Monday, August 4, 2014

أميركا في ذكرى الاستقلال: مكابرة، ارتباك، وتصدع في بنى مؤسسات الدولة

أميركا في ذكرى الاستقلال:
مكابرة، ارتباك، وتصدع في بنى مؤسسات الدولة
          يشب الفرد الاميركي منذ نعومة اظفاره متشبعا بنموذجية واستثنائية نظام بلاده السياسي ويزج به باتجاه انه النظام الامثل والافضل في العالم مرجعيته نصوص الدستور وفصل السلطات فيما بينها، من ناحية، وبين السلطة الدينية، بل لما يتميز عن نظام اسلافه في الامبراطورية البريطانية؛ واحتكاره الميزات والخصوصيات والتحكم بمقدرات الشعوب البشرية.
          في ذكرى احتفال الولايات المتحدة "باستقلالها" عن اصولها الامبراطورية وزهوها بنص دستوري يعطي مواطنيها الحق في اسقاط الحكومة التي تنتهك حرياتهم، برزت حديثا مؤشرات تدل على تصدع آليات الحكم والاجهزة المتعددة وتوارث التوازنات فيما بينها، بالتوازي مع تنامي مشاعر جماعية ضد استغلال الحكومة لنفوذها للحد من الحريات المدنية المصانة بدلا من تعزيزها وحمايتها. مؤشرات استطلاعات الرأي، التي ابتكرتها القوى النافذة في السلطة لتشريع تدخلها في الوقت الانسب لخدمة مصالحها، تشير مؤخرا بوتيرة ثابتة الى حالة الاحباط العامة من القادة والمؤسسات السياسية، وانحراف مؤسسة المحكمة العليا عن رسالتها في الانتصار لاولوية النصوص الدستورية على الممارسات المُخِلّة بالتوازن والاصطفاف الى جانب فريق ضد آخر، مما استدعى قوى كيرة وشرائح متضررة الى الاحتجاج والتظاهر باستمرار ضد توجهاتها المقيدة للحريات.
          في الجانب التقني البحت، اصدرت المحكمة العليا قرارات اربعة متتالية، الاسبوع الماضي، ارضيتها المشتركة ان ادارة الرئيس اوباما "تجاوزت نطاق صلاحياتها الدستورية" وقوضت مساحة الحرية، ليس صونا لنصوص الدستور كما تفترض مهمتها ومبرر وجودها، بل اصطفافا لجانب القوى المناهضة لسياسات الادارة الداخلية، ابرزها برنامج الرعاية الصحية الشامل – اوباما كير، ومصالح الشركات والمصالح الاقتصادية الضخمة. ايضا، عززت قرارات المحكمة العليا جنوح القوى الاجتماعية المحافظة  توجيه غضبها واحباطها السياسي نحو ما تصر على تسميته "الهجرة غير الشرعية" لمواطني دول اميركا الوسطى واللاتينية الى الاراضي الاميركية، واحتجاز الناجين من عذاب الرحلة، صغارا وكبارا من الجنسين، في معسكرات اعتقال لاذلالهم قبل اعادتهم قسرا الى المناطق الحدودية المشتركة مع المكسيك. بالمقابل، سارع الرئيس اوباما، في ذكرى الاستقلال، الى ترويج "تاريخ البلاد الغني كدولة مكونة من المهاجرين تمتثل لسلطة القانون .." التي تشكل احدى ثوابت الخطاب الرسمي الاميركي، داخليا وعالميا.
          الاحتجاجات الشعبية تدل على تنامي الشرخ الاجتماعي، بجذوره السياسية والاقتصادية، مما يستدعي التساؤل ان كان المجتمع الاميركي على ابواب انشقاق اوسع وتصاعد موجات الاحتجاج. المرجح الاكبر ان المشهد الاميركي مقبل على تنامي وتيرة الاحتجاجات والتظاهرات يعززها تفاقم الفروقات الاجتماعية والاقتصادية وتراجع مساحة الحريات وتنامي المعارضة للمتضررين من سطوة الأجهزة الأمنية التي لا زالت اسرار تدخلاتها في صغائر الحياة اليومية للمواطنين تتوارد باضطراد. اوضاع وصفها استاذ القانون في جامعة هارفارد، لورنس لَسيغ، بالقول "يعتقد الاميركيون من كافة انتماءات الطيف السياسي ان النظام السياسي الاميركي محطم ومعطل. ما ينوف عن 90% منا (كمواطنين) يرجح جذر الفشل الى دور المال الطاغي على السياسة" والسياسيين. واضاف محرضا المواطنين على التحرك ان مراكز القوى في "واشنطن معطوبة ولن تبادر لاصلاح نفسها – يتعين على المواطنين القيام باتخاذ مبادرات" لوضح حد لفساد رأس المال والسياسيين.
          تنوعت المساهمات والتحقيقات الساعية لاماطة اللثام عن آليات نظام الحكم الاميركي، قلة منها لامست جوهر النظام وتركيبته والغوص في القوانين الاجتماعية والتاريخية الناظمة، ولجأ الجزء الاكبر منها الى اطلاق الاحكام الجاهزة والمعلبة طمعا في التغني بمحاسن النظام مقارة بالنظم الاخرى، لا سيما في عدد من الدول النامية ومن ضمنها الدول العربية، في حين تنعدم ارضية المقارنة العلمية بين نظم معظمها جيء به لتأدية وظيفة او جملة وظائف محددة خدمة للنظام السائد ومفاضلة النمط الغربي والاميركي تحديدا.         
          بجرعة واقعية وموضوعية تدعمهما دقة السرد والتحليل سنسلط الضوء للتعرف النقدي على كنه الآليات والعلاقات الناظمة بين المواطنين الاميركيين والسلطة السياسية وتقديمه للجمهور بمقاربات واقعية  لما اضحى ملموس لديه من اتضاح الشرخ الفاصل بين الدعاية والواقع.
سلطات حكومية محدودة، فصل بين السلطات وسيادة مشتركة
          تركيبة النظام الاميركي تقف على دعامة "فصل" السلطات عن بعضها وتعزيز مبدأ الحكم بالتوافق والشراكة بين المكونات الثلاث: التنفيذية (الرئاسة)؛ والتشريعية (الكونغرس بمجلسيه)؛ والقضاء (ممثلا بالمحكمة العليا)، درءا لاحتكار السلطة من قبل احداهن على حساب الاخريتين. مسألة السيادة "الوطنية والقومية" هي ايضا مسألة مشتركة بين الحكومة المركزية وسلطات الولايات المحلية والشعب، تم التوصل الى صيغتها بعد صراع التجربة والخطأ استمر لنحو 15 عاما قبل رسوّ الاختيار على الصيغة الراهنة.
          صيغة الحكم الاولى اضحت تعرف بمجلس "الكونغرس القارّي" الذي التأم يوم 5 أيلول 1774 وانتخب "بيتون راندولف" رئيسا له الذي بات الرئيس الاول للاتحاد الاميركي. ورغم اضطلاعه بالسياسة الخارجية وصلاحيات شن الحروب، الا ان سلطته الحقيقية كانت محدودة الطابع نظرا لطبيعة تكوين المجلس كاطار جامع "لدول (ولايات) سيادية" تحد من سلطاته الا اذ توصلت الى اجماع فيما بينها.
          مع نشوب الحروب وامتدادها في تلك الفترة اثبتت صيغة "الكونغرس القارّي" عن قصورها وعمق مواطن ضعفها، مما استدعى "المسؤولين" استبدالها بنظام يحتكم الى اعلان مواد كونفدرالية، الذي رسم حدود السلطات المتاحة في ايدي الحكومة المركزية، مقابل اقراره بمبدأ السيادة التامة للولايات المحلية على اراضيها؛ واستمر العمل بتلك الصيغة نحو عقد من الزمن، 1779 الى 1788.
          عقب اكتشاف مواطن ضعف بنيوية في تلك الصيغة تم التوصل الى طرح مشروع دستور، الذي بعد المصادقة عليه اضحى دستورا معتمدا لغاية الزمن الراهن. بيد ان ذلك لم يبدد مخاوف الولايات المحلية من تمركز السلطات الحقيقية بيد الحكومة الفيدرالية، الى ان تم التوصل الى وضع بعض الكوابح القانونية في النص، والتي بمجموعها ارست ارضية التوترات وتعارض الصلاحيات التي نشهدها حاليا بين السلطات المركزية والمحلية.
          من بين تلك الكوابح تم اضافة بند على الدستور يقر بسيادة المواطنين / المحكومين مقارنة مع الصيغ السابقة التي ارست مبدأ السيادة لسلطات الولايات المحلية، عززها فقرة افتتاحية الدستور التي تنص على "نحن افراد الشعب الاميركي ..،" اثارت جدلا في مراكز القوى اذ اعتبرت بانها تقوض نطاق نفوذها. للدلالة قال احد "الاباء المؤسسين،" باتريك هنري، تندرا بتلك الافتتاحية "ماذا تعني نحن الشعب في الديباجة؟ الصيغة التي نحن بصددها هي اتحاد كونفدرالي بين الولايات؛" شاطره الرئيس المقبل للبلاد، صموئيل آدامز، قائلا "اجد نفسي امام عثرة منذ البداية. نحن عبارة عن اتحاد كونفدرالي بين ولايات."
          وعليه، ارسيت قواعد النظام السياسي على اركان توافقية بين سلطات توزعت على عدة هيئات على خلفية الاعتقاد السائد آنذاك بانها الصيغة الامثل لحماية حقوق الشعب والولايات، مع الاخذ بالاعتبار انه لا يشكل صيغة كفؤة وفعالة لنظام الحكم، بل يحجم نفوذ السلطات المركزية من مراكمة سلطات اخرى.
بالنظر الى صيغة التوازنات المنشودة بين السلطات المختلفة نجد التالي:
الحكومة الفيدرالية تستمد سلطاتها من الدستور:
الرئيس يطبق القوانين الناظمة ويمارس السياسة الخارجية الى جانب موقعه كقائد اعلى للقوات المسلحة؛
مجلس النواب يتحكم باقرار الميزانيات ومنوط به التقدم بميزانية مقترحة وفرض الضرائب؛
مجلس الشيوخ الذي يعد الممثل الاول للولايات اضحى يمارس دوره كمجلس تشريعي اعلى صلاحياته تتضمن اقرار القوانين والمصادقة عليها؛
المحكمة العليا وظيفتها تقتصر على اضفاء التفسير الدستوري على القرارات والاجراءات والتيقن من امتثالها لنصوصه.
سلطة الولايات المحلية منصوص عليها دستوريا عززتها مادتي التعديل العاشرة والحادية عشر.
صلاحيات الشعب:
          تشمل الصلاحيات الفردية ممارسة حق الانتخابات لاختيار ممثليهم في مستويات الحكم المختلفة: قوميا ومحليا ومناطقيا، ورد ذكرها نصا صريحا بالدستور واعلان حقوق المواطنين (مواد التعديل الدستورية 1 الى 10)، تشمل حريات العبادة والتجمهر والتعبير واقتناء الاسلحة، وتحرم ايواء الجنود (الهاربين) ابان زمن السلم، والحصانة ضد التفتيش الشخصي، وحقوق المتهمين لاجراءات محاكمة عادلة بحضور وكيل قانوني ومحاكمة امام هيئة محلفين، وحظر العقوبات المفرطة، والاقرار بأن كافة الصلاحيات الاخرى غير المنصوص عليها لصالح الحكومة الفيدرالية او مجالس الولايات المحلية هي ملك الشعب.
          تجدر الاشارة الى ان اعلان الاستقلال ونصوص الدستور الاميركي بهما اقرار ان "السيادة هي بيد الشعب في نهاية المطاف .. وان الحكومات تستمد سلطاتها من موافقة المحكومين .. واينما نجد ان نظام الحكم  اصبح يهدد الغايات المقصودة، فمن حق الشعب النهوض لتغييره او ازاحته، وتنصيب حكومة جديدة."
اعيدت المصادقة على هذا النص من قبل المحكمة العليا عام 2008 اثناء البت في قضية مرفوعة ضد السلطات المحلية في واشنطن العاصمة، اذ اكدت العليا على "حق الشعب اقتناء السلاح كاحد عناصر الدستور الهامة بحكم انه اوفر قدرة لمقاومة الاستبداد." نظريا، توفر النصوص الحقوقية للشعب الاميركي التمتع بصلاحيات غير متوفرة في عدد من الدول والنظم الاخرى، ويتم استحداث وادخال النص في الخطاب اليومي كوسيلة تذكر الاميركيين "بتفوق" نظامهم السياسي ودلالة على فشل المساعي المتتالية للهيئات الحكومية الحد من انتشار السلاح الفردي في المواطنين الاميركيين.
في هذا السياق، تنبغي الاشارة الى سعي الحكومة المركزية، وخاصة السلطة التنفيذية ممثلة بالرئاسة، بثبات واصرار على تركيز السلطات بيدها، ومضت قدما دون استشارة السلطة التشريعية، بل حاولت الاستيلاء على صلاحيات تخص الحكومات المحلية حصرا، الى جانب جهودها لتقييد مجال الحريات العامة. الامر الذي اثار غضب قواعد شعبية متعددة.
الرئيس اوباما في مواجهة المحكمة العليا
تلجأ السلطات التنفيذية، المركزية والمحلية في الولايات، الاحتكام للمحكة العليا للبت في مسألة استقواء السلطة المركزية وتعديها على صلاحيات الآخرين، اتساقا مع نصوص الدستور المركزي. يشار الى ان تسليم الحزب الديموقراطي بسطوة اليمين واقطابه من المحافظين الجدد على السلطة التشريعية، ابان فترة الرئيس جورج بوش الابن بشكل خاص، اخل بمعادلة التوازن المرجوة وادى لاحقا الى اصدار العليا عدد من القوانين بعيدة المدى المناهضة للرئيس اوباما وحزبه، على الرغم من دعمه وترشيحه لقاضيين من اعضائها خلال ولايته الرئاسية. ومنذ مطلع عام 2009، تعرضت ادارة الرئيس اوباما الى ما لا يقل عن عشرين قرار هزيمة على ايدي العليا، وفقا لما ذكره السيناتور عن تيار حزب الشاي، تيد كروز.
وقال كروز "ان صافي خسارة الرئيس اوباما من معدل قرارات العليا بالاجماع هو ضعف المعدل تقريبا لما تكبده سلفه الرئيس بوش وما يعادل 25% مما لحق بالرئيس الاسبق بيل كلينتون."
امتدادا لهذا السياق، اصدرت المحكمة العليا قرارا بالاجماع، 9 مقابل 0، اعتبرت ان الرئيس اوباما تجاوز حدود صلاحياته الدستورية عند لجوئه لتعيين ثلاثة مسؤولين خلال فترة اجازة الكونغرس ليتفادى خضوعه للابتزاز السياسي. اهمية القرار تكمن ايضا في تأييده لحق مجلس الشيوخ الدستوري التصويت على مرشحين لمناصب حكومية رفيعة.
واتبعت قرارها بصدمة اخرى للحكومة والاجهزة الأمنية اذ صوتت بالاجماع ايضا على قرار يحد من صلاحيات الحكومة واجهزتها تفتيش الهواتف الشخصية دون توفر امر قضائي مسبق يسمح بذلك نصاً، وفشل ادارة الرئيس اوباما انقاذ مشروعها للسطو على صلاحيات اضافية تقيد الحريات الفردية.  واستندت المحكمة الى نص مادة التعديل الدستوري الرابعة التي تحصن المواطنين من تلك الممارسات – التفتيش دون اجازة قضائية.
كما قضت المحكمة العليا ببطلان جهود الادارة الاميركية الزام العمال بعضوية نقابتهم وتسديد رسوم العضوية عند اعتراضهم على توجهاتها السياسية؛ وقضت ايضا بحق المواطنين المناوئين للاجهاض التجمهر والاحتجاج على مقربة من المستوصفات الطبية التي يتم الاجهاض تحت سقفها بذريعة التمتع بحرية الرأي.
 ومن بين القرارات المثيرة للجدل صادقت المحكمة العليا على حق الشركات والمؤسسات الخاصة برفض ضم وسائل منع الحمل كجزء من برنامج الرعاية الصحية، كما ينص عليه "اوباما كير،" بدافع انها تتناقض مع المعتقدات الدينية لاصحاب تلك المصالح.
في المسائل الداخلية الصرفة، اصطفت العليا بقراراتها الى جانب السلطات المحلية في الولايات تعزيزا لسيادتها على قراراتها عند تعارضها مع القرارات المركزية، مما اعاد عقارب الساعة الى الوراء بضعة عقود في مسألة صلاحيات الدولة المركزية لتطبيق بعض مواد قانون التصويت، مثلا، واقرت بمعارضته للنصوص الدستورية.
انحسار هيبة الحكومة المركزية
تسارع وتيرة قرارات المحكمة العليا ومناهضتها لتوجهات الادارة الاميركية الراهنة قوّض مقام ووقار الاداء الحكومي والحق اضرارا جمة بسمعة الرئيس اوباما تحديدا، مما اسهم في انخفاض معدلات شعبيته في استطلاعات الرأي التي اجريت مؤخرا واعتبره احدها "اسوأ رئيس اميركي على مدى 70 عاما."
وتتالت الاخبار السيئة تباعا للرئيس اوباما مع اصدار يومية "انفستر بيزنس ديلي" نتائج استطلاع اشرفت عليه يفيد بأن 59% من الاميركيين يحملون الرئيس اوباما مسؤولية أزمة تفاقم "الهجرة غير الشرعية" للاراضي الاميركية؛ و 56% يحملونه مسؤولية تدهور الاوضاع الأمنية في العراق نتيجة قراره بالانسحاب؛ و 65% منهم يعتقدون ان ادارته تجهد لاخفاء الممارسات والتدابير الخاطئة التي اقدمت عليها مصلحة الضرائب باستهدافها منظمات سياسية مناوئة لها في الرأي.
امعانا في احراج الرئيس اوباما والاداء الحكومي العام، اصدر معهد غالوب الشهير نتائج استطلاعات للرأي منتصف الاسبوع  مشيرة الى ان 79% من الشعب الاميركي اعربوا عن اعتقادهم بأن الفساد يستشري في عموم الاجهزة الحكومية، مسجلا ارتفاعا بنحو 20 نقطة عن ذات الاراء المستطلعة عام 2006، مما يحيل الولايات الى احتلال مرتبة مرتفعة بين الدول المشهورة بالفساد. بالمقارنة، افادت الاستطلاعات ان نسبة المؤيدين للرئيس لم تتعدى 29%، بينما بلغت 36% في مطلع ولاية الرئيس اوباما. اما الكونغرس فلم يحظى الا على نسبة 7% من الرضى الشعبي، بينما حصدت المحكمة العليا نسبة 30% من الرضى، هي الاعلى من بين كافة المؤسسات الرسمية.
ترافقت نتائج الاستطلاعات مع انخفاض نسبة الاميركين الذين يقرون بمركزية بلادهم في مجال الحريات الفردية المتاحة بين الشعوب الاخرى، وانخفض معدل الزهو بالامتيازات بينهم الى نسبة 79% عام 2013 مقارنة مع 91% عام 2006 وفق احصائيات معهد غالوب سالف الذكر.
تداعيات الانحسار على المشهد الاميركي
النظرة الموضوعية لما يمور تحت سطح التحولات الاميركية تؤشر على هشاشة النسيج الاجتماعي بمعدلات مقلقة تفوق توقعات الكثيرين. تتمثل عوارضها في: انخفاض حاد في معدلات مستوى المعيشة؛ تنامي القلق من تقلص مساحة الحريات؛ فضلا عن تصاعد معدلات الاحساس الشعبي بفساد الاجهزة الحكومية التي تتآكل مكانتها باضطراد.
في هذا السياق لا بد من الاشارة الى تصاعد موجة الاحتجاجات سيما التي شهدتها ولاية كاليفورنيا حديثا باقدام نحو 200 مواطن على التعرض باجسادهم لمنع سير ثلاث حافلات كانت تنقل "مهاجرين غير شرعيين" والالقاء بهم على الجانب الآخر من الحدود المشتركة مع المكسيك، تعبيرا عن مشاعر الاحباط التي تنتاب الطبقة الوسطى في المجتمع من الاولويات المقلوبة للشريحة السياسية؛ مذكرا بحادثة مربي البقر "بندي" في ولاية نيفادا وتصدي مسلحين من مؤيديه الى ممثلين الحكومة المركزية؛ فضلا عن توالي معلومات تفيد بتشكيل ميليشيات خاصة من سكان الولايات الجنوبية، تكساس واريزونا، تجوب المناطق الحدودية المشتركة بحثا عن الموجات البشرية من"المهاجرين غير الشرعيين."
تصدع النسيج الاجتماعي، كما تدل التجارب التاريخية، لا يوقف تدهوره الا خطوات وتدابير تراجعية تبادر اليها الحكومات المركزية؛ اما تجاهل الامر فسيؤدي الى تصاعد الاحتجاجات وانزلاق الاوضاع من سيء الى اسوأ – كما دلت تجربة القيصر الروسي نيقولاس الثاني وغيره.
السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو هل سيقدم الرئيس اوباما بالابتعاد عن بعض الممارسات التي حصدت توبيخا له من قبل المحكمة العليا وانهيار معدلات شعبيته بين المواطنين؛ الاجابة بالنفي هي الاكثر ترجيحا سيما وانه اعلن عن نيته الاقدام على تعديل قانون الهجرة من جانب احادي، بموازاة تدابير اخرى وعد بها مع ادراكه بعدم تقبل الشعب لها. الأمر الذي سوف يؤدي الى تغذية مسببات الاحتجاج.
من العسير الجزم بالمدى المرئي الذي يمكن الرئيس اوباما الذهاب به، بيد ان الثابت هو عقم المضي في المسار الراهن دون المجازفة بتداعيات سلبية تدهم البنية الحكومية والمجتمع بشكل عام.

No comments:

Post a Comment