Thursday, August 28, 2014

مقال حول العراق في الفورين بوليسي

فورين بوليسي: الحكاية كاملة للتحالف المنهار بين "البعث" في العراق و"داعش"

2014-08-24 16:58

 - الجوار: استطاع تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم “داعش” غزو مساحات واسعة من العراق بفضل تحالفه المستغرب مع قدامى المحاربين من الجيش العلماني لصدام حسين. لكنّ الظاهر أنّ هذه الشراكة قد بدأت في الانهيار الآن، وهو ما من شأنه إعطاء واشنطن فرصة حقيقية للقضاء على المجموعة الإرهابية دون الاعتماد فقط على الضربات الجوية أو القوات البرية الأمريكية.

حيث ساعدت مجموعة من الموالين السابقين لصدام حسين، تعرف باسم جيش النقشبندية أو جيش رجال الطريقة النقشبندية، داعش في تحقيق عدد من الانتصارات العسكرية المهمّة، بما في ذلك الاستيلاء على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق. كما أعطت الجيش الإرهابي، الذي يتألف إلى حد كبير من المقاتلين الأجانب، درجة من المصداقية السياسية المحلية في العراق. ويتكون جيش رجال الطريقة النقشبندية، والذي تشكل كمجموعة مقاومة في عام 2006، من عدد من المسؤولين البعثيين السابقين والجنرالات العسكريين المتقاعدين، ويقوده النائب السابق لرئيس المجلس الثوري في عهد صدام حسين، عزت إبراهيم الدوري، الذي كان واحدًا من أهم المطلوبين خلال الاحتلال الأمريكي.

ولكن داعش وجيش رجال الطريقة النقشبندية ليسوا حلفاء طبيعيين. فداعش تهدف لمحو حدود العراق الحالية وإقامة الخلافة، في حين أن جيش النقشبندية هو حركة علمانية إلى حد كبير يسعى لاستعادة السلطة الرسمية والتأثير الذي كان عليه قبل الغزو الأمريكي في عام 2003. لكنّهما يتفقان في معارضتهما وكراهيتهما لحكومة رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي، التي يهيمن عليها الشيعة. حيث يريد كل منهما إسقاط تلك الحكومة، ويعتقد جيش رجال الطريقة النقشبندية بأن داعش تقدّم أفضل فرصة للإطاحة بعنف بالنظام في بغداد.

وقال ليتا تايلور، أحد كبار الباحثين في منظمة هيومن رايتس ووتش والصحفي السابق، إن البعثيين وجدوا في داعش العضلات، بينما حصلت داعش على الشرعية المحلية من خلال البعثيين.

ولكن هذا التحالف ينهار الآن، وهو ما يعتبر فرصة لكلٍّ من واشنطن وبغداد. فالمؤشرات في الآونة الأخيرة تشير إلى الفجوة المتنامية بين القيادة العليا لجيش رجال الطريقة النقشبندية وبين داعش، فإذا قرر جيش رجال الطريقة النقشبندية إنهاء تحالفه مع داعش، ومساعدة الحكومة العراقية والقوات الأمريكية محاربة الإرهابيين، فإنه سوف يقطع شوطًا طويلًا نحو تحقيق الاستقرار في البلاد، وربما يؤدي ذلك إلى المصالحة السياسية الأوسع التي ستساعد السُّنّة الذين كانوا يديرون البلاد سابقًا، في المشاركة القوية في حكومة شيعية أكثر شمولًا.

ولكن ذلك سيمثل مفارقة بالنسبة للولايات المتحدة، والتي أعلنت الحرب قبل 11 عامًا للإطاحة بالدكتاتور العراقي ثم نفذت حملة موسعة “لاجتثاث البعث” وتخليص الحكومة العراقية والقوات المسلحة من مئات الآلاف من التكنوقراط من ذوي الخبرة السنية والقادة العسكريين المنتمين للبعث.

كان مسؤولون أمريكيون يتتبعون عن كثب التحالف بين داعش والبعث لعدة أشهر. وحينما سقطت الموصل، في 10 حزيران/ يونيو الماضي، كان من الواضح أن قوات جيش رجال الطريقة النقشبندية ينتظرون وصول داعش. وذكرت تقارير أنّ مقاتلي داعش اختفوا بسرعة من المشهد، واستعيض عنهم بمسلحين موالين للبعثيين وجنرالات سابقين. حيث كانت المجموعة قد فرضت بالفعل نفوذها في المدن العراقية الرئيسة، بما في ذلك تكريت التي سقطت في 11 يونيو/ حزيران. ولكن الموصل كانت هي الجائزة الحقيقية، ونقطة استراتيجية رئيسة؛ لأنها المقر التاريخي للسلطة بالنسبة للنخب الحاكمة السنية الذين يريدون إسقاط المالكي.

وبعد الاستيلاء على الموصل، أعلنت داعش تنصيب القائد البعثي والجنرال السابق بالجيش العراقي، أزهر العبيدي، محافظًا جديدًا للموصل. وقال محللون إنه تم إعلان الجنرال السابق، أحمد عبد الرشيد، محافظًا لتكريت، حيث كان له الفضل في قيادة الدفاع البعثي الداعشي المشترك ضد الجيش العراقي.

ولكن يبدو أن تلك المباراة كانت قصيرة الأجل. حيث ذكرت صحيفة نيويورك تايمز بعد بضعة أيام فقط من غزو الدولة الإسلامية للموصل، أنّ مقاتليها قاموا بتبادل إطلاق النار مع بعثيين سابقين قرب كركوك مما خلّف ما يقرب من 17 قتيلًا. ثم في أوائل شهر يوليو/ تموز، استولى مقاتلوا داعش على القيادة في الموصل وقاموا باختطاف الجنرالات المتقاعدين، حيث أخذوهم من بيوتهم ملفوفين بالعلم الأسود والأبيض، ووضعوهم على ظهور سيارات الدفع الرباعي ذات النوافذ الداكنة، وفقًا لوكالة رويترز. وقالت عائلات الجنرالات وسكان محليون إن داعش اعتقلت ما يصل إلى 60 من الضباط السابقين البعثيين بتهمة أنهم يعارضون هدفهم النهائي في إقامة الخلافة الإسلامية ومحو حدود العراق الحالية.

وفي الآونة الأخيرة، أصبحت الانقسامات الأيديولوجية في ذلك التحالف أكثر وضوحًا. ففي أواخر يوليو/ تموز، أصدر جيش رجال الطريقة النقشبندية بيانًا يدين الطائفية واضطهاد الأقليات الدينية، بما في ذلك المسيحيون واليزيديون. ورغم أن بيان جيش رجال الطريقة النقشبندية لم يشر صراحة إلى حلفائه في تنظيم الدولة الإسلامية، إلّا أن المحللين يعتقدون بأنه أظهر أن البعثيين والنخب الحاكمة السابقة يحاولون أن ينأوا بأنفسهم عن الجماعة الإرهابية ويدينون بشكل غير مباشر تكتيكاتها.

ويقول ليتا تايلور: “البعثيون يريدون الإطاحة بالمالكي، لاستعادة جزء من المكانة والمشاركة السياسية التي حرموا منها منذ سقوط صدام حسين. وهو هدف يختلف كثيرًا عن إقامة الخلافة، فكثير من البعثيين يرون داعش كإرهابيين متزمتين، كما أنّ داعش ترى بالتأكيد ما يفعله البعثيون من التدخين وشرب الكحولبأنه مخالف للشريعة، فكيف يمكن أن يعمل الطرفان معًا؟”.

دانيال بايمان، مدير الأبحاث وزميل بارز في مركز سياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز، يعتقد بأن ما يحدث هو جيد بلا جدال، حيث قال إن ذلك سيمكن الحكومة العراقية الجديدة من التعامل مع الفئات الأقل تعصّبًا من السنّة وهم البعثيون، ومحاولة إدماجهم في الحكومة الجديدة، ولكن ذلك لن يكون سهلًا؛ لأن جيش رجال الطريقة النقشبندية لا يضم فقط التكنوقراط والجنرالات السابقين، ولكنه يتألف أيضًا من القوميين السُّنة الذين قاتلوا في حملة دموية ضد القوات الأمريكية، والميليشيات القبلية.

والسؤال الآن هو: كيف يمكن أن ينفصل جيش رجال الطريقة النقشبندية عن داعش دون إشعال حرب شاملة؟ وربما تقرر الولايات المتحدة إجراء بعض التحالفات السياسية مع الموالين السابقين لصدام حسين تجنّبًا لمزيد من الانجراف إلى حرب جديدة في العراق.

Envoyé de mon iPhone

Wednesday, August 27, 2014

مقال يُنصح بقراءته: الوهابية وإخوان من طاع الله وداعش.. هل أعاد التاريخ نفسه؟





From: كمال عبدالقادر <abajanna@gmail.com>
Date: August 18, 2014 at 1:04:52 PM GMT+3
To: undisclosed-recipients:;
Subject: مقال يُنصح بقراءته: الوهابية وإخوان من طاع الله وداعش.. هل أعاد التاريخ نفسه؟




موقع التقرير

http://altagreer.com

عبد الله المالكي: الوهابية وإخوان من طاع الله وداعش.. هل أعاد التاريخ نفسه؟

نشر في : الخميس 14 أغسطس 2014 - 03:29 ص   |   آخر تحديث : السبت 16 أغسطس 2014 - 02:54 ص

خاص- التقرير

بعد فتور وضعف تعرضت له الحركة الوهابية، إثر سقوط الإمارة السعودية الثانية وسيطرة آل الرشيد -الحليف التاريخي للدولة العثمانية- على منطقة نجد، سنة (1308هـ – 1891م)، فقدت الدعوة الوهابية السلطة السياسة الداعمة والمناصرة، التي تمكنها من استمرار النفوذ والهيمنة وبسط المذهب بين عموم الناس.

ولكن تجدد أمل علماء الدعوة من جديد، حين انبرى أحد أحفاد الأمير فيصل بن تركي، وهو الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، لكي يعيد بناء سلطة العائلة الحاكمة، مع أوائل القرن العشرين.

ولإدراكه الأهمية الأيديولوجية للمذهب الحنبلي الوهابي، فقد سارع الملك عبد العزيز، إلى تجديد التحالف التاريخي، الذي ربط أسلافه من الأسرة بعلماء الدعوة وأتباعها، وقد تم التعبير عن هذه الرابطة عبر إحياء الصفقة التاريخية التوافقية بين السلطة السياسية والسلطة الدينية بلغة المصاهرة؛ إذْ تزوج الملك عبد العزيز من ابنة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، شيخ علماء المذهب(1) الوهابي حينها.
وقد عبر الملك عبد العزيز عن هذا التحالف بقولته الشهيرة: “ما هو بخافيكم (بخافٍ عليكم) أولا نشأة هذا الأمر وتقويمه من الله، ثم أسباب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأوائلنا رحمهم الله تعالى، وما جرى على المسلمين من اختلاف ولايتهم مرارا، وكلما اختلف الأمر وشارف على نقض دين الله وإطفاء نوره، أبى الله فأخرج من الحمولتين (آل سعود وآل الشيخ) من يقوم بذلك”(2).

لقد حشد علماء الوهابية، كل إمكاناتهم الرمزية والروحية، لمباركة ودعم النهج السياسي للملك عبد العزيز، وللوقوف معه بكل إخلاص في بناء الدولة، عبر التهيئة الدينية الشعبية والتحريض للقتال معه، في مقابل توظيف الملك كل إمكاناته السلطوية في سبيل تمكين شركائه الأوفياء من فرض خطابهم الديني ونشره بين الناس.

وقد كتب الشيخ القاضي عبد الله العنقري (ت1373هـ)، وهو من أبرز علماء الوهابية حينها(3)، أنه “قد منّ الله على المسلمين بولاية عادلة دينية، وهي ولاية إمام المسلمين عبد العزيز بن عبدالرحمن آل فيصل، ما زالت رايته منصورة، وجنود الباطل بصولته مكسورة مدحورة، أقام الله به أود الشريعة، وأزال به الأفعال المنكرة الشنيعة”(4).

وكتب الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ (ت1367هـ) موعظة قال فيها: “… فاذكروا يا إخواني نعمة الإسلام، وما منّ الله به عليكم من الانتقال، من عوائد الآباء والأجداد وسوالفهم، التي خالفوا في أكثرها ما جاء في الكتاب والسنة، واشكروه أيضا، على منَّ الله به في هذا الزمان، من ولاية هذا الإمام (الملك عبدالعزيز، الذي أسبغ الله عليكم على يديه من النعم العظيمة، ودفع به عنكم من النقم الكثيرة… فالذي يطلب الأمور على الكمال، وأن تكون على سيرة الخلفاء، فهو طالب محالا، فاسمعوا وأطيعوا، وراعوا حقه وولايته عليكم… فوالله ثم والله، إنا لا نعلم على وجه الأرض شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، شخصا أحق وأولى بالإمامة منه، ونعتقد صحة إمامته وثبوتها، لأن إمامته إمامة المسلمين، وولايته ولاية دينية”(5).

photo_2014-08-14_05-19-37

الملك عبد العزيز مع بعض أبنائه ومعاونيه

ولم يتوقف الأمر عند تكريس مبدأ الطاعة للملك، وإنما امتدّ إلى التحريض على الجهاد وحثّ النفوس على الاستشهاد وبذل النفوس في تحقيق هدفه المنشود. يقول الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ: “فالله الله، في المبادرة والمسارعة، فإن الله يحب من عباده، أن يسارعوا إلى ما أمرهم الله به، وإذا استنفر الإمام الرعية، كان الجهاد فرض عين على كل من أقدره الله عليه… فاسمعوا وأطيعوا لمن ولاّه الله أمركم، وأجيبوه إلى ما دعاكم إليه من الجهاد… وعليكم بالجد والاجتهاد، ومساعدة إمام المسلمين على قتال أعداء الملة والدين”(6)؛“أعني به البطل الهمام، والشجاع المقدام، قائد جموع أهل الإسلام، الإمام: عبدالعزيز بن الإمام عبدالرحمن آل فيصل، حفظه الله وأطال بقاءه، فإذا دعاكم أيها المسلمون إلى الجهاد والنفير، فاسمعوا وأطيعوا، واحذروا أن تكونوا كالذين قالوا سمعنا وعصينا، فإن القيام معه ونصرته من الواجبات الدينية، لأنا لا نعلم أحدا على وجه الأرض اليوم، شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، تجب طاعته، ويجب الجهاد معه أولى منه”(7)، “وترك الجهاد من الإلقاء باليد إلى التهلكة، قال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (البقرة: 195)”(8)، “فلا يتخلف عن الجهاد إذا دعى إليه، إلا منافق معلوم النفاق، فالحذر الحذر، من الإصغاء والالتفات إلى المخذلين والمثبطين، وما يلقونه من الشكوك والريب، وإساءة الظن بأهل الدعوة الإسلامية”(9).

كما كتب الشيخ القاضي عبدالله العنقري:“وبالجملة، ففضائله كثيرة لا تحصى (أي الملك عبدالعزيز)، وعدّ ما منّ الله به على يده على أهل نجد غزير لا يستقصى، وقد تعيّن على المسلمين وجوب الجهاد معه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا استنفرتم فانفروا)، يعني استنفر الإمام رعيته، وجب عليهم النفير إلى الجهاد معه بأموالهم وأنفسهم؛ لأنه يجاهد عن حوزة الدين، وعورات المسلمين، ويحوطهم من كل من رامهم بسوء من الكفار المعتدين”(10).

- 2 -

هذه الخطابات الدينية المحرّضة للطاعة وللجهاد بشكل ملحّ، كانت تخفي وراءها إشكالية (سياسية/ عسكرية) يشعر بها الملك عبد العزيز، وعلماء الوهابية من ورائه، وهي أن حاضرة نجد، بطبيعة استقرارهم، الاجتماعي والاقتصادي، قد عافت نفوسهم الغزو والقتال الذي ينشب دائما بين القبائل البدوية طمعا في الغنائم أو النهب كمصدر رئيس للعيش ولاستمرار الحياة. أما أهل المدن الذين قد انخرطوا في الزراعة والتجارة والصناعة، فلم يكن دافع القتال والغزو ملحًا عليهم، إلا إذا اقتضت الضرورة للدفاع عن النفس أو المال.

نعم، كان من بين الحضر مقاتلون أشداء، ويخرجون مع الأمير إلى الغزو إذا اقتضت الحاجة والضرورة، ولكن عادة ما يكون ذلك مؤقتًا ولغرض محدّد، ثم لا يلبثون أن يعودوا بعده إلى حواضرهم ويستقروا فيها، وقد شاركوا بالفعل مع الملك عبد العزيز في بداية معاركه لطرد الأتراك من حواضر نجد، ومع خروج الأتراك واعترافهم بخسارتهم للمدن الواحدة تلو الأخرى، اكتفى السكان بموالاة عبد العزيز، والاستعداد للدفاع عن أنفسهم، في شكل حامية عسكرية محلية(11)، ولم تكن لديهم نية جازمة في التوسع والامتداد والذهاب بعيدا إلى أكثر من مناطق حواضرهم.

ولكن مع اتساع مسرح عمليات عبد العزيز وابتعادها عن الرياض والمدن الموالية له، أصبح من الواضح أن القوة العسكرية التي استطاع من خلالها السيطرة على نجد، لم تعد تناسب الغزوات والعمليات العسكرية التي أعدّها وخطط لتنفيذها في أجزاء بعيدة من شبه الجزيرة العربية، وبالرغم من إخلاص السكان الحضر وولائهم لعبد العزيز، لم يكونوا على استعداد كامل لترك حقولهم، وتجارتهم ومصانعهم، من أجل القتال في تلك المناطق البعيدة من شبه الجزيرة العربية. نعم استعدّ بعضهم، وانخرط بالوقوف بجانب الملك لتحقيق مشروعه، ولكنهم ليسوا بتلك القوة الضاربة والكافية لتلبي طموح الملك(12).

كان الملك بحاجة إلى قوة عسكرية، تتصف بخفة الحركة، وبالشجاعة الباسلة، وبالزهد والإيمان العميق بالمشروع. كان البدو، هم المصدر البشري الوحيد والمتاح أمامه، ولكن تجربة أسلافه من الأمراء السعوديين مع البدو لم تكن حسنة، حيث إن هؤلاء ما تركوا فترة من فترات التأزم والتوتر في عهد الإمارات السعودية السابقة، إلا وتمردوا ضدها وتحالفوا مع خصومها لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب(13)، إضافة إلى موقف المؤسسة الوهابية منذ القرن التاسع عشر، التي كانت لا ترى في البدو سوى تجمعات بشرية، خارجة عن الإسلام، ومتمردة عن تعاليمه، وأنّه يجب إنقاذها من الخسران في الدارين(14).

من هنا، برزت أهمية فكرة توطين قبائل البدو، وإعادة تأهيلها دينيا وسياسيا وعسكريا، وإدماجها في الحياة الحضرية وفي مشروع الدولة، وابتداءً من سنة (1330- 1912م)، أقامت السلطات عدة مستوطنات مبنية من الطين، حول منابع الماء، أطلق عليها اسم الهجر (جمع هجرة)، من أجل توطين القبائل البدوية فيها، واختيار مفردة (هجرة) لتسمية تلك المستوطنات، له دلالة رمزية؛ حيث يستدعي في المخيال الإسلامي، شعيرة الهجرة الدينية، والتي يكون فيها الانتقال من حياة الكفر ومجاله والالتحاق للعيش حيث يطبّق الدين الحق(15).

- 3 -

لقد تم ما بين عامي 1912 و 1926، إنشاء المئات من الهجر، وتوطين نحو مائة وخمسين ألفا من البدو فيها(16)، وقد ترافق مع هذا التوطين -وبدعم غير مشروط من الملك عبد العزيز- قيام علماء الوهابية بالانخراط في عملية جادة وكثيفة لغرس الأفكار الدينية، حيث تم إرسال دعاة دينيين يسمون بـ (المطاوعة)، مكلفين بتعليم أبناء القبائل قواعد الدين (الحق)، وتبني الحنبلية الوهابية واستبطان رؤيتها للعالم؛ كما قام العلماء بإجراء زيارات عديدة وكثيرة لمختلف أماكن التوطين بغية الإشراف والتأكد من عملية التعليم والتهيئة الدينية.

arab-forces

أحد كتائب الإخوان في طريقها للغزو (بكاميرا الرحالة البريطانيين)

ولأجل عملية التعبئة للجهاد والقتال، تم استدعاء المفاهيم الوهابية، التي كانت قد تبلورت أثناء التحديات السياسية التي رافقت تأسيس الدولة السعودية الأولى: كالتكفير، والجهاد، والولاء والبراء، وذلك لأجل التمييز ثقافيا وجغرافيا، بين مجتمعات الدين الحق ومجتمعات الدين الباطل. فعلى سبيل المثال، “كان العالم حسن بن حسين آل الشيخ (ت1339) المساهم بنشاط في بناء هجرة الأرطاوية، وهي واحدة من أهم وأكبر الهجر في البلاد، قد كتب رسالة، استعاد فيها كل تلك الأفكار التي تبنتها الوهابية في القرن التاسع عشر، إذ حرّم كل اتصال سلمي مع أراضي الكفار وساكنيها، وخصّ بالذكر جنوب العراق والكويت، وأنه لا اتصال معهم إلا في ميدان القتال في إطار الجهاد”(17).

واعتبر الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، أن آل الرشيد وأنصارهم كفّار مرتدون؛ لأنهم طلبوا العون العسكري والمالي من (المشركين العثمانيين)، ولهذا لا يكفي الحكم بتكفيرهم فحسب، بل يجب قتالهم أيضا في إطار الجهاد في سبيل الله:“ومن يعرف كفر الدولة (العثمانية) ولم يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين، لم يعرف معنى لا إله إلا الله، فإن اعتقد مع ذلك أن الدولة (العثمانية) مسلمون، فهو أشدّ وأعظم، وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله أو أشرك به، ومن جرّهم أو أعانهم على المسلمين بأي إعانة، فهي ردّة صريحة”(18)، وأكَّد أن“هؤلاء الذين قاموا في عداوة أهل التوحيد، واستنصروا بالكفار عليكم، وأدخلوهم إلى بلاد نجد، وعادوا أهل التوحيد وأهله أشدّ العداوة، وهم (الرشيد) ومن انضمَّ إليهم من أعوانهم= لا يشك في كفرهم، ووجوب قتالهم على المسلمين، إلا من لم يشمَّ روائح الدين، أو صاحب نفاق، أو شك في هذه الدعوة الإسلامية”(19).

كما أصدر مجموعة من علماء الوهابية، فتوى بتكفير الأشخاص الذين يدعون إلى ولاية الشريف على الحجاز، وجاء فيها:“فهؤلاء لاشك في ردتهم والحال ما ذكر، لأنهم دعاة إلى الدخول تحت ولاية المشركين، فيجب على جميع المسلمين جهادهم، وقتالهم، وكذلك من آواهم ونصرهم، فحكمه حكمهم”(20).

بل قرّر الشيخ سليمان بن سحيمان، وهو أحد كبار العلماء وقتها، بأن منْ هم تحت ولاية الملك عبد العزيز؛ الأصل فيهم أنهم مسلمون، بخلاف من هم ليسوا تحت ولايته، فالأصل فيهم أنهم ليسوا على الإسلام، يقول: “من في جزيرة العرب لا نعلم ما هم عليه جميعهم، بل الظاهر أن غالبهم وأكثرهم ليسوا على الإسلام! فلا نحكم على جميعهم بالكفر، لاحتمال أن يكون فيهم مسلم، وأما من كان في ولاية إمام المسلمين [أي نجد وما حولها]، فالغالب على أكثرهم الإسلام، لقيامهم بشرائع الإسلام الظاهرة… وأما من لم يكن في ولاية إمام المسلمين، فلا ندري بجميع أحوالهم وما هم عليه، لكن الغالب على أكثرهم ما ذكرناه أولا، من عدم الإسلام”(21).

هذه الأدبيات العقائدية، وقبلها الأدبيات السابقة لعلماء الدعوة، في مرحلة الدولة السعودية الأولى، والثانية، كانت هي المغذية لعقلية (الإخوان) المقاتلة. لقد نتج عن هذه التهيئة التثقيفية والتعبئة العقائدية الجهادية، أن تحولت القبائل البدوية خلال بضع سنين إلى السلفية الوهابية، بعد عقود من العداء وعدم الثقة والارتياح، وقد كان من أكبر دلائل هذا النجاح، هو إنشاء جيش عقائدي من البدو الموطّنين، أصبح يعرف باسم (الإخوان)، وسيساهمون بفعالية في عملية توحيد مناطق الجزيرة العربية تحت سلطان الملك عبد العزيز(22).

- 4 -

“لقد استفاد عبد العزيز، من خياله وجرأته، بأن غيّر البدو تغييرا جوهريا، خلال سنوات قلائل، ليحولهم إلى قوة خفيفة الحركة، تستطيع أن تجوب شبه الجزيرة العربية، بطولها وعرضها، كما جعل من البدو قوة مستقرة يمكن وضعها في مكان بعينه، إذا ما أراد لها ذلك، فعل عبد العزيز ذلك بدون جعجعة أو جلبة، إلى أن ظهرت هذه القوة على المسرح العربي، لأول مرة، جاهزة ومتشوقة لقتال، تحت اسم حركة (الإخوان)”(23).

photo_2014-08-14_05-19-45

استعراض عسكري لمقاتلي إخوان من طاع الله

وقد بدأ المسرح الدولي حينها، ممثلا في الحكومة البريطانية والعثمانية، يستشعر بخطورة هذه الحركة السرية التي أسسها الملك عبد العزيز، وقد كتب الشريف حسين 1918 إلى القائم بعمل المندوب البريطاني في جدة، يناشده قائلا: “… ومن ثمّ، فإن ما يقلقني قبل أي شيء آخر، هو أن صاحب جلالة الملك [البريطاني]، ينبغي أن يجبر الأمير [عبد العزيز]، على إلغاء وتسريح، ذلك التنظيم الذي يطلق عليه اسم (الإخوان)، تلك الجمعية السياسية التي ترتدي عباءة الدين”(24).

ويحتفظ مكتب السجلات العامة البريطاني، بتقرير كتبه ديكسون في اليوم الثاني من شهر سبتمبر/ أيلول من العام 1929، عندما كان مندوبا سياسيا في الكويت، حيث كتب يقول في ذلك الوقت: “الإخوان تأسست من ناحية أخرى على يدي ابن سعود، لتخوض له معاركه، وتنتصر فيها باسم الدين… ونظرا لأنهم كانوا إخوانا وتستعر داخلهم جذوة الدين، فقد أصبحوا بحق لا يقهرون، ويمكن تشبيههم بمدرعات كروميل، أو قوات العاصفة الألمانية”(25).

كما يحتفظ مكتب السجلات البريطانية لوزارة الخارجية، بتقرير مطول كتبه الرحالة جون فليبي، عن حركة الإخوان، وكان وقتها المسؤول البريطاني على المكتب السياسي ببغداد، ومما قال فيه: “وخلاصة القول هو، أن هدف ابن سعود من تقوية وإنشاء حركة الإخوان، هو زيادة قوته العسكرية، باستخدام أكبر عدد من رعاياه، حتى يمكن له تعويض الضعف الذي يكمن في الدولة البدوية وفي الجيش البدوي، والاقتصاد في موارده عن طريق إحلال الأمل في ثوب الآخرة محل الاعتبارات الارتزاقية”(26).

كما استنتج ريجنالد وينجات، المندوب السامي البريطاني في مصر، في تقرير كتبه سنة 1918، أن حركة الإخوان البدوية، جمعية سرية مغلقة، ذات طابع عقائدي وقتالي، ومما جاء فيه: “وليس لدي معلومات كافية عن قوة الإخوان وأهدافهم، حتى أتمكن من تقدير مدى تخوَّف الملك حسين من نفوذ الإخوان حق قدره، ولكني تعلمت من تجربتي في السودان، مدى الخطر الذي يشكّله تنظيم سرّي تحت عباءة الدين بين سكّان غير متحضرين، ففي وقت الشدة يلجأ مثل هذا المسلم إلى الدين، مثلما يلجأ بعض أفراد الدول النصرانية إلى المشرب الروحي، ويكون ذلك المسلم أيضا أكثر تعرضا لالتقاط الشرارة الأولى، من شرر التشدد الذي يتحول إلى حريق إذا ما أذكاه زعيمٌ غير حصيف، أو مضلل يستحيل السيطرة عليه، بأي حال من  الأحوال”(27).

وفي العام نفسه، كتب أحد الموظفين في وزارة الخارجية بلندن، الملاحظة التالية: “إن تقييم الملك حسين لحركة الإخوان تقييم صحيح، وسوف تكون هذه الجمعية معادية للحضارة في منطقة ما بين الرافدين وفي سوريا”(28).

وفي اليوم الثاني عشر، من شهر مايو/ أيار، لعام 1918، وصف الضابط السياسي البريطاني في بغداد، حركة الإخوان بأنها: “حركة اشتراكية، بمعنى أن الأغنياء يتعين عليهم أن يقتسموا بضاعتهم وسلعهم مع الناس”(29). وفي أواخر عام 1924، وصفت إحدى الصحف الأوروبية، حركة الإخوان بأنها: “حركة الإخوان الشيوعية تقريبا”(30).

لقد قال الملك عبد العزيز مرةً للرحّال البريطاني جون فليبي: “إنه يكفي أن أصدر النداء، ليهبَّ للقتال تحت رايتي ألوف، من بيشة  إلى نجران، ومن رنية إلى تثليث، ليس فيهم من لا يحب الموت في سبيل العقيدة، وكلهم يؤمنون بأن الفرار من الزحف يدخلهم النار”(31).

photo_2014-08-14_05-19-08

الملك عبدالعزيز في لقائه مع بعض الوفود الأجنبية

نحن إذن، أمام جيش عسكري عقائدي، يشبه إلى حدّ ما، ما كان يعرف في العصور الأوربية الوسطى بـ (فرسان المعبد)؛ أي الأشخاص العقائديين الذي تفرغوا للقتال المقدس، وانقطعوا عن كل ملذات الحياة. إذْ “لم تكن حياة البدو البائسة، تسمح لهم إلا بالقليل جدا من المباهج والملذات، ولم تكن هناك غرابة في أن يسعى البدو إلى الاستشهاد في ميدان القتال لكي يضمنوا لأنفسهم مكانا في الجنة”(32).

وبما أن الإخوان، اضطروا إلى بيع إبلهم وأغنامهم، المصدر الرئيس لحياتهم الاقتصادية، فقد صاروا يعتمدون إلى حدّ بعيد، إلى الإعانات التي كانوا يحصلون عليها من (بيت المال)، وتلك الإعانات الحكومية لم تكن نظير البطالة، وإنما هي أجر لتحقيق متطلب مهم من متطلبات الدولة، وهو الاستعداد العسكري والتعبئة الفورية، وتعرف هذه الإعانات بـ (العطايا)، وكان تصرف للشيوخ وأمراء القبائل وفرسانها وعموم المقيمين في المستوطنات (الهجر)، وكانت أسماؤهم مسجلة في ديوان الملك، تعرض عليه بشكل دوري، ويحدد فيها مقدار العطية والهبة لكل فئة.

- 5 -

لقد أصبح الإخوان، بعد سنوات قليلة، يشكلون نوعا من أنواع الطبقة المتميزة في الدولة الجديدة، فقد كانوا يعتبرون أنفسهم، أوصياء على أمن الدولة وعلى أخلاقها، وقد ولَّدت قوتهم السياسية والعسكرية المتزايدة بين صفوفهم شكلا من أشكال الغطرسة والتفوق الطبقي، الذي بدأ ينافس بل يتفوق أحيانا، طبقة الجماعات الأخرى مثل العلماء وأعيان المدن والقرى(33).

إضافةً إلى ما كان يتصف به الإخوان من التشدد، والحَرْفية في تطبيق المبادئ الوهابية، وعدم وجود الحلّ الوسط في ذهنيتهم، الأمر الذي تجلى في تنفيذ الأحكام القاسية على كل من يقصّر أو يتهاون في تطبيق السلوك الديني القويم(34)، كالتأخير في الحضور للصلاة، أو ممارسة بعض السلوكيات المحرّمة في نظر الوهابية، كالدخان والغناء وحلق اللحية وإسبال الثوب، أو عدم التزام المرأة بالحشمة ونحو ذلك، حيث كان يتم التعامل مع هذه (الانحرافات) بالضرب أو الجلد أو السجن.

وقد تصل العقوبة إلى القتل أحيانًا، إذا ظهر من المخالف ما يعتقد الإخوان بأنه ردة وكفر. إضافة إلى اعتقادهم بأنهم مسلمون، فثروة الكفّار المحيطين بهم، حلال وغنائم لهم.

ويبدو أن تشدد الإخوان، وتسلطهم على السكان، توسع وأصبح ظاهرة ملفتة، إلى الدرجة التي بدأت الحكومة البريطانية، والمتواجدة في أطراف المنطقة، ترصد ظاهرة ما تسميه في تقاريرها بــ(الهداية القسرية)، التي كان يمارسها الإخوان، ضد عامة المسلمين. فعلى سبيل المثال، رفع المفوّض البريطاني في الكويت هارولد ديكسون مذكرة يصف فيها الموقف على النحو التالي: “كانت الهداية القسرية إلى عهد قريب جدا أداة من أدوات الإيمان بين الإخوان، ومن المؤكد أن أداوتهم هي التي أحدثت تبرما بين أهل الحجاز والبلاد المجاورة”(35).

وكتب النقيب جارلند بأن هناك اعترضا شديدا “على الأساليب الوحشية التي يلجأ الإخوان إليها، لتنفيذ الهداية القسرية ومعاقبة المخطئين، أكثر من الاعتراض على مبادئ المذهب نفسه، وليس هناك من شك في أن البدو أنفسهم [الذين لم ينضموا إلى الإخوان] كان يتم ترويعهم بطريقة منظمة من خلال عملية الهداية القسرية، وأن ممارسة الهداية القسرية ومعاقبة المخطئين كانا يصلان إلى حدّ الموت”(36).

“لقد أصبح واضحا لعبد العزيز، أن الإخوان خرجوا عن السيطرة، وأصبحوا متغطرسين”(37)، ويستخدمون السلطة في فرض الشريعة بالقوة دون أخذ الإذن منه، خصوصا بعد إنجازاتهم العسكرية المبهرة، في إسقاط إمارة الشريف بالحجاز، وإمارة آل الرشيد بحائل، وإخماد بعض التمردات والانشقاقات التي كانت تحصل في الجنوب الغربي من الجزيرة، فكانوا دائما يعزون هذه الانتصارات لقوتهم وتضحياتهم وشدة بسالتهم في القتال.

photo_2014-08-14_05-19-13

الملك عبدالعزيز يستقبل وفودا أجنبية في قصره بالرياض

وفي مثل هذا الوضع، من الطبيعي أن تذهب الأمور، إلى الاختلاف والتوتر والنزاع بين تنظيم الإخوان والسلطات المركزية في الإمارة، وقد بدأ الإخوان بالفعل يتذمرون من الملك شخصيا، وينكرون عليه سياساته الحديثة التي كان الواقع الجديد يفرضها عليه، كمسألة الحدود الجغرافية السياسية للدولة، حيث كان الملك حريصا على إنجازها من خلال اتصالاته وتفاهماته مع الحكومة البريطانية، التي كانت مهيمنة على المناطق المجاورة حينها… ولكن الإخوان يعتقدون بأن الدين الحق لا ينبغي أن يُحدّ بجغرافيا معينة تسمى الدولة، بل سلطة الدين القويم والعقيدة الصحيحة يجب أن تمتد وتتسع جغرافيا بحسب القدرة على القتال، ولهذا استمروا في الجهاد ضد البدو والمناطق المجاورة في جنوب العراق والكويت والأردن، يفرضون عليهم الجزية، ويغنمون منهم، بدون أخذ الأذن من الملك.

ويضاف إلى ذلك، إنكارهم استعمال الحكومة لبعض المخترعات الحديثة، كالتلغراف، والتليفون، والسيارة، والدراجة، والساعة ونحو ذلك، وبعضهم كان يعتقد بأنها قد تكون نوعا من السحر المحرّم(38).

إضافة إلى انخراطهم في تطبيق الشريعة على الناس في بعض المناطق، بصرامة وقسوة، وإنْ ترتب عليها الاعتداء على السكان، كما حكموا بالردة والكفر على كثير من رعايا الملك ممن دخلوا تحت دولته، علما بأنهم كانوا ينطلقون في ذلك من كتابات وفتاوى علماء الوهابية، قديما وحديثا، كما سبق معنا.

- 6 -

عندها اضطر كبار علماء الوهابية أن يتدخلوا، وقد أعلنوا سلفا تحالفهم وتضامنهم المطلق مع الملك ومباركتهم لدولته الحديثة، والتي رأوها امتدادا طبيعيا لحالة التعاقد بين (الأمير والشيخ). لقد كان تدخلهم حازما وسريعا، حتى لا تنفلت الأمور أكثر من اللازم، حيث وجدوا أنفسهم لأول مرة أمام تمرَّد ديني من داخل مجتمع الدعوة، من الأتباع الذين كانوا قد تتلمذوا على تعاليمهم وقاتلوا معهم ضد (الكفار والمشركين) وساهموا في إقامة دولة التوحيد، فكان لا بدَّ من فرض السلطة المركزية في إدارة المعنى الديني وتفسير التعاليم الوهابية، حتى لا تكون متاحة لكل من هبّ ودب، فالعلماء الكبار (من ذرية محمد بن عبد الوهاب أو من أتباعه المشهورين والمعترف بهم) هم المالكون الحقيقيون لإصدار التعاليم والفتاوى، ولا سبيل للنجاة في الدارين إلا باتباع تعاليمهم وتنفيذ أوامرهم؛“فمن زهد في الأخذ عنهم، ولم يقبل ما نقلوه، فقد زهد في ميراث سيّد المرسلين، واعتاض عنه بأقوال الجاهلين الخابطين، الذين لا دراية لهم بأحكام الشريعة”(39)؛ إذ “ليس كل من انتسب إلى العلم، وتزيّا بزيّه، يُسأل ويستفتى وتأمنونه على دينكم”(40).

كما أنكروا عليهم، تطاولهم في مخاطباتهم للملك عبد العزيز، بل وعزمهم على خلعه والخروج عليه، قائلين: “ونحن نبرأ إلى الله من ذلك، وممن فعله أو تسبب فيه، أو أعان عليه، لأنا ما رأينا من الإمام عبد العزيز ما يوجب خروجكم عليه، ونزع اليد من طاعته، وإذا صدر منه شيء من المحرمات، التي لا تسوغها الشريعة، فحسب طالب الحق الدعاء له بالهداية، وبذل النصيحة على الوجه المشروع”(41).

كما قد لاحظ كبار العلماء، تطاول الإخوان عليهم شخصيا، والاستهزاء بهم، والتشكيك في نزاهتهم واتهامهم بالمداهنة، فعاجلوهم برد صارم في بيانات أصدروها، جاء فيها:

“ومما ينبغي التنبيه عليه: ما وقع من كثير من الجهلة، من اتهام أهل العلم والدين، بالمداهنة والتقصير، وترك القيام بما أوجب الله عليهم من أمر الله سبحانه، وكتمان ما يعلمون من الحق، والسكوت عن بيانه، ولم يدر هؤلاء الجهلة، أن اغتياب أهل العلم والدين، والتفكه بأعراض المؤمنين، سمّ قاتل، وداء دفين، وإثم واضح مبين”(42)، ثم إنكم “كنتم أولا في جاهلية عريضة، وحالة عن الحق بعيدة، ورؤساؤكم أكثرهم طواغيت كبار، وعوامكم جفاة أشرار، لا تعرفون حقائق دين الإسلام، ولا تعملون من الحق إلا بما تهوى به نفوسكم، مع ما كان بينكم، من سفك الدماء، ونهب الأموال، وقطيعة الأرحام، وتعدي حدود الله، وغير ذلك من المحرمات وعظيم المنكرات. ثم هداكم الله لمعرفة دينه، والعمل بتوحيده، وسلوك مسلك أهل الإسلام والتوحيد، وانتشرت بينكم كتب السنن والآثار، ومصنفات علماء الإسلام، ثم أنتم الآن انتقلت بكم الأحوال، إلى أنكم تحاولون الخروج على الإمام، ومنابذة أهل الإسلام ومفارقة جماعتهم”(43).

إلى آخر ما أصدره علماء الوهابية، وتحديدا ما بين سنتيْ 1919 و 1920(44)، من الفتاوى الجماعية التي بسطوا فيها الخطاب الوهابي الجديد الذي يتناسب مع الاشتراطات الجديدة لطبيعة الدولة السعودية الحديثة.

078511_2008_09_22_10_30_04.image2

بعض قيادات إخوان من طاع الله

ولكن (الإخوان) لم يرضخوا ويُذعنوا لهذه الفتاوى الجديدة، التي رأوا فيها انقلابا وانتكاسة لما كانت عليه الوهابية الحقيقية من وجهة نظرهم، وأخذوا يجادلون العلماء بنفس الكتابات والتعاليم التي أصدرها سابقا أئمة الدعوة في العهدين القديمين: الأول والثاني للإمارة السعودية.

حينها اضطر العلماء، إلى تكفير حركة (الإخوان) وإخراجهم من الإسلام، ووجوب قتالهم وجهادهم، فأصدروا الفتوى التالية:“وأما قول السائل، إنهم (أي الإخوان)، يرون أن جميع المسلمين وولي أمرهم، ليسوا على حق، فهذا من ضلالهم، ومن الأسباب الموجبة لكفرهم، وخروجهم من الإسلام… أما من أجاب دعوتهم، وساعدهم من أهل نجد، فحكمه حكمهم، يجب على جميع المسلمين قتاله وجهاده، وأما من أبى عن جهادهم، وادّعى أنهم إخوان له، وأنهم على حق، فهذا حكمه حكمهم”. (انظر الدرر السنية:9/210).

ويبدو أن الإخوان كانوا يشعرون بمرارة (الانقلاب) من علمائهم الكبار؛ ففي حين كان العلماء وأتباعهم يصدّعون الأسماع، وفقا لمبدأ الولاء والبراء، بتحريم كل أنواع الاتصال السلمي بالمشركين، بل وتكفير كل من رضيَ سياسيا بالتحالف والانضمام للدولة العثمانية، نرى الآن الملك ومستشاريه وبمباركة علماء الوهابية الجديدة، يقيمون علاقات دبلوماسية مع هذه القوى الأجنبية الكافرة، هكذا يرى الإخوان كيف تسير الأمور، وفق رؤيتهم للعالم التي غذَّتها التعاليم الوهابية القديمة، أو كما فهموه من تلك التعاليم(45).

وفي حين كان العلماء يصدّعون الأسماع بالبراءة والمعاداة لكل الطوائف والمذاهب التي تمارس الكفر والبدع أو تتصالح معها، نجد كبار علماء الوهابية الآن يجيزون للملك التسامح معهم واستيعابهم في الدولة، وتركهم وعدم إجبارهم، والاكتفاء بمجرد دعوتهم بالحكمة والرفق والتدرج، ولكن الإخوان يرفضون هذه (المداهنة) و(الميوعة) و(الليونة) في الحق بحسب تصورهم الذي تم تغذيتهم به أثناء تكوّنهم الفكري في الهجَر الوهابية. وحين حاول الإخوان أن يفرضوا العقيدة الصحيحة والسلوك القويم على الناس بالقوة، في بعض المناطق، خاصة في الحجاز، استنكر علماء الوهابية أفعالهم ودعوهم إلى اعتماد وسائل أكثر لينا وحكمة، بعد أخذ الإذن من السلطات.

217115b390

أبرز أمراء وقيادات إخوان من طاعة الله، في أحد اجتماعاتهم

ومهما كان أمر هذا السجال والصراع الديني، وكيف انتهى سياسيا وعسكريا، إلّا أننا نشهد فيه أول تمرد وانشقاق للسلفية الوهابية بصورة ظاهرة وجلية، أو بالأصح صرنا أمام وهابيتين: وهابية العهد القديم، ووهابية العهد الجديد: وهابية ملتزمة بحرفية نصوص الآباء المؤسسين، ووهابية تتعاطى نصوصها بنظرة أكثر واقعية وذرائعية.

هذا الانقسام والانشطار لم ينتهِ بمجرد الحسم العسكري للجماعات المتمردة، بل بقيت أفكار الوهابية القديمة تنتقل جيلًا بعد جيل، إلى يومنا هذا، فالجماعات الجهادية -على سبيل المثال- والتي تتبنى نهج العنف والتكفير والقتال، تستمد مقولاتها العقائدية، من تعاليم (وهابية العهد القديم)، بل رأينا معظم منظّري القاعدة ينطلقون في أطروحاتهم وتأصيلاتهم من كتابات ذلك العهد. وحين يقوم أتباع الوهابية (اليوم) أو ما يعرف بالسلفية الحركية، بمواجهة تلك الجماعات، أو الوهابيات المتطرفة، والانخراط في صراع معها، فهم لا يفعلون شيئا مؤثرا سوى أنهم يعيدون نفس التاريخ الذي حدث بين الوهابية المتصالحة والمتحالفة مع الدولة، والوهابية الجامدة والمتمردة والمقاتلة!

pfgmkhng

في المنتصف أمير الإخوان فيصل الدويش، وعلى اليمين نايف بن حثيلين، وعلى اليسار صاهود بن لامي

التقطت الصورة على متن السفينة البريطانية قبل تسليمهم للملك عبدالعزيز 

إنه (صراع التأويلات)، الصراع على تأويل نصوص العهد القديم للوهابية، وهو صراع مستمر، بين وهابيتين: وهابية تؤمن بالواقعية والبراجماتية، ووهابية تؤمن بالوفاء لتعاليم العهد القديم، وكلا الوهابيتين تدعي بأنها الممثل الشرعي للدين الحق.

ففي حين كان الإخوان يكفِّرون الدولة، بسبب اتصالها بالحكومة البريطانية، وعقد الاتفاقات معها، اتباعا منهم لتعاليم وهابية (العهد القديم) وتطبيقا لنصوصها القديمة في تكفير كلّ من تحالف مع العساكر التركية؛ نجد أن هؤلاء الإخوان أنفسهم، أجازوا لزعمائهم فيما بعد، التواصل مع الحكومة البريطانية، ومحاولة عقد الاتفاقات معها، واللجوء إليها، والاستجارة بها، عندما ضاقت عليهم الأرض، جراء الخسائر والهزائم المتتالية التي تعرضوا لها من عساكر الملك عبد العزيز(46). ولكي لا يبدون متناقضين أمام أتباعهم، كانوا يبررون لهم هذا السلوك السياسي، بأنهم مقتدون بالصحابة، حين هاجروا إلى الحبشة النصرانية، وتركوا عشيرتهم الكافرة.

الأمر الذي دفع كبار علماء وهابية (العهد الجديد) إلى إصدار الفتوى بتكفير أولئك (الإخوان) بسبب اتصالهم بالحكومة البريطانية (الكافرة) ولجوئهم إليها؛ فــ “هؤلاء الذين ذكرهم السائل، وهم العجمان والدويش، ومن تبعهم، لا شكَّ في كفرهم وردتهم، لأنهم انحازوا إلى أعداء الله ورسوله، وطلبوا الدخول تحت ولايتهم، واستعانوا بهم، فجمعوا بين الخروج من ديار المسلمين، واللحوق بأعداء الملة والدين، وتكفيرهم لأهل الإسلام، واستحلال دمائهم وأموالهم”(47). تصدر هذه الفتوى، في الوقت الذي كان أولئك العلماء يجيزون للملك التواصل مع ذات الحكومة البريطانية (الكافرة)، “لأنه إمام المسلمين، والناظر إلى مصالحهم، ولابدّ له من التحفظ على رعاياه وولايته، من الدول الأجانب”(48).

695403_228779

طائرة من سلاح الجو البريطاني أسقطها جيش الإخوان أثناء معاركهم

إن كلا الوهابيتين وجهان لنمط واحد؛ نمط يدّعي بأنه الوحيد الذي يملك الحقيقة الدينية بصفة مطلقة، وأنه الممثل الشرعي والوحيد للعقيدة الصحيحة، وأنه المرجع الوحيد في فهم السلوك القويم المؤدي للنجاة في الآخرة، وبالتالي يحق له إنتاج المعنى الديني وإدارته وتطبيقه وفرضه في الواقع دون الآخرين.

ولكن بالرغم من كل ذلك، وللموضوعية، والإنصاف، لا يمكن جعل الوهابية، في تجلياتها الجديدة، بعدما انخرطت في مشروع الدولة الحديثة ومتطلباتها، وأصبحت تساير ضغوطات الحداثة، لا يمكن وضعها في صف واحد مساوية للوهابية التقليدية، والتي ما زالت تلتزم، وبصورة حرفية، بتعاليم العهد القديم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) علماء الإسلام- تاريخ وبنية المؤسسة الدينية السعودية، محمد نبيل، الشبكة العربية للأبحاث والنشر: ص (153).
(2) لسراة الليل هتف الصباح، عبدالعزيز التويجري: ص (520).
(3) أبرز علماء الوهابية، الذين كان لهم دور نشط في لحظة تأسيس الدولة السعودية الثالثة، هم: عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، ومحمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، وسعد بن عتيق، وعبد الله العنقري، وسليمان بن سحمان، وعبد الله بن سليم.
(4) الدرر السنية: (8/47).
(5) نفسه: (9/105).
(6) نفسه: (8/30). 
(7) نفسه: (8/29).
(8) نفسه: (8/30).
(9) نفسه: (8/28).
(10) نفسه: (8/47).
(11) انظر: الإخوان السعوديون في عقدين، جون حبيب، ترجمة صبري محمد حسن، دار المريخ، الرياض: ص (46- 47).
(12) الإخوان السعوديون في عقدين: ص (46- 47). 
(13) وتذكر بعض المصادر التاريخية، أن قبائل نجد والحجاز، التي كانت موالية بالأساس للدولة السعودية الأولى، تخلّت عن الوهابية، وتحالفت مع إبراهيم باشا، قائد الحملة العثمانية، وقامت بتوجيهها عبر الصحراء إلى أن وصلت إلى أسوار الدرعية. انظر: العربية السعودية، جون فليبي: ص (140). 
(14) وسبق هذا في المبحث الثالث، وانظر أيضا: الدرر السنية: (9/238).
(15) علماء الإسلام: ص (159).
(16) نفسه : ص (159).
(17) مخطوطة يحتفظ بها الباحث الدكتور محمد ملين، انظر: علماء الإسلام: ص (160).
(18) الدرر السنية: (10/429).
(19) نفسه: (9/83).
(20) نفسه: (9/211).
(21) منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع، سليمان بن سحمان، مكتبة الفرقان، عجمان: ص (79).
(22) علماء الإسلام: ص (160).
(23) الإخوان السعوديون في عقدين: ص (47).
(24) نفسه: ص (53).
(25) نفسه: ص (57).
(26) نفسه: ص (60).
(27) نفسه: ص (63).
(28) نفسه: ص (63).
(29) نفسه: ص (63).
(30) نفسه: ص (66).
(31) السعوديون والحل الإسلامي، محمد جلال كشك: ص (395).
(32) الإخوان السعوديون في عقدين: ص (93).
(33) نفسه: ص (90).
(34) الدرر السنية: (8/82)، (9/144 و 173).
(35) الإخوان السعوديون في عقدين: ص (82).
(36) نفسه: ص (83).
(37) نفسه: ص (80).
(38) السعوديون والحل الإسلامي: ص (535)، ولسراة الليل هتف الصباح: ص (205).
(39) الدرر السنية: (9/133).
(40) نفسه: (8/84).
(41) نفسه: (9/183).
(42) نفسه: (9/113).
(43) نفسه: (9/185).
(44) انظر: المجلد الثامن من الدرر السنية: ص (83، 84، 422، 480)، وكذلك المجلد التاسع: ص (105، 108، 142).
(45) انظر مناقشة علماء الوهابية للإخوان في هذه المسألة: (9/157).
(46) الكويت وجاراتها، هارولد ديكسون: (1/317- 337).
(47) الدرر السنية: (9/209).
(48) نفسه: (9/158).

 



-- 
ثلاث مسلمات، فقط، لا أقبل النقاش فيها:
أولاً: ديني هو الإسلام.
ثانياً: وطني هو المملكة العربية السعودية.
ثالثاً: من يحكم هذ الوطن هو الملك.
بسّ.. لاغير.. فقط.. واضح؟!!
كمال عبدالقادر

ياسين الحاج صالح -في الضعف الفكري للاعتدال الإسلامي...


  -
في الضعف الفكري للاعتدال الإسلامي...

 الثلاثاء، ٢٦ أغسطس/ آب ٢٠١٤ (٠١:٠ - بتوقيت غرينتش)

يعترض إسلاميون على «داعش»، وخاض إسلاميون، منهم سلفيون، صراعاً مسلحاً ضد «داعش»، لكنْ، هناك خمول لافت للجبهة الفكرية في هذا الصراع، يدفع المرء إلى التساؤل: لماذا لا يغضب المسلمون لدينهم، وهو اليوم عنوان لممارسات تجمع بين كونها من الأكثر شراً وإجراماً في تاريخ البشر، وبين التمتع بها ونسبتها بفخر إلى دين المسلمين؟ لماذا يبدون غير قادرين على القول بكلام قاطع إن هذا ليس الإسلام؟

الأصل في ذلك في ما نرى أنه على المستوى الفكري ليس هناك فروق مهمة بين معتدلي الإسلاميين ومتطرفيهم، بين سياسييهم وعسكرييهم، وبين إسلام هؤلاء وإسلام أولئك. يتطلع الكل إلى حكم إسلامي يدوم، في بلدان يُعرّفونها أصلاً بأنها إسلامية بمعنى ماهوي للكلمة. حكمهم الدائم لها هو، تالياً، بمثابة إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح الذي حرفتها عنه مؤامرات الاستعمار وأتباعه. وهذا يدرج الدولة الوطنية وتاريخنا المعاصر كله في نطاق ما هو عارض، أو خارج على فطرتنا السليمة الجامعة، وينفي التحول عن التاريخ الأقدم (المسلمون صاروا أكثرية في المشرق فقط بعد الحروب الصلييبة، وكان أكثر المصريين شيعة أيام الفاطميين ولبعض الوقت بعدها...) ويجعله سوية إسلامية ثابتة لا تحول. وعليه، سيكون حكم الإسلاميين، وليس لدى الجماعة تصور للمستقبل لا يشغل حكمهم المنطلق فيه وأساسه، خروجاً على الخروج وعودة إلى الفطرة والأصل الصحيح.

على مستوى الإشكالية العامة (مجتمعاتنا إسلامية، والحكم لـ «الإسلام» فيها، أي للإسلاميين) لا تمايز فعلياً بين الإسلاميين، ليس هناك معتدلون ومتطرفون، هناك متطرفون (الإخوان) وهنا متطرفون جداً (سلفيو الجبهة الإسلامية) ومتطرفون جداً جداً (جبهة النصرة)، ومتطرفون جداً جداً جداً (داعش). هناك اعتدال ذاتي عند بعض الإسلاميين، لكنه بلا سند فكري وبلا إشكالية تخصه، ولذلك لا يستطيع المنافسة، وبالكاد يدافع عن شرعية وجوده.

وإن شئنا التحديد، هناك أربعة مستويات تجمع الإسلاميين، فلا يتمايزون فيها عن بعضهم.

أولاً، ليس بينهم من يفصل فصلاً قطعياً ونهائياً بين الدين والعنف، أو من يقول إن ممارسة العنف باسم الإسلام غير شرعية، ويقبل تالياً بحرية الاعتقاد الناجزة، بما فيها حرية عدم الاعتقاد وحرية تغيير الاعتقاد. على هذا المستوى، لا قطيعة بين «المعتدلين» المفترضين وبين «داعش». هذه نقطة يتعين على الإسلاميين التفكير فيها باستقامة ومنطق. إن تفكيرهم متهافت حين يعترضون على عنف «داعش» المنفلت، بينما هم لا يعترضون على جوهرية العلاقة بين الدين والعنف وعلى «تطبيق الشريعة»، ويتطلعون إلى السيطرة على الدولة والمجتمع معاً، مثلما تفعل المنظمات الشمولية.

ثانياً، يشترك الإسلاميون في مخيلة امبراطورية وفي ذاكرة امبراطورية، متمركزة حول فتح البلدان وغزو الأراضي والسيطرة العالمية، والمجد الحربي الإسلامي أو العزة الإسلامية. المخيلة الإسلامية الموروثة مخيلة قوة وسيطرة، وفي الذاكرة الإسلامية حضور قوي للأبطال والملاحم والأمجاد والسلاطين، وحضور ضعيف لليومي والعامي والنساء. ولم تجر يوماً مراجعة تقول إن الفتوح والغزو من عوارض التاريخ، وإنه ليست هناك علاقة ضرورية بينها وبين دين المسلمين.

ثالثاً، يشترك الإسلاميون السياسيون والعسكريون في ضعف حضور الدولة الوطنية في تفكيرهم، مقابل تصور الأمة الإسلامية، الخيالي والامبراطوري. الإسلاميون العسكريون (الجهاديون) لا وطنيون تكوينيا وجوهريا، بمعنى أنهم يذيبون الدولة الإقليمية القائمة، وهي مصلحة عامة عمرها قرن أو قرون في بلداننا، في الأمة الإسلامية المتخيلة، التي عمّرت فعلياً أقل من أكثر دولنا المعاصرة، وبمعنى أنهم طائفيون، يقصرون الأمة على المسلمين السنيين، والسلفيين منهم (نسخة طبق الأصل عن البعثيين، من حيث توسل ما فوق الدولة العربي لحجب أولوية ما تحتها الطائفي). ولهذا الكلام في السياق السوري دلالات مباشرة. فاللاوطنية المبدئية للسلفيين أضعفت الثورة السورية، والمجتمع السوري ككل، في مواجهة النظام، ولو لم يكن هذا بمستواهم من حيث الطائفية واللاوطنية والتطرف لاستطاع أن يكسب قطاعات من السوريين إلى صفه بفضلهم.

فهل وجد الإسلاميون «المعتدلون»، الإخوان المسلمون السوريون مثلا، ما يقولونه على هذا التكوين اللاوطني؟ ولا كلمة واحدة. لماذا؟ لأنهم شركاء في الإشكالية، لأن ما قالوه في وثائق سابقة للثورة لم يختلط بإشكاليتهم: الإسلامية الماهوية لمجتمعاتنا، واستنتاج اسحقاق الحكم فيها من ماهيتها المفترضة، حكمهم هم طبعا.

«التطبيق» هو مستوى الشراكة الرابع بين مختلف الإسلاميين، يضاف إلى الإكراه والمخيلة الامبراطورية والاستهانة بالدولة الوطنية والتاريخ الوطني. التاريخ نتاج لتطبيق عقيدة ناجزة معطاة على مجتمعات حية، أو هو «تنزيل» «الثابت» على المتغير، وتثبيته. التثبيت هو فعل إكراه حتما. وبينما قد تلزم «اجتهادات» تفصيلية، فإن كل ما هو أساسي معطى سلفا. ويندرج ضمن هذا التصور للتاريخ والسياسة مفهوم «تطبيق الشريعة»، حيث السياسي مُطبّق، مهندس اجتماعيا. ومهندسو المجتمع المقدسون يبترون الحياة البشرية ويقطعونها مثلما يفعل مهندسو الأشياء. ولا يبعد عن التصور التطبيقي أيضا الميل المتواتر إلى اتهام المسلمين مقابل تبرئة الإسلام من أية أوضاع متدهورة معاصرة. كأن هناك إسلاما بلا مسلمين، وكأن المسلمين جاهلون بدينهم، لا يصدرون عن نصوصه ومخيلته وذاكرته.

ما نرتبه على مجمل هذه االمناقشة هو قوة الاستعداد الداعشي عند الإسلاميين عموما، وانعدام السند الفكري لاعتدال إسلامي يعتد به. وفي غياب سند فكري قوي لمفهوم وممارسة إسلاميين مختلفين، يشعر شبان مسلمون متحمسون بأن دينهم يتمثل في داعش وما يشبهها، وليس في معتدلين خائرين، يرفضون داعش ذاتيا، لكن لا يستطيعون قول كلام واضح في شأن الفكر الداعشي.

فهل يكون السند الفكري للاعتدال الإسلامي غائبا لأنه ممتنع بكل بساطة؟ وهل يكون التطرف هو الإسلام الصحيح، و «المعتدل» المزعوم مجرد انتهازي مرواغ؟ هذا يستحق تناولاً مستقلاً.

والخلاصة أن الإسلاميين «المعتدلين» لا يدافعون عن دينهم ضد تطبيق وحشي له لأنهم شركاء في مفهوم التطبيق، وفي شرعية العنف ووجوبه، وفي الخيال المنشدّ إلى أمة إسلامية وهمية، بعيداً من واقع الدولة الوطنية الحديثة. وهذا لا ينطبق على جبهة النصرة والجبهة الإسلامية، بل على الإخوان المسلمين. ولذلك فإن أي صراع محتمل بين هذه المجموعات هو صراع محض سياسي، لا يثمر عدلاً أكبر أو يفتح أبواباً أوسع للكرامة الإنسانية.

 


Thursday, August 14, 2014

الوثيقة أدناه مستخرجة من دير كنيسة جبل سيناء وهي عبارة عن رسالة من رسول الله محمد " ص " بتاريخ ٦٢٠ م إلى الكنيسة


هذه
الوثيقة أدناه مستخرجة من دير كنيسة جبل سيناء وهي عبارة عن رسالة من رسول الله محمد " ص " بتاريخ ٦٢٠ م إلى الكنيسة حمّلها رسوله علي ابن أبي
طالب " رضي الله عنه" ويتعهد فيها بحماية المسلمين للمسيحيين ورعايتهم وضمان حرية العبادة والدعوة الى دينهم .
وقد أثبتها عام ١٥١٧ م السلطان العثماني سليم الأول .. واحتفظ بالمخطوطة في خزانة المملكة في القسطنطينية .
وتظهر الوثيقة طبعة يد النبي محمـد " ص " على الرسالة للتوثيق
الترجمة الإنجليزية للوثيقة :

" هذا كتاب محمد بن عبد الله ، عهدا للنصارى ، أننا معهم قريبا كانوا أم بعيدا ، أنا وعباد الله والأنصار والأتباع للدفاع عنهم ، فالنصارى هم رعيتي !
ووالله لأمنع كل ما لا يرضيهم فلا إكراه عليهم ولا يُزال قضاتهم من مناصبهم ولا رهبانهم من أديرتهم . لا يحق لأحد هدم دور عبادتهم ، ولا الاضرار بها ولا أخذ شيء منه إلى بيوت المسلمين . فإذا صنع أحد غير ذلك فهو يفسد عهد الله ويعصي رسوله .
وللحق أنهم في حلفي ولهم عهد عندي أن لا يجدوا ما يكرهون ... لا يجبرهم أحد على الهجرة ولا يضطرهم أحد للقتال بل يقاتل المسلمون عنهم .
إذا نكح المسلم النصرانية فلا يتم له ذاك من غير قبول منها . ولا يمنعها من زيارة كنيستها للصلاة . كنائسهم يجب أن تُحترم ، لا أحد يمنعهم من إصلاحها ولا الاساءة لقدسية مواثيقهم ... لا يحق لأي من الأمة (المسلمين) معصية هذا العهد إلى يوم القيامة . "

"This is a message from Muhammad ibn Abdullah, as a covenant to those who adopt Christianity, near and far, we are with them. Verily I, the servants, the helpers, and my followers defend them, because Christians are my citizens; and by Allah! I hold out against anything that displeases them.

No compulsion is to be on them. Neither are their judges to be removed from their jobs nor their monks from their monasteries.

No one is to destroy a house of their religion, to damage it, or to carry anything from it to the Muslims' houses. Should anyone take any of these, he would spoil God's covenant and disobey His Prophet. Verily, they are my allies and have my secure charter against all that they hate.

No one is to force them to travel or to oblige them to fight. The Muslims are to fight for them. If a female Christian is married to a Muslim, it is not to take place without her approval. She is not to be prevented from visiting her church to pray.

Their churches are to be respected. They are neither to be prevented from repairing them nor the sacredness of their covenants. No one of the nation (Muslims) is to disobey the covenant till the Last Day (end of the world)."

English translation from 'Muslim History: 570 - 1950 C.E.' by Dr. A. Zahoor and Dr. Z. Haq, ZMD Corporation. P.O. Box 8231 - Gaithersburg, MD 20898-8231 - Copyright Akram Zahoor 2000. P. 167
 — with Abderrahim Chahbiand 47 others.

Monday, August 11, 2014

دراسة مهمة جدّاً – من مصر حتى البحرين : انهيار سرية مخطط الشرق الأوسط الكبير



Dear all,this article is a bit long, but really very close to the fact that our region confront.

دراسة مهمة جدّاً – من مصر حتى البحرين : انهيار سرية مخطط الشرق الأوسط الكبير
الثلاثاء , 15 أكتوبر 2013

يوم 14 مايو 1948 , التاريخ الذي تم فيه الإعلان عن قيام “دولة إسرائيل” على أرض فلسطين , أكد ديفيد بن غوريون زعيم الكيان الصهيوني الجديد أن أمن إسرائيل يتحقق فقط عندما تكون إسرائيل أقوى عسكريا من أي تحالف عربي محتمل . وباتت هذه الرؤية عقيدة إسرائيل الأمنية لعقود عديدة . غير أن العديد من الاستراتيجيين الصهاينة رأوا لاحقا أن هذه النظرية وحدها لا تكفي لضمان أمن إسرائيل ، وأن ضمان هذا الأمن ، واستقرار الكيان وقوته وتماسكه مرهون بانهيار المجتمعات العربية وضعفها وتمزقها .
دراسات عديدة لمختلف الأجهزة الإسرائيلية أشارت إلى أن إتفاقية سايكس بيكو سازانوف المعقودة سنة 1916 والتي كانت تفاهما سريا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الامبراطورية العثمانية ، لم يكن كافيا لا لضمان هيمنة إسرائيل ولا لتأمين تحكم الغرب في هذه المنطقة الإستراتيجية الأساسية من العالم إقتصاديا وسياسيا وعسكريا ، وإنه يجب العمل على إعادة رسم الحدود في المنطقة الممتدة من باكستان وأفغانستان شرقا مرورا بسوريا ومصر وحتى سواحل المحيط الأطلسي غربا ..
نشر الفوضى
في فبراير 2011 , نشر الكاتب الاميركي “مايكل كولينز بايبر” مقالاً في موقع أميركان فري برس اشار فيه إلى بحث نشرته دورية المنظمة الصهيونية العالمية المعروفة “كيفونيم” بقلم الصحفي الاسرائيلي “عوديد ينون” المعروف بعلاقاته الوثيقة بالخارجية الإسرائيلية وأجهزة إتخاذ القرارات في الدولة العبرية ، دعا فيه بوضوح إلى نشر الفوضى في العالم العربي ، وإحداث انقسام فيها من الداخل إلى درجة تصل إلى “بلقنة” مختلف الدول العربية وتجزئتها إلى جيوب طائفية . هذا كان تردادا لذات الأجندة التي طرحها البرفسور الإسرائيلي “إسرائيل شاحاك” وهدفها تحويل إسرائيل إلى قوة عالمية من خلال نشر الفوضى في الدول العربية وبالتالي إعداد المسرح في الشرق الأوسط للهيمنة الإسرائيلية ..
هذا المخطط سبق وتحدث عن شبيه له الأكاديمي الأميركي “زبغنيو بريجنسكي” قبل أن يصبح فيما بعد مستشار الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي ، وذلك في كتابه “بين عصرين” الصادر في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي والذي دعا فيه للإعتماد على الأصوليات الدينية لمواجهة الخطر الماركسي ، ودعا لهيمنة رجال الدين واشعال حروب الأديان والطوائف ، وتقوية التيارات الدينية التي لا ترى العالم إلا من زاوية الدين والخلافات الدينية .
وفي إحدى تصريحاته يقول : إن منطقة الشرق الأوسط ستحتاج إلى تصحيح الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو ومقررات مؤتمر فرساي ..
وكان قد سبق لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنغر أن صرح انه بهذه المنطقة تواجدت كل الاديان ولا يمكن التعامل معها إلا من خلال الدين , أي أن اللعب على وتر الدين هو المدخل المناسب لتنفيذ المشاريع التي تصبو إليها الصهيونية العالمية .
         المستشرق الأميركي , البريطاني الأصل “بيرنارد لويس” , صرح في مقابلة صحفية نشرت يوم 20 مايو 2005 في عدة صحف ومواقع : “ان العرب والمسلمين قوم فاسدون ومفسدون فوضويون ، لا يمكن        تحضرهم . وإذا تركوا لأنفسهم , فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات ، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة إحتلالهم واستعمارهم . وفي حال قيام أميركا بهذا الدور , فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة ، لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان ، وأنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم . ولذا , يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها ، قبل أن تغزو أميركا وأوروبا لتدمر التوجه المتوحش فيها” ..
إذكاء صراع الحضارات
في كتابه “إسرائيل وصراع الحضارات” الذي صدر سنة 2008 , يكشف الصحفي البريطاني جوناثان كوك الدور الذي لعبته إسرائيل في إذكاء الصراع بين الحضارات ومحاولتها جعل تلك المقولة اساساً لنظرة العالم إلى مكوناته الأساسية لاسيما البلدان الإسلامية وذلك سعيا لإعادة صياغة الشرق الأوسط بأكمله على نحو مواتٍ لها ولمصالحها .
    ويؤكد كوك أن الحروب الأهلية ودعوات التقسيم التي رافقتها كانت على وجه التحديد هي الهدف الأول لغزو العراق ، وأن هذا الهدف لم يوضع في واشنطن ، وإنما في مكان آخر على بعد آلاف الأميال (ويقصد تل ابيب) ..
وبحسب التصور الصهيوني , فإن من يسيطر على العراق يتحكم استراتيجياً في الهلال الخصيب وبالتالي الجزيرة العربية ويكون ذلك مدخلا لكل المنطقة الممتدة من حدود العراق حتى السواحل الشمال أفريقية على المحيط الأطلسي أو ما سماه البعض ببحر الظلمات .
يذكر أنه بعد أبريل سنة 2003 بأشهر ، صرح ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي بوش السابق لآرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل ، ان الولايات المتحدة هاجمت العراق أولاً , وقبل أي شيء من أجل الدفاع عن إسرائيل .
بعد صدور كتابه بما يقرب من عقد , قال جوناثان كوك أن إسرائيل منذ عام 1980 قررت إتباع سياسة ملخصها هو تقسيم كل شيء على الضفة الأخرى ، أي في الجانب العربي ، بداية من الفلسطينيين ثم زحفاً إلى بقية الدول العربية . ويضيف كوك أن المحافظين الجدد كانوا يشاركون إسرائيل بقوة في ضرورة مواصلة هذه الإستراتيجية لإلغاء أي دور لدول الشرق الأوسط في السياسة الدولية وإغراقها في مشكلات داخلية تعمق من ضعفها ومنع موسكو أو بكين من الاستفادة من إقامة تحالفات مع الدول العربية للنفاذ إلى البحار الجنوبية الموصوفة بالدافئة وذلك في نطاق صراعهما لتقزيم الدور العالمي المهيمن للغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة .
ويتابع كوك ، أن الهدف هو بدء موجة من الصراعات الطائفية انطلاقا من العراق تمتد لاحقا إلى كل المنطقة، وكان العراق مكانا جيداً لإختيار هذه الاستراتيجية لأسباب متعددة كان منها ، انه تمكن في السابق من تحقيق وئام طائفي وإعلاء لراية الوطن على راية الطائفية ، فقد كانت نسبة الزيجات المختلطة بين الطوائف المتباينة هي الأعلى في الشرق الأوسط ، وكان من الواضح انه إذا نجحت تلك الاستراتيجية في العراق فان بامكانها ان تنجح في أماكن أخرى كثيرة .
ويقول كوك أن هدف إسرائيل من ذلك كان إدخال العراق في دائرة الاضطراب الدائم وزرع بذور شقاق طائفي إقليمي يقطع الطريق على دعوة القومية العربية، واطلاق اليد الإسرائيلية بترحيل عرب 1948 من فلسطين إلى خارج ارض “إسرائيل الكبرى” بحجة أن الجميع في الشرق الأوسط يبتعدون عن بعضهم على أسس دينية وعرقية، فلماذا لا تفعلها إسرائيل .
ويقول كوك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أتاحت فرصة ذهبية لأصحاب هذه الرؤية وجعلت الحديث عن صراع الحضارات وتفتيت الشرق الأوسط يخرج من مجالس الهمس إلى العلن .
معلقون غربيون في تكملة لما قاله كوك يذكرون أن ساسة الغرب يعملون الآن بدأب لنقل الصراع المذهبي إلى سوريا لنشر الفوضى والتفتيت في كل المنطقة ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن السودان قد انفصل قسمه الجنوبي مسبقا ولا تزال هناك مشاريع لمزيد من التقسيم فيه ، وأن الفوضى تعم ليبيا واليمن ومصر وحتى تونس ، وكل شيء في هذه البلدان يشير أنها سائرة في هذا الإتجاه ، وليس العكس .
وتجدر الإشارة هنا إلى ما قاله ساسة واشنطن للزعيم الراحل ياسر عرفات خلال المفاوضات على إتفاق أوسلو من أجل الضغط عليه : “إعلم أنك من منطقة قابلة لتعديل الحدود والبشر في أي وقت” .
أفادت دراسات صادرة عن مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ، ومعهد الدراسات السياسية الاستراتيجية المتقدمة خلال عقدي الثمانينات والتسعينيات ، أن إسرائيل تريد حصار العراق وسوريا من الشمال من خلال وجودها في تركيا والتجسس عليهما من خلال علاقاتها مع الأكراد والحكومة التركية وتريد تل أبيب كذلك التغلغل في الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى عن طريق تركيا لتكون قطبا مهما يساهم في المخطط الأميركي لمحاصرة روسيا من كل الاتجاهات ، ومنعها من إستعادة دورها العالمي البارز خلال عهد الإتحاد السوفيتي .
ذكر احد العاملين في مكتب رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي أن إسرائيل تدفع باتجاه قيام حرب أهلية في سوريا على الطريقة العراقية أو اللبنانية، وان مصلحتها تكمن في انهيار النظام الحالي دون قيام نظام آخر متماسك في مكانه ، وهذا يؤكد وجود مشروع يتعمد إغراق سوريا في الفوضى والإقتتال ،       وليس غير ذلك ، وإخراجها كلية من معادلات التوازنات الإستراتيجية في المنطقة لتسترخي إسرائيل وتطمئن .
البداية تقسيم 5 دول
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية يوم 28 سبتمبر 2013 خريطة تظهر تقسيم 5 دول في الشرق الأوسط إلى 14 دولة ، لافتة إلى أن المنطقة التي تعد المحور السياسي والاقتصادي الأكثر أهمية في النظام الدولي الذي يعاد تصميمه في حالة تقلب ..
وركز التقسيم الذي قدمه المحلل “روبرت رايت” يوم السبت 28 سبتمبر  على سوريا وقسمها إلى 3 دويلات وهي : "الدويلة العلوية التي تسيطر على الممر الساحلي . والدويلة الثانية هي كردستان السورية التي بإمكانها الانفصال والاندماج مع أكراد العراق في نهاية المطاف . أما الثالثة فهي الدويلة السنية التي بإمكانها الانفصال ومن ثم الاتحاد مع المحافظات الوسط في العراق” .
وسلطت الصحيفة الأميركية ، الضوء على المملكة العربية السعودية ، كثاني الدول التي يمكن تقسمها إلى 5 دويلات وتضم : “السعودية الشمالية ، والشرقية ، والغربية ، والجنوبية ، والدولة الوهابية” ..
أما عن ثالث الدول , فهي ليبيا التي قسمتها الصحيفة الأميركية إلى  دويلتين هما : "طرابلس وبرقة ومن الممكن أن تصبح ثلاثة بإقامة دولة فزان في الجنوب الغربي” .
كما أوضحت الـ “نيويورك تايمز” أن العراق يظهر كرابع الدول التي تم تقسيمها ,  حيث من الممكن أن ينضم أكراد الشمال إلى أكراد سوريا ، وتنضم العديد من المناطق المركزية التي يسيطر عليها السنة إلى السنة في سوريا ، ويصبح الجنوب خاصا بالشيعة” .
أما الدولة الأخيرة حسب الصحيفة الأميركية فهي اليمن ، وتم تقسيمها إلى دويلتين . واشارت أنه من الممكن أن يصبح جزء من اليمن جزءا من دويلة السعودية الجنوبية .
ويختم رايت الذي أعد هذا التقسيم بالقول : "أن رسم خريطة مختلفة سيكون تغييرا استراتيجيا في اللعبة للجميع ، ومن المحتمل أن يكون التقسيم الجديد هو إعادة لتشكيل التحالفات والتحديات الأمنية وتدفق التجارة والطاقة لجزء كبير من العالم” ..
صحيفة “نيويورك تايمز” تحدثت فقط عن مخطط تقسيم 5 أقطار عربية إلى 14 دويلة ، وهذا هو جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ينص على تفتيت دول المنطقة إلى ما بين 54 و56 دويلة متصارعة والذي فضحته وسائل إعلام عربية منذ سنوات كثيرة ولكن لم يثر نفس ردود الفعل الحالية أو الإنفجار الإعلامي الحالي لسبب بسيط أنه لم يصدر عن مصادر غربية معتمدة .
 
دراسة للبنتاغون
خلال صيف سنة 2013 , سربت بعض المصادر الإعلامية الغربية دراسة ذكرت أنها وضعت لحساب البنتاغون الأميركي تحتوي على ما يقارب من 1736 صفحة تتضمن تشخيصا ووصفا دقيقا لأوضاع الدول العربية مع تركيز على دول الخليج العربي التي تتحكم في جزء كبير من إنتاج النفط في العالم .
عسكريا صنفت الدراسة جيوش سوريا ومصر والسعودية وباكستان كأقوى الجيوش في المنطقة الشرق أوسطية الشرقية التي تمتلك ترسانة أسلحة ضخمة وقدرات تسليح ذاتية وخبرات مثل الجيش العراقي سابقا . وفي بحث مكون من 432 صفحة , أشارت الدراسة إلى كيفية تفتيت تلك الجيوش وذلك بتحييد الجيش الباكستاني عبر شغله بصراعات مختلفة وعمليات عنف داخلية تضعف الإقتصاد وتؤلب فئات المجتمع ضد بعضها ، بينما أشير إلى أن الجيش السوري قد تم استنزافه بشكل كبير حتى نهاية فبراير 2013 رغم الدعم الروسي الكبير بالسلاح . وأشارت الدراسة أيضا إلى التكنيك الواجب إتباعه في تفتيت الجيش المصري وخاصة عبر الزج به في مواجهات داخلية واسعة والعمل على نسف التناسق بين قياداته والعمل على بروز إنشقاقات تقود إلى جيش مواز مناهض للقيادة الحالية ..
ووضعت الدراسة أكثر من 69 سيناريوها متوقعا للمواجهة بين شعوب المنطقة قبل الشروع في عملية التقسيم إلى دويلات وولايات بحجم قطر .
تراهن الدراسة على تحقيق النجاحات المتتالية رغم قصر المدة التي تتوقعها للوصول إلى النتيجة وتعزو ذلك إلى عمق الإنقسام الأيدلوجي والفكري والعرقي والطائفي ..
تتضمن الدراسة سبل تخدير الشعوب بشعارات الربيع العربي والثورات لمحاربة الفساد والغزو الإعلامي عن طريق أكثر من 38 قناة مرئية ومسموعة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي .
ليس كل التاريخ مؤامرة
يقول الكاتب والمؤرخ محمد حسنين هيكل : “ليس كل التاريخ مؤامرة , ولكن المؤامرة موجودة في التاريخ . إن من لا يرى مؤامرة في كل ما فعله الغرب في المنطقة منذ بدايات القرن الماضي ، من وعد بلفور ، وسايكس بيكو ، وإقامة إسرائيل ، وما فعله منذ بدايات هذا القرن , فمن لا يجد في ذلك مؤامرة ، فإنه لا يفرق بين التمرة والجمرة” .
ويضيف هيكل : إن التفتيت الطائفي على مستوى المنطقة يحتاج بالضرورة إلى طائفيين أو أكثر ، أو إلى نوعيات تدعي الليبرالية والعلمانية ولكن لا تدري خطر ما تفعل ، أو أنها مخترقة بوسيلة أو بأخرى ، أو تحركها دوافع وأحقاد وكيديات خاصة . فالقوى العلمانية واليسارية والقومية والليبرالية الحقيقية والمبدئية والصادقة مع ذاتها ، لا تؤدي هذا الغرض ، لأن تكوينها الفكري والثقافي والعقائدي لا يسمح لها بذلك . إذا من هو المؤهل للقيام بهذا الدور ؟ طبعا هي القوى الدينية المتعصبة والمتطرفة والتكفيرية والنوعيات الأخرى المشابهة ، فضلا عن كل من يغذي الثقافة الطائفية بالقول أو الكتابة أو الفتاوى والخطابات والمقابلات والأحاديث والألفاظ … الخ . هؤلاء جميعا هم الرهان لجر المنطقة إلى الدائرة التي تخطط لها دوائر الصهيونية العالمية ، وهي تفتيت المفتت ، من خلال الضخ والحقن الطائفي حتى الصدام ، ثم تجزئتها على مقاسات تتلاءم مع إسرائيل وتضمن مستقبلها لقرن قادم على الأقل مع حلفائها ، لأن سايكس بيكو قد شاخَت ولم تعد صالحة لخدمة هذه الإستراتيجية الصهيوأميركية .
مخططات التقسيم
إن الدعوات إلى إضعاف العرب وتقسيم المنطقة إلى كانتونات عرقية ودينية وقبلية كانت دوماً موضع مخططات وتصورات استراتيجية لمعاهد البحوث الاميركية التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني مثل : مؤسسة التراث ، والمعهد الأميركي لأبحاث السياسة العامة ، ومعهد أبحاث السياسة الخارجية ، ومعهد بروكنغز ، هذا إضافة إلى العشرات من معاهد الدراسات الأخرى مثل : مركز فريمان للدراسات الإستراتيجية في تكساس ، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي ، ومعهد دراسات السياسة والإستراتيجية المتقدمة ..
وهذه المعاهد طرحت دوماً أهمية الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة وإيجاد نظام ٌقليمي شرق أوسطي بدلاً من النظام الإقليمي العربي . الكل يتذكر طرح شيمون بيريز بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 عن قيام شرق أوسط كبير ، ينسجم مع هذه الرؤى والاستراتيجيات الصهيونية . وهذا ما نادت به أيضاً وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس عندما تحدثت عن ولادة شرق أوسط جديد في بداية العدوان الإسرائيلي سنة 2006 على لبنان ، وأعادت الحديث عن نظرية “الفوضى الخلاقة” ..
رئيس أركان أميركي سابق يكشف المحظور
يوم الجمعة 4 أكتوبر 2013 , نقلت عدة وكالات أنباء دولية وصحف مختلفة تصريحات نسبت إلى رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الأسبق الجنرال المتقاعد هيو شيلتون ، ذكر فيها أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تعمل على زعزعة استقرار الأنظمة في كل من مصر والبحرين . ونقلت صحيفة “وورلد تربيون” الأميركية على موقعها الإلكتروني عن شيلتون الذي خدم في عهد كل من الرئيسين الأميركيين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش والذي يبقى بحكم موقعه القيادي السابق ومهامه الجديدة بعد التقاعد كمستشار للعديد مما يسمى مستودع العقول الأميركي مطلعا على العديد من الملفات المصنفة سرية ، قوله “إن مصر نجحت في إيقاف الحملة التي قام بها أوباما لزعزعة الاستقرار في البلاد خلال عام 2013″ ، لافتا إلى أن وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي ، مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع السابق , تمكن من كشف المؤامرة الأميركية لدعم الإخوان المسلمين الذين وصلوا إلى سدة الحكم وسط اضطرابات لم يسبق لها       مثيل ، وهو الأمر الذي أدى للإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في 3 يوليو 2013 .
وأضاف أنه إذا لم يتم الإطاحة بمرسي بمساعدة الجيش , لكانت مصر قد تحولت إلى سوريا أخرى وتم تدمير الجيش المصري بالكامل .
وأوضح شيلتون ، الذي لم يكشف عن مصادر معلوماته ، أن الحلفاء العرب قد ابتعدوا عن واشنطن وشكلوا تحالفا بين مصر والسعودية والإمارات ضد الإخوان المسلمين ..
وعلى الصعيد ذاته ، قال شيلتون إن أجهزة الاستخبارات الأميركية قادت حملة ضد البحرين التي أرهقتها “الثورات الشيعية" وأن واشنطن قدرت أن البحرين ستكون لقمة سائغة ومن شأنها أن تكون بمثابة المفتاح الذي يؤدي إلى انهيار نظم دول مجلس التعاون الخليجي .
بعد حوالي 48 ساعة على تناقل وكالات الأخبار ما وصف بتصريحات الجنرال المتقاعد هيو شيلتون , أصدرت السفارة الأميركية في البحرين بيانا قالت فيه : لقد تحققت البحرية الأميركية مباشرة من الجنرال هيو شيلتون بأن الادعاءات التي نشرتها إحدى الصحف حوله ملفقة تماما . لقد تأكدنا من الجنرال بنفسه أنه لم ولن يدلي أبدا بتصريح كاذب بكل وضوح مثل هذا . لم يكن الجنرال شيلتون على شبكة فوكس نيوز ابدا ليتحدث عن البحرين . في الواقع , كان آخر ظهور له على شبكة فوكس في عام 2010 عندما كان يقدم سيرته الذاتية .
ان الجنرال شيلتون لم يعمل أبدا في الأسطول الخامس الأميركي مثلما يدعي الخبر . الجنرال شيلتون بطل أميركي ومقاتل مخضرم يحمل أوسمة . لقد تقاعد الجنرال شيلتون من الجيش الأميركي في عام 2001 بعدما أحتل أرفع منصب في العسكرية الأميركية كرئيس لهيئة الأركان المشتركة . ان الولايات المتحدة الأميركية ومملكة البحرين تتمتعان بعلاقات ثنائية قوية على العديد من المستويات وهي علاقة تمتد إلى ما يقارب من سبعة عقود ..
المسجل هنا أن مصدرا إعلاميا واحدا من بين العشرات سقط في خطأ القول أن الجنرال شيلتون كان قائدا للأسطول الخامس .
النفي الأميركي أستقبل بكثير من الشك خاصة لما سبقه من تصريحات من البيت الأبيض تكذب تسريبات خطيرة ومحرجة وفي مقدمتها ما نشر على موقع ويكيليكس الذي وضع أمام الجميع على الانترنت مئات آلاف الوثائق المصنفة سرية ..
قضية الإنكار في سياسة البيت إنطبقت كذلك على إدوارد جوزيف سنودن المتعاقد والتقني والعميل السابق لدى وكالة المخابرات المركزية والذي عمل كمتعاقد مع وكالة الأمن القومي قبل أن يسرب تفاصيل برنامج التجسس بريسم إلى الصحافة ..
في يونيو 2013 , سرب سنودن مواد مصنفة على أنها سرية للغاية من وكالة الأمن القومي ، منها برنامج “بريسم” إلى صحيفة الغارديان وصحيفة الواشنطن بوست ..
في البداية , ذكرت واشنطن أن تصريحات سندون خيالية ومغرضة ونابعة عن عقل مريض . ولكن بعد أن إتضح أن الكاذب , هو البيت الأبيض تبدلت أساليب التعامل مع الرأي العالمي .
يقول مراقبون إن تصريح الجنرال شيلتون يقدم تفسيرا منطقيا للتقارب المتسارع بين بلدان خليجية والسلطات المصرية التي جاءت لحكم مصر بعد إزاحة النظام الإخواني بعزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي .
ويضيف هؤلاء أن الحزم الذي أبدته دول الخليج في توجهها للتحالف بقوة مع النظام المصري الجديد والتعاون مع الجيش المصري لإسقاط الإخوان يأتي في سياق مواصلة العمل لمواجهة المخطط الأميركي ، بعد أن تبين أن وصول الإخوان المسلمين إلى حكم مصر لم يكن ينفصل عن مخطط الإدارة الأميركية ضد منظومة دول الخليج العربي كلها ..
ويشار أنه منذ اندلاع الاحتجاجات في البحرين لم يسجل الملاحظون أي موقف أميركي واضح مما يجري وخاصة من أحداث عنف إرهابية تمت إدانتها من أكثر من قوة إقليمية ودولية .
وقد حاولت إدارة الرئيس أوباما تسليط الضغط على الحكومة البحرينية عبر تكثيف الانتقادات للملف الحقوقي البحريني سواء بشكل مباشر ، أو عبر منظمات وهيئات معروفة تبعيتها للولايات المتحدة .
حبل التواصل الذي لا ينقطع
البعض مال إلى التشكيك في تصريحات رئيس هيئة الأركان الأميركي السابق ومسايرة النفي الصادر عن السفارة الأميركية في المنامة .
الدكتور مصطفى كامل السيد , أستاذ العلوم السياسية في جامعات بمصر , قال خلال اتصال هاتفي بفضائية “سي بي سي” إنه يجب التوقف عند تصريحات هيو شيلتون ، فهذا الجنرال لم يعمل مع الرئيس الأميركى باراك أوباما ، وإنما عمل مع كلينتون وجورج بوش ، ولذلك يكون السؤال من أين حصل على هذه المعلومات ؟
وتابع : أن الصحيفة التي نشرت هذه الأنباء ليست من الصحف الرئيسية في الولايات المتحدة الأميركية . ومن ناحية أخرى , لم يكشف رئيس هيئة الأركان الأسبق عن مصدر معلوماته ، كما أن الأطراف التي تحمست لهذه التصريحات معروفة بمعارضتها وتحيزها ضد أوباما ، زيادة على أن هناك حملة هجومية في أميركا على أوباما بسبب الشرق الأوسط ، حيث يقول خصومه إنه أفقد الولايات المتحدة قدرتها على التأثير ، وضيع فرصة التخلص من النظام السوري الحالي بسرعة ..
وتابع : أصحاب هذه الانتقادات يلومون الرئيس الأميركي لأنه لم يمارس الضغط الكافي على السلطة المصرية الجديدة لإعادة الرئيس مرسي إلى الحكم ، ومنهم السيناتور جون ماكين ، مؤكدا على أن هذه المعلومات لعسكري سابق وليس تصريحا أو معلومات صحيحة ، ومن الصعب على مسئول أميركي سابق الحصول على معلومات سرية ..
ما نساه الدكتور مصطفى كامل السيد وهو يفند التصريحات المنسوبة للجنرال هيو شيلتون أن مخططات الإدارة الأميركية الخاصة بمصر والبحرين ليست وليدة إدارة الرئيس أوباما ، فهي موضوعة منذ سنوات عديدة وضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد وذلك حتى قبل رئاسة بوش الأبن ، كما نسي الدكتور مصطفى كامل السيد أن الرؤساء الأميركيين المتعاقبين في البيت الأبيض يكملون ما شرع في تنفيذه أو تخطيطه من سبقوهم ، حيث أن قادة البيت الأبيض سواء جمهوريين أو ديمقراطيين لا يختلفون مع بعضهم في الخيارات السياسية سوى في أمور لا تبدل من التوجه الإستراتيجي العام وكل ما قد يختلفون بشأنه يكون في غالب الأحيان التكتيك المتبع للوصول إلى نفس الهدف ..
لهذا , فإن الجنرال هيو شيلتون كان مطلعا على المخططات الأميركية وهو في الخدمة وقبل تقاعده ، زيادة على ذلك فإن هذا القائد العسكري وكغيره من ساسة وقادة الجيوش الأميركية ومسيري أجهزة الأمن يبقون على إتصال وعلم بكثير من مستجدات قرارات البيت الأبيض سواء كمستشارين أو خبراء مستقلين أو كجزء من منظومة الدراسات الأميركية التي تقدم المشورة ليس فقط للسياسيين بل كذلك للشركات التي تستثمر ملايير الدولارات لجني مزيد من الأرباح في مناطق مختلفة من العالم .
المهم أيضا أنه في عملية التعامل مع التصريحات المنسوبة للجنرال هيو شيلتون، من الواجب العودة قليلا إلى الخلف حيث أنه منذ نشر شبكة ويكيليكس مئات ألاف الوثائق السرية الأميركية سنة 2006 , تجتهد الأجهزة الأمنية الأميركية لمنع تكرار الكارثة التي أضرت بواشنطن ولكن دون نجاح كامل . مصادر رصد موثوقة في العاصمة الفدرالية الأميركية تتحدث عن وجود شكوك بشأن شخصيات نافذة في مراكز القرار تقوم مباشرة أو عبر أطراف ثالثة بكشف العديد من الملفات السرية ، وهي مقتنعة أن ذلك يحول دون سقوط بلادهم في منحدر شيخوخة القوى العظمى ويفتح الطريق أمام سياسيين جدد يرغبون في إنقاذ الولايات المتحدة من ملاقاة مصير مشابه لإمبراطوريات عظيمة سابقة ..
مؤذية ومفيدة
يوم 13 سبتمبر 2013 , أعلن مدير المخابرات الأميركية جيمس كلابر ان تسريبات ادوارد سنودن حول برامج المراقبة التابعة لوكالة الأمن القومي الأميركي كانت مؤذية ولكنها فتحت المجال أمام نقاش مفيد حول الحريات العامة .
   وذكر خلال مؤتمر صحفي حول التسريبات التي قام بها المستشار السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي : “اكره الاعتراف بذلك ولكن ما جرى وما كان مؤذيا فتح المجال أمام محادثات ونقاشات كان لا بد منها” ..
وأضاف كلابر الذي يترأس 16 وكالة مخابرات ومنها وكالة الأمن القومي الأميركي في حال كان هناك عامل ايجابي لهذا الأمر فهو على الأرجح جذاب ..
وأشار مع ذلك إلى انه قلق جدا من نتائج تسريبات المستشار السابق اللاجئ في موسكو على نشاطات وكالة الامن القومي الاميركي ومجمل وكالات المخابرات ..
التعثر الذي يواجه مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير يثير قلقا كبيرا في الدوائر التي تتحكم في رسم السياسة الأميركية خاصة لأن موسكو وبكين وقوى أخرى تسعى للإستفادة من التعثرات الأميركية   ..
يوم الثلاثاء فاتح أكتوبر 2013 , نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تقريرا عن سعى روسيا إلى ملء الفراغ في الشرق الأوسط ، وقالت إنه بعد عقدين من انهيار الاتحاد السوفيتي وتعزيز الولايات المتحدة لدورها باعتبارها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط ، فإن روسيا تعود وتسعى لطرق شتى لملء الفراغ .
وأضافت الصحيفة أن الجهود الدبلوماسية الأخيرة التي ساهمت في تجنب ضربة أميركية إلى سوريا أكدت إلى أي مدى ساعد دعم موسكو الثابت لحليفتها الأخيرة الباقية في العالم العربي في إعادة تأكيد الدور الروسي ..
وقد ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتباره زعيم العالم الذي له التأثير الأكبر الوحيد على نتيجة حرب مستعرة تهدد استقرار المنطقة على نطاق واسع ، وحصل على تنازلات من كل من الرئيس السوري بشار الأسد والأميركي باراك أوباما ممن أجل إصدار قرار من الأمم المتحدة يطالب سوريا بتصفية ترسانتها      الكيماوية ..
وتتابع واشنطن بوست قائلة : وبشكل أقل وضوحا ، قامت سوريا بتدعيم تحالفات جديدة وإحياء صداقات قديمة أبعد منذ ذلك ، والتواصل مع دول طالما اعتبرت أنها تنتمي إلى فضاء النفوذ الأميركي بطرق تكرر تنافسات القوى العظمى في عصر الحرب الباردة .
وتشمل تلك البلدان مصر والعراق ، الدولتين العربيتين ذات الثقل اللتين بدأتا استكشاف علاقات أقرب مع موسكو في الوقت الذي عبرت فيه إدارة أوباما عن تردد في أن تصبح متورطة بشدة في الاضطرابات التي يشهدها الشرق الأوسط ..
ويقول محللون عرب إن الأمر يظل محل تساؤل فيما يتعلق بما إذا كانت روسيا عازمة على عدم التنافس مع الولايات المتحدة على المنطقة الحيوية من الناحية الاستراتيجية ..
ويقول مصطفى العاني ، من مركز أبحاث الخليج في دبي إن السعودية ، القوة العربية الأكبر ، والتي لا تزال أقرب حلفاء أميركا بين العرب تشعر بشكوك عميقة إزاء مناورات روسيا ، ومقتنعة أن موسكو مشاركة في جهود لخداع الولايات المتحدة على حسابها .
ويضيف العاني أن الرأي يذهب إلى أن روسيا تنظر إلى المشكلة الكاملة في الشرق الأوسط في الموقع القديم للحرب الباردة ، فحيثما تكون أميركا ، يجب أن يفسدوا اللعبة .
فهم ليس لديهم أي مبادئ ، وسياستهم الوحيدة هي مواجهة الأميركيين ..
لكن فيودور لوكيانوف ، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية في موسكو ، يرى أن الأمر ليس كذلك . ويقول إن السعودية وحلفاؤها في الخليج هم من يحاولون خوض ألعاب كبيرة بأنفسهم ، ويلقون بغرور الحجارة على بيت زجاجي .
ويضيف قائلا : النوايا الروسية في المنطقة متجذرة في عدة اعتبارات ، لكن يأتي في المقام الأول التأكيد على دور روسيا في العالم كدولة لا غنى عنها ، لاسيما في ظل العجز الأميركي على حل المشكلات ..
ميدل ايست اونلاين
عمر نجيب
  شبكة البصرة