Sunday, May 19, 2013

اختطاف مطرانين مشروع تهجيري بقلم جورج عبيد في جريدة السفير


                

اختطاف مطرانين مشروع تهجيري
جورج عبيد
مرّ موسم الأسبوع العظيم والفصح المقدّس، والمسيحيون بصورة عامّة مهجوسون بقضيّة اختطاف المطرانين بولس يازجي ويوحنّا إبراهيم في ريف حلب. كان الرجاء الكبير لقوم عيسى بن مريم، أن يعود المطرانان بسلام الى أبرشيتيهما ليقيما الموسم مع أبنائهما وينشدا معًا المسيح قام على رجاء قيامة سوريّا ولبنان والمشرق العربيّ. لكنّ قيامة السيد المسيح اصطبغت بشهادة صامتة معذِّبة وموجعة بلا دم حتّى كتابة هذه السطور. وحده الغموض يبرز العذاب بسبب عدم فهمنا مصير الحبرين الجليلين.
وما نذكره نحن في لبنان، أنّه طوال الحرب اللبنانيّة، وقد وصفت بأنها حروب الآخرين على أرضنا وبنا، لم يتم خطف أسقف واحد، وإن قتل بعض كهنة وشيوخ ظلمًا في أماكن مختلفة. كنّا نفهم في أوساطنا أن اختطاف أساقفة يزعزع أسس لبنان ويطيح بالتوازن الذي قام عليه البلد. بقناعتنا أنّ الثقافة السوريّة ميثاقيّة بامتياز كالثقافة اللبنانية والمشرقيّة بصورة عامّة. وفي الأدبيات الإسلاميّة التي ذقناها وتمتعنا ببهائها، أنّ الحفاظ على المسيحيين يعني الحفاظ على الذات الإسلامية، وتلك كانت وصيّة نبيّ المسلمين لقومه.
من قام بخطف المطرانين، غريب عن التراث المسيحيّ - الإسلاميّ المشرقيّ وقيمه، لكنّ المسألة لم تعد محصورة بهوية من خطفا، بل بما يرمزان إليه من وجدان متكوّن في الذات المسيحيّة، المرتبطة بهذه الأرض، والتي تشاء البقاء فيها، لكون اللاهوت المسيحيّ - المشرقيّ يعتبر الأرض ملكوتًا صغيرًا صورة عن الملكوت الكبير.
القضيّة الواضحة أنّ خطف المطرانين إبراهيم ويازجي، يشير إلى نيّة واضحة لترهيب المسيحيين السوريين وخلفهم المشارقة، وتاليًا، فإنّ الترهيب هو المقدّمة الأفصح للتهجير المتعمّد. تلك المقدّمة ترجمت في تجربة الأحداث اللبنانيّة، وبخاصّة حين تهجّر المسيحيون من جبل لبنان، وبفعل هذا التهجير تغيّرت الخارطة الديموغرافيّة في المدى اللبنانيّ، وبات المسيحيون يشكون من هشاشة حضورهم السياسيّ في المدى اللبنانيّ. هذا عينًا ما تنبغي مقاربته في فعل الخطف وجوهره. ذلك بأنّ الخاطفين ضربوا بعرض الحائط الرؤية العاقلة الظاهرة في القراءة المسيحيّة - الأرثوذكسيّة، وتحديدًا في مقاربة البطريرك يوحنّا العاشر يازجي، والتي تفيض بالدعوات المتتالية للحوار وقبول الآخر والتلاقي معه، وإنتاج حلّ سياسيّ سلميّ، يبطل أسس الحرب في سوريا وعليها، ويعيد إلى الأرض توازنها بتلاقي مكوناتها، ويبعد عنها كلّ تطرّف أعمى. ما دعا إليه البطريرك يوحنّا هو تلاقي الحكماء والعقلاء، فهل تواجه الدعوة بخطف مطرانين لهما رمزيتهما في الكنيستين الأرثوذكسيّة والسريانيّة؟
قد يبدو ظاهريًّا أن الخطف يجيء من قبيل الضغط على مواقف البطريرك يوحنّا. لكنّه يتخطّاه بصورة جذريّة بعدما لمس الخاطفون، (والخاطفون ليسوا الذين خطفوا بل الذين خطّطوا وصمّموا على الخطف واستخدموا أدواتهم للخطف)، أنّ المسيحيين في سوريا ولبنان، يملكون التصميم على البقاء... وأن الدول الكبرى كروسيا والفاتيكان، بدأت تدرك خطورة الأحداث وتأثيرها في مصير المسيحيين وإمكانية خلوّ المشرق العربيّ منهم كما حدث في العراق.
التداعيات جليلة والكنيسة الأرثوذكسيّة المشرقيّة لا يمكن أن تكتفي بالصلوات، بل من الضروريّ أن تتحرّك الهيئات المسيحيّة باتجاه الفريق الإسلاميّ، والدعوة إلى لقاء مسيحيّ - إسلاميّ، بل لقاء وطنيّ في لبنان وسوريا ضاغط على مواقع القرار بحيث لا يهدف فقط للإفراج عن المطرانين الجليلين، بل يهدف للعمل على تجذير المسيحيين أكثر وحمايتهم من الخطر المحدق بالمنطقة ككلّ. وقد بدأت بعض الجهات تستغرب سكون الكنيسة الأرثوذكسيّة بل الكنيسة المسيحيّة أمام تلك العاصفة وعدم الدعوة للاحتجاج بصورة مباشرة. إنّ معظم البطاركة والقادة المسيحيين مدعوون لقراءة معالم الخطف وعناوينه حتّى نتلاقى على سلوك طريق الإفراج عنهما أو على الأقل معرفة مصيرهما... وما نرجوه في موسم القيامة الطيب أن يتحررا كي نذوق بهاء القيامة فيمسح الله عن عيوننا كلّ دمعة ويملأها بالفرح والرجاء.
([) كاتب سياسي وناشط في «اللقاء الأرثوذكسي

No comments:

Post a Comment