Wednesday, January 1, 2014

بين «تصريف الأعمال» وحكومة من دون ثقة .. من يرث الرئاسة؟ احمد زين

قراءة دستورية
بين «تصريف الأعمال» وحكومة من دون ثقة .. من يرث الرئاسة؟

احمد زين

لم يكن مفاجئاً بدء «تزييت» آليات خوض استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية المقبل، قبل ما يقارب خمسة أشهر من انتهاء ولاية الرئيس الحالي العماد ميشال سليمان.
ففي جميع الاستحقاقات المماثلة التي سبقت، كان الطامحون لتبوء «سدة الرئاسة» يبكرون في استنفار «ميليشياتهم السياسية» لبدء الدعاية والإعلان لهم، بعد ان يغذوها بمواقف وآراء والتذكير بإنجازات ما. أما في الاستحقاق المقبل فبدأت عملية «التزييت» باجتهادات دستورية ترتكز في معظمها وسندها الأساسي الأزمة الحكومية وحالة تصريف الأعمال الناتجة عنها المستمرة منذ حوالي تسعة أشهر.
ان ارتكاز افتتاح معركة الاستحقاق الرئاسي على الأخذ بالاعتبار حالة تصريف الأعمال الحكومية، يكشف بالعين المجردة ان الأزمة الوزارية كانت مقررة منذ مفاجأة رئيس الحكومة الجميع باستقالة حكومته في 22 آذار الماضي، ويمكن القول إنه في تلك الاستقالة بدأت معركة انتخاب فخامة الرئيس. ومرد ذلك إلى وجود قرار ما يقضي بالحؤول دون تشكيل حكومة جديدة لتبقى الحكومة الحالية تصرف الأعمال حتى عشية إجراء الاستحقاق الانتخابي، وعندها يتم تشكيل حكومة أمر واقع كان قد طالب بها البعض منذ أشهر. ويبدو واضحاً ان مهمة هذه الحكومة ودورها ليسا تسيير أمور الدولة وتصريف أعمالها، باعتبار ان ولايتها لن تمتد إلا لأسابيع معدودة لأن الحكومة تعتبر مستقيلة عند انتخاب الرئيس، انما وضع الجميع امام واحد من خيارين لا ثالث لهما: أما تيسير انتخاب الرئيس الذي تحتاج جلسة انتخابه أكثرية الثلثين، وبالتالي لمشاركة النواب المعارضين لانتخابه. وأما ان يكون البديل حكومة الأمر الواقع التي تستلم صلاحيات الرئاسة، وهي الحكومة التي لم تكن مقبولة حتى لتسلم مهام السلطة الإجرائية، فكيف إذا كانت تمارس صلاحيات رئيس البلاد والعباد؟!
من هنا يمكن القول إن الاجتهادات والآراء طرحت للتمهيد لهذه الغاية وتصب في صلب معركة الاستحقاق الرئاسي ومُخطط لها منذ شهور وشهور، وليست مجرد تضارب وجهات النظر حول شكل الحكومة وتوزيع حقائب وزارية وفيتوات على تمثيل هذا الفريق أو ذاك. وما يدل على ذلك مقولتان لا يمكن تجاهلهما، وتبرز الأولى بقول أحد المعنيين بعملية التشكيل «إن الحكومة تصبح دستورية بصدور مرسوم تشكيلها». ومثل هذا الاعتقاد «غير دقيق» لأن دستورية أي حكومة لا تكتمل إلا بنيلها ثقة مجلس النواب، وصدور مرسوم تشكيلها ليس إلا مرحلة من المراحل المؤهلة لطرح الثقة. ولتبسيط هذا المفهوم يمكن السؤال عما إذا كان الشخص الذي يرد اسمه في مرسوم التشكيل ورفض المشاركة في الحكومة قبل نيلها الثقة يقال إنه قد اعتذر أم قد استقال؟ ولماذا يقال إن الحكومة في النظام البرلماني الديموقراطي «هي حكومة المجلس»؟ لهذا، ولأسباب عديدة أخرى، يجب القول إنه بصدور مرسوم التشكيل لا تكون دستورية الحكومة قد اكتملت، ويمكن الاعتقاد بأن الحكومة التي لم تكتمل دستوريتها في شهرها السابع لن تكتمل دستوريتها في شهرها التاسع الذي أصبحت على مشارف «إنجازه».
إن ما يفسر القول إن الحكومة تصبح دستورية بمجرد صدور مرسوم تشكيلها جاء في ما نقل عن مسؤول آخر بقوله «عندما يوقع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيل الحكومة تصبح الحكومة قائمة وهي التي تتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية».
هذا التناغم المكمل لوضوح صورة ما هو مقرر يبقى بحاجة لإثبات صحة ما أستند إليه، وهنا يبرز أمران أساسيان هما: لمن تؤول صلاحيات رئيس الجمهورية في حال انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان ولم يُنتخب البديل؟ وهل أن موقع حكومة تصريف الأعمال الناشئة عن حكومة اعتبرت مستقيلة في المفاهيم الدستورية هي ذاتها بالنسبة لحكومة اكتسبت تسميتها من صدور مرسوم تشكيلها فقط؟
إن إيلاء صلاحيات رئيس الجمهورية للحكومة إذا ما انتهت ولايته ولم يُنتخب البديل، هو ممارسة خاطئة ومخالفة للدستور، وإن كانت بعض السوابق قد أخذت بذلك. فالسابقة والعرف الخاطئ يسقطان عند وجود نص مخالف يجري استنهاضه. فالدستور اللبناني ميّز بين حالتين لفراغ «سدة الرئاسة» الأولى في المادة 62 بنصها على التالي: «في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء». والثانية في المادة 74 التي جاء فيها: «إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو بسبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون...». إن أول ما يطرح هنا، هل أن المشترع يمكن أن يضع حكمين مختلفين لحالة واحدة؟ إذا كان مستحيلاً ذلك فلماذا لم يكتف المشترع بالمادة 62 أو المادة 74؟
هنا يجب القول إن المشترع قد فرّق بين حالة تكون فيها صلاحيات رئيس الجمهورية معلقة، أي يمكن عودته إلى ممارستها، وبين حالة لا يمكن أن يعود فيها الرئيس ذاته لممارسة الصلاحيات. ويظهر ذلك جلياً من:
أ ـ تسلسل المواد السابقة للمادة 62، فالمادة 60 حددت تبعات رئيس الجمهورية ونصت على إمكان اتهامه من قبل مجلس النواب في حالتين ومحاكمته أمام «المجلس الأعلى». ولكن هل يمكن ان يتابع الرئيس ممارسة صلاحياته في حال الاتهام؟ ردت المادة 61 على ذلك بالقول «يكف عن العمل عندما يتهم وتبقى سدة الرئاسة خالية الى ان تفصل القضية من قبل المجلس الأعلى». ولكن هل تبقى سدة الرئاسة في مثل هذه الحالة فارغة رغم المبدأ القائل بعدم حصول فراغ في المؤسسات؟ هنا أجابت المادة 62 بنصها على «في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء».
يتبين من هذا التسلسل انه لو لم يكن الرئيس خاضعاً للاتهام الذي تكون نتيجته «كف اليد» لما كان نص المادة 62 على ما هو عليه كونه جاء في سياق معالجة حالة محددة، وكان قد اكتفى بما جاء في المادة 74 التي جاءت في الباب الثالث من الدستور المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية ولم يدخل المادة 62 في الباب الثاني ـ الفصل الرابع الذي أدرج تحت عنوان «السلطة الإجرائية». ولهذا فإن عبارة «أي سبب آخر» الواردة في المادة 62 لا تمتد مفاعيلها إلى أبعد من الحالة التي جاءت لتحكمها. «فالآخر» هنا يعني آخر مماثل لحالة الاتهام، أي السبب الذي أدى إلى التوكيل. وما يؤكد ذلك ان المادة 74 نصت بدورها على «السبب الآخر» بعد ان قدمت مثلاً على السبب، وهو وفاة الرئيس أي استحالة عودته إلى ممارسة صلاحياته، وإلا لماذا النص على حكمين لحالة واحدة وسببين آخرين ومثلين مختلفين حول كل سبب؟! لذلك يمكن الجزم ان المادة 62 جاءت لتحكم حالة «تعليق ولاية الرئيس» بحيث يمكنه العودة إليها إذا ما برأه المجلس الاعلى من الاتهام واذا كان العكس تصبح المادة 74 هي النافذة الإجراء.
والمادة 74 لم تعتمد صيغة التوكيل في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، ويتبين من المادة التي سبقتها والمادة التي تلتها ان المشترع قد حرص على عدم حصول فراغ في سدة الرئاسة حتى انه قد فرض ولو ضمناً عدم حصول توكيل، ربما حرصاً على الموقع والدور، فنص في المادة 73 على موعد إجراء انتخاب الرئيس بعد ان افسح في المجال مدة شهرين للتشاور، وفرضت على مجلس النواب ان يجتمع ولو من دون دعوة من رئيسه في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء الولاية اذا لم يدعو رئيس المجلس للاجتماع، وأتبع ذلك بالمادة 74 التي فرضت على المجلس الاجتماع فوراً بحكم القانون عند خلو السدة لسبب لا تعود معه امكانية عودة الرئيس لممارسة صلاحياته ممكنة، كالوفاة مثلا، فكيف يمكن ان تنطبق أحكام المادة 62 على فراغ السدة بفعل انتهاء ولاية الرئيس التي يستحيل معها عودته اليها؟!
انطلاقاً مما سبق فإن ملء فراغ سدة الرئاسة في حال الاستقالة او انتهاء مدة الولاية يضع على عاتق مجلس النواب تحديداً ان يبقى في اجتماع دائم حتى انتخاب الرئيس. فرئاسة البلاد بالوكالة هي مماثلة تماماً لتجميد الحكم الناشئ عن المدة التي سيستمر فيها المجلس منعقداً لانتخاب البديل.
أما على صعيد المساواة بين حكومتي تصريف الأعمال فهو أمر جدير بالنقاش إن كان الدستور قد تناول حالة التصريف في جملة واحدة لم يفرق فيها بين تصريف وتصريف. لا يمكن القول هنا بالنية لاعتبار ان المشترع قد ترك الأمر على عاتق من يفقهون، ولكن إذا أخذنا منشأ كل من حالتي التصريف ينكشف الفارق الشاسع بينهما. فالحكومة التي تعتبر مستقيلة كانت قد منحت ثقة مجلس النواب على أساس بيانها الوزاري وأشخاصها المكلفين العمل بهذا البيان، وعندما تعتبر مستقيلة فلا بد من ان تصرف الأعمال على أساس ما كانت تعتمده في سياستها. والأهم هنا ان الاستقالة لا تلغي ثقة مجلس النواب بالأشخاص، لأنه لو كان ذلك صحيحاً لكانت الثقة قد طرحت بأي وزير. وإضافة لذلك فإن استمرارها في الحكم يؤهلها لتصريف الأعمال مدركة الغايات من المشاريع التي صدقتها والقرارات التي اتخذتها.
اما حكومة التصريف الثانية الناشئة عن تشكيل حكومة جديدة لم تمثل امام مجلس النواب بعد، فسياستها مجهولة وأشخاصها لم يقل مجلس النواب كلمة في تقييمهم. فكم من نائب حجب الثقة عن حكومة لوجود وزير فيها لا يستحق التوزير؟ وكم من نائب منح الثقة لحكومة لوجود وزير او اكثر فيها يؤتمن عليهم في ادارة شؤون وزارته؟ الا يحفل السجل النيابي بمثل هذه النماذج؟.
ان هذه الأسباب وغيرها تجعل من تشكيل حكومة جديدة على مشارف استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية بعد ذلك التريث الطويل والممل والخطر لوضع فريق واسع امام خيارين احلاهما مر، افتعال فاضح. فالمنطق يقضي بأن يودع عهدٌ ولايته بما يريح البلاد والعباد لا ان يعمل، عن قصد أم عن غير قصد، لإضافة هموم جديدة اليهما. ويبقى السؤال، ما هي فلسفة تشكيل حكومة جديدة دعمت بالقول انها تستلم حالة تصريف الاعمال قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية؟ اذا كان هناك من يقول بغير الضغط على الاستحقاق بشكل من الأشكال فليعلنه للبنانيين كي لا يسيؤوا الظن بأحد، سيان أكان في الداخل أم في الخارج!.


No comments:

Post a Comment