Friday, May 24, 2013

ثقافة الاستتباع للاستاذ جورج عبيد جريدة السفير




ثقافة الاستتباع

جورج عبيد

لا يمكن لرئيس حزب «القوات» سمير جعجع تبرير خروجه عن إجماع الأقطاب الموارنة حول مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ». فالتبرير ـ من هذه الزاوية ـ أشد إيلامًا من الخطيئة. لقد حلا له أن يكون ذكيًّا بإيصال نفسه حيث يشتهي، في حين أنّ الكمال إذا رامه، أن ينقذ قومه ووطنه من ثقافة الاستتباع للآخرين، وهو استطابها غير مرّة وفي مناسبات مفصلية عدة في تاريخ المسيحيين بخاصّة واللبنانيين بعامّة.
لم يشأ جعجع التحرّر من ثقافة الاستتباع، التي جعلت لبنان في قبضة الآخرين عن طريق حروبهم حينًا وتسوياتهم أحيانًا. فبعض الأذكياء يظنّون أنفسهم أبطال تسويات زائفة ومجحفة لا مكان فيها للشرفاء والكرام، ويهربون من الحقيقة تحت ستار، أنّ الحاجة بأن نكون مع الآخرين بعيش واحد وكريم.
غير أن عبقريًّا واحدًا أو عبقريين أو ربّما أكثر التمسوا أن مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» لم ينقض ميثاق العيش المشترك، بل على العكس تمامًا، فهو يؤسّس له، حين يعيد الاعتبار إلى المادة 24 من الدستور، القائلة بمبدأ المناصفة، وليس أفضل من المناصفة ـ التوازن، مبدأً حتّى يتأصّل الميثاق بتراب لبنان، ويكون، تاليًا، جوهر النظام السياسيّ فيه.
وأمّا خطاب جعجع، «الفائق الذكاء والدهاء»، والذي به خرج عن الإجماع المسيحيّ تحت رعاية البطريرك بشارة الراعي، فقد أجهض فرصة إعادة الاعتبار للحضور المسيحيّ الجوهريّ في لبنان. «شو عم بتبشروا مار بولس بالمسيحيّة؟» لكنّ كلام مفتي جبل لبنان، الذي أثنى عليه، خير دليل على معنى الاندراج الذي التمسه الرجل بإذابة نفسه أمام الآخرين.. وفي الآخرين.
وحين يقول مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» بأن تنتخب كلّ طائفة ممثليها، فلأننا على يقين بأنّ عملية الانتخاب وآليته، بهذه الوسيلة عينًا، تسمح بإعادة الاعتبار للتوازن الميثاقيّ الجديّ، وتجعلنا أدنى إلى تطبيق المادة 95 من الدستور التي تقول بإلغاء الطائفيّة السياسيّة، وتجعل المناصفة معبرًا كيانيًّا ووجوديًّا للإلغاء.
بكركي وفي جوهر هذا الاصطفاف الجديد، أمام لحظة تاريخيّة مفصليّة. الانقضاض الذي تمّ على مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» يجعلنا من جديد أمام تحالف رباعيّ متجدّد يأبى أن يستعيد المسيحيون حضورهم السياسيّ في النظام اللبنانيّ.
لقد اعتمد هذا التحالف المتجدّد على «بعض المسيحيين» لإطلاق رصاصة الرحمة على رأس «المشروع الأرثوذكسي» واستفاد من عدم حمية رئيس مجلس النواب نبيه برّي، القائل بأنّه لن يخذل أيّ إجماع مسيحيّ حول أيّ مشروع انتخابيّ يرتضونه.
وحين أجمع المسيحيون على مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ»، فتح باب البازار والمقايضات حتّى لا يغيب مكوّن أو مكونان عن الجلسة العامّة ويتمّ خرق الميثاق وتمزيقه.
المهم في هذا الخضم، أن يبقى المسيحيون غرباء، ضعفاء، مشلوحين على قارعة الطريق، أو ينتظرون دورًا ملتبسًا على رصيف باريسيّ... ويأتي كلّ هذا باستلذاذ بعضهم لثقافة الاستتباع والاستلحاق والبقاء في كنف الآخرين أذلاّء خالين من كلّ كرامة وكبر وعنفوان.
بقاء المسيحيين تحت قيود تلك الثقافة هو الخلل، وهو الذي يبيح الملل، وقد كتب منح الصلح مرّة بأننا نموت من شدّة الملل. والملل الناتج من الخيبة يجعل المسيحيين منسلخين عن وجودهم. فأين هو التوازن والميثاق بتلك المعايير المؤذية؟
الآمال بعد خيبة غالبية المسيحيين، معقودة على البطريرك الراعي ومجلس المطارنة الموارنة. لا أحد يريد أن تصير الكنيسة المارونيّة بخاصّة والمسيحيّة بعامّة ككنيسة بيزنطية المنقرضة في التاريخ كما قال نائب رئيس مجلس النواب سابقًا إيلي الفرزلي، والتي لم يبقَ منها سوى ثمانية ألحان ونشائد ترتّل في الكنيسة الأرثوذكسيّة. ذلك أنّ العودة إلى قانون 1960 ليس إضعافًا للمسيحيين في لبنان فقط. بل هو، ومن دون شكّ، متماه مع العاصفة السوريّة، والتي خطفت مطرانين جليلين لا يزال مصيرهما مجهولاً...
ثمّة مشروع يبيح تهجير المسيحيين في سوريا ولبنان، ولسوء الحظ فإنّ بعض المسيحيين هم أدوات لهذا المشروع. وما الانقضاض على مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ سوى علامة من علامات الانسلاخ المستوردة إلى لبنان. وستلاحق الأسباب الموجبة في متن المشروع الجميع، لأنّها صوت صارخ في البريّة، وهذا الصوت عينًا هو صوت بكركي وصوت جميع الشرفاء الذين يأبون أن يكون لبنان وسوريا خاليين من أتباع «عيسى بن مريم». تلك هي رؤية بكركي الأخيرة.

([)
كاتب وناشط في «اللقاء الأرثوذكسي»








No comments:

Post a Comment