Saturday, June 15, 2013

جهاد الزين و القوة التفكيكية و الابادية للثورات

·         جهاد الزين
·         2013-06-15
كيف نفسّر هذه القوة التدميرية بل الإبادية الحاصلة راهنا في "بلدين" هما العراق وسوريا وقبلهما أفغانستان والقوة التفكيكية في دولة "متماسكة" مثل مصر أو مجتمع "منسجم" دينياً مثل ليبيا؟

تستمد فكرة "المحافَظَة" من الثقافة و التقاليد الدينية قوةً رئيسية إنْ لم تكن قوّتها الرئيسية. فـ"المحافظون" في الحياة السياسية من المعنى البريطاني حيث هو اسم الحزب إلى المعنى الألماني حيث الصفة الدينية "المسيحيّون الديموقراطيّون" إلى "المحافظين" بالمعنى الإيراني حيث الاسم الثابت غير الرسمي للفريق الحاكم بقيادة الولي الفقيه... كل هذه التنظيمات السياسية تشترك في اعتبار الدين قوة حفاظ على التقاليد الاجتماعية... وقوة استيعاب للتغييرات الشاملة ولو في إطار فصل الدين عن الدولة بالنسبة للأحزاب الغربية المشار إليها وغيرها. ومن المفيد هنا ذكر أن قيادة "حزب العدالة والتنمية" ذي الجذور الإسلامية الحاكم في تركيا تُفضّل وصفَه كحزب محافظ.
لماذا يظهر وكأن الدين – وهو عنوان المحافظة – يبلغ عندنا درجة خطيرة من عدم المحافظة؟ بمعنى تحوّلِه إلى قوة تفكيك بل تدمير لوشائج مجتمعاتنا ودولنا أو للكثير منها كما في أفغانستان وباكستان والسودان ومصر والعراق وحاليا سوريا؟
هو نفسه الدين الذي حفظ ثقافتنا بل ثقافاتنا وكان طويلا القوة التي لا تنضب لضبط مجتمعاتنا والحيلولة دون انهيارها رغم الفقر والتخلف وتَغيّرِ العهود السياسية هو نفسه اليوم يصبح مصدر تدمير لِبُنانا ؟
الجواب الأول البديهي أن التعبير خطأ لأن الذي تغيّر هم المتديّنون لا الدين أي المسلمون لا الإسلام. فلا تتغيّر النصوص والتعاليم بل يتغيّر حاملوها؟
مسلمو اليوم في أزمة: مع دولهم وفي دولهم. هناك "أدب" غزير عن أن المسلمين لم يختاروا الكيانات التي يعيشون فيها وأنها فُرِضتْ عليهم فرضا. هذا تعليل عدا عن كونه تعميميّاً فهو ليس صحيحا من جهتين: الأولى أن هناك كيانات تاريخية احتفظت بتركيبها الموروث منذ ما قبل عصر النهضة والسيطرة الأوروبية على العالم المسلم. والثانية أن التوتر بل الصدام بين المكوّن الديني في المجتمع وبين الكيان السياسي الذي يعيش ضمنه ليس سمةً "إسلامية" في العصر الحديث بل هو سمة موجودة في مناطق وثقافات عديدة في العالم.
إذاً لماذا نبلغ اليوم في العالم العربي وفي ذروة تبنّي نُخَبِنا العربية والمسلمة أو معظمها للقيم الديموقراطية الغربية كما لم يحصل في أي حقبة سابقة مرحلة تحويل الدين عبر الصدام مع غير المسلمين أو عبر الفتنة بين المسلمين إلى قوة تدمير لعناصر التماسك التي صمدت في مجتمعاتنا قروناً وفي دولنا الحديثة حوالى القرن؟
كيف نفسّر هذه القوة التدميرية بل الإبادية الحاصلة راهنا في "بلدين" هما العراق وسوريا وقبلهما أفغانستان والقوة التفكيكية في دولة "متماسكة" مثل مصر أو مجتمع "منسجم" دينياً مثل ليبيا وسابقا الجزائر؟
نحن هنا في لبنان – في قلب سوريا لا على أطرافها – نشاهد بأم العين والأعصاب لا انهيار دولة فحسب بل انهيار مجتمع عريق بالمعنى الكامل لكلمة عراقة؟
السؤال "الدهري" في الأحداث السورية الراهنة التي استمدّتْ انطلاقتها – أياً تكن الألاعيب الخطيرة الأخرى – من علاقة انفجارية بين نظام سياسي عسكري ومجتمع هو لماذا لم تستطع البنية السورية المعارضة أن تُنتِج قوة توحيدية تفصل بين ضرب النظام وضرب الدولة وتدمير البلد؟
أعرف الكثير من الإجابات المتصارعة على هذا السؤال بل نحن جميعاً نعيش معها منذ اندلاع الثورة ولاسيما منذ عسكرتها البائسة؟
هناك جواب "المؤامرة"، وجواب "العجز"، وجواب "عنف النظام"، وجواب "سيطرة الفكر الأصولي" – الإخواني والسلفي، السني والشيعي – الذي هو بطبيعته قطْعِيٌّ لا وصْلِيٌّ، وجوابُ "الوحدة الكيانية المفتعلة"، وجوابُ "هامشية النخب المدنية" ووو....
دون أن يكون التحليل السياسي أشبه بـ"السَلَطة الروسية" قد لا يكون من التبسيط القول ان في الأزمة السورية سبباً من كل هذه الأسباب. لكن لنلاحظ أن موقف "قوى"هذه العوامل يرتبط بصورة من الصور بالعامل الديني... العامل الموجود في كل العوامل الأخرى.
والسؤال المنصِف والصارم يتعلّق بالمسلمين لا بالإسلام. هم المسؤولون وهم العاجزون والقادرون في منطقة تصبح على صورة قدرتهم على التدمير وعجزهم عن البناء.
...
أتحدّث هنا عن المسلمين بما هم متديّنون وعلمانيون وملحِدون!


No comments:

Post a Comment