Wednesday, May 28, 2014

البابا وأيامه الثلاثة في القدس: خطوات مدروسة.. ومثيرة للجدل!


البابا وأيامه الثلاثة في القدس: خطوات مدروسة.. ومثيرة للجدل!
غراسيا بيطار - 28/05/2014 - 02:08:44
البابا يتحدث الى الصحافيين على متن الطائرة التي اقلته عائدا الى الفاتيكان امس الاول (ا ب)
عاد البابا فرنسيس إلى روما بعدما كتب في سجله البابوي «ثلاثة أيام في القدس». لا أحد يعرف ما كتبه في يومياته، لكن تحركاته في فلسطين المحتلة كانت مدروسة بقدر ما كانت مثيرة للجدل.
إنه البابا الثالث الذي يزور إسرائيل منذ اعتراف الفاتيكان بالكيان الإسرائيلي في العام 1993 في عهد البابا المعلنة قداسته الشهر الماضي يوحنا بولس الثاني.
تمايزه عن أسلافه بدأ منذ الوصول. فقد اختار العبور إلى فلسطين عبر الأردن، وليس مباشرة الى مطار بن غوريون في تل أبيب. سجل وقفة رمزية أمام جدار الفصل العنصري وشارك في تكريم أطفال مخيم الدهيشة الفلسطيني. سريعاً وازن، فوقف أمام «نصب ضحايا الإرهاب» بحسب التسمية الاسرائيلية. وفي سابقة بابوية، وضع إكليلا من الزهر على قبر «أب الصهاينة» تيودور هيرتزل. وفي كل خطاباته، تكررت عبارات السلام والمحبة وان لاحظ كثيرون الغياب التام لكلمة «فلسطين» في خطاباته من قلب فلسطين. ليختتم زيارته المتداخل فيها الديني والسياسي، بدعوة كل من محمود عباس وشمعون بيريز للقاء في روما. مستدركا: «للصلاة».
في محطات الزيارة لـ«حقل الألغام» على ما وصفتها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، يرى الكاتب غسان الشامي أن «كل خطوة قام بها في فلسطين كانت مدروسة ولم يكن هناك أي شيء عفوي أو تلقائي». الحبر الأعظم، برأيه، ساوى بين الجلاد والضحية في محاولته لخلق توازن ما لكنه في النهاية فشل في إرضاء الاثنين معا».
نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي يبرر للبابا عدم ذكر فلسطين في زيارته: «إذا كان صحيحاً أن البابا لم يذكر اسم فلسطين فهذه مسألة غير مقصودة بالتأكيد، لأن موقف الفاتيكان معروف حيال مسألة حل الدولتين وقد كررها في أكثر من مناسبة. الفاتيكان، برأيه، لا يعيش منطقنا نحن فهو ليس في حالة حرب مع إسرائيل».
ويذهب الفرزلي الى أبعد من ذلك: «يمضي الفاتيكان منذ إرساء العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل في محاولة إلغاء كل أثر لعلاقات تاريخية سلبية مع اليهود».
ومثل هذه الآثار تبدت في النقاش الذي كاد أن يتحول صدامياً بين الحبر الأعظم ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عندما قال له الأخير إن «السيد المسيح تكلم العبرية». فصحح له البابا: «وإنما نطق بالآرامية».
وتقتضي عملية «تنظيف التاريخ» هذه بلورة تسوية عبر محو آثار لدى الجانبين، سواء ما يتعلق بقبول البابا فرنسيس إعادة فتح الارشيف الفاتيكاني للتوقف مجددا عند موقف الكنيسة من المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية أو في التصرف الصهيوني تجاه استهداف الكنيسة في أميركا والذي أدى الى استقالة كاردينال بوسطن. «وما في توقف البابا أمام جدار الفصل العنصري، برأي الفرزلي، إلا التركيز على هذه الحالة الشاذة من دون أن ننسى أن مسؤولين أميركيين سابقين كانوا قد نكروا وجوده من الأساس».
الزيارة التي قد تحمل أكثر من محطة جدلية تندرج ضمن سياسية الفاتيكان التي تبعث على الالتباس. «وكأن الفاتيكان، على ما يرى الاب جورج مسوح، يريد السلام بأي ثمن، وهذا السلام لا يعيد الحق الى أصحابه ويطيح حق العودة واللاجئين برغم من الموقف الرمزي الذي عبر عنه أمام جدار العار». ينسحب هذا الالتباس، برأيه، على دعوة البابا الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي للقاء في روما: «فالمسألة ليست لقاءات بقدر ما هي إزالة المستوطنات الاسرائيلية والانتهاكات اليومية والحاجة الى إدانة بابوية واضحة في هذا الإطار».
ولأن البابا رئيس دولة يزور «دولة» اسرائيل، تصبح المتابعة أولوية لما يمكن أن يُصرف في بنك السياسة. فزيارة البابا إلى «مركز الفنيق» بالقرب من مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين في رام الله، يضعها الاب مسوح في خانة «شخصيته المحبة لتفقد السجناء والفقراء والمرضى والمنبوذين، وكإنسان يتعاطف ويصلي ولكن لا نتيجة لها في السياسة على الأرض ولا تحدث بالتالي أي خرق على المستوى السياسي ولا على مستوى التفاوض بين الجانبين».
ويتابع: «ما دامت لا تخدم القضية الفلسطينية فهذا يعني انها لا تساهم سوى في تعزيز العلاقات بين الفاتيكان واسرائيل عبر تبييض صفحة المسؤولين الاسرائيليين على حساب الحق الفلسطيني»، لافتاً الى ان «الحق علينا نحن العرب كوننا نتهاون في حقوقنا لان الفاتيكان منذ إصداره سينودس الشرق الاوسط بدأ وهج القضية الفلسطينية يخف في الوجدان الفاتيكاني».
في مزيج الديني - سياسي للزيارة ايضا. كان لافتا للانتباه التقارب الذي سجله بابا الفاتيكان مع بطريرك القسطنطينية المسكوني للروم الارثوذكس برتلماوس الأول، الزعيم الروحي لـ250 مليون أرثوذكسي. انه البطريرك المتقدم بين بطاركة الارثوذكس في العالم. يشرح الاب مسوح انه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ساند الفاتيكان الإرساليات الكاثوليكية، ما اعتبره الارثوذكس آنذاك «اقتناصا». فنشأت مذاك القطيعة بينهما، وسرعان ما فككت عقدها المفاوضات «من أجل وحدة الكنائس».
لكن الفتور بقي على مستوى الرأس الذي تبدد بدوره خلال زيارة البابا. لكن القطيعة الكبيرة تبقى بين الفاتيكان وكنيسة موسكو. في «تبديد الفتور» بين الفاتيكان والكنيسة الارثوذكسية، يرى الفرزلي «طمأنة بابوية لليونان لجهة دوره المحتمل عبر الكنيسة المارونية في استنهاض دور كنيسة القيامة». ففي الزيارة البابوية التي شملت مشاركة بطريرك الموارنة بشارة الراعي، يقرأ الفرزلي رسالة مسيحية مشرقية واضحة. فيلفت الى المخطط المتواصل في إفراغ الشرق من مسيحييه وصولا الى واقع مفاده أن «مكة للمسلمين والفاتيكان للمسيحيين والقدس لليهود، ومن هنا الحرص البابوي على وجوب إبراز دور الكنيسة الانطاكية المشرقية التابعة للفاتيكان عبر منحها حق الولاية على كنيسة القيامة بطريقة تكاملية مع الكنائس الاخرى».


No comments:

Post a Comment