Saturday, January 10, 2015

أسئلة "11 أيلول الفرنسي" ميشال أبو نجم النهار 10 كانون الثاني 2015

أسئلة "11 أيلول الفرنسي"
ميشال أبو نجم
النهار  10 كانون الثاني 2015

تتقاطع عند حدث "11 أيلول" الفرنسي جملة نقاط النقاش التي ترافق مسألة الإرهاب التكفيري والعلاقة بين الغرب والمجتمعات الإسلامية، وهي لا تختلف في العمق والمضمون عما طرحه تدمير برج التجارة العالمية من إشكاليات وردود فعل.
أولاً، تبقى المسألة الجوهرية في بيت قصيد إنتاج الظاهرة التكفيرية، الإصلاح الديني في الإسلام والقراءة العقلانية للنص المقدس الإسلامي. ترتفع الأصوات المطالبة بالمضي قدماً في هذه العملية الجريئة والخطيرة، ولو أنها تبقى نخبوية إلى حد كبير. تدرك نخب المجتمعات الإسلامية، فكرية ودينية وسياسية، أنها تحمل على أكتافها عبء حماية الإسلام نفسه مما يؤدي إليه التفسير الحرفي الغارق في الماضي من تشويه للدين الإسلامي وتقديمه على أنه يروّج للعنف والقتل والإرهاب.
لم يتغير شيء منذ أسئلة النهضة التي بدأت في مصر تحديداً ومنذ ذهب رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده إلى عاصمة الأنوار في فرنسا وشقّا مع جمال الدين الأفغاني طريق الإصلاح الديني من أجل مستقبل حداثي عقلاني متنور تستحقه بلاد العرب والمسلمين، قبل أن يتوقف هذا المسار مع محمد رشيد رضا، وبعدما ألقت صدمة إلغاء الخلافة العثمانية الإسلامية الماء البارد على المجتمعات الإسلامية التي أنتجت حالة "الإخوان المسلمين" من أجل الحلم الكبير بإعادة الخلافة. ولم يزَل...
ثانياً، ستتوتر أكثر علاقة المجتمعات الغربية بالإسلام في شكلٍ مخاطرُه أنه قد يكون أكثر صدامية من العلاقة مع المجتمع الأميركي على أثر أحداث 11 أيلول. هنا، تاريخ طويل من المواجهات والإستعمار والتداخل بين أوروبا وشعوب المنطقة يلقي بثقله. والمهاجرون المسلمون في قلب مجتمعات أوروبا حيث مسألة الإندماج أكثر صعوبة من الحالة الأميركية لأن قدرة الإستيعاب أكبر في الولايات المتحدة التي نشأت أساساً كمجتمع من المهاجرين والهويات المختلفة.
ثالثاً، آفاق الإرتباط بين تداعيات هجمات الإرهاب التكفيري وسياق اللعبة الإستراتيجية الدولية والإقليمية، على إيقاع "المطحنة" البشرية في سوريا. ففيما ترتسم معالم خطوط تماس ونفوذ أكثر وضوحاً من جبال القلمون إلى حدود بغداد، تحت المراقبة الدقيقة لقوى التنافس الدولي، يبقى الصراع الإستراتيجي وسياسات الدول الكبرى هي الضابط والموجه في المرحلة المقبلة. وفيما أطلق 11 أيلول مساراً أسقط "طالبان" في أفغانستان لكنه امتد إلى الدول العربية تحت شعار "نشر الديموقراطية" والشرق الأوسط الجديد، تقف اليوم الولايات المتحدة والغرب أمام حريق لا يقتصر على العراق بل يلفح العالم العربي من المغرب إلى ليبيا، وسط قواعد لعبة مختلفة عن المرحلة السابقة.

صدام حضارات، في الشكل ممكن. في العمق هو صراع قوى دولية وإقليمية وتفاعلات داخلية، يتقاطع مع أزمة هوية إسلامية، ويُستغل فيه العامل الديني. إنه أكثر الجوانب خطورة الذي قد يؤدي إليه مسار المرحلة المقبلة عالمياً، والذي يشكل نموذج لبنان الرد الوحيد عليه. معنى لبنان الرسالة يتوضح أكثر فأكثر، فهو ليس شعاراً بل حقيقة في العيش الواحد بين مجموعات مختلفة تتمثل جميعها في النظام السياسي ضمن دولة محايدة إزاء الدين. والمسؤولية تقتضي مواجهة منطق "صدام الحضارات" بالقيم الإنسانية المشتركة المسيحية والإسلامية، معاً ضد الإرهاب وأي شكل من أشكال الكراهية.

No comments:

Post a Comment