأعمال باتت تستشعر خطر المرحلة على المصالح الاقتصادية العليا وحتى على بنية البلد برمتها.
بين المواضيع التي بات توتّرُها أو تصاعدُ توتُّرِها يفاجئ العديد من المتابعين للشأن التركي (ويفاجئني بصورة شخصية) هو موضوع العلويين الأتراك. ففي الآونة الأخيرة – لاسيما منذ اندلاع الثورة السورية وبدء المواجهات بين الثوار والسلطة – أخذت تظهر فعلا مواقفُ وتحركاتٌ بين العلويين الأتراك وتحديدا في محافظة “هاتاي” (لواء اسكندرون) وصلت إلى حد التظاهر وأحيانا العنف مع بعض اللاجئين السوريين. في المناطق الأخرى في الأناضول تعيش أقليةٌ علويةٌ تركيةٌ (وكرديةٌ) كبيرةٌ تمتدّ إلى اسطنبول وتتراوح تقديرات عددها من أصل الـ75 مليونا الحاملين للجنسية التركية بين 12 إلى 15 بالماية من وجهة نظر بعض غير العلويين إلى 20-25 بالماية من وجهة نظر بعض المؤسسات العلوية التي باتت تتكلم باسم هؤلاء. وكالعادة كما أكرر دائما يجب البحث عن حقيقة الرقم العلوي داخل تركيا في “الوسط” بين الأرقام المتضاربة مثلما هي حال نسبة الأقباط في مصر أو الشيعة في باكستان!
غير أن النقطة الجديرة بالطرح هنا هي المتعلقة بالفكرة الشائعة التي غالبا ما يتداولها شفاهةً أو كتابةً بعضُ المتابعين العرب والغربيين للشأن التركي والقائلة ان العلويين العرب في منطقة اسكندرون وأنطاكيا وأرسوز مختلفون دينياً عن العلويين الأتراك – أي ليسوا “طائفة” واحدة.
هذه الفكرة الشائعة أزعم بتواضع في حدود ما ألاحظه وأقرأه أنها غير صحيحة. قد تكون هناك بعض التمايزات في الطقوس الناتجة عن الاختلاف القومي التركي العربي الكردي (والألباني) لكن مضمون التعاليم واحدٌ كما يدل العديد من شهادات علماء اجتماع أتراك وغربيين لديهم مؤلفات باللغة التركية أو مترجمة إلى اللغة الإنكليزية موجودة في المكتبات التركية. وبعض هؤلاء حضر جلسات دينية وَصَفَها ونَقَل بعضَ نصوصِها.
هنا يجب أن نقف عند أمرين:
الأول هو أن تَقَدّمَ الدولةِ التركيةِ الحديثةِ منذ عام 1923 وانتقال ملايين الفلاحين الأناضوليين للعيش في المدن الكبرى لاسيما اسطنبول وإزمير وأنقرة بمن فيهم الفلاحون العلويون قد أديا إلى بدء تكريس ظاهرة جديدة أو كانت جديدة في أوساط العلويين وهي قيامُهم بافتتاح مراكز عبادة علنية في المدن الكبرى يُسمّونها “دِرجة” يقومون فيها بأداء صلواتهم الخاصة أو الجزء المقرر إعلانه من طقوسهم الخاصة أو ما يحب أن يسمّيه ناشطون بينهم وبتصريحات علنية “مفهومنا للإسلام” أو “قراءتنا للإسلام” (Our Interpretation of Islam). بهذا المعنى هذا القدرُ المستجدُّ من العلنية العلوية هو إحدى نتائج تَقدّم الحداثة التركية بمستوياتها الديموقراطية والإجتماعية والإقتصادية. وتبعا لما شاهدته شخصيا في إحدى “دِرْجات” الجزء الآسيوي من اسطنبول برفقة الصديقة التركية فوليا أتاسان استاذة علم الاجتماع والباحثة المتخصصة في علم الاجتماع الديني (والسنية المذهب)… ما شاهدتُه في تلك الجلسة ليس قليلا أبدا قياسا على ما يمكن أن نعتبره “شديد الخصوصية” الدينية ومع ذلك فهو علنيٌ وليس سريا.
الثاني هو أن التقسيم التاريخي لتشكّل العلويين في تركيا خلال العهد العثماني يأتي من مصدرين شعبي ونخبوي: الشعبي هو جماهير الفلاحين الجبليين المعزولين تاريخياً في الجبال وهم الأكثرية العددية والثاني نخبوي من حيث أصوله السنية المسلّم بها وهو الطريقة الصوفية البكتاشية التي كانت الطريقة المعتمدة لدى الفرق الإنكشارية السنية والتي تحوّلت بعد ضرب الإنكشارية في اسطنبول سنة 1826 وحلِّ فِرَقِهم إلى مذهب باطني علوي منتشر في المدن لاسيما البلقانية.
لقد آلت حصيلة التجربة التركية على هذا الصعيد إلى نتيجتين متلازمتين إذن: من جهة، نقلُ العلويين إلى مزيد من الإندماج الاجتماعي ليس الانتقال إلى علنية الطقوس المذهبية سوى احد تجلّياته الأساسية، ومن جهة ثانية بلورةُ شخصيةٍ مذهبيةٍ موّحدةٍ مناطقيا وعابرة للقوميات داخل تركيا أي ضمن الوعي الوطني التركي. هكذا فإن الهيئات العلوية باتت متشعبة على كل المناطق التركية. من هنا يجب عملُ حسابٍ لتبلور الشخصية المذهبية العلوية ولو أنها كانت دائما في تركيا صاحبة مطلب الاعتراف الديني بها ضمن هيئة إدارة الشؤون الدينية التابعة للدولة وليست صاحبة مطالب سياسية. هذا المستوى السياسي تنبغي مراقبتُه من الآن فصاعدا في ظل الجو العام لصعود التيارات الدينية الأصولية السنية في المنطقة وما إذا كان سيتغيّر سلبا أو ايجابا في التعبير عن نفسه على ضوء الانخراط الحيوي التركي في التحولات العربية.
هذا خطرٌ بعيد الأمد على تجربة التماسك الحداثي التركي او على الأقل هو ليس في الواجهة حالياً رغم تصاعد تحذيرات معلّقين أتراك.
العنصر الذي يبدو أخطرَ اليوم على التماسك وحتى على وحدة الأراضي التركية هو الموضوع الكردي المتفاقم يوميا في مواجهات عسكرية في مناطق عديدة.
لقد ذهب إحسان داغي المعلّق في صحيفة “زمان” إلى حد اعتبار أن “الآخر الجديد” هو “الكردي” بالنسبة لحزب العدالة والتنمية بعد أن استطاع الانتصار على “الآخر الأول” وهو الوصاية العسكرية على الدولة والمجتمع. وأن الصراع في تركيا سيكون محكوما بهذه المواجهة لفترة طويلة. ولم يكن صعبا منذ تصاعد العمليات الكردية المسلّحة وتبني رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لخطاب قومي متشدد حيالها أن نلاحظ تحوّلَ حزب العدالة والتنمية المتزايد نحو خطاب “أتاتوركي” كلاسيكي في المسألة الكردية. حتى أن بعض المثقفين الأتراك ذهب إلى حد الحديث عن “تغيير في هوية الحزب

 الباكستنة:هل تخرب الثورة السورية تركيا (2)
الذي "خرِب" في الواقع بسبب الدور الأساسيِّ الذي تلعبه باكستان حتى اليوم في الوحْل الأفغاني، هو المجتمع الباكستاني نفسه. دخلتْ تركيا معمعة الربيع العربي من الباب السوريِّ دون أن تكون مستعدة. فكان أن لعب رجب طيب أردوغان بحس المستشرف ولكن بإرادة المقامر.
     
ليست المؤشراتُ العسكرية وحدها هي التي تدفع المراقبَ إلى تلمّسِ تنامي جوٍ خطيرٍ جديدٍ في الوضع التركي. فبالإضافة إلى ذلك باتت تعبيرات القوى المدنية الكردية وبينها كتلة النواب الأكراد في البرلمان أكثر جرأةً على الإدلاء بتصريحات قاطعة في تشديدها على الهوية الكردية بل وفي دفاعها عن حزب العمال الكردي (PKK) وهذه من المحرمات، حتى أن الحدث الذي هزّ تركيا قبل أسابيع (19 آب) هو لقاءٌ في إحدى المناطق في محافظة هاكاري في الجنوب الشرقي نقلتْ صورَه الصحفُ بين مقاتلين من حزب العمال وبين تسعة نواب أكراد من حزب السلام والديموقراطية (BDP) في البرلمان التركي. ومع أن النواب ادّعوا وبينهم سيدات، إحداهن نائبة رئيس الحزب، أن اللقاء الذي تخللته معانقاتٌ كان بمحض الصدفة إلا أن عنصر الترتيب المسبق كان واضحا فيه رغم الجو الدراماتيكي الذي يولّده سقوط ضحايا عديدة وبشكل شبه يومي من الجيش التركي ورغم الزواجر القضائية الصارمة التي تجعل تركيا من أبرز البلدان التي يتعرض فيها الصحافيون والناشطون السياسيوّن للسجن.وأمس الأول بالذات أصدرت محكمة تركية حكما بالسجن ثماني سنواتٍ وتسعةَ أشهرٍ على النائبة الكردية  من (BDP) صباحات تونْسِل بتهمة عضويتها السرية في (PKK).
إلى أي حد يساهم الوضع السوري الناشئ عن الثورة السورية في توليد و مفاقمة المظاهر الخطِرة من التململ الاقتصادي لدى رجال الأعمال الأتراك و بعض المجاهرات العلوية العنفية في أنطاكيا والأهم حاليا عودة الحرب بين الجيش وحزب العمال الكردي إلى مستواها في الثمانينات والتسعينات إنْ لم يكن أكثر... وماذا سيكون تأثير هذه المظاهر على مستقبل "المنجزات التركية" حسب تعبير رئيسة تجمع الصناعيين ورجال الأعمال (توسياد)؟
لا شك أن تركيا باتت اليوم بالنسبة إلى الوضع السوري ما كانته باكستان وما استمرت عليه إلى الآن بالنسبة لأفغانستان منذ وقعت تحت الاحتلال السوفياتي.
لقد انهزم السوفيات في أفغانستان وربح "المجاهدون" الحرب عليهم ولكن باكستان منذ ذلك الحين لم تعد هي نفسها وارتبط عدم استقرارها بدورها الثابت في الحرب الأفغانية التي لم تنتهِ حتى اليوم عبر تعاقب جيلين من التيارات الحاكمة والثائرة فيها على السواء.
صحيح أن باكستان وُلدت من فكرة تجميع المسلمين الهنود في دولة واحدة لكن الدولة لم تكن أصولية في أي يوم . واحتفظت نخبها ذات الشخصية المحافظة بنوع خاص من "التوجه العلماني" في ظل ارتباط قيامها أيضا كدولة بالغرب وبالدور المركزي الذي تلعبه مؤسسة الجيش فيها.
الذي "خرِب" في الواقع بسبب الدور الأساسي الذي تلعبه باكستان منذ أكثر من ثلاثين عاما إلى اليوم في الوحل الأفغاني ... الذي "خرِب" هو المجتمع الباكستاني نفسه قبل أي شيء آخر. فعشرات الألوف بل مئات الألوف من العناصر الأصولية الأفغانية وغير الأفغانية الآتية من كل حدبٍ وصوب في المرحلة الأولى بتمويل وتشجيع أميركي سعودي متحالفٍ مع الدعم الإيراني للثورة ضد السوفيات لم يجعل من المدن الباكستانية، وخصوصا بيشاور، مجردَ قواعد لدعم الجهاد الأفغاني فحسب بل حرّك في المجتمع الباكستاني من البنجاب إلى السِند نوازعَه الأكثر ظلامية وعنفاً وطائفية بفعل الإحتقانين السني والشيعي. في هذا الوقت كانت المعادلة الاستراتيجية التي رسمها الجيش الباكستاني ومعه الدولة الباكستانية في منظور مصالحها العليا هي ضرورة بناء علاقة عميقة مع "طالبان" انتقلت من عهد باكستاني الى عهد آخر أكان مدنيا أم عسكريا. ولهذا صار من الثوابت أن المخابرات العسكرية الباكستانية هي صاحبة نفوذ خاص على "طالبان" أيا يكن مستوى تحالفها الوثيق مع واشنطن. وواحدة من المشاغل المعلنة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية منذ أكثر من عقد هي هذه العلاقة المريبة.
باختصار: رَبح الثوارُ في أفغانستان ولكن باكستان تورّطت بصورة أدّت إلى تخريب جزء مهم من نخبها ومؤسساتها بما فيها الاقتصادية حتى أنها قاربت أن تصبح "دولة فاشلة" بالمعايير الغربية إذا لم تكن قد أصبحت! فكيف، وهذا ما يثير الهلع في العالم، أنها دولة بإمكانات نووية بات عدد سكانها يتجاوز الماية وخمسين مليون نسمة؟ وأتذكّر أن وزير المال في حكومة نواز شريف أخبرني في تشرين الأول عام 1998 في إسلام آباد أن الإحتياط النقدي للدولة من العملات الصعبة في المصرف المركزي هبط إلى سبعماية مليون دولار وهو رقمٌ ضئيلٌ جداً قياساً على حجم دولة مثل باكستان (دولة صغيرة مثل لبنان لا تقبل قطعا بهذا الرقم كاحتياط نقدي).
بدون شك كانت تركيا دوما حتى في أزمنة الانقلابات العسكرية دولة أنجحَ من باكستان بمعايير التحديث الاقتصادي. صحيح أن هناك عناصرَ تشابهٍ بين المؤسستين العسكريتين في البلدين من حيث تَشكّلُ كليهما بمفهوم "دولة الجيش - جيش الدولة" إلا أن أفق التطور التركي كان أقوى وأكثر قدرةً على التحديثين الاجتماعي والاقتصادي.
الأقدار شاءت في القرن الحادي والعشرين أن تجعل تركيا هي القاعدة الأولى لدعم الثورة السورية، شبيهة فعلا بِـ"انطلاقة" دور جديد لباكستان بعد الاحتلال السوفياتي. كانت إيران أيضا تدعم "المجاهدين" لكن مركز الثقل هو باكستان. اليوم تركيا، لا الأردن ولا لبنان الشمالي على أهمية تسلّلِ المقاتلين والأسلحة منهما إلى سوريا، هي القاعدة الضخمة السياسية العسكرية للحرب ضد النظام السوري. هذا يعني أن عليها – وهي بدأت فعلا - محاولة التكيّف مع تدفّق صنوفٍ مختلفة من وإلى أراضيها من اللاجئين والمقاتلين السوريين والعرب وغير العرب مع ما يعني هذا من كِلَفٍ وتعقيدات عملية واختلاطات قد تكون خطرة على المجتمع التركي في جو أصبحت فيه السياسة الإقليمية التركية أكثر أسلمةً وانخراطاً في "المحور السني" ضد "المحور الشيعي" دون أن تكون تركيا قادرة على استحداث خط داعمٍ للثورة السورية يستطيع أن يتميّز عن نموذج التنافس المذهبي الضيّق الإيراني السعودي؟
ماذا لو طالت الحرب السورية وطال معها الأخدود الكرديُّ الطويلُ على معظم الحدود السورية الشمالية - الشرقية مع تركيا وطالت "الباكستنة" سنواتٍ وأصبحت غازي عينتاب التركية بيشاورَ الجديدة وطريق أورفة - إعزاز "ممر خيبر" الثاني؟
لا عودة إلى الوراء في سوريا والنظام سيتغير بطريقة ما حتمية. لكن ماذا لو كانت المرحلة الانتقالية طويلة جدا بحيث يُرهَق أو يُخرَّب النسيج التركي بينما يربح التغيير السوري؟
لقد دخلتْ تركيا معمعة الربيع العربي من الباب السوري، أي أخطر الأبواب كما ظهر، دون أن تكون جاهزة. فَرضَ عليها الوضعُ العربيُّ الجديد أن تلتحق به دون استعداد كافٍ، فكان أن لعب رجب طيب أردوغان بحسّ المستشرف ولكن بإرادة المقامر. بَهَرَتْهُ وبهرت قيادةَ حزبِهِ ضخامةُ التحولاتِ الداخلية في الدول العربية و مَوْجِها الغربيِّ الأميركي الأوروبي الاستراتيجي، فاندفع فيها كذئبٍ أناضوليٍّ مراهناً على وراثة إيران وسقوطٍ سريع للنظام السوري وغيرَ مقدِّرٍ عداوةَ الدبِّ الروسيِّ على كتف تركيا الشرقي و أهلية الجَمَلِ السعودي لوراثة طهران في سوريا بدلا من أنقرة
أي كلام آخر هو نوعٌ من المكابرة. خصوصا مكابرات الأستاذ أحمد داود أوغلو. وها هي السعودية مرة أخرى بعيدةٌ عن خط التماس المباشر لأزمة هائلة ولا يدخل إلى أراضيها بالتالي لاجِئون. ها هي المملكة كما في دورها الباكستاني قوةُ دعمٍ وتمويلٍ عن بعد،  وكما كانت في دورها العراقي خلال الحرب مع إيران في الثمانينات. بينما تركيا اقتحمت الثورة السورية وأقحمتْ نفسَها في دور الداعم المباشر الأول جغرافياً وسياسياً وعسكرياً. وهذه مهمة جديدة تماما على تاريخها المعاصر منذ تأسيس الجمهورية. لذلك فالمجازفة هائلة عليها بصورة خاصة لأنه - للتكرار - نجاح التغيير في سوريا قد لا يعني بالضرورة نجاحا لتركيا.
لم يكن ممكنا لأردوغان إلا الانخراط في التغيير السوري. السؤال الذي تخطّاه الزمنُ الآن هو هل كان بإمكان أردوغان اختيار طريق ثالث لدعم التغيير واحتضان المعارضة السورية؟ الجواب نعم.
في النتيجة لا شك أن تركيا تملك عناصر قوة ذاتية أقوى وأمتن من باكستان تجعل مناعاتها أعلى. لكن التجربة جديدة والتحذيرات يطلقها أتراك...





صبرا وشاتيلا في القلب والوجدان

ادمون صعب

«ليس بذي لبّ من طلب الإنصاف من غيره لنفسه،
ولم ينصف من نفسه غيره»
العارف ذو النون المصري

في ذكرى مرور ثلاثين سنة على مجزرة صبرا وشاتيلا، لا يسع الضمير، أي ضمير، مسيحياً كان أم إسلامياً، ان يتجاهل ذلك الظلم الذي حل بمئات الضحايا العزّل في المخيم الفلسطيني في بيروت التي حج إليها البابا بنديكتوس السادس عشر غداة المجزرة التي ارتُكبت فيها في 15 أيلول 1982 حاملاً إلى اللبنانيين والعرب رسالة سلام وشراكة وطمأنينة بعيداً من الخوف والمذلّة، كما ورد في الإرشاد الرسولي «شركة وشهادة» الذي وجهه إلى مسيحيي الشرق الأوسط. وحبذا لو كان في دائرة البابا من لفته إلى ان الأرض التي «اختارها الله»، وسار عليها الأنبياء، قد تعرض شعب فيها لظلم كبير بفعل ما وصفه في الإرشاد بـ«العمى البشري»، وان هذا الشعب قد تعرض للقتل والتهجير، كما احتُلت أرضه وجرى تغيير معالمها بالقوة، وأن أهل هذه الأرض كانوا في حاجة إلى رفة عين من البابا علّها توقظ ضمير اللبنانيين الذين شاركوا في تلك المقتلة التي لم توفّر الشيوخ والنساء والأطفال، وتدفعهم إلى الندم والتوبة على ما ارتكبته أيديهم، مما يقي المسيحيين ويلات التعصّب والاضطهاد، ويؤهّلهم لتقاسم الحياة مع المسلمين، فيعيشون بطمأنينة وسلام. ذلك ان الذين ارتكبوا هذه المجزرة قبل ثلاثين سنة، برعاية الجيش الإسرائيلي الذي غزا لبنان في حزيران 1982، لا يجوز ان ينجوا بفعلتهم.
لقد جاء البابا ليعرض على مسيحيي الشرق الأوسط، والأصح على العرب المسيحيين، نوعاً من الشراكة المفتقدة إلى الآن بين المسيحيين من جهة، وبين هؤلاء ومواطنيهم المسلمين من جهة أخرى، ما جعل فكرة «تقاسم الحياة» أمراً شبه مستحيل في ظل الهيمنة الغربية على المنطقة، وعدم التردد في التضحية بالمسيحيين من أجل وجود دولة إسرائيل التي اغتصبت في فلسطين، مهد المسيحية، حقوق أهلها المسيحيين والمسلمين، وشرّدت الملايين منهم، كما حللت قتلهم وذبحهم حتى إبادتهم. والشاهد على ذلك مذبحة صبرا وشاتيلا التي تلطخت بها أيدي مسيحيين، الأمر الذي يخالف تعاليم المسيحي وإرشادات روما.
والصحوة المسيحية المطلوبة، والتي يبقى الإرشاد الرسولي الثاني حبراً على ورق في حال عدم تحققها، هي إدراك الهوية العربية الجامعة للمسيحيين والمسلمين، هذه الهوية التي قال الإرشاد إن المسيحيين هم شركاء في صنعها للمنطقة كلها.
وهذه الهوية العربية تجعل المسيحيين متقدمين في الوعي الوطني على المسلمين الذين يجاهرون بأنهم مسلمون عرب، بينما المسيحيون هم في الواقع عرب مسيحيون، ووجودهم في المنطقة العربية، وليس في الشرق الأوسط فحسب، أصيل ومتجذّر، وليس وجوداً عارضاً، كما انهم سابقون للإسلام بقرون.
ان المسيحيين عرب قبل ان يكونوا مسيحيين. وهم لا يستطيعون أن ينكروا أصلهم ولا «عروبتهم لغة، وعرقاً، وتراثاً، وتاريخا»، على ما ذكر المؤرخ كمال الصليبي في كتابه «بيت بمنازل كثيرة»، معتبراً ان الهوية اللبنانية وحدها لا تكفي، وكذلك الهوية الدينية لأنها نوع من «الخصوصية العشائرية».
واننا لا نعجب، في غياب الوعي المسيحي للهوية الوطنية أو القومية، ونعني بها العربية التي أغناها مفكروهم وكتّابهم قبل الإسلام وبعده، ألا تحظى مجزرة صبرا وشاتيلا باهتمام من مسيحيي لبنان وكنائسهم، وهم الذين كان عليهم ان يسعوا إلى محو هذا العار من تاريخهم، والتكفير عنه وإن بقداس وجناز على أرواح الضحايا، ما يشكل مشاركة بالروح في الألم.
ومع ان الرئيس ميشال سليمان، أثار مشكوراً، أمام البابا في الاستقبال الذي نُظّم له في بعبدا الأحد الماضي، قضية فلسطين، داعياً إلى «فرض حل عادل وشامل لكل أوجه الصراع العربي ـ الإسرائيلي ولقضية فلسطين (...) ما يحول دون تكريس أي أمر واقع يهدف إلى إقامة المستوطنات غير الشرعية وتهويد القدس وتكريس الاحتلال»، إلا أن الشراكة التي دعا البابا المسيحيين إلى تكريسها شهادة مع المسلمين، وكان سبقه إليها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، كانت تقتضي التعبير عنها بإشراك الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي في مخاطبة البابا بدلاً من جعلهما تلويناً للمشهد الاستعراضي الذي شابه الكثير من الشخصانية سواء في الخطب المطولة أو في تركيبة المدعوين، فضلاً عن الوجاهات.
ذلك ان المسلمين العرب يشعرون بأنهم أخوة مع بقية المسلمين عن طريق الدين، في حين ان المسيحيين العرب يشعرون بالمساواة مع المسلمين العرب عن طريق الانتماء الواحد إلى العروبة.
لقد كانت فرصة، وضاعت!
edmond@edmondsaab.com